مشعل العصباني
11-03-2007, 03:08 AM
قوله : ((وأقسام الماء ثلاثة أحدها طهور وهو الباقي على خلقته) التي خلق عليها سواء نبع من الأرض أو نزل من السماء على أي لون كان) .
وهذا التعريف غير جامع فيخرج منه بعض الأنواع التي مثلَّ بها له كالمتغير بملح مائي أو بما لا يمازجه كتغيره بالعود القماري وقطع الكافور والدهن والمتغير بطول المكث أو بالريح من نحو ميتة أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر .
وقد عرفه الماتن في غاية المنتهى (1/26) بقوله : (وهو الباقي على خلقته غالباً) ، وهذا ليس من شأن الحدود ، والأولى تعريف الحجاوي في الإقناع (1/25) حيث قال : (وهو الباقي على خلقته حقيقة أو حكما) والمقصود بقوله حقيقة : أي الذي لم يتغير شيء من أوصافه ، وحكماً : أي المتغير بما لا يسلبه الطهورية فيدخل فيه الأنواع السابقة .
قوله : (ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهو ماليس مباحا) كمغصوب ونحوه).
أ- قال المرداوي في الإنصاف (1/28-29) : (وأما الوضوء بالماء المغصوب : فالصحيح من المذهب : أن الطهارة لا تصح به . وهو من مفردات المذهب . وعنه : تصح وتكره , واختاره ابن عبدوس في تذكرته) .
قال ابن رجب في القواعد (ص/12) : (( القاعدة التاسعة ) : في العبادات الواقعة على وجه محرم , إن كان التحريم عائدا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم يصح , وإن كان عائدا إلى شرطها فإن كان على وجه يختص بها فكذلك أيضا , وإن كان لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما عدمها , وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها ففي الصحة وجهان واختار أبو بكر عدم الصحة وخالفه الأكثرون فللأول أمثلة كثيرة : ( منها ) صوم يوم العيد فلا يصح بحال على المذهب ... وللثاني أمثلة كثيرة : ( منها ) الصلاة بالنجاسة وبغير سترة وأشباه ذلك وللثالث أمثلة كثيرة : ( منها ) الوضوء بالماء المغصوب ( ومنها ) الصلاة في الثوب المغصوب والحرير وفي الصحة روايتان , وعلى رواية عدم الصحة فهل المبطل ارتكاب النهي في شرط العبادة , أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به . للأصحاب فيه مأخذان ينبني عليهما لو لم يجد إلا ثوبا مغصوبا فصلى فيه فإن عللنا بارتكاب النهي لم تصح صلاته , وإن عللنا بترك المأمور صحت لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها , وأما من لم يجد إلا ثوب حرير فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقين لإباحة لبسه في هذه الحال ...) .
ب – قوله : (ويزيل الخبث) أي مع الإثم ، ولكون الخبث حسي فيزيله هذا الماء حقيقة فكأنه لم يكن .
وفي رواية أنه لا يزيل الخبث إلا الماء المباح ، قال ابن مفلح في الفروع : (1/259) : (ولا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور ( و م ش ) وقيل مباح ( خ ))
ج- قوله : (كمغصوب ونحوه) أي كالماء المسروق أو ما أُشتري بمال مغصوب أو مسروق .
قوله : (وماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث) .
أ – قوله : (وماء) أي أن هذا الحكم مخصوص بالماء القليل دون الكثير ، وهو ما كان دون القلتين (1)، قال فيالكافي : (وإنما تؤثر خلوتها في الماء اليسير لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير) . فائدة : خلو المرأة بالتراب لا يؤثر في طهوريته(1) .
ب- قوله : (لا الرجل البالغ) أي أنه يرفع حدث الصبي ما لم بيلغ
ج- قوله : (والخنثى) رجح جانب الحظر وذلك احتياطا للعبادة لاحتمال أن يكون رجلا ، فإن قلت فهلا أثرت خلوة الخنثى به احتياطا لاحتمال أن يكون امرأة قلت لا نمنع بالاحتمال , كما لا ننجس بالشك .
