ممدوح عبدالله البلوي
06-30-2004, 02:38 PM
الشبكة الإسلامية
فصـل الاستبصار بثلاثة أشياء
إنما تستبصر العبرة بثلاثة أشياء:
بحياة العقل.
ومعرفة الأيام.
والسلامة من الأغراض.
إنما تتميز العبرة وترى وتتحقق بحياة العقل. و العبرة هي الاعتبار. وحقيقتها: العبور من حكم الشيء إلى حكم مثله. فإذا رأى من قد أصابته محنة وبلاء لسبب ارتكبه، علم أن حكم من ارتكب ذلك السبب كحكمه.
وحياة العقل: هي صحة الإدراك. وقوة الفهم وجودته. وتحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به، وهو نور يخص الله به من يشاء من خلقه. وبحسب تفاوت الناس في قوة ذلك النور وضعفه، ووجوده وعدمه، يقع تفاوت أذهانهم وأفهامهم وإدراكاتهم. ونسبته إلى القلب كنسبة النور الباصر إلى العين.
ومن تجريبات السالكين، التي جوبوها فألقوها صحيحة: أن من أدمن يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت أورثه ذلك حياة القلب والعقل.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- شديد اللهج بها جداً. وقال لي يوماً: لهذين الاسمين -وهما الحي القيوم- تأثير عظيم في حياة القلب. وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم. وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر يا حي يا قيوم. لا إله إلا أنت. برحمتك أستغيث حصلت له حياة القلب. ولم يمت قلبه.
ومن علم عبوديات الأسماء الحسنى والدعاء بها، وسر ارتباطها بالخلق والأمر، وبمطالب العبد وحاجاته: عرف ذلك وتحققه. فإن كل مطلوب يسأل بالمناسب له. فتأمل أدعية القرآن والأحاديث النبوية تجدها كذلك.
وأما معرفة الأيام: فيحتمل أن يريد به أيامه التي تخصه، وما يلحقه فيها من الزيادة والنقصان. ويعلم قصرها، وأنها أنفاس معدودة منصرمة. كل نفس منها يقابله آلاف آلاف من السنين في دار البقاء. فليس لهذه الأيام الخالية قط نسبة إلى أيام البقاء. والعبد منساق زمنه، وفي مدة العمر إلى النعيم أو إلى الجحيم. وهي كمدة المنام لمن له عقل حي وقلب واع. فما أولاه أن لا يصرف منها نفساً إلا في أحب الأمور إلى الله. فلو صرفه فيما يحبه وترك الأحب لكان مفرطاً فكيف إذا صرفه فيما لا ينفعه؟ فكيف إذا صرفه فيما يمقته عليه ربه؟ فالله المستعان ولا قوة إلا به.
ويحتمل أن يريد بالأيام: أيام الله التي أمر رسله بتذكير أممهم بها. كما قال تعالى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله وقد فسرت أيام الله بنعمه، وفسرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي. فالأول تفسير ابن عباس و أبي بن كعب و مجاهد . والثاني: تفسير مقاتل.
والصواب: أن أيامه تعم النوعين. وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه، ونعمه التي ساقها إلى أوليائه. وسميت هذه النعم والنقم والكبار المتحدث بها أياما لأنها ظرف لها. تقول العرب: فلان عالم بأيام العرب وأيام الناس. أي بالوقائع التي كانت في تلك الأيام. فمعرفة هذه الأيام توجب للعبد استبصار العبر. وبحسب معرفته بها تكون عبرته وعظمته. قال الله تعالى لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب .
ولا يتم ذلك إلا بالسلامة من الأغراض. وهي متابعة الهوى والانقياد لداعي النفس الأمارة بالسوء. فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل. ويعمي بصيرة القلب. ويصد عن اتباع الحق. ويضل عن الطريق المستقيم. فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبتة. والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره. فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة المحسن. فالتبس عليه الحق بالباطل. فأنى له الانتفاع بالتذكر، أو بالتفكر، أو بالعظة؟.
