محمد العصباني
06-20-2008, 06:55 PM
ب1
س1
ونتابع معكم الجزء الثاني / على بركة الله .
فهذه الثلاثية دليل قاطع على أنّ الاختلاط محرم في دين الإسلام وأنّه معصية يجب التوبة الفورية منها بل أعدها كثير أهل العلم أنّها من الكبائر.. وسبحان الله كما قال السلف: "أنّ من أضرار المعصية أنّها تجر إلى معصية أخرى".
ولو تأملت أخي.. أختي هذه المعصية بل الكبيرة؛ لوجدت أنّها يترتب عليها مفاسد عظيمة ومعاصٍ جسيمة وإليك بعضا منها:
إطلاق البصر:
فليس من المتصور أن يختلط رجل بامرأة ويغض بصره عنها...!!
من الذي أمر بغض البصر؟!! أليس هو الله سبحانه الذي قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [16] وهو سبحانه وعز وجل الذي قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [17]، هو سبحانه وتعالى الذي قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [18] فالله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وأخبر أنّ ذلك أزكى لهم أي أحسن وأطهر لهم... ألا نصدقه سبحانه و هو أعلم بنا من أنفسنا؟!! يعلم ما يصلحنا وما يفسدنا، قال الله سبحانه وتعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [19].
يا من يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت طبيبي
لا تعجبن فهكذا تجني العيون على القلوب
فما هو السبب الأول.. والداهية العظمى والمصيبة الكبرى الذي يوقع في داء العشق والإعجاب..؟!
إنّها السهم المسمومة.. إنّها جناية العين..
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطـر
يســـر مقلته ما ضر مهجته لا مـرحباً بسرور عاد بالضرر
نعم هي جناية العين..! بل.. إنّها عقوبة المخالفة لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.
ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليــح
وتظن ذاك دواء قلبك وهو في التحقيق تجريح على تجريح
نعم.. قد أفسد قلبه وجرّحه..
ولنا في آيات سورة النور التي فيها الأمر بغض البصر عدة تأملات:
أ- أنّ الله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ولم يقل سبحانه قل للنّاس يغضوا من أبصارهم؛ ولكن قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} لأنّه لن يستجيب لأمر الله إلاّ المؤمنين والمؤمنات؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [20] ولا مفلح غيرهم لأنّهم أطاعوا ربّهم واتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ب- أنّ الله تعالى قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فما السبب الذي من أجله أتى الأمر بحفظ الفرج بعد الأمر بغض البصر..؟!
السبب هو أنّ الذي لا يغض بصره لا يستطيع أن يحفظ فرجه غالبا؛ وواقع المسلمين وصفحات الحوادث والجرائد خير شاهد على ذلك.. والحر تكفيه الإشارة؛ و إذا أردت الدليل على ذلك تأمل أي قصة كانت نهايتها الوقوع في الفاحشة ستجد أنّ أول خطوة في ذلك الطريق كانت إطلاق البصر..!!
قال ابن القيم رحمه الله: "إنّ الله تعالى لما أمر بغض البصر أعقب ذلك بالأمر بحفظ الفرج.. ليدلّ بذلك على أنّ من أطلق بصره.. أداه ذلك إلى إطلاق فرجه..". نعم والله..!
وكما قال السلف الصالحون: "إنّ النظرة سهم مسموم من سهام إبليس يصيب القلب".. فتجد الذي يطلق بصره قاسي القلب مشتت البال والسبب السم الذي أصاب قلبه من النظرات المحرمة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة.. فزنا العين النظر.. وزنا اللسان المنطق.. والنفس تمنى وتشتهي.. والفرج يصدق ذلك.. أو يكذبه» [21]؛ فتأمل كيف بدأ بالعين.. وختم بالفرج.. ليدل أنّ إطلاق البصر.. هو طريق الزنا..!!
قال ابن القيم: "دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة..". وصدق رحمه الله.
فإنّ المرء إذا تساهل بالسهم الأولى وهي النظرة.. أصابته السهم الثانية وهي النظر بالقلب فيتفكر ويتمنى..