د- قوله : (ما خلت) قال في المغني (1/137) : (صل : واختلف أصحابنا في تفسير الخلوة به , فقال الشريف أبو جعفر قولا يدل على أن الخلوة هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة في النكاح بحضوره , سواء كان رجلا , أو امرأة , أو صبيا عاقلا ... وقال القاضي : هي أن لا يشاهدها رجل مسلم , فإن شاهدها صبي أو امرأة أو رجل كافر , لم تخرج بحضورهم عن الخلوة . وذهب بعض الأصحاب إلى أن الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله ; لأن أحمد قال : إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل هو به . وإذا شرعا فيه جميعا فلا بأس به ; لقول عبد الله بن سرجس : اغتسلا جميعا ; هو هكذا , وأنت هكذا - قال عبد الواحد في إشارته : كان الإناء بينهما - وإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم ) .
هـ - قوله : (لطهارة كاملة عن حدث) قال في المغني (1/137) : (فصل : فإن خلت به في بعض أعضائها , أو في تجديد طهارة , أو استنجاء , أو غسل نجاسة , ففيه وجهان : أحدهما المنع ; لأنه طهارة شرعية . والثاني لا يمنع ; لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة) .
فائدة :
1) قال في المغني (1/137) : (ومنع الرجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبدي غير معقول المعنى , نص عليه أحمد ولذلك يباح لامرأة سواها التطهر به في طهارة الحدث , وغسل النجاسة , وغيرهما ; لأن النهي اختص الرجل ولم يعقل معناه , فيجب قصره على محل النهي , وهل يجوز للرجل غسل النجاسة به ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يجوز . وهو قول القاضي ; لأنه مانع لا يرفع حدثه , فلم يزل النجس , كسائر المائعات . والثاني يجوز . وهو الصحيح ; لأنه ماء يطهر المرأة من الحدث والنجاسة , ويزيلها من المحال كلها إذا فعلته , فيزيلها إذا فعله الرجل كسائر المياه ; ولأنه ماء يزيل النجاسة بمباشرة المرأة , فيزيلها إذا فعله الرجل , كسائر المياه , والحديث لا نعقل علته , فيقتصر على ما ورد به لفظه , ونحو هذا يحكى عن ابن أبي موسى والله أعلم ) .
(2) حكم مسألة الباب :
قال في المغني (1/136) : (اختلفت الرواية عن أحمد , رحمه الله , في وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت
به , والمشهور عنه : أنه لا يجوز ذلك . وهو قول عبد الله بن سرجس والحسن وغنيم بن قيس وهو قول ابن عمر في الحائض والجنب . قال أحمد : قد كرهه غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا كان جميعا فلا بأس . والثانية , يجوز الوضوء به للرجال والنساء . اختارها ابن عقيل وهو قول أكثر أهل العلم ...)
والرواية الثانية هي الراجحة ولكن الأمر لا يخلو من كراهة ، فقد جمع ابن حجر وغيره بين الأحاديث الواردة في الباب بحمل النهى على الكراهة لا التحريم .
قوله : (وماء يكره استعماله مع عدم الإحتياج إليه وهو ماء بئر بمقبرة) .
أ- قال المرداوي في الإنصاف (1/491) : (المنع من الصلاة في هذه الأمكنة – المقبرة والحمام والحش و... - : تعبد , على الصحيح من المذهب . وعليه الجمهور . قال الزركشي : تعبد عند الأكثرين . واختاره القاضي وغيره . وقدمه في الشرح , والرعاية الكبرى . قال ابن رزين في شرحه : الأظهر أنه تعبد . وقيل : معلل . وإليه ميل المصنف . فهو معلل بمظنة النجاسة) وقد اختار تقي الدين أن النهي عن الصلاة عند القبور
مشابهة أهل الشرك(1) .
واختيار ابن عقيل في إلحاق ماء بئر المقبرة بالماء الذي سمد بنجس والجلالة ، بناء على اختيارهم أن العلة في القبور مظنة النجاسة ،
قال ابن مفلح في الفروع (6/301) : (وما سقي أو سمد بنجس من زرع وثمر نجس محرم , نص عليه , وعند ابن عقيل : طاهر مباح جزم به في التبصرة , كسقيه بطاهر يستهلك عين النجاسة)
فائدة :
قال الفيومي في المصباح المنير : (البقل كل نبات اخضرت به الأرض قاله ابن فارس) .
