أحمد علي
03-18-2008, 07:49 PM
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى وأتم به النعمة فصلوات ربي وسلامه عليه ، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ناصروه في حياته وساروا على دربه بعد وفاته رضوان الله عليهم أجمعين ورضي الله عن التابعين وتابع التابعين ومن سار على الصراط المستقيم إلى يوم الدين أما بعد :
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " .
في هذا الحديث العظيم يبين لنا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه أن محبته صلى الله عليه وسلم من علامات الإيمان بل كلما ازداد العبد حباً له صلى الله عليه وسلم بعد محبة الله تعالى كلما ازداد إيمانه بل يتذوق حلاوة هذا الإيمان ولكن ما هي المحبة التي توصلنا إلى هذه المنزلة العظيمة؟
إنها المحبة الصادقة التي تعلو على محبة المال والأهل والولد والتجارة وغيرها من ملذات الحياة ، يقول الله تعالى ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين(.
يقول القاضي عياض رحمه الله عن هذه الآية : فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم إذ قرع سبحانه على من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله ) فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ( ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم من ضل ولم يهده الله .إن من لوازم تحصيل الإيمان الصادق أن تحقق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقاداً وقولاً وعملاً وتقدمها على محبة النفس والمال والولد والناس أجمعين .
فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ,رواه مسلم والنسائي وابن ماجه وغيره ولقد ضرب الصحابة رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في صدق محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يفدونه بكل ما يملكون, بالنفس والمال والأهل .
سَئل عليََّ رضي الله عنه كيف كان حبّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ .
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول : ما كان أحدٌٌٌٌ أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلّ في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه, إجلالاَ له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه . ويكفينا دليلاً على شدة محبتهم له صلى الله عليه وسلم ما حصل لهم عند وفاته صلى الله عليه وسلم حتى وكأن القيامة قامت من شدَّة الصِّدمة عليهم رضوان الله تعالى عليهم . وما ذاك إلا لأنه صلوات الله وسلامه عليه ملك قلوبهم وأفئدتهم, كيف لا وهو الذي عرَّفهم بالله وهداهم إلى صراطه المستقيم وأنجاهم الله على يديه من طريق الغواية والضلال إلى طريق الحق والرشاد .
وإن كانت محبته صلى الله عليه وسلم ملازمة لمحبة الله تعالى وملازمة لصدق الإيمان فإن هذه المحبة لا يكفي فيها الإدعاء والانتماء بل لابد من تحقيق أمورٍ تدل عليها ومنها:
طاعته صلى الله عليه وسلم والاقتداء به حيث أن الله تعالى أمرنا بذلك حيث يقول تعالى :) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( .آل عمران: آية 31
ويقول تعالى :) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( النساء: آية 80 ومن زعم أنه يحب الله ورسوله ولكن لا يطيع الله تعالى ولا يطيع رسوله فإن هذا زعم كاذب .
يقول القاضي عياض في كتابه الشفا : اعلم أنََّ من أحبَّ شيئاً آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه وكان مدعياً فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه وأولها الاقتداء به واستعمال سنته وإتباع أقواله وأفعاله والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وشاهد هذا قوله تعالى :)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( .إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم مقرونة بطاعته, وطاعته من طاعة الله تعالى وعلى المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في هواه فيجعل هواه تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ")1( وإن إنساناً يزعم أنه محب للرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه عندما تبلغه سنته لا يأخذ منها إلا ما وافق هواه فإنه كاذب في زعمه وهو مقدم هواه على محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :) فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( .القصص: آية 50 وقد نفى الله الإيمان عن من لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما تنازع فيه هو وغيره ولم يرض ولم يسلم بحكمه قال تعالى :) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً( النساء : آية 65 ويقول سبحانه : ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( الأحزاب: آية 36
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1( أخرجه الخطيب البغدادي في التاريخ والبغوي في شرح السنة وابن أبي عاصم في
السنة وحسنه النووي وابن حجر العسقلاني وضعفه الألباني .
فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم , وإنّ من خالف أمره صلى الله عليه وسلم فبشره بالذلّةِ والهوان والخوف والضلال والشقاء في الدنيا والآخرة ،روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصَغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم "أخرجه الإمام أحمد في المسند وقال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح وصححه كذلك الألباني .
