سلطان عوض الخولي
04-01-2008, 11:51 PM
مدمن في حاوية القمامة
صاحب البحث: النقيب سامي بن خالد الحمود
عضو إدارة الشؤن الدينية في الأمن العام
ومكافحة المخدرات سابقاً
أحد الناجين من جحيم الإدمان .. له قصة عمر طويلة .. مليئة بالمآسي والعبر .
يحدثنا عن نفسه فيقول :
قبل عشرين عاماً بدأت معاناتي على مقاعد الدراسة .
والدي رجل صارم جداً .. ولأنه يشعر بتدني مستواي الدراسي فقد كان يهددني بالعقوبة الشديدة في حال فشلي في الدراسة .
وهل لكم أن تتصوروا هذه العقوبة ؟
إنها بكل بساطة .. التعليق في السقف !!! .
مضت الأيام .. وحدث ما كنت أخشاه ، إذ أخفقت في بعض المواد الدراسية .
لم أكن أحمل هم الإخفاق ، بقدر ما كنت أحمل هم العقوبة التي تنتظرني في البيت .
خرجت من المدرسة .. وقد أظلمت الدنيا في عيني .. وضاقت الحياة أمام وجهي .. ركبت مع أحد زملائي على سيارته .. سألني :
- ما الذي يحزنك ؟
- لقد أخفقت في الدراسة .
- وماذا في ذلك .. هل انقلبت الدنيا على رأسها ؟
- لا .. لكنك لا تدري ما الذي ينتظرني في البيت .. لقد هددني أبي بأن يعلقني في السقف إن أخفقت .
- لا تهتم ( وهو يخرج من جيبه شيئاً ) .. خـــــذ .
- ما هذا ؟
- لاتخف .. هذه الحبة ستنسيك همومك .
تناولت الحبة .. والتهمتها في الحال .. فانقلب رأسي على عقــبي .. شعرت بأني أدور في دوامة غريبة .
قلت - وأنا في حيرة من أمري - : ( أيش السالفة ؟) .
قال – وهو يضحك - : هذا شيء طبيعي لأنها أول مرة .. لكن مع التعود ستشعر بالراحة والسعادة .
عدت إلى البيت .. وكان الموعد مع التعليق الساخن .
مضت الأيام .. وحرارة التعليق تخبو شيئاً فشيئاً حتى نسيته تماماً.
لكن تعليقاً آخر بدأ يتغلغل في قلبي ، حتى اشتعلت ناره .. واستعر أواره .
مع كل أسف .. تعلقت حبة قلبي بالحبة المخدرة .
وما هي إلا أيام معدودة ، وانقطعت آمالي .. واضمحلت أحلامي .. وخسرت نفسي .. ونسيت أهلي .
خرجت من المدرسة إلى ظلمات التيه أبحث عن السعادة الموهومة .
هاأنذا - في مشهد من مشاهد الانتحار - أحتسي السم الأبيض ( الهيروين ) وكأنه سلاح أبيض ، أطعن به قلبي الأسود .. ولكن ما لجرح بميت إيلام .
أظلمت وجوه الناس في عيني .. وكشرت الدنيا عن أنيابها في وجهي .. فلم أجد سبيلاً إلا الهروب من نفسي التي تطاردني .
وسافرت إلى الهند .. وإذا بدنياي البائسة - هي هي - تماماً كما لو أني لم أسافر .
وفي أحد شوارع الهند كنت أجلس مع ثلة من المدمنين .. وقد استنفد الهيروين كل ما أملك من النقود .
أتضور جوعاً .. أطلب شيئاً أسد به رمقي .. إذ أقبل أحد الهنود من رأس الشارع ، وبيده قطعة من الخبز .. وما إن دنا مني حتى ألقى ما تبقى من الخبزة على الرصيف .
قلت في نفسي : الحمد لله جاء الفرج .. لكني ترددت .. أأمد يدي ؟
أقلب طرفي .. وإذا أنا محاصر بنظرات الناس من حولي .. ولكن ماذا أفعل ولهيب الجوع يضطرم في أحشائي ؟!! .