ب – قوله : (مع عدم الاحتياج إليه) أي أن الكراهة تزول عند تعينه بالحاجة إليه ، قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات (1/16) : (فإن لم يجد غيره تعين , وكذا يقال في كل مكروه , إذ لا يترك واجب لشبهة) .
قوله : ((أو سخن بنجاسة أو بمغصوب) لأنه لا يسلم غالبا من صعود أجزاء لطيفة إليه) .
قال ابن قدامة في المغني (1/27-28) : (( 11 ) فصل : فأما الماء المسخن بالنجاسة , فهو على ثلاثة أقسام : أحدها , أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء , فينجسه إذا كان يسيرا . والثاني , أن لا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين , فالماء على أصل الطهارة , ويكره استعماله . وقال الشافعي : لا يكره ; { لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حماما بالجحفة } . ولنا , أنه ماء تردد بين الطهارة والنجاسة مع وجود سببها , فأقل أحواله الكراهة , والحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يروى عن ابن عباس , ولم يثبت أن الوقود كان نجسا , ولا أن الحائل كان غير حصين , والحديث قضية في عين لا يثبت به نفي الكراهة إلا في مثلها , ولا يثبت به نفي الكراهة على الإطلاق . القسم الثالث , إذا كان الحائل حصينا , فقال القاضي : يكره , واختار الشريف أبو جعفر , وابن عقيل , أنه لا يكره ; لأنه غير متردد في نجاسته , بخلاف التي قبلها . وذكر أبو الخطاب في كراهة المسخن بالنجاسة روايتين , على الإطلاق ).
قال المرداوي في الإنصاف (1/32) : (محل الخلاف في المسخن بالنجاسة إذا لم يحتج إليه . فإن احتيج إليه زالت الكراهة , وكذا المشمس إذا قيل بالكراهة . قاله الشيخ تقي الدين . وقال أيضا : للكراهة مأخذان . أحدهما : احتمال وصول النجاسة . والثاني : سبب الكراهة : كونه سخن بإيقاد النجاسة , واستعمال النجاسة مكروه عندهم . والحاصل بالمكروه مكروه . الثانية : ذكر القاضي : أن إيقاد النجس لا يجوز : كدهن الميتة . وهو رواية عن أحمد . ذكرها ابن تميم , والفروع , وظاهر كلام أحمد : أنه يكره كراهة تنزيه . وإليه ميل ابن عبيدان وقدمه , ابن تميم . قال في الرعاية في باب إزالة النجاسة : ويجوز في الأقيس...) .
قوله : (ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث)
قال في المغني (1/27) : (ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم ; لأنه ماء طهور , فأشبه سائر المياه . وعنه : يكره لقول العباس لا أحلها لمغتسل , لكن لمحرم حل وبل(1) ; ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة , أشبه إزالة النجاسة به . والأول أولى , وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم , ففي غيره أولى , وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله , كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفه , أو اغتسل منه )(2).
قال تقي الدين في الفتاوى الكبرى (5/74-75) : (قد كان العباس بن عبد المطلب يقول في ماء زمزم لا أحله لمغتسل ولكن لشارب حل وبل , وروي عنه أنه قال لشارب ومتوضئ . ولهذا اختلف العلماء هل يكره الغسل والوضوء من ماء زمزم , وذكروا فيه روايتين عن أحمد . والشافعي احتج بحديث العباس , والمرخص احتج بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم { توضأ من ماء زمزم } , والصحابة توضئوا من الماء الذي نبع من بين أصابعه مع بركته , لكن هذا وقت حاجة , والصحيح أن النهي من العباس إنما جاء عن الغسل فقط لا عن الوضوء . والتفريق بين الغسل والوضوء هو لهذا الوجه , فإن الغسل يشبه إزالة النجاسة , ولهذا يجب أن يغسل من الجنابة ما يجب أن يغسل من النجاسة , وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النجاسات متوجه بخلاف صونها من التراب ونحوه من الطاهرات . والله أعلم ) .
فائدة :
لاحظ أن الجمهور الذين قسموا الماء قسمة ثلاثية مثلوا للنوع الأول وهو الطهور ببعض المتغيرات وتحكموا في التفريق بين المثماثلات في التغير وهذا مما يؤكد أن الراجح ما اختاره تقي الدين من أن قسمة الماء ثنائية ، وقد سبق كلامه .