إن من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم يُخْشى عليه من العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ولقد خالف رجلُُ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أمره فحلت عليه العقوبة بالحال . فلقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يأكل بشماله فقال صلى الله عليه وسلم :"كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال : فما رفعها إلى فيه " رواه مسلم 0 فهذا رجل أبى أن يتمثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم تكبراً عنه فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم0 فتعطلت يده ويبست ولم ينتفع بها . وما أكثر ما يبلغنا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ونواهيه فنترك بعضها تهاوناً بها وتساهلاً فيها ومتابعةً لأهوائنا أو مجاراة للناس أو حياءً منهم فنقدم أهواءنا على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
إما في المظاهر أو السلوك تحت ضغط العادات والتقاليد وما يمليه المجتمع ونظر الآخرين فصارت مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور أهون من مخالفة الآخرين في المظاهر والسلوك وهذا يدل على ضعف في الإيمان بقدر ما يحصل من مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم إنّ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعه ولو خالفك الناس وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله ومعلوم أن معناها طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع فمن أخل بهذه الأمور أو بشيء منها فإنه قد أخل بهذه الشهادة بمقدار ما أخل بهذه الأمور وأخل في المحبة التي يزعم أنه يحبه .
لو كان حبك صادقاٌ لأطعته إنَّ المحبِّ لمن يحب مطيع
علينا أن نحاسب أنفسنا ونجعل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا في كل شيء ونحكم سنته في حياتنا كلها لنعيش سعداء ونموت سعداء ونبعث سعداء . قال تعالى:
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً الأحزاب:آية 21 وقال الله تبارك وتعالى : ) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ..( الأنفال: آية 24 يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تضمنت هذه الآية أموراً منها :
أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ولرسوله فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات فالحياة الحقيقيةالطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله ظاهراً وباطناً فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدانِ ولهذا كان أكمل الناس حياةً
أكملهم استجابةً لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كلَّ ما دعا إليه ففيه الحياة ، فمن فاته جزء منه فإنه جزء من الحياة وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول . وأخبر رحمه الله أن الإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة حياة بدنه التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره , وحياة قلبه وروحه التي بها يميز بين الحق والباطل والرشاد والهوى والضلال فيختار الحق على ضده .انتهى كلامه رحمه الله0 فكن أخي الكريم من أحياء القلوب كما أنك من أحياء الأبدان ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بكل معانيها ومستلزماتها وسترى أثر ذلك في حياتك وتكون ممن نصر الرسول بصدق وحقيقة0 أسأل الله تعالى أن يرزقنا محبته على الوجه الذي يرضيه عنِّا ويجعلنا ممن يحقق نصرة النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا واعتقاداً إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم 0
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ عبد الله بن عبد العزيز المبارك
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " .
في هذا الحديث العظيم يبين لنا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه أن محبته صلى الله عليه وسلم من علامات الإيمان بل كلما ازداد العبد حباً له صلى الله عليه وسلم بعد محبة الله تعالى كلما ازداد إيمانه بل يتذوق حلاوة هذا الإيمان ولكن ما هي المحبة التي توصلنا إلى هذه المنزلة العظيمة؟
إنها المحبة الصادقة التي تعلو على محبة المال والأهل والولد والتجارة وغيرها من ملذات الحياة ، يقول الله تعالى ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين(.
يقول القاضي عياض رحمه الله عن هذه الآية : فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم إذ قرع سبحانه على من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله ) فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ( ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم من ضل ولم يهده الله .إن من لوازم تحصيل الإيمان الصادق أن تحقق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقاداً وقولاً وعملاً وتقدمها على محبة النفس والمال والولد والناس أجمعين .
فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ,رواه مسلم والنسائي وابن ماجه وغيره ولقد ضرب الصحابة رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في صدق محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يفدونه بكل ما يملكون, بالنفس والمال والأهل .
سَئل عليََّ رضي الله عنه كيف كان حبّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ .
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول : ما كان أحدٌٌٌٌ أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلّ في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه, إجلالاَ له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه . ويكفينا دليلاً على شدة محبتهم له صلى الله عليه وسلم ما حصل لهم عند وفاته صلى الله عليه وسلم حتى وكأن القيامة قامت من شدَّة الصِّدمة عليهم رضوان الله تعالى عليهم . وما ذاك إلا لأنه صلوات الله وسلامه عليه ملك قلوبهم وأفئدتهم, كيف لا وهو الذي عرَّفهم بالله وهداهم إلى صراطه المستقيم وأنجاهم الله على يديه من طريق الغواية والضلال إلى طريق الحق والرشاد .