انتظرت هنيهة ، وأنا أرمق الخبزة عن كثب .. أكاد ألتهمها بعيني الجاحظتين .. حتى حانت لحظة غفلة من الناس ، فانسللت إليها منتهزاً الفرصة .
وفي هذه اللحظة كان جائع آخر قد بلغ منه الجوع ما بلغ مني .. فما إن رأى الوجبة حتى أسرع إليها ، وخطفها ، ثم انطلق بها عدواً بين المارة .
لم أتمالك نفسي فأطلقت ساقَيّ وراءه .. فما هو إلا أن رآني حتى زاد في سرعته .. وذيله القصير يضطرب وراءه .
انتبه الناس للمشهد الغريب .. كلب صغير يعدو .. ورجل مسعور يعدو خلفه .
لم أستطع مواصلة السباق .. فأهل المخدرات كما تعرفون من أفشل الرياضيين مهما عظمت أجسادهم .. فعدت أدراجي ، أجر أذيال الهزيمة .
إنني الآن .. كلما أتذكر ذلك الموقف أشعر بالأسى والحزن .. كيف يرضى العاقل لنفسه هذه المنزلة من الذل والمهانة .. لكن عين الهوى عمياء .
وبعد أيام مريرة .. استطعت بشق الأنفس أن أعود إلى البلاد .
وبعد عودتي .. كنت اجتمع بزمرة من المدمنين في إحدى الشقق المشبوهة .
إبر الهيروين السامة بين أيدينا .. نطعن بها كل معنى جميل في ذواتنا .. وما هي إلا لحظات حتى نكون في عداد الموتى .. خشب مسندة .. حيوانات في صور بشر .
وفي رمضان الكريم !! كانت إحدى الجلسات الخبيثة .. تناولت إبرة الهروين ، وطعنت بها جسدي .. فخررت مغشياً علي .. أسبح في عالم آخر .
نظر رفاقي إلي ، فأسقط في أيديهم .. حركوا أعضائي المتشنجة فلم يجدوا حراكاً .. علموا أنه الموت لا محالة .
وتنازعوا أمرهم بينهم .. وأسروا النجوى : يالها من ورطة !! ماذا نفعل ؟
فكّروا بغير عقولهم .. وبعد عدة مداولات أجمعت هيئة العقول المدمنة على التخلص منى بطريقة دبلوماسية .
وبدأت الإجراءات بتفتيش الجثة .. فانتزعوا من جيبي ما بقي من الهيروين ، وصادروه لصالح الشقة - ويالها من غنيمة باردة - .. ثم حملوا الفارس على أعناقهم إلى أرض الله الواسعة .
وفي الشارع .. نظروا ذات اليمين وذات الشمال .. بحثوا عن مكان يليق بشخصي الكريم .. وإذا بحاوية كبيرة للنفايات على جانب الطريق .
أنزلوني فيها بكل رقة وحنان.. ودفنوني بلا غسل ولا أكفان .. ثم ودعوني ، وعادوا إلى ما كانوا عليه ، وكأن شيئاً لم يحدث .
مكثت في قبري ما شاء الله أن أمكث ، ثم أفقت .. فتحت عيني وإذا أنا مسجّى في هذا المكان الغريب .. سألت نفسي : أين أنا ؟ ما الذي حدث ؟
وسرعان ما أتتني الإجابة في بقايا الأطباق الرمضانية التي تنهال على رأسي مع كومة النفايات .. بين الشوربة .. والمقليات .. والعصائر .. والحلويات .
حاولت أن أنوء بحملي الثقيل ، وأخرج من هذا الركام .. ولكن دون جدوى .. فقد هدّ الهيروين قوتي ، وشلّ أركاني ، فلم يبق لي إلا التفاتة ، أقي بها وجهي شظايا الركام الذي ينهال على رأسي بين الفينة والأخرى .
وبعد جولات من المصارعة المريرة دامت قرابة العشر ساعات .. استطعت التغلب على نفسي .. وخرجت من عنق الزجاجة .
