ممدوح عبدالله البلوي
10-18-2004, 12:21 PM
مقتطفات من كتاب
أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور
للحافظ أبي الفرج زين الدين عبدالرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي الدمشقي
قال الله تبارك وتعالى
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
في ذكر حال الميت عند نزوله القبر
وسؤال الملكين له، وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه
وما يرى من منزله في الجنة أو النار
قال الله تعالى
(يُثَبتُ اللهُ الذين آمنوا بالقولِ الثَابِتِ في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويُضل الله الظالمينَ ويفعلُ الله ما يشاء). سورة إبراهيم، آية 27.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزلت في عذاب القبر).
رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب 86، حديث رقم 1369.
وفي رواية قال: ”ويأتيه ملكان فيـُجلِسانِه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا ا: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت“. وفي رواية: ”فذلك قول الله عز وجل: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة).
قال: فيُنادى في السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة وألبسوه من الجنة، قال: فيأتيه من رَوْحِها وطيبها ويُفسح له في قبره مد بصره.
في ذكر حال الميت عند نزوله القبر
وسؤال الملكين له، وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه
وما يرى من منزله في الجنة أو النار
وذكر صلى الله عليه وسلم الكافر، فقال: ”وتعاد روحه إلى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار، قال: فيأتيه من حرها وسمومها“. قال: ”ويضَيـق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه“.
وفي رواية للإمام أحمد: ”ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبـة من حديد لو ضُرِب بها جبل لصار تراباً، فيضربه ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين (الإنس والجن)، فيصير تراباً“. قال: ”ثم تعاد فيه الروح“.
وقال صلى الله عليه وسلم في رواية ”فيضربانه بمـرزبة من حديد، لو اجتمع عليها ما بين الخافقين لم يقدروا على قلبها“.
وخرّج الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فلما فرغ من دفنها وانصرف الناس، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إنه الآن يسمع خفق نعالهم، أتاه منكر ونكير، أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد، فيجلسانه فيسألانه: ما كان يعبد؟ ومن كان نبيه؟ فإن كان ممن يعبد الله، قال: كنت أعبد الله، ونبيـي محمد صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا، فذلك قول الله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)، الآية، فيقال له: على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته. وإن كان من أهل الشك قال: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فيقال له: على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى النار ويسلط عليه عقارب وتنانين لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئاً، تنهشه، وتؤمر الأرض فتنضم حتى تختلف أضلاعه“.
كلام القبر عند نزول الميت إليه
خّرج الترمذي من حديث عبيد الله بن الوليد الوصّافي، في كتاب صفة القيامة باب 26، حديث رقم 2578، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى أناساً كأنهم يكتشرون أو يضحكون فقال: ”أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هاذم اللذات لأشغلكم عما أرى: الموتُ، فأكثروا ذكر هاذم اللذات، فإنه لم يأتِ يومٌ على القبر إلى يتكلم فيه فيقول:
أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحدة، أنا بيت التراب، أنا بيت الدود
فإذا دُفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وأهلاً، أما إن كنتَ لأحب من يمشي على ظهري، فإذا وُلِّيتك اليوم وصِرتَ إليّ فستَرى صنيعي بك، فيتسع له مد بصره، ويُفتح له باب إلى الجنة. وإذا دفن العبد الكافر أو الفاجر قال القبر: لا أهلاً ولا مرحباً. أما إن كنتَ لأبغض من يمشي على ظهري، فإذا وُليتُكَ اليوم وصِرتَ إليّ فسترى صنيعي بك. قال: فيلتئم عليه القبر حتى تلتقي وتختلف أضلاعه“. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه وأدخلها بعضها في جوف بعض.
اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر
ومدافعتها عنه، وكلامها له، وما ورَد من تحسر الموتى على انقطاع أعمالهم ومن أُكرم منهم تبقى أعماله عليه
روى حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”والذي نفسي بيده إن الميت إذا وضع في قبره إنه لَيَسمع خَفق نعالكم حين تولون عنه، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتَى من قِبل رأسه، فتقول الصلاة: ليس من قِبَلي مدخل؛ فيُؤتى عن يمينه، فتقول الزكاة: ليس من قِبلي مَدخل؛ ثم يؤتى عن شماله، فيقول الصوم: ليس قبلي مدخل؛ ثم يؤتى من قِبَل رجليه، فيقول فعل الخيرات والإحسان إلى الناس: ليس قِبَلي مدخل. فيقال له: اجلس، فيجلس، وقد مُثِّلت الشمس للغروب (أي قد قربت للغروب)، فيقولون له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان بعث فيكم؟ يعني نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: أشهد أنه رسول الله، جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقناه واتبعناه، فيقال له: صدقت، وعلى هذا حييت وعلى هذا مت، وعليه تبعث إن شاء الله، فيفسح له في قبره مدّ بصره، فذلك قوله سبحانه: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)، فيقال: افتحوا له باباً إلى النار، فيُقال: هذا منـزلك لو عصيت الله، فيزداد غبطة وسرورا. ويقال: افتحوا له باباً إلى الجنة، فيُفتح له، فيقال: هذا منـزلك وما أعد الله لك، فيزداد غبطة وسرورا، فيعاد الجسد إلى ما بدئ منه، وتجعل روحه نَسَمَ طير معلق في شجر الجنة.