وإن كانت محبته صلى الله عليه وسلم ملازمة لمحبة الله تعالى وملازمة لصدق الإيمان فإن هذه المحبة لا يكفي فيها الإدعاء والانتماء بل لابد من تحقيق أمورٍ تدل عليها ومنها:
طاعته صلى الله عليه وسلم والاقتداء به حيث أن الله تعالى أمرنا بذلك حيث يقول تعالى :) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( .آل عمران: آية 31
ويقول تعالى :) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( النساء: آية 80 ومن زعم أنه يحب الله ورسوله ولكن لا يطيع الله تعالى ولا يطيع رسوله فإن هذا زعم كاذب .
يقول القاضي عياض في كتابه الشفا : اعلم أنََّ من أحبَّ شيئاً آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه وكان مدعياً فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه وأولها الاقتداء به واستعمال سنته وإتباع أقواله وأفعاله والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وشاهد هذا قوله تعالى :)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( .إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم مقرونة بطاعته, وطاعته من طاعة الله تعالى وعلى المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في هواه فيجعل هواه تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ")1( وإن إنساناً يزعم أنه محب للرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه عندما تبلغه سنته لا يأخذ منها إلا ما وافق هواه فإنه كاذب في زعمه وهو مقدم هواه على محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :) فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( .القصص: آية 50 وقد نفى الله الإيمان عن من لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما تنازع فيه هو وغيره ولم يرض ولم يسلم بحكمه قال تعالى :) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً( النساء : آية 65 ويقول سبحانه : ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( الأحزاب: آية 36
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1( أخرجه الخطيب البغدادي في التاريخ والبغوي في شرح السنة وابن أبي عاصم في
السنة وحسنه النووي وابن حجر العسقلاني وضعفه الألباني .
فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم , وإنّ من خالف أمره صلى الله عليه وسلم فبشره بالذلّةِ والهوان والخوف والضلال والشقاء في الدنيا والآخرة ،روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصَغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم "أخرجه الإمام أحمد في المسند وقال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح وصححه كذلك الألباني .
إن من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم يُخْشى عليه من العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ولقد خالف رجلُُ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أمره فحلت عليه العقوبة بالحال . فلقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يأكل بشماله فقال صلى الله عليه وسلم :"كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال : فما رفعها إلى فيه " رواه مسلم 0 فهذا رجل أبى أن يتمثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم تكبراً عنه فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم0 فتعطلت يده ويبست ولم ينتفع بها . وما أكثر ما يبلغنا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ونواهيه فنترك بعضها تهاوناً بها وتساهلاً فيها ومتابعةً لأهوائنا أو مجاراة للناس أو حياءً منهم فنقدم أهواءنا على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
إما في المظاهر أو السلوك تحت ضغط العادات والتقاليد وما يمليه المجتمع ونظر الآخرين فصارت مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور أهون من مخالفة الآخرين في المظاهر والسلوك وهذا يدل على ضعف في الإيمان بقدر ما يحصل من مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم إنّ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعه ولو خالفك الناس وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله ومعلوم أن معناها طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع فمن أخل بهذه الأمور أو بشيء منها فإنه قد أخل بهذه الشهادة بمقدار ما أخل بهذه الأمور وأخل في المحبة التي يزعم أنه يحبه .
لو كان حبك صادقاٌ لأطعته إنَّ المحبِّ لمن يحب مطيع
علينا أن نحاسب أنفسنا ونجعل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا في كل شيء ونحكم سنته في حياتنا كلها لنعيش سعداء ونموت سعداء ونبعث سعداء . قال تعالى:
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً الأحزاب:آية 21 وقال الله تبارك وتعالى : ) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ..( الأنفال: آية 24 يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تضمنت هذه الآية أموراً منها :
أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ولرسوله فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات فالحياة الحقيقيةالطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله ظاهراً وباطناً فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدانِ ولهذا كان أكمل الناس حياةً
أكملهم استجابةً لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كلَّ ما دعا إليه ففيه الحياة ، فمن فاته جزء منه فإنه جزء من الحياة وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول . وأخبر رحمه الله أن الإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة حياة بدنه التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره , وحياة قلبه وروحه التي بها يميز بين الحق والباطل والرشاد والهوى والضلال فيختار الحق على ضده .انتهى كلامه رحمه الله0 فكن أخي الكريم من أحياء القلوب كما أنك من أحياء الأبدان ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بكل معانيها ومستلزماتها وسترى أثر ذلك في حياتك وتكون ممن نصر الرسول بصدق وحقيقة0 أسأل الله تعالى أن يرزقنا محبته على الوجه الذي يرضيه عنِّا ويجعلنا ممن يحقق نصرة النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا واعتقاداً إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم 0
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ عبد الله بن عبد العزيز المبارك