لقد خرجت إلى الحياة من جديد .. ومع هذا فقد كان همي الأكبر في أمر هو أعظم عندي من الحياة .. أضع يدي بسرعة على جيبي .. أين الهيروين ؟
أهرول مسرعاً إلى رفاقي .. أطرق الباب .. فما هو إلا أن فتحوا الباب ونظروا إلي حتى انتقعت وجوههم .. وارتعدت فرائصهم .. من هول المطلع .
- سلامات .. سلامات .. كنا نظن أنك ميت !!!
لم أرد عليهم .. بل بادرتهم بالسؤال :
- من الذي أخذ الهيروين الذي كان في جيبي ؟
- موجود معنا .
- لماذا أخذتموه من جيبي ؟
- كنا نظن أنك ميت فأخذنا .
- أعيدوه لي فوراً ؟
- ها هو .. خذ .
إنها صفحات سوداء من سجل حياتي ..سوّد أوراقها إخوة الهيروين الذين سرعان ما تنقلب صداقتهم إلى عداوة ..ومودتهم إلى بغض وكراهية .. وما أكثر المغرورين .
ومع الهيروين .. غاب عن حياتي كل معنى جميل .. واضمحل في نفسي كل خلق نبيل .
ألهث يوماً وراء المال .. أفتش في جيبي فلا أجد سوى نفسي الحقيرة التي لم تعد تساوي شيئاً .
ولما أعيتني الحيلة .. خرجت إلى الشارع .. إلى أين ؟
إلى منزل جارنا .. أطرق الباب .. فيخرج من منزله .
- السلام عليكم يا أبا فلان .
- وعليكم السلام .
- إذا سمحت .. عندي بعض زملائي في المجلس ، ونريد أن نشاهد المباراة .. لكن المشكلة أن أهلي يتابعون المسلسل على القناة الأخرى .. فهل يمكن أن تعيرني جهاز التلفاز إلى أن تنتهي المباراة ؟ .
امتعظ قليلاً ، لكنه لم يجد مفراً من أن يلبي طلبي ، ولو على سبيل المجاملة .. دخل المنزل .. ثم خرج بعد برهة وهو يحمل بين يديه التلفاز .. أخذته منه ووضعته في مؤخرة السيارة ( الونيت ) .. وعلى الهواء مباشرة انطلقت به إلى سوق ( الحراج ) لأبيعه بثمن بـخْس .. لمخدرٍ نـجِس .. في يومٍ نـحِس .
افتضح أمري .. فاستوحش الناس من جانبي .. وانفضوا من حولي .
لم يبق في حياتي أي معنى للحياة .
أسير وأسير ، لكنني أسير .. أرى من حولي أشباحاً ، لكنني ضرير .
لم أعد أرى بعيني إلا الظلام .. ولم يبق في قلبي سوى الأوهام .
ومع ظلمة الليل الغاسق .. لاحت بوارق الفجر الصادق .. فكان من لطف ربي أن فتح لي باب العلاج بعد أن بلغ بي الإدمان منتهاه .. انبعثت في قلبي الضعيف قوة عظيمة .. تدفعني إلى مواصلة العلاج بإصرار وعزيمة .
وكان مما يحضني على الاستمرار ، ما تشهده حالتي النفسية من استقرار .
وبدأت أبصر من جديد ، شيئاً فشيئاً .. لقد وجدت نفسي .. وأنبت إلى ربي .
أعود إلى الحارة وإذا بصوت الحق ينادي : حي على الصلاة .
فأقول : لبيك وسعديك .. عبدك المذنب عائد إليك .. منكسر بين يديك .. لا ملجأ من جحيم الإدمان إلا إليك .
أدخل المسجد .. أرفع يدي لله ، مستقبلاً حياة الإيمان .. مستدبراً شقاء الإدمان .