وأما الكافر فيؤتى في قبره من قبل رأسه، فلا يوجد –يعني شيئاً، فيجلس خائفاً مرعوباً فيقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم وما تشهد به؟ فلا يهتدى لاسمه، فيقال: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت كما قالوا، فيقال له: صدقت، على هذا حييت وعليه مِتّ، وعليه تُبعث إن شاء الله تعالى. ويُضَيّـق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، فذلك قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) سورة طه، الآية 124. فيقال: افتحوا له باباً إلى الجنة، فيفتح له باب إلى الجنة، فيقال: هذا منـزلك وما أعد الله لك لو كنت أطعته، فيزداد حسرة وثبوراً، ثم يقال: افتحوا له باباً إلى النار، فيفتح له باب إليها، فيقال له: هذا منزلك، وما أعد الله لك، فيزداد حسرة وثبورا.
عذاب القبر وأنواعه
النوع الأول: الضرب بمطراق من حديد (المرزبّـة): عن عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقـد، فوقف على قبرين، فقال: ”أدفنـتم هاهنا فلاناً وفلانة؟ أو قال: فلاناً وفلاناً؟“ قالوا: نعم. فقال: ”قد أُقعِد فلان الآن يُضرب“، ثم قال: ”والذي نفسي بيده لقد ضُرِبَ ضربة ما بقي منه عرق إلا انقطع، ولقد تطاير قبره ناراً، ولقد صرخ صرخة يسمعها الخلائق إلا الثقلين الجن والإنس، ولولا تمريـجٌ في صدوركم وتزييدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع“, قالوا: يا رسول الله، ما ذنبهما؟ قال: ”أما فلان فكان لا يستبرئ من البول، وأما فلان أو فلانة فكان يأكل لحوم الناس“.
وروى اللالكائي بإسناده عن محمد بن المنكدر، قال: بلغني أن الله عز وجل يسلط على الكافر في قبره دابة عمياء بيدها سوط من حديد، رأسها مثل غرب الجمل، تضربه إلى يوم القيامة لا تراه ولا تسمع صوته فترحــمه.
النوع الثاني: تسليط الحيات والعقارب: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”أتدرون فيما أنزلت هذه الآية (فإن له معيشة ضنكا) ”سورة طه، 124. تدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنـيناً، أتدرون ما التنـين؟ قال: تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس“. وفي رواية ”تسعة رؤوس، ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثـون“. رواه ابن حبان في صحيحه، كتاب الجنائز، باب 34، حديث رقم 782.
النوع الثالث: رض رأس الميت بحجر وشق شدقه.
النوع الرابع: تضييق القبر على الميت حتى تختلف فيه أضلاعه. ويمكن الاستزادة من كتاب أهوال القبور.
نعيــم القبـر
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
”إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء
ويرحب له قبره سبعون ذراعاً، وينوّر له فيه كالقمر ليلة البدر“.
وعن مُوَرّق العجلي، عن عبيد بن عمير، قال: قال عبادة بن الصامت: إذا حضرت الوفاة –يعني المؤمن المجتهد بالقرآن- جاء القرآن فوقف عند رأسه، وهم يغسلونه، فإذا فرغ منه دخل حتى صار بين صدره وكفنه، فإذا وضع في قبره وجاء منكر ونكير، خرج حتى صار بينه وبينهما، فيقولان له: إليك عنا، فإنا نريد أن نسأله؛ فيقول: والله ما أنا بمفارقه، وإن كنتما أمرتما فيه بشيء فشأنكم. ثم ينظر إليه، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا. فيقول: أنا القرآن الذي أُسهِر ليلك، وأظمأ نهارك، وأمنعك شهوتك، وسمعك، وبصرك، فستجدني من الأخلاء خليلَ صِدق، فأبشِر، فما عليك بعد مسألة منكر ونكير من هَمٍ، ولا حَزَن، ثم يخرجان عنه، فيصعد القرآن إلى ربه، فيسأله فراشاً ودثاراً، قال: فيؤمر له بفراش ودثار وقنديل من الجنة، وياسمين من الجنة، فيحملها ألف ملك من مقربي السماء الدنيا. قال: فيسبقهم إليه القرآن، فيقول: هل استوحشت بعدي؟ فإني لم أزل بربي حتى أمر لك بفراش ودثار من الجنة. قال: فتدخل عليه الملائكة، فيحملونه ويفرشون له ذلك الفراش، ويضعون الدثار تحت رجليه، والياسمين عند صدره، ثم يحملونه حتى يضعونه على شقه الأيمن، ثم يصعدون عنه، فيستلقي عليه، فلا يزال ينظر إلى الملائكة حتى يلجوا في السماء، ثم يدفع القرآن في قبلة القبر، فيوسّع عليه ما شاء الله من ذلك. قال أبو عبدالرحمن: وكان في كتاب معاوية: فيوسع له مسيرة أربعمائة عام، ثم يحمل الياسمين من عند صدره، فيجعله عند أنفه، فيشمه غضـاً إلى يوم القيامة، ثم يأتي أهله كل يوم مرة أو مرتين، فيأتيه بخبرهم، ويدعو لهم بالخير والإقبال، فإن تعلم أحد من ولده القرآن بُشـّر بذلك، وإن كان عقبه سوءاً، أتى الدار بكرة وعشياً، فبكى إلى أن ينفخ في الصور. قال الحافظ أبو موسى المديني: هذا خبر رواه الإمام أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وطبقتهما من المتقدمين، عن أبي عبدالرحمن المقري.