ثم يتدخل الشيطان فيزين ويوسوس.. يقول له: افعلها وتب.. كل الشباب هكذا.. تمتع بحياتك..
فتتحول هذه الفكرة إلى عزيمة وهمّ.. فيبدأ يفكر ويخطط.. فإن لم يدفع ذلك.. صار فعلاً.. فإذا هتك الستر بينه وبين ربّه.. هانت المعصية على النفس.. وتعودت على المعصية..
لكنّه لو تعوذ بالله من أول نظرة.. وصاح بها كما صاح يوسف.. ويقول: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [22]. هذا حال الأبرار المتقين {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [23].
ج- أنّ الله تعالى قال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أي أطهر لهم أن يغضوا من أبصارهم وأحسن.. سبحان الله ذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا ويعلم ما يصلحنا وما يفسدنا؛ يعلم ما نسعد به ما لا نسعد به؛ ونحن في العرف نقول: أنّ الذي يصنع آلة هو أعلم رجل بهذه الآلة، يعلم إذا فسدت أو تعطلت كيف يصلحها وكيف تعمل بكفاءة وكيف يطول عمرها الإنتاجي... ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض وكما قال سبحانه: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [24]. لا تقل أنا أخلاقي حسنة ولا أوذي أحد وأفعل ذلك بحسن نية وأنا أخاف من الله وأتقيه... أقول لك لا تزكي نفسك وتمدحها فالله أعلم بخفايا النفوس والقلوب قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} وقال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [25].
د- أنّ الله تعالى أمرنا جميعا بغض البصر فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} وإن لم يغضوا من أبصارهم فماذا ؟! قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} أي أنّك أمرت بغض البصر فإن أطعت الله وغضضت بصرك زاد إيمانك وإن لم تغض بصرك ونسيت نظر الله إليك فاعلم أنّ الله خبير بما تصنع؛ سوف يكتبه ليحاسبك عليه قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [26] أي مكتوب عليك لتحاسب عليه وهو القائل سبحانه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [27]. ولما سُئل الحسن البصري رحمه الله: بما يستعان على غض البصر؟ فقال: "أن تعلم أنّ نظر الله إليك أسبق". قبل أن تنظر تذكر أنّ الله سبحانه وتعالى يراك {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [28].
هـ- كما أنّ الله سبحانه أمر الرجال بغض البصر أمر النساء كذلك بغض البصر وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّما النساء شقائق الرجال» [29] أي أنّهن مأمورات بما أمر الله به الرجال.
فهذه أول معصية تترتب على كبيرة الإختلاط ؛ أمّا الثانية فهي:
مصافحة المرأة الأجنبية:
فإنّ الذين يختلطون غالبا ما يقعون في ذلك... وقد يقول قائل: هل مصافحة المرأة الأجنبية حرام..؟
هل مصافحة زميلتي التي أعتبرها مثل أختي تماما أو جارتنا التي تربينا سويا منذ الصغر أو ابنة عمي أو ابنة خالتي أو زوجة عمي أو زوجة خالي حرام ..؟!! إنّني أصافح إحداهن وليس في نيتي شيء والأعمال بالنيات...
أقول لك أخي الحبيب... أختي الغالية:
هل تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الصحابة ويبايعونه على الإسلام بالقول والمصافحة وهل تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتحن المؤمنات – أي يشترط عليهن – قبل الدخول في الإسلام كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [30]. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد بايعتك كلاماً" ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة؛ ما يبايعهن إلاّ بقوله: «قد بايعتكن على ذلك» " [31]. ومعلوم كما تقدم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع الرجال صافحهم بل قال صلى الله عليه وسلم للنساء في موقف البيعة هذا: «إنّي لا أصافح النساء؛ إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحده أو مثل قولي لامرأة واحدة» [32] وقال صلى الله عليه وسلم: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» [33]. وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [34].