وفي هذه الأثناء .. يبصرني أحد الجيران ممن سبرني وخبرني فيما مضى من أيامي .. فينطلق إلى الجيران ويقول : احذروا !! لقد دخل المدمن المسجد .. وما أظن إلا أنه سيسرق من المسجد شيئاً .. إما سجاداً ، وإما مكيفات !!!
لا أدري .. أأضحك أم أبكي ؟ فسبحان من أضحك وأبكى .
في الحقيقة .. لم أكن لأحفل بما يقول لثقتي بنفسي .. ولا ألومه .. فكم تجرع الجيران غصصاً بسبب إدماني على المخدرات.
مضت الأيام .. وعلم الناس صدق إنابتي وصحة توبتي ثم التحقت بدورة علمية متخصصة في أمريكا .
بقي أن تعرفوا ما هي هذه الدورة .
إنها بكل فخر واعتزاز : ( دبلوم عالي في مكافحة الإدمان وإرشاد المدمنين ) .
نعم لقد انعكست الآية .. وانحرفت زاوية الأحداث مائة وثمانين درجة كما يقال : فبالأمس كنت أسيراً للإدمان .. وأنا اليوم مجاهد في وجه الإدمان .. آخذ بأيدي المدمنين إلى بر الأمان .. لعلي أكفر ما سلف من العصيان .
أصرخ في آذانهم : أي إخواني .. ارجعوا وراءكم واسلكوا طريقاً آخر .
أي إخواني .. لقد سرت في هذا الطريق وتجرعت غصصه وآلامه ، حتى وقفت في نهايته على شفير هاوية سحيقة ، كادت رجلاي أن تزل فيها .
ولولا لطف الله ورحمته لهلكت غير مأسوف عليّ .
أي إخواني .. ها أنذا أعود إليكم .. لأخبركم بما أمامكم .
فلا تهلكوا أنفسكم بأنفسكم .. ولا تدمروا بيوتكم بأيديكم .. ولا تحطموا مستقبلكم بحاضركم .. فإني والله لكم من الناصحين .
منقول (لاتحرموني من الردود)*الــصــقــر:cool: الأسم:سلطان بن عوض بن علي الخولي البلوي العمر:15
صاحب البحث: النقيب سامي بن خالد الحمود
عضو إدارة الشؤن الدينية في الأمن العام
ومكافحة المخدرات سابقاً
أحد الناجين من جحيم الإدمان .. له قصة عمر طويلة .. مليئة بالمآسي والعبر .
يحدثنا عن نفسه فيقول :
قبل عشرين عاماً بدأت معاناتي على مقاعد الدراسة .
والدي رجل صارم جداً .. ولأنه يشعر بتدني مستواي الدراسي فقد كان يهددني بالعقوبة الشديدة في حال فشلي في الدراسة .
وهل لكم أن تتصوروا هذه العقوبة ؟
إنها بكل بساطة .. التعليق في السقف !!! .
مضت الأيام .. وحدث ما كنت أخشاه ، إذ أخفقت في بعض المواد الدراسية .
لم أكن أحمل هم الإخفاق ، بقدر ما كنت أحمل هم العقوبة التي تنتظرني في البيت .
خرجت من المدرسة .. وقد أظلمت الدنيا في عيني .. وضاقت الحياة أمام وجهي .. ركبت مع أحد زملائي على سيارته .. سألني :
- ما الذي يحزنك ؟
- لقد أخفقت في الدراسة .
- وماذا في ذلك .. هل انقلبت الدنيا على رأسها ؟
- لا .. لكنك لا تدري ما الذي ينتظرني في البيت .. لقد هددني أبي بأن يعلقني في السقف إن أخفقت .
- لا تهتم ( وهو يخرج من جيبه شيئاً ) .. خـــــذ .
- ما هذا ؟
- لاتخف .. هذه الحبة ستنسيك همومك .
تناولت الحبة .. والتهمتها في الحال .. فانقلب رأسي على عقــبي .. شعرت بأني أدور في دوامة غريبة .
قلت - وأنا في حيرة من أمري - : ( أيش السالفة ؟) .