ما شوهد من نعيـم القبـر
روى أبو الفرج ابن الجوزي في تاريخه أنه في سنة ست وسبعين ومائتين، انفرج تل في أرض البصرة، بعرق تل شقيق، عن سبعة أقبر، في مثل الحوض، وفيها سبعة أنفس، أبدانهم صحيحة، وأكفانهم يفوح منها رائحة المسك، أحدهم شاب له جمة وعلى شفتيه بلل، كأنه شرب ماء، وكأن عينيه مكحلتان، وله مذبة في خاصرته، وأراد بعض من حضر أن يأخذ من شعره شيئاً، فإذا هو قوي كشعر الحي.
وخرّج ابن سعد في طبقاته بإسناده عن أبي سعد الخدري، قال: كنت فيمن حفر لسعد بن معاذ قبره بالبقيع، وكان يفوح علينا المسك، كلما حفرنا من قبره تراباً حتى انتهينا إلى اللحد. ويمكن الاستزادة من كتاب أهوال القبور للدمشقي.
انتفاع أهل القبور بمجاورة الصالحين وتأذيهم من مجاورة الفاسقين
وقد يكرم الله بعض عباده الصالحين بأن يشفع في جيرانه فينتفعون بمجاورته في قبره.
وروى ابن أبي الدنيا عن محمد بن موسى الصانع عن عبدالله بن نافع المدني قال: مات رجل من أهل المدينة، فدفن بها رجل كان من أهل النار، فاغتمّ لذلك، ثم إنه بعد سابعة أو ثامنة أُري كأنه من أهل الجنة، قال: ألم تكن قلت: إنك من أهل النار، قال: قد كان ذلك، لأنه دفن معنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه وكنتُ منهم.
وذكر أبو الفرج ابن الجوزي، أن بعضهم رأى في منامه معروفاً الكرخي لما دفن في قبره شفع في أربعين من كل جانب من جوانبه، فأعتقوا من النار.
محل أرواح المؤمنين
إن المؤمنين سوى الشهداء، فينقسمون إلى قسمين، أهل تكليف، وغير أهل تكليف. وهم الأطفال، فالجمهور على أنهم في الجنة.
عن ابن مسعود قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، تسرح بهم في الجنة، حيث شاؤوا، وإن أرواح أولاد المسلمين في أجواف عصافير، تسرح بهم في الجنة حيث شاءت، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم في الجنة“. رواه ابن حبان في صحيحه في كتاب القدر، باب (10)، حديث رقم (1826).
عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ”أنه رأى في منامه جبرائيل وميكائيل أتيا به فانطلقا به، وذكر حديثاً طويلاً، وفيه: ”فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة، وأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها، فيها رجال وشيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب“، وذكر الحديث وفيه: ”قالا: والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد المسلمين“، وفي رواية: ”فكل مولود مات على الفطرة“، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء“. رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب (93)، حديث رقم (1386).
الإنسان في القرآن الكريم
للمفكر الإسلامي الأستاذ محمد الشيخ عايد الطبيشات
الباب الرابع
المصيــــر
الوجــود والخلــود
قال الله تبارك وتعالى
إنّ إليــنا إيابَهُم ثم إنّ علينَـا حِسَابَهُــم
سورة الغاشية، الآيتين 25-26
الفصل الأول
المـــــــوت
قال الله تبارك وتعالى
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
الوجود والخلود
تُـعد حياة الإنسان على هذه الأرض مرحلة من مراحل وجوده، بل إن مرحلة حياته على الأرض تعد أقصرها زمناً، وقد ذكر القرآن الكريم المراحل الأخرى وحفلت آياته الكثيرة بالحديث عنها، إذ سيتبع هذه الحياة على الأرض مرحة الموت، ثم مرحلة البعث، ثم مرحلة الحساب (القيامة)، ثم الوجود الخالد في الجنة أو في النار.
وقد اعتادت الفلسفات والمذاهب الإلحادية أن تسمي الحقيقة الوجودية بنظرية (الوجود والعدم)، انطلاقاً من تصورهم الخاطئ بحقيقة (العدم) لذا يلزم التنويه إلى أنه لا يوجد في القرآن الكريم وفي معطيات الدين الإسلامي ككل أي فكرة عن (العدم) على الإطلاق. وليس (الفناء) الوارد في القرآن الكريم بفناء مطلق، كما في آية (كل من عليها فان)، إذ أن هذا (الفناء) سيلحقه (وجود) آخر بدرجة أعلى، لأنه يتصف بالخلود الدائم.
أولاً: الموت حقيقة عيانية وغيبية.. من عالم الغيب وعالم الشهادة
الموت حقيقة وجودية عيانية مشاهدة، فهو بهذا الاعتبار يُعد واقعاً معلوماً. وهو نهاية مراحل حياة الإنسان على وجه الأرض.
والموت من ناحية أخرى بداية مراحل لاحقة في وجود الإنسان، وهذه المراحل وما يتبعها نعلم عنها بالخبر اليقين الذي جاء به القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي تخص علم الغيب الذي يلزم شرعاً أن نؤمن به كما جاء، إيماناً يقينياً بمثل اليقين الذي نعلمه من حقيقة مشاهدة الموت ذاته. والموت مرحلة وجودية في سلسلة الوجود البشري، وليس هو النهاية المطلقة، وليس هو العدم، إذ أن بعد الموت حياة أخرى، فحيث إن الله هو الخالق وهو المميت فهو المحيي ثانية من بعد الموت.
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). سورة الحج، آية 6.