وهذا التعريف غير جامع فيخرج منه بعض الأنواع التي مثلَّ بها له كالمتغير بملح مائي أو بما لا يمازجه كتغيره بالعود القماري وقطع الكافور والدهن والمتغير بطول المكث أو بالريح من نحو ميتة أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر .
وقد عرفه الماتن في غاية المنتهى (1/26) بقوله : (وهو الباقي على خلقته غالباً) ، وهذا ليس من شأن الحدود ، والأولى تعريف الحجاوي في الإقناع (1/25) حيث قال : (وهو الباقي على خلقته حقيقة أو حكما) والمقصود بقوله حقيقة : أي الذي لم يتغير شيء من أوصافه ، وحكماً : أي المتغير بما لا يسلبه الطهورية فيدخل فيه الأنواع السابقة .
قوله : (ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهو ماليس مباحا) كمغصوب ونحوه).
أ- قال المرداوي في الإنصاف (1/28-29) : (وأما الوضوء بالماء المغصوب : فالصحيح من المذهب : أن الطهارة لا تصح به . وهو من مفردات المذهب . وعنه : تصح وتكره , واختاره ابن عبدوس في تذكرته) .
قال ابن رجب في القواعد (ص/12) : (( القاعدة التاسعة ) : في العبادات الواقعة على وجه محرم , إن كان التحريم عائدا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم يصح , وإن كان عائدا إلى شرطها فإن كان على وجه يختص بها فكذلك أيضا , وإن كان لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما عدمها , وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها ففي الصحة وجهان واختار أبو بكر عدم الصحة وخالفه الأكثرون فللأول أمثلة كثيرة : ( منها ) صوم يوم العيد فلا يصح بحال على المذهب ... وللثاني أمثلة كثيرة : ( منها ) الصلاة بالنجاسة وبغير سترة وأشباه ذلك وللثالث أمثلة كثيرة : ( منها ) الوضوء بالماء المغصوب ( ومنها ) الصلاة في الثوب المغصوب والحرير وفي الصحة روايتان , وعلى رواية عدم الصحة فهل المبطل ارتكاب النهي في شرط العبادة , أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به . للأصحاب فيه مأخذان ينبني عليهما لو لم يجد إلا ثوبا مغصوبا فصلى فيه فإن عللنا بارتكاب النهي لم تصح صلاته , وإن عللنا بترك المأمور صحت لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها , وأما من لم يجد إلا ثوب حرير فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقين لإباحة لبسه في هذه الحال ...) .
ب – قوله : (ويزيل الخبث) أي مع الإثم ، ولكون الخبث حسي فيزيله هذا الماء حقيقة فكأنه لم يكن .
وفي رواية أنه لا يزيل الخبث إلا الماء المباح ، قال ابن مفلح في الفروع : (1/259) : (ولا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور ( و م ش ) وقيل مباح ( خ ))
ج- قوله : (كمغصوب ونحوه) أي كالماء المسروق أو ما أُشتري بمال مغصوب أو مسروق .
قوله : (وماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث) .
أ – قوله : (وماء) أي أن هذا الحكم مخصوص بالماء القليل دون الكثير ، وهو ما كان دون القلتين (1)، قال فيالكافي : (وإنما تؤثر خلوتها في الماء اليسير لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير) . فائدة : خلو المرأة بالتراب لا يؤثر في طهوريته(1) .
ب- قوله : (لا الرجل البالغ) أي أنه يرفع حدث الصبي ما لم بيلغ
ج- قوله : (والخنثى) رجح جانب الحظر وذلك احتياطا للعبادة لاحتمال أن يكون رجلا ، فإن قلت فهلا أثرت خلوة الخنثى به احتياطا لاحتمال أن يكون امرأة قلت لا نمنع بالاحتمال , كما لا ننجس بالشك .