قال – وهو يضحك - : هذا شيء طبيعي لأنها أول مرة .. لكن مع التعود ستشعر بالراحة والسعادة .
عدت إلى البيت .. وكان الموعد مع التعليق الساخن .
مضت الأيام .. وحرارة التعليق تخبو شيئاً فشيئاً حتى نسيته تماماً.
لكن تعليقاً آخر بدأ يتغلغل في قلبي ، حتى اشتعلت ناره .. واستعر أواره .
مع كل أسف .. تعلقت حبة قلبي بالحبة المخدرة .
وما هي إلا أيام معدودة ، وانقطعت آمالي .. واضمحلت أحلامي .. وخسرت نفسي .. ونسيت أهلي .
خرجت من المدرسة إلى ظلمات التيه أبحث عن السعادة الموهومة .
هاأنذا - في مشهد من مشاهد الانتحار - أحتسي السم الأبيض ( الهيروين ) وكأنه سلاح أبيض ، أطعن به قلبي الأسود .. ولكن ما لجرح بميت إيلام .
أظلمت وجوه الناس في عيني .. وكشرت الدنيا عن أنيابها في وجهي .. فلم أجد سبيلاً إلا الهروب من نفسي التي تطاردني .
وسافرت إلى الهند .. وإذا بدنياي البائسة - هي هي - تماماً كما لو أني لم أسافر .
وفي أحد شوارع الهند كنت أجلس مع ثلة من المدمنين .. وقد استنفد الهيروين كل ما أملك من النقود .
أتضور جوعاً .. أطلب شيئاً أسد به رمقي .. إذ أقبل أحد الهنود من رأس الشارع ، وبيده قطعة من الخبز .. وما إن دنا مني حتى ألقى ما تبقى من الخبزة على الرصيف .
قلت في نفسي : الحمد لله جاء الفرج .. لكني ترددت .. أأمد يدي ؟
أقلب طرفي .. وإذا أنا محاصر بنظرات الناس من حولي .. ولكن ماذا أفعل ولهيب الجوع يضطرم في أحشائي ؟!! .
انتظرت هنيهة ، وأنا أرمق الخبزة عن كثب .. أكاد ألتهمها بعيني الجاحظتين .. حتى حانت لحظة غفلة من الناس ، فانسللت إليها منتهزاً الفرصة .
وفي هذه اللحظة كان جائع آخر قد بلغ منه الجوع ما بلغ مني .. فما إن رأى الوجبة حتى أسرع إليها ، وخطفها ، ثم انطلق بها عدواً بين المارة .
لم أتمالك نفسي فأطلقت ساقَيّ وراءه .. فما هو إلا أن رآني حتى زاد في سرعته .. وذيله القصير يضطرب وراءه .
انتبه الناس للمشهد الغريب .. كلب صغير يعدو .. ورجل مسعور يعدو خلفه .
لم أستطع مواصلة السباق .. فأهل المخدرات كما تعرفون من أفشل الرياضيين مهما عظمت أجسادهم .. فعدت أدراجي ، أجر أذيال الهزيمة .
إنني الآن .. كلما أتذكر ذلك الموقف أشعر بالأسى والحزن .. كيف يرضى العاقل لنفسه هذه المنزلة من الذل والمهانة .. لكن عين الهوى عمياء .
وبعد أيام مريرة .. استطعت بشق الأنفس أن أعود إلى البلاد .
وبعد عودتي .. كنت اجتمع بزمرة من المدمنين في إحدى الشقق المشبوهة .
إبر الهيروين السامة بين أيدينا .. نطعن بها كل معنى جميل في ذواتنا .. وما هي إلا لحظات حتى نكون في عداد الموتى .. خشب مسندة .. حيوانات في صور بشر .
وفي رمضان الكريم !! كانت إحدى الجلسات الخبيثة .. تناولت إبرة الهروين ، وطعنت بها جسدي .. فخررت مغشياً علي .. أسبح في عالم آخر .
نظر رفاقي إلي ، فأسقط في أيديهم .. حركوا أعضائي المتشنجة فلم يجدوا حراكاً .. علموا أنه الموت لا محالة .