الوجود والخلود
ثانياً: الموت ظاهرة إنسانية عامة
فكل إنسان يجب أن يمر بهذه الظاهرة، كما أن الموت ظاهرة عامة تشمل كل المخلوقات. قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت). سورة آل عمران، آية 185. فلا خلود على هذه الأرض. (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَـإِنَّهُ ملاقيكم) سورة الجمعة, آية 8. وحيث إنه بهذا الشمول، فلا مهرب منه مهما صنع الإنسان، ولا علاقة له بحصانة المكان الذي يحتمي به الفرد. (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ). سورة النساء، آية 78. ويتحدى الله أي إنسان أن يستطيع الإنفلات منه (قل فادرأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين). سورة النساء، آية 78. فالموت لا يرده حرص ولا حذر ولا يؤجله جُـبن واستقرار وأمن.
ثالثاً: الموت أجل محدد ومجهول في الزمان والمكان:
فلكل نفس أجل مكتوب، لا ينقص منه يوم ولا يزيد. إن الموت أجل حدده الله سبحانه وتعالى، وليس للأعراض والأسباب الظاهرة أي صلة حقيقية في تحديد هذا الأجل. قال سبحانه: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا). سورة آل عمران، الآية، 145. فلا علاقة للصحة ولا للمرض بالموت، إنما الموت بانتهاء الأجل.
رابعاً: الموت انتهاء للتكليف والعمل:
بموت الإنسان يغلق سجل الأعمال، ويرفع إلى يوم الحساب حيث توزن حسناته وسيئاته في ميزان العدل الإلهي ليلقى مصيره الخالد في النعيم أو في الجحيم، وليس من بعد الموت تصحيح لكفر كافر. قال تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به). سورة آل عمران، الآية 91.
الوجود والخلود
خامساً: الموت هو مفارقة الروح للجسد
يقول الإمام أبوحامد الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين: ”إن معنى مفارقة الروح للجسد، انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها“. (صفحة 493). فالموت هو مفارقة الروح للجسد، وحيث إن الروح هي من جوهر إلهي، إذ هي نـفخة من روح الله، فهي الحافظة لكيان الجسد وهي المهيمنة على الحياة والحركة فيه، وهي محتوى العلم الذي يتميز به الإنسان، فبعد مفارقة هذه الروح يعود الجسد إلى جوهره وهو التراب. على الرغم من أن أعضاء الجسد في لحظة الموت الطبيعي قد تكون كلها كاملة وأدوات الحركة فيه من عضلات وأعصاب ودم، تكون كلها سليمة، إلا أنه بعد مفارقة الروح للجسد يتعطل كل الجسد. ويفقد الحياة بكامل مظاهرها، ويبدأ منذ تلك اللحظة بالفساد والتحلل إلى تراب كما كان أصلاً.
سادساً: الموت حضور
لا شك بأن تكرار لفظي ”حضر“ و ”جاء“، حين يرد لفظ ”الموت“ في آية قرآنية كريمة، له دلالة هامة، فالموت ”يحضر“ إلى الإنسان عندما يدنو أجله رغم أن الإنسان يكون ذاته في جميع أ؛واله الحياتية، فقد يأتيه الموت في الصحة والمرض، في الطفولة وفي الصبا وفي الشباب، وفي الرجولة وفي الكهولة، وفي الشيخوخة، يحضر إليه الموت في أية لحظة، من أجل ذلك قال تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت) سورة المائدة، الآية 106، (إذا جاء أحدكم الموت) سورة الأنعام، الآية 61. وهذا التعبير القرآني ينفي أن يكون الموت بسبب ذاتي أو عضوي، كسبب جوهري.
الوجود والخلود
سابعاً: قبض الروح
إن المحيي والمميت هو الله عز وجل (الله يتوفى الأنفس حين موتها)، سورة الزمر، الآية 12. ولكن اقتضت حكمته تعالى أن يكل قبض الأرواح إلى ملك مكلف بهذه المهمة (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم تُرجعون). سورة السجدة، الآية 11. وقد ورد في بعض الآثار أن اسمه ”عزرائـيل“، ومعناه: ”عبدالـجبار“، وقد اشتهر بهذا الاسم. وقيل أن له أعوان من الملائكة بدليل قوله تعالى (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفـته رسلنا وهم لا يفرطون). سورة الأنعام، الآية 61.
ثامناً: سؤال الملكين:
إن حقائق ما بعد الموت متعلقة بنظام آخر مختلف كل الاختلاف عن نظام هذا العالم المرئي للأحياء. وعن أخبار ما بعد الموت أنه إذا مات الإنسان أرسل الله إليه ملكين فسألاه عن الدين الذي عاش عليه وعن علمه بهذا الرجل الذي يسمع عنه، وهو ”محمد“ صلى الله عليه وسلم. فمن كان قد ثبته الله بالقول الثابت ومات على الحق وختم له بالحسنى ألهمه الله الجواب على سؤال الملكين؛ ومن لم يكن معتصماً بحبل الإيمان في حياته الدنيا ملأ الله قلبه فزعاً منهما، فغاب عن فكره الجواب المطلوب.
تاسعاً: عذاب القبر ونعيمه
إن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب؛ وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، حيث إن الروح تتصل بالبدن أحياناً ويحصل له معها النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين. قال تعالى (ولو تراى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون). سورة الأنعام، الآية 93.
الوجود والخلود
عاشراً: عدم الرجوع إلى الدنيا
تـُعد مرحلة الموت، انقطاع وجودي تام عن الحياة الدنيا، فلا رجعة إليها بدليل قوله تعالى: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)، سورة المؤمنون، الآية 100. وبعد مرحلة الموت يكون البعث إلى الحياة الآخرة.