د- قوله : (ما خلت) قال في المغني (1/137) : (صل : واختلف أصحابنا في تفسير الخلوة به , فقال الشريف أبو جعفر قولا يدل على أن الخلوة هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة في النكاح بحضوره , سواء كان رجلا , أو امرأة , أو صبيا عاقلا ... وقال القاضي : هي أن لا يشاهدها رجل مسلم , فإن شاهدها صبي أو امرأة أو رجل كافر , لم تخرج بحضورهم عن الخلوة . وذهب بعض الأصحاب إلى أن الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله ; لأن أحمد قال : إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل هو به . وإذا شرعا فيه جميعا فلا بأس به ; لقول عبد الله بن سرجس : اغتسلا جميعا ; هو هكذا , وأنت هكذا - قال عبد الواحد في إشارته : كان الإناء بينهما - وإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم ) .
هـ - قوله : (لطهارة كاملة عن حدث) قال في المغني (1/137) : (فصل : فإن خلت به في بعض أعضائها , أو في تجديد طهارة , أو استنجاء , أو غسل نجاسة , ففيه وجهان : أحدهما المنع ; لأنه طهارة شرعية . والثاني لا يمنع ; لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة) .
فائدة :
1) قال في المغني (1/137) : (ومنع الرجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبدي غير معقول المعنى , نص عليه أحمد ولذلك يباح لامرأة سواها التطهر به في طهارة الحدث , وغسل النجاسة , وغيرهما ; لأن النهي اختص الرجل ولم يعقل معناه , فيجب قصره على محل النهي , وهل يجوز للرجل غسل النجاسة به ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يجوز . وهو قول القاضي ; لأنه مانع لا يرفع حدثه , فلم يزل النجس , كسائر المائعات . والثاني يجوز . وهو الصحيح ; لأنه ماء يطهر المرأة من الحدث والنجاسة , ويزيلها من المحال كلها إذا فعلته , فيزيلها إذا فعله الرجل كسائر المياه ; ولأنه ماء يزيل النجاسة بمباشرة المرأة , فيزيلها إذا فعله الرجل , كسائر المياه , والحديث لا نعقل علته , فيقتصر على ما ورد به لفظه , ونحو هذا يحكى عن ابن أبي موسى والله أعلم ) .
(2) حكم مسألة الباب :
قال في المغني (1/136) : (اختلفت الرواية عن أحمد , رحمه الله , في وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت
به , والمشهور عنه : أنه لا يجوز ذلك . وهو قول عبد الله بن سرجس والحسن وغنيم بن قيس وهو قول ابن عمر في الحائض والجنب . قال أحمد : قد كرهه غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا كان جميعا فلا بأس . والثانية , يجوز الوضوء به للرجال والنساء . اختارها ابن عقيل وهو قول أكثر أهل العلم ...)
والرواية الثانية هي الراجحة ولكن الأمر لا يخلو من كراهة ، فقد جمع ابن حجر وغيره بين الأحاديث الواردة في الباب بحمل النهى على الكراهة لا التحريم .
قوله : (وماء يكره استعماله مع عدم الإحتياج إليه وهو ماء بئر بمقبرة) .
أ- قال المرداوي في الإنصاف (1/491) : (المنع من الصلاة في هذه الأمكنة – المقبرة والحمام والحش و... - : تعبد , على الصحيح من المذهب . وعليه الجمهور . قال الزركشي : تعبد عند الأكثرين . واختاره القاضي وغيره . وقدمه في الشرح , والرعاية الكبرى . قال ابن رزين في شرحه : الأظهر أنه تعبد . وقيل : معلل . وإليه ميل المصنف . فهو معلل بمظنة النجاسة) وقد اختار تقي الدين أن النهي عن الصلاة عند القبور
مشابهة أهل الشرك(1) .
واختيار ابن عقيل في إلحاق ماء بئر المقبرة بالماء الذي سمد بنجس والجلالة ، بناء على اختيارهم أن العلة في القبور مظنة النجاسة ،
قال ابن مفلح في الفروع (6/301) : (وما سقي أو سمد بنجس من زرع وثمر نجس محرم , نص عليه , وعند ابن عقيل : طاهر مباح جزم به في التبصرة , كسقيه بطاهر يستهلك عين النجاسة)
فائدة :
قال الفيومي في المصباح المنير : (البقل كل نبات اخضرت به الأرض قاله ابن فارس) .