وتنازعوا أمرهم بينهم .. وأسروا النجوى : يالها من ورطة !! ماذا نفعل ؟
فكّروا بغير عقولهم .. وبعد عدة مداولات أجمعت هيئة العقول المدمنة على التخلص منى بطريقة دبلوماسية .
وبدأت الإجراءات بتفتيش الجثة .. فانتزعوا من جيبي ما بقي من الهيروين ، وصادروه لصالح الشقة - ويالها من غنيمة باردة - .. ثم حملوا الفارس على أعناقهم إلى أرض الله الواسعة .
وفي الشارع .. نظروا ذات اليمين وذات الشمال .. بحثوا عن مكان يليق بشخصي الكريم .. وإذا بحاوية كبيرة للنفايات على جانب الطريق .
أنزلوني فيها بكل رقة وحنان.. ودفنوني بلا غسل ولا أكفان .. ثم ودعوني ، وعادوا إلى ما كانوا عليه ، وكأن شيئاً لم يحدث .
مكثت في قبري ما شاء الله أن أمكث ، ثم أفقت .. فتحت عيني وإذا أنا مسجّى في هذا المكان الغريب .. سألت نفسي : أين أنا ؟ ما الذي حدث ؟
وسرعان ما أتتني الإجابة في بقايا الأطباق الرمضانية التي تنهال على رأسي مع كومة النفايات .. بين الشوربة .. والمقليات .. والعصائر .. والحلويات .
حاولت أن أنوء بحملي الثقيل ، وأخرج من هذا الركام .. ولكن دون جدوى .. فقد هدّ الهيروين قوتي ، وشلّ أركاني ، فلم يبق لي إلا التفاتة ، أقي بها وجهي شظايا الركام الذي ينهال على رأسي بين الفينة والأخرى .
وبعد جولات من المصارعة المريرة دامت قرابة العشر ساعات .. استطعت التغلب على نفسي .. وخرجت من عنق الزجاجة .
لقد خرجت إلى الحياة من جديد .. ومع هذا فقد كان همي الأكبر في أمر هو أعظم عندي من الحياة .. أضع يدي بسرعة على جيبي .. أين الهيروين ؟
أهرول مسرعاً إلى رفاقي .. أطرق الباب .. فما هو إلا أن فتحوا الباب ونظروا إلي حتى انتقعت وجوههم .. وارتعدت فرائصهم .. من هول المطلع .
- سلامات .. سلامات .. كنا نظن أنك ميت !!!
لم أرد عليهم .. بل بادرتهم بالسؤال :
- من الذي أخذ الهيروين الذي كان في جيبي ؟
- موجود معنا .
- لماذا أخذتموه من جيبي ؟
- كنا نظن أنك ميت فأخذنا .
- أعيدوه لي فوراً ؟
- ها هو .. خذ .
إنها صفحات سوداء من سجل حياتي ..سوّد أوراقها إخوة الهيروين الذين سرعان ما تنقلب صداقتهم إلى عداوة ..ومودتهم إلى بغض وكراهية .. وما أكثر المغرورين .
ومع الهيروين .. غاب عن حياتي كل معنى جميل .. واضمحل في نفسي كل خلق نبيل .
ألهث يوماً وراء المال .. أفتش في جيبي فلا أجد سوى نفسي الحقيرة التي لم تعد تساوي شيئاً .
ولما أعيتني الحيلة .. خرجت إلى الشارع .. إلى أين ؟
إلى منزل جارنا .. أطرق الباب .. فيخرج من منزله .
- السلام عليكم يا أبا فلان .
- وعليكم السلام .
- إذا سمحت .. عندي بعض زملائي في المجلس ، ونريد أن نشاهد المباراة .. لكن المشكلة أن أهلي يتابعون المسلسل على القناة الأخرى .. فهل يمكن أن تعيرني جهاز التلفاز إلى أن تنتهي المباراة ؟ .