يمكن الاستزادة من الموضوع من الكتاب الأصلي.
2003
أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور
للحافظ أبي الفرج زين الدين عبدالرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي الدمشقي
قال الله تبارك وتعالى
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
في ذكر حال الميت عند نزوله القبر
وسؤال الملكين له، وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه
وما يرى من منزله في الجنة أو النار
قال الله تعالى
(يُثَبتُ اللهُ الذين آمنوا بالقولِ الثَابِتِ في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويُضل الله الظالمينَ ويفعلُ الله ما يشاء). سورة إبراهيم، آية 27.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزلت في عذاب القبر).
رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب 86، حديث رقم 1369.
وفي رواية قال: ”ويأتيه ملكان فيـُجلِسانِه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا ا: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت“. وفي رواية: ”فذلك قول الله عز وجل: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة).
قال: فيُنادى في السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة وألبسوه من الجنة، قال: فيأتيه من رَوْحِها وطيبها ويُفسح له في قبره مد بصره.
في ذكر حال الميت عند نزوله القبر
وسؤال الملكين له، وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه
وما يرى من منزله في الجنة أو النار
وذكر صلى الله عليه وسلم الكافر، فقال: ”وتعاد روحه إلى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار، قال: فيأتيه من حرها وسمومها“. قال: ”ويضَيـق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه“.
وفي رواية للإمام أحمد: ”ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبـة من حديد لو ضُرِب بها جبل لصار تراباً، فيضربه ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين (الإنس والجن)، فيصير تراباً“. قال: ”ثم تعاد فيه الروح“.
وقال صلى الله عليه وسلم في رواية ”فيضربانه بمـرزبة من حديد، لو اجتمع عليها ما بين الخافقين لم يقدروا على قلبها“.
وخرّج الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فلما فرغ من دفنها وانصرف الناس، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إنه الآن يسمع خفق نعالهم، أتاه منكر ونكير، أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد، فيجلسانه فيسألانه: ما كان يعبد؟ ومن كان نبيه؟ فإن كان ممن يعبد الله، قال: كنت أعبد الله، ونبيـي محمد صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا، فذلك قول الله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)، الآية، فيقال له: على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته. وإن كان من أهل الشك قال: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فيقال له: على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى النار ويسلط عليه عقارب وتنانين لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئاً، تنهشه، وتؤمر الأرض فتنضم حتى تختلف أضلاعه“.
كلام القبر عند نزول الميت إليه
خّرج الترمذي من حديث عبيد الله بن الوليد الوصّافي، في كتاب صفة القيامة باب 26، حديث رقم 2578، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى أناساً كأنهم يكتشرون أو يضحكون فقال: ”أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هاذم اللذات لأشغلكم عما أرى: الموتُ، فأكثروا ذكر هاذم اللذات، فإنه لم يأتِ يومٌ على القبر إلى يتكلم فيه فيقول:
أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحدة، أنا بيت التراب، أنا بيت الدود
فإذا دُفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وأهلاً، أما إن كنتَ لأحب من يمشي على ظهري، فإذا وُلِّيتك اليوم وصِرتَ إليّ فستَرى صنيعي بك، فيتسع له مد بصره، ويُفتح له باب إلى الجنة. وإذا دفن العبد الكافر أو الفاجر قال القبر: لا أهلاً ولا مرحباً. أما إن كنتَ لأبغض من يمشي على ظهري، فإذا وُليتُكَ اليوم وصِرتَ إليّ فسترى صنيعي بك. قال: فيلتئم عليه القبر حتى تلتقي وتختلف أضلاعه“. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه وأدخلها بعضها في جوف بعض.
اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر
ومدافعتها عنه، وكلامها له، وما ورَد من تحسر الموتى على انقطاع أعمالهم ومن أُكرم منهم تبقى أعماله عليه
روى حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”والذي نفسي بيده إن الميت إذا وضع في قبره إنه لَيَسمع خَفق نعالكم حين تولون عنه، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتَى من قِبل رأسه، فتقول الصلاة: ليس من قِبَلي مدخل؛ فيُؤتى عن يمينه، فتقول الزكاة: ليس من قِبلي مَدخل؛ ثم يؤتى عن شماله، فيقول الصوم: ليس قبلي مدخل؛ ثم يؤتى من قِبَل رجليه، فيقول فعل الخيرات والإحسان إلى الناس: ليس قِبَلي مدخل. فيقال له: اجلس، فيجلس، وقد مُثِّلت الشمس للغروب (أي قد قربت للغروب)، فيقولون له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان بعث فيكم؟ يعني نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: أشهد أنه رسول الله، جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقناه واتبعناه، فيقال له: صدقت، وعلى هذا حييت وعلى هذا مت، وعليه تبعث إن شاء الله، فيفسح له في قبره مدّ بصره، فذلك قوله سبحانه: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)، فيقال: افتحوا له باباً إلى النار، فيُقال: هذا منـزلك لو عصيت الله، فيزداد غبطة وسرورا. ويقال: افتحوا له باباً إلى الجنة، فيُفتح له، فيقال: هذا منـزلك وما أعد الله لك، فيزداد غبطة وسرورا، فيعاد الجسد إلى ما بدئ منه، وتجعل روحه نَسَمَ طير معلق في شجر الجنة.
