نواف دخيل الله أبوشامه
11-16-2008, 01:57 AM
http://www.media4.org/news/authpic/20.jpg
في إحدى إعلانات شركة موبايلي للاتصالات التي عرضها التلفاز قديماً، كان الزائر الآسيوي يقص على أقرانه من موظفي شركته ما رآه بعينيه في المملكة من نهضةٍ عمرانيةٍ ونحو ذلك، وكانت إحدى حكايا آليس الآسيوي - بخلاف النهضة - عن بلاد الحرمين حبهم للثرثرة وكثرة الكلام، وأن أكثرهم يقتني هاتفاً محمولاً لا يكاد يفارق أذنه وهو يردد ( قر قر قر قر قر قر قر قر ) وهذه القرقرة ترمز إلى صوت حديث المشترك الذي تنقله خطوط الاتصالات التابعة لموبايلي، في إشارةٍ إلى التخفيضات التي قامت بها الشركة لمشتركيها !
لم تجد شركة الاتصالات السعودية - وهي الأم - بداً من دخول حلبة التنافس الشرس لاقتناص المشترك، بحملاتٍ دعائيةٍ متلاحقةٍ تتضمن عدداً من المزايا والعروض التي تقدمها الشركة، حرصاً منها على الظفر بجزءٍ من الكعكة الشهية، لسوق اتصالاتٍ واعدةٍ لا تزال في طور النمو والتوسع . فكان عرضها الأخير : تحدث مجاناً بعد الدقيقة الخامسة محلياً ودولياً !
إذ أعلنت الشركة عن تقديمها مكالماتٍ مجانيةٍ لكافة عملائها بعد الدقيقة الخامسة من المكالمة، محليةً كانت أم دولية لأي مكانٍ في العالم وفي جميع الأوقات، وبينت الشركة أنه بإمكان عملاء الاتصالات السعودية في خدمة الجوال أو بطاقات مسبقة الدفع ( سوا، لنا، هبنقة ! ) إجراء المكالمات على أي رقمٍ في العالم بعد الدقيقة الخامسة من الاتصال الواحد، ويشمل هذا باقات ( جود، وجود بلس، وباد نيوز ! ) وختمت الشركة الخبر بقولها : إن هذا العرض مقدم لجميع مشتركيها - وغيرهم من المغفلين ! - دون قيودٍ أو شروطٍ لمدة شهرٍ واحدٍ فقط .
وكنت ممن خلب – هذا العرض - لبه، وسفه نفسه بزيف كلام القوم، فبعت دنياي بعرض من الاتصالات قليل، فاقتنيت سوا عقب طلاقٍ بائن لشركة الاتصالات وإلى غير رجعةٍ لصالح شركةٍ أخرى لا تقل عنها سوء ! وبمئة ريالٍ هي قيمة شريحة الاشتراك رفعت سماعة هاتفي الجديد بمكالمةٍ دوليةٍ إلى بلاد محبي الفئران وصانعي الأجبان، عاصمة النور باريس، أهاتف خالتي وأستقى الأخبار وأتلمس رائحة الأحباب والأقارب من المهاجرين والمقيمين على السواء، تحدثت على مهلٍ بصوتٍ منخفضٍ إيماناً مني بعرض الغفلة، وصدق القوم، عكس ما كان يحدث سابقاً من رفع الصوت وبلوغي ذروة السرعة في مفرداتي اللغوية خوفاً من مداهمة الوقت ! كسرت حاجز خمس دقائق، فعشر ثم عشرين قبل أن تقطع المكالمة في الدقيقة الخامسة والعشرين !
تحققت من جهازي المحمول، وإمعاناً في الحيطة استبدلته بجهازٍ آخر، وشرعت في إجراء المكالمة ثانيةً، لتقطع بعد مرور نفس الوقت، وتكرر الأمر ثالثةً ولأكثر من دولةٍ ! فأيقنت أنني اشتريت الترام، وأن عشمي في شركة ( عفواً لقد تعثر مرور مكالمتك، لأنك مغفل ) يفوق عشم إبليس في ولوج حياض الجنة، وأن هذه الشركة لن ترضى عنك حتى تمتص دمك تماماً - كامتصاص سوق الأسهم مدخرات الأمة - وتحرق أعصابك، وتصيبك بالأوجاع والطواعين التي لم تعرف في الأمم الغابرة !
ومع كل عملية انقطاعٍ كنت أردد بيني وبين نفسي : حسبي الله ونعم الوكيل فيكم يا حرامية يا عديمي الحياء والضمير في عصر العولمة والتقدم !
أفترض أنا كما افترض غيري أن الشركات التي تحترم نفسها ومشتركيها، لا تلجأ لمثل هذه الأساليب الرخيصة المنحطة، لا سيما وأن مكاسبها المادية في فترةٍ من الفترات تربع على صدارة الدخل القومي للدولة بمركزٍ ثانٍ أو ثالث بعد النفط ! والذي يفترض أن يرقى بها إلى سامق العلياء، ويضفي على تعاملاتها وعروضها صدقاً وموضوعيةً وحسن إدارةٍ وجودة في الخدمة المقدمة .