ب – قوله : (مع عدم الاحتياج إليه) أي أن الكراهة تزول عند تعينه بالحاجة إليه ، قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات (1/16) : (فإن لم يجد غيره تعين , وكذا يقال في كل مكروه , إذ لا يترك واجب لشبهة) .
قوله : ((أو سخن بنجاسة أو بمغصوب) لأنه لا يسلم غالبا من صعود أجزاء لطيفة إليه) .
قال ابن قدامة في المغني (1/27-28) : (( 11 ) فصل : فأما الماء المسخن بالنجاسة , فهو على ثلاثة أقسام : أحدها , أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء , فينجسه إذا كان يسيرا . والثاني , أن لا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين , فالماء على أصل الطهارة , ويكره استعماله . وقال الشافعي : لا يكره ; { لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حماما بالجحفة } . ولنا , أنه ماء تردد بين الطهارة والنجاسة مع وجود سببها , فأقل أحواله الكراهة , والحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يروى عن ابن عباس , ولم يثبت أن الوقود كان نجسا , ولا أن الحائل كان غير حصين , والحديث قضية في عين لا يثبت به نفي الكراهة إلا في مثلها , ولا يثبت به نفي الكراهة على الإطلاق . القسم الثالث , إذا كان الحائل حصينا , فقال القاضي : يكره , واختار الشريف أبو جعفر , وابن عقيل , أنه لا يكره ; لأنه غير متردد في نجاسته , بخلاف التي قبلها . وذكر أبو الخطاب في كراهة المسخن بالنجاسة روايتين , على الإطلاق ).
قال المرداوي في الإنصاف (1/32) : (محل الخلاف في المسخن بالنجاسة إذا لم يحتج إليه . فإن احتيج إليه زالت الكراهة , وكذا المشمس إذا قيل بالكراهة . قاله الشيخ تقي الدين . وقال أيضا : للكراهة مأخذان . أحدهما : احتمال وصول النجاسة . والثاني : سبب الكراهة : كونه سخن بإيقاد النجاسة , واستعمال النجاسة مكروه عندهم . والحاصل بالمكروه مكروه . الثانية : ذكر القاضي : أن إيقاد النجس لا يجوز : كدهن الميتة . وهو رواية عن أحمد . ذكرها ابن تميم , والفروع , وظاهر كلام أحمد : أنه يكره كراهة تنزيه . وإليه ميل ابن عبيدان وقدمه , ابن تميم . قال في الرعاية في باب إزالة النجاسة : ويجوز في الأقيس...) .
قوله : (ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث)
قال في المغني (1/27) : (ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم ; لأنه ماء طهور , فأشبه سائر المياه . وعنه : يكره لقول العباس لا أحلها لمغتسل , لكن لمحرم حل وبل(1) ; ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة , أشبه إزالة النجاسة به . والأول أولى , وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم , ففي غيره أولى , وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله , كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفه , أو اغتسل منه )(2).
قال تقي الدين في الفتاوى الكبرى (5/74-75) : (قد كان العباس بن عبد المطلب يقول في ماء زمزم لا أحله لمغتسل ولكن لشارب حل وبل , وروي عنه أنه قال لشارب ومتوضئ . ولهذا اختلف العلماء هل يكره الغسل والوضوء من ماء زمزم , وذكروا فيه روايتين عن أحمد . والشافعي احتج بحديث العباس , والمرخص احتج بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم { توضأ من ماء زمزم } , والصحابة توضئوا من الماء الذي نبع من بين أصابعه مع بركته , لكن هذا وقت حاجة , والصحيح أن النهي من العباس إنما جاء عن الغسل فقط لا عن الوضوء . والتفريق بين الغسل والوضوء هو لهذا الوجه , فإن الغسل يشبه إزالة النجاسة , ولهذا يجب أن يغسل من الجنابة ما يجب أن يغسل من النجاسة , وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النجاسات متوجه بخلاف صونها من التراب ونحوه من الطاهرات . والله أعلم ) .
فائدة :
لاحظ أن الجمهور الذين قسموا الماء قسمة ثلاثية مثلوا للنوع الأول وهو الطهور ببعض المتغيرات وتحكموا في التفريق بين المثماثلات في التغير وهذا مما يؤكد أن الراجح ما اختاره تقي الدين من أن قسمة الماء ثنائية ، وقد سبق كلامه .