وأما الكافر فيؤتى في قبره من قبل رأسه، فلا يوجد –يعني شيئاً، فيجلس خائفاً مرعوباً فيقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم وما تشهد به؟ فلا يهتدى لاسمه، فيقال: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت كما قالوا، فيقال له: صدقت، على هذا حييت وعليه مِتّ، وعليه تُبعث إن شاء الله تعالى. ويُضَيّـق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، فذلك قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) سورة طه، الآية 124. فيقال: افتحوا له باباً إلى الجنة، فيفتح له باب إلى الجنة، فيقال: هذا منـزلك وما أعد الله لك لو كنت أطعته، فيزداد حسرة وثبوراً، ثم يقال: افتحوا له باباً إلى النار، فيفتح له باب إليها، فيقال له: هذا منزلك، وما أعد الله لك، فيزداد حسرة وثبورا.
عذاب القبر وأنواعه
النوع الأول: الضرب بمطراق من حديد (المرزبّـة): عن عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقـد، فوقف على قبرين، فقال: ”أدفنـتم هاهنا فلاناً وفلانة؟ أو قال: فلاناً وفلاناً؟“ قالوا: نعم. فقال: ”قد أُقعِد فلان الآن يُضرب“، ثم قال: ”والذي نفسي بيده لقد ضُرِبَ ضربة ما بقي منه عرق إلا انقطع، ولقد تطاير قبره ناراً، ولقد صرخ صرخة يسمعها الخلائق إلا الثقلين الجن والإنس، ولولا تمريـجٌ في صدوركم وتزييدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع“, قالوا: يا رسول الله، ما ذنبهما؟ قال: ”أما فلان فكان لا يستبرئ من البول، وأما فلان أو فلانة فكان يأكل لحوم الناس“.
وروى اللالكائي بإسناده عن محمد بن المنكدر، قال: بلغني أن الله عز وجل يسلط على الكافر في قبره دابة عمياء بيدها سوط من حديد، رأسها مثل غرب الجمل، تضربه إلى يوم القيامة لا تراه ولا تسمع صوته فترحــمه.
النوع الثاني: تسليط الحيات والعقارب: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”أتدرون فيما أنزلت هذه الآية (فإن له معيشة ضنكا) ”سورة طه، 124. تدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنـيناً، أتدرون ما التنـين؟ قال: تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس“. وفي رواية ”تسعة رؤوس، ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثـون“. رواه ابن حبان في صحيحه، كتاب الجنائز، باب 34، حديث رقم 782.
النوع الثالث: رض رأس الميت بحجر وشق شدقه.
النوع الرابع: تضييق القبر على الميت حتى تختلف فيه أضلاعه. ويمكن الاستزادة من كتاب أهوال القبور.
نعيــم القبـر
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
”إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء
ويرحب له قبره سبعون ذراعاً، وينوّر له فيه كالقمر ليلة البدر“.
وعن مُوَرّق العجلي، عن عبيد بن عمير، قال: قال عبادة بن الصامت: إذا حضرت الوفاة –يعني المؤمن المجتهد بالقرآن- جاء القرآن فوقف عند رأسه، وهم يغسلونه، فإذا فرغ منه دخل حتى صار بين صدره وكفنه، فإذا وضع في قبره وجاء منكر ونكير، خرج حتى صار بينه وبينهما، فيقولان له: إليك عنا، فإنا نريد أن نسأله؛ فيقول: والله ما أنا بمفارقه، وإن كنتما أمرتما فيه بشيء فشأنكم. ثم ينظر إليه، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا. فيقول: أنا القرآن الذي أُسهِر ليلك، وأظمأ نهارك، وأمنعك شهوتك، وسمعك، وبصرك، فستجدني من الأخلاء خليلَ صِدق، فأبشِر، فما عليك بعد مسألة منكر ونكير من هَمٍ، ولا حَزَن، ثم يخرجان عنه، فيصعد القرآن إلى ربه، فيسأله فراشاً ودثاراً، قال: فيؤمر له بفراش ودثار وقنديل من الجنة، وياسمين من الجنة، فيحملها ألف ملك من مقربي السماء الدنيا. قال: فيسبقهم إليه القرآن، فيقول: هل استوحشت بعدي؟ فإني لم أزل بربي حتى أمر لك بفراش ودثار من الجنة. قال: فتدخل عليه الملائكة، فيحملونه ويفرشون له ذلك الفراش، ويضعون الدثار تحت رجليه، والياسمين عند صدره، ثم يحملونه حتى يضعونه على شقه الأيمن، ثم يصعدون عنه، فيستلقي عليه، فلا يزال ينظر إلى الملائكة حتى يلجوا في السماء، ثم يدفع القرآن في قبلة القبر، فيوسّع عليه ما شاء الله من ذلك. قال أبو عبدالرحمن: وكان في كتاب معاوية: فيوسع له مسيرة أربعمائة عام، ثم يحمل الياسمين من عند صدره، فيجعله عند أنفه، فيشمه غضـاً إلى يوم القيامة، ثم يأتي أهله كل يوم مرة أو مرتين، فيأتيه بخبرهم، ويدعو لهم بالخير والإقبال، فإن تعلم أحد من ولده القرآن بُشـّر بذلك، وإن كان عقبه سوءاً، أتى الدار بكرة وعشياً، فبكى إلى أن ينفخ في الصور. قال الحافظ أبو موسى المديني: هذا خبر رواه الإمام أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وطبقتهما من المتقدمين، عن أبي عبدالرحمن المقري.