غير أنه وفي ظل غيابٍ شبه تامٍ، وعجزٍ شبه مقصودٍ للأجهزة الرقابية وحماية المستهلك في الدولة، في متابعة خدمات هذه الشركات العملاقة وتقليم مخالبها وكبح جماحها، ووضع مصداقية خدماتها تحت المجهر، سيمتد عبثها وعبث غيرها بالمواطن إلى ما لا نهاية، دون أن تجشم الشركة نفسها عناء الاعتذار أو تقديم بيانٍ توضيحي عن سر هذا الانقطاع بعد الدقيقة الخامسة والعشرين ! في حين قاسى بعض الزملاء من انقطاع الاتصال عنهم بعد الدقيقة التاسعة عشرة ! يتفاوت الناس في البلاء، لكنهم يتقاسمون الخيبة والضحك على الذقون .
لا يمكنني أن أراهن على الإعلام، فصحافتنا تغازل الشركة حرصاً منها على سد الفاه وستر العورة، ووفق معادلة أطعم الفم تختشي العين ويخرس اللسان وللأبد، لا ننتظر الكثير منها، فسواء قطعت المكالمة بعد ثلاثين دقيقة أو بعد الدقيقة الخامسة الأمر سيان، والجمهور ساكت، والشركة تسوق منتجاتها، انتظاركم محل اهتمامنا، ورضاؤكم هو هدفنا !
يُخضع الكونجرس الأمريكي عشرات الشركات الأمريكية العملاقة لجلسات استجوابٍ ومحاسبةٍ إذا فاقت أرباحها الخيال، علماً بأنها تدفع ضرائبها بانتظامٍ للخزينة الأمريكية في التو واللحظة، ويُلزمها الكونجرس في بعض الأحيان أن تقدم خدماتٍ مجانية للمجتمع، كبناء المدارس، وإنشاء الحدائق، وتشييد المراكز، والحق يقال قامت شركة الاتصالات بإنشاء بضعة مراكز طبية في مختلف أرجاء المملكة، ورصدت لذلك ميزانية تعتبر قطرة في محيطات أرباحها الفاحشة والعياذ بالله، لعلها تخفف من ضغط دم المواطن وارتفاع نسبة الكولسترول عند المراجع، بسبب عملية الاستغفال غير الأخلاقي الذي تنتهجه الشركة في ترويج بعض خدماتها !
وإلى أن تتدخل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة التجارة، للتحقق من عملية الانقطاع هذه، أسوق لنفسي ولكم هذه النصيحة الخالدة : بعد الدقيقة الخامسة ... لا تتحدث مجاناً !
في إحدى إعلانات شركة موبايلي للاتصالات التي عرضها التلفاز قديماً، كان الزائر الآسيوي يقص على أقرانه من موظفي شركته ما رآه بعينيه في المملكة من نهضةٍ عمرانيةٍ ونحو ذلك، وكانت إحدى حكايا آليس الآسيوي - بخلاف النهضة - عن بلاد الحرمين حبهم للثرثرة وكثرة الكلام، وأن أكثرهم يقتني هاتفاً محمولاً لا يكاد يفارق أذنه وهو يردد ( قر قر قر قر قر قر قر قر ) وهذه القرقرة ترمز إلى صوت حديث المشترك الذي تنقله خطوط الاتصالات التابعة لموبايلي، في إشارةٍ إلى التخفيضات التي قامت بها الشركة لمشتركيها !
لم تجد شركة الاتصالات السعودية - وهي الأم - بداً من دخول حلبة التنافس الشرس لاقتناص المشترك، بحملاتٍ دعائيةٍ متلاحقةٍ تتضمن عدداً من المزايا والعروض التي تقدمها الشركة، حرصاً منها على الظفر بجزءٍ من الكعكة الشهية، لسوق اتصالاتٍ واعدةٍ لا تزال في طور النمو والتوسع . فكان عرضها الأخير : تحدث مجاناً بعد الدقيقة الخامسة محلياً ودولياً !
إذ أعلنت الشركة عن تقديمها مكالماتٍ مجانيةٍ لكافة عملائها بعد الدقيقة الخامسة من المكالمة، محليةً كانت أم دولية لأي مكانٍ في العالم وفي جميع الأوقات، وبينت الشركة أنه بإمكان عملاء الاتصالات السعودية في خدمة الجوال أو بطاقات مسبقة الدفع ( سوا، لنا، هبنقة ! ) إجراء المكالمات على أي رقمٍ في العالم بعد الدقيقة الخامسة من الاتصال الواحد، ويشمل هذا باقات ( جود، وجود بلس، وباد نيوز ! ) وختمت الشركة الخبر بقولها : إن هذا العرض مقدم لجميع مشتركيها - وغيرهم من المغفلين ! - دون قيودٍ أو شروطٍ لمدة شهرٍ واحدٍ فقط .