فصـل الاستبصار بثلاثة أشياء
إنما تستبصر العبرة بثلاثة أشياء:
بحياة العقل.
ومعرفة الأيام.
والسلامة من الأغراض.
إنما تتميز العبرة وترى وتتحقق بحياة العقل. و العبرة هي الاعتبار. وحقيقتها: العبور من حكم الشيء إلى حكم مثله. فإذا رأى من قد أصابته محنة وبلاء لسبب ارتكبه، علم أن حكم من ارتكب ذلك السبب كحكمه.
وحياة العقل: هي صحة الإدراك. وقوة الفهم وجودته. وتحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به، وهو نور يخص الله به من يشاء من خلقه. وبحسب تفاوت الناس في قوة ذلك النور وضعفه، ووجوده وعدمه، يقع تفاوت أذهانهم وأفهامهم وإدراكاتهم. ونسبته إلى القلب كنسبة النور الباصر إلى العين.
ومن تجريبات السالكين، التي جوبوها فألقوها صحيحة: أن من أدمن يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت أورثه ذلك حياة القلب والعقل.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- شديد اللهج بها جداً. وقال لي يوماً: لهذين الاسمين -وهما الحي القيوم- تأثير عظيم في حياة القلب. وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم. وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر يا حي يا قيوم. لا إله إلا أنت. برحمتك أستغيث حصلت له حياة القلب. ولم يمت قلبه.
ومن علم عبوديات الأسماء الحسنى والدعاء بها، وسر ارتباطها بالخلق والأمر، وبمطالب العبد وحاجاته: عرف ذلك وتحققه. فإن كل مطلوب يسأل بالمناسب له. فتأمل أدعية القرآن والأحاديث النبوية تجدها كذلك.
وأما معرفة الأيام: فيحتمل أن يريد به أيامه التي تخصه، وما يلحقه فيها من الزيادة والنقصان. ويعلم قصرها، وأنها أنفاس معدودة منصرمة. كل نفس منها يقابله آلاف آلاف من السنين في دار البقاء. فليس لهذه الأيام الخالية قط نسبة إلى أيام البقاء. والعبد منساق زمنه، وفي مدة العمر إلى النعيم أو إلى الجحيم. وهي كمدة المنام لمن له عقل حي وقلب واع. فما أولاه أن لا يصرف منها نفساً إلا في أحب الأمور إلى الله. فلو صرفه فيما يحبه وترك الأحب لكان مفرطاً فكيف إذا صرفه فيما لا ينفعه؟ فكيف إذا صرفه فيما يمقته عليه ربه؟ فالله المستعان ولا قوة إلا به.
ويحتمل أن يريد بالأيام: أيام الله التي أمر رسله بتذكير أممهم بها. كما قال تعالى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله وقد فسرت أيام الله بنعمه، وفسرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي. فالأول تفسير ابن عباس و أبي بن كعب و مجاهد . والثاني: تفسير مقاتل.
والصواب: أن أيامه تعم النوعين. وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه، ونعمه التي ساقها إلى أوليائه. وسميت هذه النعم والنقم والكبار المتحدث بها أياما لأنها ظرف لها. تقول العرب: فلان عالم بأيام العرب وأيام الناس. أي بالوقائع التي كانت في تلك الأيام. فمعرفة هذه الأيام توجب للعبد استبصار العبر. وبحسب معرفته بها تكون عبرته وعظمته. قال الله تعالى لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب .
ولا يتم ذلك إلا بالسلامة من الأغراض. وهي متابعة الهوى والانقياد لداعي النفس الأمارة بالسوء. فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل. ويعمي بصيرة القلب. ويصد عن اتباع الحق. ويضل عن الطريق المستقيم. فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبتة. والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره. فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة المحسن. فالتبس عليه الحق بالباطل. فأنى له الانتفاع بالتذكر، أو بالتفكر، أو بالعظة؟.