ما شوهد من نعيـم القبـر
روى أبو الفرج ابن الجوزي في تاريخه أنه في سنة ست وسبعين ومائتين، انفرج تل في أرض البصرة، بعرق تل شقيق، عن سبعة أقبر، في مثل الحوض، وفيها سبعة أنفس، أبدانهم صحيحة، وأكفانهم يفوح منها رائحة المسك، أحدهم شاب له جمة وعلى شفتيه بلل، كأنه شرب ماء، وكأن عينيه مكحلتان، وله مذبة في خاصرته، وأراد بعض من حضر أن يأخذ من شعره شيئاً، فإذا هو قوي كشعر الحي.
وخرّج ابن سعد في طبقاته بإسناده عن أبي سعد الخدري، قال: كنت فيمن حفر لسعد بن معاذ قبره بالبقيع، وكان يفوح علينا المسك، كلما حفرنا من قبره تراباً حتى انتهينا إلى اللحد. ويمكن الاستزادة من كتاب أهوال القبور للدمشقي.
انتفاع أهل القبور بمجاورة الصالحين وتأذيهم من مجاورة الفاسقين
وقد يكرم الله بعض عباده الصالحين بأن يشفع في جيرانه فينتفعون بمجاورته في قبره.
وروى ابن أبي الدنيا عن محمد بن موسى الصانع عن عبدالله بن نافع المدني قال: مات رجل من أهل المدينة، فدفن بها رجل كان من أهل النار، فاغتمّ لذلك، ثم إنه بعد سابعة أو ثامنة أُري كأنه من أهل الجنة، قال: ألم تكن قلت: إنك من أهل النار، قال: قد كان ذلك، لأنه دفن معنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه وكنتُ منهم.
وذكر أبو الفرج ابن الجوزي، أن بعضهم رأى في منامه معروفاً الكرخي لما دفن في قبره شفع في أربعين من كل جانب من جوانبه، فأعتقوا من النار.
محل أرواح المؤمنين
إن المؤمنين سوى الشهداء، فينقسمون إلى قسمين، أهل تكليف، وغير أهل تكليف. وهم الأطفال، فالجمهور على أنهم في الجنة.
عن ابن مسعود قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، تسرح بهم في الجنة، حيث شاؤوا، وإن أرواح أولاد المسلمين في أجواف عصافير، تسرح بهم في الجنة حيث شاءت، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم في الجنة“. رواه ابن حبان في صحيحه في كتاب القدر، باب (10)، حديث رقم (1826).
عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ”أنه رأى في منامه جبرائيل وميكائيل أتيا به فانطلقا به، وذكر حديثاً طويلاً، وفيه: ”فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة، وأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها، فيها رجال وشيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب“، وذكر الحديث وفيه: ”قالا: والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد المسلمين“، وفي رواية: ”فكل مولود مات على الفطرة“، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء“. رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب (93)، حديث رقم (1386).
الإنسان في القرآن الكريم
للمفكر الإسلامي الأستاذ محمد الشيخ عايد الطبيشات
الباب الرابع
المصيــــر
الوجــود والخلــود
قال الله تبارك وتعالى
إنّ إليــنا إيابَهُم ثم إنّ علينَـا حِسَابَهُــم
سورة الغاشية، الآيتين 25-26
الفصل الأول
المـــــــوت
قال الله تبارك وتعالى
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
الوجود والخلود
تُـعد حياة الإنسان على هذه الأرض مرحلة من مراحل وجوده، بل إن مرحلة حياته على الأرض تعد أقصرها زمناً، وقد ذكر القرآن الكريم المراحل الأخرى وحفلت آياته الكثيرة بالحديث عنها، إذ سيتبع هذه الحياة على الأرض مرحة الموت، ثم مرحلة البعث، ثم مرحلة الحساب (القيامة)، ثم الوجود الخالد في الجنة أو في النار.
وقد اعتادت الفلسفات والمذاهب الإلحادية أن تسمي الحقيقة الوجودية بنظرية (الوجود والعدم)، انطلاقاً من تصورهم الخاطئ بحقيقة (العدم) لذا يلزم التنويه إلى أنه لا يوجد في القرآن الكريم وفي معطيات الدين الإسلامي ككل أي فكرة عن (العدم) على الإطلاق. وليس (الفناء) الوارد في القرآن الكريم بفناء مطلق، كما في آية (كل من عليها فان)، إذ أن هذا (الفناء) سيلحقه (وجود) آخر بدرجة أعلى، لأنه يتصف بالخلود الدائم.
أولاً: الموت حقيقة عيانية وغيبية.. من عالم الغيب وعالم الشهادة
الموت حقيقة وجودية عيانية مشاهدة، فهو بهذا الاعتبار يُعد واقعاً معلوماً. وهو نهاية مراحل حياة الإنسان على وجه الأرض.
والموت من ناحية أخرى بداية مراحل لاحقة في وجود الإنسان، وهذه المراحل وما يتبعها نعلم عنها بالخبر اليقين الذي جاء به القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي تخص علم الغيب الذي يلزم شرعاً أن نؤمن به كما جاء، إيماناً يقينياً بمثل اليقين الذي نعلمه من حقيقة مشاهدة الموت ذاته. والموت مرحلة وجودية في سلسلة الوجود البشري، وليس هو النهاية المطلقة، وليس هو العدم، إذ أن بعد الموت حياة أخرى، فحيث إن الله هو الخالق وهو المميت فهو المحيي ثانية من بعد الموت.
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). سورة الحج، آية 6.