وكنت ممن خلب – هذا العرض - لبه، وسفه نفسه بزيف كلام القوم، فبعت دنياي بعرض من الاتصالات قليل، فاقتنيت سوا عقب طلاقٍ بائن لشركة الاتصالات وإلى غير رجعةٍ لصالح شركةٍ أخرى لا تقل عنها سوء ! وبمئة ريالٍ هي قيمة شريحة الاشتراك رفعت سماعة هاتفي الجديد بمكالمةٍ دوليةٍ إلى بلاد محبي الفئران وصانعي الأجبان، عاصمة النور باريس، أهاتف خالتي وأستقى الأخبار وأتلمس رائحة الأحباب والأقارب من المهاجرين والمقيمين على السواء، تحدثت على مهلٍ بصوتٍ منخفضٍ إيماناً مني بعرض الغفلة، وصدق القوم، عكس ما كان يحدث سابقاً من رفع الصوت وبلوغي ذروة السرعة في مفرداتي اللغوية خوفاً من مداهمة الوقت ! كسرت حاجز خمس دقائق، فعشر ثم عشرين قبل أن تقطع المكالمة في الدقيقة الخامسة والعشرين !
تحققت من جهازي المحمول، وإمعاناً في الحيطة استبدلته بجهازٍ آخر، وشرعت في إجراء المكالمة ثانيةً، لتقطع بعد مرور نفس الوقت، وتكرر الأمر ثالثةً ولأكثر من دولةٍ ! فأيقنت أنني اشتريت الترام، وأن عشمي في شركة ( عفواً لقد تعثر مرور مكالمتك، لأنك مغفل ) يفوق عشم إبليس في ولوج حياض الجنة، وأن هذه الشركة لن ترضى عنك حتى تمتص دمك تماماً - كامتصاص سوق الأسهم مدخرات الأمة - وتحرق أعصابك، وتصيبك بالأوجاع والطواعين التي لم تعرف في الأمم الغابرة !
ومع كل عملية انقطاعٍ كنت أردد بيني وبين نفسي : حسبي الله ونعم الوكيل فيكم يا حرامية يا عديمي الحياء والضمير في عصر العولمة والتقدم !
أفترض أنا كما افترض غيري أن الشركات التي تحترم نفسها ومشتركيها، لا تلجأ لمثل هذه الأساليب الرخيصة المنحطة، لا سيما وأن مكاسبها المادية في فترةٍ من الفترات تربع على صدارة الدخل القومي للدولة بمركزٍ ثانٍ أو ثالث بعد النفط ! والذي يفترض أن يرقى بها إلى سامق العلياء، ويضفي على تعاملاتها وعروضها صدقاً وموضوعيةً وحسن إدارةٍ وجودة في الخدمة المقدمة .
غير أنه وفي ظل غيابٍ شبه تامٍ، وعجزٍ شبه مقصودٍ للأجهزة الرقابية وحماية المستهلك في الدولة، في متابعة خدمات هذه الشركات العملاقة وتقليم مخالبها وكبح جماحها، ووضع مصداقية خدماتها تحت المجهر، سيمتد عبثها وعبث غيرها بالمواطن إلى ما لا نهاية، دون أن تجشم الشركة نفسها عناء الاعتذار أو تقديم بيانٍ توضيحي عن سر هذا الانقطاع بعد الدقيقة الخامسة والعشرين ! في حين قاسى بعض الزملاء من انقطاع الاتصال عنهم بعد الدقيقة التاسعة عشرة ! يتفاوت الناس في البلاء، لكنهم يتقاسمون الخيبة والضحك على الذقون .
لا يمكنني أن أراهن على الإعلام، فصحافتنا تغازل الشركة حرصاً منها على سد الفاه وستر العورة، ووفق معادلة أطعم الفم تختشي العين ويخرس اللسان وللأبد، لا ننتظر الكثير منها، فسواء قطعت المكالمة بعد ثلاثين دقيقة أو بعد الدقيقة الخامسة الأمر سيان، والجمهور ساكت، والشركة تسوق منتجاتها، انتظاركم محل اهتمامنا، ورضاؤكم هو هدفنا !
يُخضع الكونجرس الأمريكي عشرات الشركات الأمريكية العملاقة لجلسات استجوابٍ ومحاسبةٍ إذا فاقت أرباحها الخيال، علماً بأنها تدفع ضرائبها بانتظامٍ للخزينة الأمريكية في التو واللحظة، ويُلزمها الكونجرس في بعض الأحيان أن تقدم خدماتٍ مجانية للمجتمع، كبناء المدارس، وإنشاء الحدائق، وتشييد المراكز، والحق يقال قامت شركة الاتصالات بإنشاء بضعة مراكز طبية في مختلف أرجاء المملكة، ورصدت لذلك ميزانية تعتبر قطرة في محيطات أرباحها الفاحشة والعياذ بالله، لعلها تخفف من ضغط دم المواطن وارتفاع نسبة الكولسترول عند المراجع، بسبب عملية الاستغفال غير الأخلاقي الذي تنتهجه الشركة في ترويج بعض خدماتها !
وإلى أن تتدخل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة التجارة، للتحقق من عملية الانقطاع هذه، أسوق لنفسي ولكم هذه النصيحة الخالدة : بعد الدقيقة الخامسة ... لا تتحدث مجاناً !