ولنا في هذه البيعة تأملات:
أ- أنّ الرجال والنساء الذين جائوا ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم جائوا يطلبون نصرة الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم فكان موقف البيعة موقف جد، موقف نصرة لله، موقف لا مزاح ولا لعب فيه ومع ذلك لم يصافح النبي صلى الله عليه وسلم أي امرأة بايعها؛ لأنّ البيعة اشتراط على الالتزام بطاعة الله وطاعة الله ملزمة لنا في كل حين ولا يجوز أن نطيع العادات الإجتماعية الفاسدة وقواعد الذوق التي تخالف تعاليم الإسلام ونترك طاعة الله فطاعة الله مقدمة على كل شيء؛ فالإسلام حرم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية للأدلة التي ذكرت؛ فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة أو العكس محتجاً بالعادات الإجتماعية أو بأنّ ذلك موافقا للأدب والذوق؛ لا والله إنّ الإسلام جاء بأسمى قواعد الأدب والذوق الرفيع ولكنّنا رضينا بالعادات الإجتماعية الفاسدة بديلا عن عادات وآداب الإسلام إلاّ من رحم رب العالمين.
ثم إنّ بعض النّاس هدانا الله وإيّاهم يصاحبون المصافحة بابتسامات وضحكات وتمايلات تهيج الكامن وتقرب من الفواحش وترغب فيها مثل ما يحدث بين الموظفين والموظفات والطلبة والطالبات، فعياذا بالله من الإنحراف عن سواء السبيل.
ب- رغم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما من الخطأ؛ وله من الزوجات تسعة؛ وقد بلغ من العمر الستين إلاّ أنّه لم يصافح النساء اللائي جئن للبيعة ولم يلتفت إلى مسألة النية أو ما إلى ذلك وهو خير أسوة صلى الله عليه وسلم ولم يفعل ذلك لأنّ من حرم ذلك هو الله عز وجل القائل في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [35].
وإنتظروا الجزء الثالث إن شاء الله .
/////////////////////////
فــي سطــور واحكــم أنـــــت (1) ! (http://www.bluwe.com/bluwe/showthread.php?t=45649)
س1
ونتابع معكم الجزء الثاني / على بركة الله .
فهذه الثلاثية دليل قاطع على أنّ الاختلاط محرم في دين الإسلام وأنّه معصية يجب التوبة الفورية منها بل أعدها كثير أهل العلم أنّها من الكبائر.. وسبحان الله كما قال السلف: "أنّ من أضرار المعصية أنّها تجر إلى معصية أخرى".
ولو تأملت أخي.. أختي هذه المعصية بل الكبيرة؛ لوجدت أنّها يترتب عليها مفاسد عظيمة ومعاصٍ جسيمة وإليك بعضا منها:
إطلاق البصر:
فليس من المتصور أن يختلط رجل بامرأة ويغض بصره عنها...!!
من الذي أمر بغض البصر؟!! أليس هو الله سبحانه الذي قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [16] وهو سبحانه وعز وجل الذي قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [17]، هو سبحانه وتعالى الذي قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [18] فالله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وأخبر أنّ ذلك أزكى لهم أي أحسن وأطهر لهم... ألا نصدقه سبحانه و هو أعلم بنا من أنفسنا؟!! يعلم ما يصلحنا وما يفسدنا، قال الله سبحانه وتعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [19].
يا من يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت طبيبي
لا تعجبن فهكذا تجني العيون على القلوب
فما هو السبب الأول.. والداهية العظمى والمصيبة الكبرى الذي يوقع في داء العشق والإعجاب..؟!
إنّها السهم المسمومة.. إنّها جناية العين..
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطـر
يســـر مقلته ما ضر مهجته لا مـرحباً بسرور عاد بالضرر
نعم هي جناية العين..! بل.. إنّها عقوبة المخالفة لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.
ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليــح
وتظن ذاك دواء قلبك وهو في التحقيق تجريح على تجريح
نعم.. قد أفسد قلبه وجرّحه..