امتعظ قليلاً ، لكنه لم يجد مفراً من أن يلبي طلبي ، ولو على سبيل المجاملة .. دخل المنزل .. ثم خرج بعد برهة وهو يحمل بين يديه التلفاز .. أخذته منه ووضعته في مؤخرة السيارة ( الونيت ) .. وعلى الهواء مباشرة انطلقت به إلى سوق ( الحراج ) لأبيعه بثمن بـخْس .. لمخدرٍ نـجِس .. في يومٍ نـحِس .
افتضح أمري .. فاستوحش الناس من جانبي .. وانفضوا من حولي .
لم يبق في حياتي أي معنى للحياة .
أسير وأسير ، لكنني أسير .. أرى من حولي أشباحاً ، لكنني ضرير .
لم أعد أرى بعيني إلا الظلام .. ولم يبق في قلبي سوى الأوهام .
ومع ظلمة الليل الغاسق .. لاحت بوارق الفجر الصادق .. فكان من لطف ربي أن فتح لي باب العلاج بعد أن بلغ بي الإدمان منتهاه .. انبعثت في قلبي الضعيف قوة عظيمة .. تدفعني إلى مواصلة العلاج بإصرار وعزيمة .
وكان مما يحضني على الاستمرار ، ما تشهده حالتي النفسية من استقرار .
وبدأت أبصر من جديد ، شيئاً فشيئاً .. لقد وجدت نفسي .. وأنبت إلى ربي .
أعود إلى الحارة وإذا بصوت الحق ينادي : حي على الصلاة .
فأقول : لبيك وسعديك .. عبدك المذنب عائد إليك .. منكسر بين يديك .. لا ملجأ من جحيم الإدمان إلا إليك .
أدخل المسجد .. أرفع يدي لله ، مستقبلاً حياة الإيمان .. مستدبراً شقاء الإدمان .
وفي هذه الأثناء .. يبصرني أحد الجيران ممن سبرني وخبرني فيما مضى من أيامي .. فينطلق إلى الجيران ويقول : احذروا !! لقد دخل المدمن المسجد .. وما أظن إلا أنه سيسرق من المسجد شيئاً .. إما سجاداً ، وإما مكيفات !!!
لا أدري .. أأضحك أم أبكي ؟ فسبحان من أضحك وأبكى .
في الحقيقة .. لم أكن لأحفل بما يقول لثقتي بنفسي .. ولا ألومه .. فكم تجرع الجيران غصصاً بسبب إدماني على المخدرات.
مضت الأيام .. وعلم الناس صدق إنابتي وصحة توبتي ثم التحقت بدورة علمية متخصصة في أمريكا .
بقي أن تعرفوا ما هي هذه الدورة .
إنها بكل فخر واعتزاز : ( دبلوم عالي في مكافحة الإدمان وإرشاد المدمنين ) .
نعم لقد انعكست الآية .. وانحرفت زاوية الأحداث مائة وثمانين درجة كما يقال : فبالأمس كنت أسيراً للإدمان .. وأنا اليوم مجاهد في وجه الإدمان .. آخذ بأيدي المدمنين إلى بر الأمان .. لعلي أكفر ما سلف من العصيان .
أصرخ في آذانهم : أي إخواني .. ارجعوا وراءكم واسلكوا طريقاً آخر .
أي إخواني .. لقد سرت في هذا الطريق وتجرعت غصصه وآلامه ، حتى وقفت في نهايته على شفير هاوية سحيقة ، كادت رجلاي أن تزل فيها .
ولولا لطف الله ورحمته لهلكت غير مأسوف عليّ .
أي إخواني .. ها أنذا أعود إليكم .. لأخبركم بما أمامكم .
فلا تهلكوا أنفسكم بأنفسكم .. ولا تدمروا بيوتكم بأيديكم .. ولا تحطموا مستقبلكم بحاضركم .. فإني والله لكم من الناصحين .
منقول (لاتحرموني من الردود)*الــصــقــر:cool: الأسم:سلطان بن عوض بن علي الخولي البلوي العمر:15