الوجود والخلود
ثانياً: الموت ظاهرة إنسانية عامة
فكل إنسان يجب أن يمر بهذه الظاهرة، كما أن الموت ظاهرة عامة تشمل كل المخلوقات. قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت). سورة آل عمران، آية 185. فلا خلود على هذه الأرض. (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَـإِنَّهُ ملاقيكم) سورة الجمعة, آية 8. وحيث إنه بهذا الشمول، فلا مهرب منه مهما صنع الإنسان، ولا علاقة له بحصانة المكان الذي يحتمي به الفرد. (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ). سورة النساء، آية 78. ويتحدى الله أي إنسان أن يستطيع الإنفلات منه (قل فادرأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين). سورة النساء، آية 78. فالموت لا يرده حرص ولا حذر ولا يؤجله جُـبن واستقرار وأمن.
ثالثاً: الموت أجل محدد ومجهول في الزمان والمكان:
فلكل نفس أجل مكتوب، لا ينقص منه يوم ولا يزيد. إن الموت أجل حدده الله سبحانه وتعالى، وليس للأعراض والأسباب الظاهرة أي صلة حقيقية في تحديد هذا الأجل. قال سبحانه: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا). سورة آل عمران، الآية، 145. فلا علاقة للصحة ولا للمرض بالموت، إنما الموت بانتهاء الأجل.
رابعاً: الموت انتهاء للتكليف والعمل:
بموت الإنسان يغلق سجل الأعمال، ويرفع إلى يوم الحساب حيث توزن حسناته وسيئاته في ميزان العدل الإلهي ليلقى مصيره الخالد في النعيم أو في الجحيم، وليس من بعد الموت تصحيح لكفر كافر. قال تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به). سورة آل عمران، الآية 91.
الوجود والخلود
خامساً: الموت هو مفارقة الروح للجسد
يقول الإمام أبوحامد الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين: ”إن معنى مفارقة الروح للجسد، انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها“. (صفحة 493). فالموت هو مفارقة الروح للجسد، وحيث إن الروح هي من جوهر إلهي، إذ هي نـفخة من روح الله، فهي الحافظة لكيان الجسد وهي المهيمنة على الحياة والحركة فيه، وهي محتوى العلم الذي يتميز به الإنسان، فبعد مفارقة هذه الروح يعود الجسد إلى جوهره وهو التراب. على الرغم من أن أعضاء الجسد في لحظة الموت الطبيعي قد تكون كلها كاملة وأدوات الحركة فيه من عضلات وأعصاب ودم، تكون كلها سليمة، إلا أنه بعد مفارقة الروح للجسد يتعطل كل الجسد. ويفقد الحياة بكامل مظاهرها، ويبدأ منذ تلك اللحظة بالفساد والتحلل إلى تراب كما كان أصلاً.
سادساً: الموت حضور
لا شك بأن تكرار لفظي ”حضر“ و ”جاء“، حين يرد لفظ ”الموت“ في آية قرآنية كريمة، له دلالة هامة، فالموت ”يحضر“ إلى الإنسان عندما يدنو أجله رغم أن الإنسان يكون ذاته في جميع أ؛واله الحياتية، فقد يأتيه الموت في الصحة والمرض، في الطفولة وفي الصبا وفي الشباب، وفي الرجولة وفي الكهولة، وفي الشيخوخة، يحضر إليه الموت في أية لحظة، من أجل ذلك قال تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت) سورة المائدة، الآية 106، (إذا جاء أحدكم الموت) سورة الأنعام، الآية 61. وهذا التعبير القرآني ينفي أن يكون الموت بسبب ذاتي أو عضوي، كسبب جوهري.
الوجود والخلود
سابعاً: قبض الروح
إن المحيي والمميت هو الله عز وجل (الله يتوفى الأنفس حين موتها)، سورة الزمر، الآية 12. ولكن اقتضت حكمته تعالى أن يكل قبض الأرواح إلى ملك مكلف بهذه المهمة (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم تُرجعون). سورة السجدة، الآية 11. وقد ورد في بعض الآثار أن اسمه ”عزرائـيل“، ومعناه: ”عبدالـجبار“، وقد اشتهر بهذا الاسم. وقيل أن له أعوان من الملائكة بدليل قوله تعالى (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفـته رسلنا وهم لا يفرطون). سورة الأنعام، الآية 61.
ثامناً: سؤال الملكين:
إن حقائق ما بعد الموت متعلقة بنظام آخر مختلف كل الاختلاف عن نظام هذا العالم المرئي للأحياء. وعن أخبار ما بعد الموت أنه إذا مات الإنسان أرسل الله إليه ملكين فسألاه عن الدين الذي عاش عليه وعن علمه بهذا الرجل الذي يسمع عنه، وهو ”محمد“ صلى الله عليه وسلم. فمن كان قد ثبته الله بالقول الثابت ومات على الحق وختم له بالحسنى ألهمه الله الجواب على سؤال الملكين؛ ومن لم يكن معتصماً بحبل الإيمان في حياته الدنيا ملأ الله قلبه فزعاً منهما، فغاب عن فكره الجواب المطلوب.
تاسعاً: عذاب القبر ونعيمه
إن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب؛ وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، حيث إن الروح تتصل بالبدن أحياناً ويحصل له معها النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين. قال تعالى (ولو تراى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون). سورة الأنعام، الآية 93.
الوجود والخلود
عاشراً: عدم الرجوع إلى الدنيا
تـُعد مرحلة الموت، انقطاع وجودي تام عن الحياة الدنيا، فلا رجعة إليها بدليل قوله تعالى: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)، سورة المؤمنون، الآية 100. وبعد مرحلة الموت يكون البعث إلى الحياة الآخرة.
يمكن الاستزادة من الموضوع من الكتاب الأصلي.
2003