ولنا في آيات سورة النور التي فيها الأمر بغض البصر عدة تأملات:
أ- أنّ الله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ولم يقل سبحانه قل للنّاس يغضوا من أبصارهم؛ ولكن قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} لأنّه لن يستجيب لأمر الله إلاّ المؤمنين والمؤمنات؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [20] ولا مفلح غيرهم لأنّهم أطاعوا ربّهم واتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ب- أنّ الله تعالى قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فما السبب الذي من أجله أتى الأمر بحفظ الفرج بعد الأمر بغض البصر..؟!
السبب هو أنّ الذي لا يغض بصره لا يستطيع أن يحفظ فرجه غالبا؛ وواقع المسلمين وصفحات الحوادث والجرائد خير شاهد على ذلك.. والحر تكفيه الإشارة؛ و إذا أردت الدليل على ذلك تأمل أي قصة كانت نهايتها الوقوع في الفاحشة ستجد أنّ أول خطوة في ذلك الطريق كانت إطلاق البصر..!!
قال ابن القيم رحمه الله: "إنّ الله تعالى لما أمر بغض البصر أعقب ذلك بالأمر بحفظ الفرج.. ليدلّ بذلك على أنّ من أطلق بصره.. أداه ذلك إلى إطلاق فرجه..". نعم والله..!
وكما قال السلف الصالحون: "إنّ النظرة سهم مسموم من سهام إبليس يصيب القلب".. فتجد الذي يطلق بصره قاسي القلب مشتت البال والسبب السم الذي أصاب قلبه من النظرات المحرمة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة.. فزنا العين النظر.. وزنا اللسان المنطق.. والنفس تمنى وتشتهي.. والفرج يصدق ذلك.. أو يكذبه» [21]؛ فتأمل كيف بدأ بالعين.. وختم بالفرج.. ليدل أنّ إطلاق البصر.. هو طريق الزنا..!!
قال ابن القيم: "دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة..". وصدق رحمه الله.
فإنّ المرء إذا تساهل بالسهم الأولى وهي النظرة.. أصابته السهم الثانية وهي النظر بالقلب فيتفكر ويتمنى..
ثم يتدخل الشيطان فيزين ويوسوس.. يقول له: افعلها وتب.. كل الشباب هكذا.. تمتع بحياتك..
فتتحول هذه الفكرة إلى عزيمة وهمّ.. فيبدأ يفكر ويخطط.. فإن لم يدفع ذلك.. صار فعلاً.. فإذا هتك الستر بينه وبين ربّه.. هانت المعصية على النفس.. وتعودت على المعصية..
لكنّه لو تعوذ بالله من أول نظرة.. وصاح بها كما صاح يوسف.. ويقول: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [22]. هذا حال الأبرار المتقين {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [23].
ج- أنّ الله تعالى قال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أي أطهر لهم أن يغضوا من أبصارهم وأحسن.. سبحان الله ذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا ويعلم ما يصلحنا وما يفسدنا؛ يعلم ما نسعد به ما لا نسعد به؛ ونحن في العرف نقول: أنّ الذي يصنع آلة هو أعلم رجل بهذه الآلة، يعلم إذا فسدت أو تعطلت كيف يصلحها وكيف تعمل بكفاءة وكيف يطول عمرها الإنتاجي... ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض وكما قال سبحانه: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [24]. لا تقل أنا أخلاقي حسنة ولا أوذي أحد وأفعل ذلك بحسن نية وأنا أخاف من الله وأتقيه... أقول لك لا تزكي نفسك وتمدحها فالله أعلم بخفايا النفوس والقلوب قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} وقال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [25].
د- أنّ الله تعالى أمرنا جميعا بغض البصر فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} وإن لم يغضوا من أبصارهم فماذا ؟! قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} أي أنّك أمرت بغض البصر فإن أطعت الله وغضضت بصرك زاد إيمانك وإن لم تغض بصرك ونسيت نظر الله إليك فاعلم أنّ الله خبير بما تصنع؛ سوف يكتبه ليحاسبك عليه قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [26] أي مكتوب عليك لتحاسب عليه وهو القائل سبحانه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [27]. ولما سُئل الحسن البصري رحمه الله: بما يستعان على غض البصر؟ فقال: "أن تعلم أنّ نظر الله إليك أسبق". قبل أن تنظر تذكر أنّ الله سبحانه وتعالى يراك {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [28].
هـ- كما أنّ الله سبحانه أمر الرجال بغض البصر أمر النساء كذلك بغض البصر وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّما النساء شقائق الرجال» [29] أي أنّهن مأمورات بما أمر الله به الرجال.
فهذه أول معصية تترتب على كبيرة الإختلاط ؛ أمّا الثانية فهي:
مصافحة المرأة الأجنبية:
فإنّ الذين يختلطون غالبا ما يقعون في ذلك... وقد يقول قائل: هل مصافحة المرأة الأجنبية حرام..؟
هل مصافحة زميلتي التي أعتبرها مثل أختي تماما أو جارتنا التي تربينا سويا منذ الصغر أو ابنة عمي أو ابنة خالتي أو زوجة عمي أو زوجة خالي حرام ..؟!! إنّني أصافح إحداهن وليس في نيتي شيء والأعمال بالنيات...
أقول لك أخي الحبيب... أختي الغالية:
هل تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الصحابة ويبايعونه على الإسلام بالقول والمصافحة وهل تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتحن المؤمنات – أي يشترط عليهن – قبل الدخول في الإسلام كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [30]. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد بايعتك كلاماً" ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة؛ ما يبايعهن إلاّ بقوله: «قد بايعتكن على ذلك» " [31]. ومعلوم كما تقدم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع الرجال صافحهم بل قال صلى الله عليه وسلم للنساء في موقف البيعة هذا: «إنّي لا أصافح النساء؛ إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحده أو مثل قولي لامرأة واحدة» [32] وقال صلى الله عليه وسلم: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» [33]. وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [34].
ولنا في هذه البيعة تأملات:
أ- أنّ الرجال والنساء الذين جائوا ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم جائوا يطلبون نصرة الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم فكان موقف البيعة موقف جد، موقف نصرة لله، موقف لا مزاح ولا لعب فيه ومع ذلك لم يصافح النبي صلى الله عليه وسلم أي امرأة بايعها؛ لأنّ البيعة اشتراط على الالتزام بطاعة الله وطاعة الله ملزمة لنا في كل حين ولا يجوز أن نطيع العادات الإجتماعية الفاسدة وقواعد الذوق التي تخالف تعاليم الإسلام ونترك طاعة الله فطاعة الله مقدمة على كل شيء؛ فالإسلام حرم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية للأدلة التي ذكرت؛ فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة أو العكس محتجاً بالعادات الإجتماعية أو بأنّ ذلك موافقا للأدب والذوق؛ لا والله إنّ الإسلام جاء بأسمى قواعد الأدب والذوق الرفيع ولكنّنا رضينا بالعادات الإجتماعية الفاسدة بديلا عن عادات وآداب الإسلام إلاّ من رحم رب العالمين.
ثم إنّ بعض النّاس هدانا الله وإيّاهم يصاحبون المصافحة بابتسامات وضحكات وتمايلات تهيج الكامن وتقرب من الفواحش وترغب فيها مثل ما يحدث بين الموظفين والموظفات والطلبة والطالبات، فعياذا بالله من الإنحراف عن سواء السبيل.
ب- رغم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما من الخطأ؛ وله من الزوجات تسعة؛ وقد بلغ من العمر الستين إلاّ أنّه لم يصافح النساء اللائي جئن للبيعة ولم يلتفت إلى مسألة النية أو ما إلى ذلك وهو خير أسوة صلى الله عليه وسلم ولم يفعل ذلك لأنّ من حرم ذلك هو الله عز وجل القائل في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [35].
وإنتظروا الجزء الثالث إن شاء الله .
/////////////////////////
فــي سطــور واحكــم أنـــــت (1) ! (http://www.bluwe.com/bluwe/showthread.php?t=45649)