موسى بن ربيع البلوي
02-20-2005, 10:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً يليق بجلاله و الشكر له على توفيقه و إحسانه .
و صلى الله وسلم على أشرف خلقه و عباده .
و بعد ....
في خضم هذه الأمواج المتلاطمة في هذا الزمن نحتاج إلى متنفسٍ تنفسه و ملجأ نلجأ إليه بعد الله ، و خير ما يطمئن به القلب ذكر الله .
أترككم مع هذه النزهة المباركة بإذن الله تعالى :
1 -
قال تعالى :
(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ {56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ {59} وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ {60} وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {61}
هذه الآيات الكريمات دعوة لجميع من عصى من الكفرة و غيرهم إلى التوبة و الإنابة و إخبار بان الله تبارك و تعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها و رجع عنها و إن كانت مهما كانت و إن كثرت و كانت مثل زبد البحر و لا يصح حمل هذه الآية على غير توبة لان الشرك لا يُغفر لمن لم يتب منه .
- الآية ( 53 ) قل يا عبادي : و المراد أن الله يغفر جميع ذلك مع التوبة و لا يقنط عبد من رحمة الله ، فان باب الرحمة و التوبة واسع .
- ( و أنيبوا إلى ربكم و اسلموا ) : أي ارجعوا إلى الله و استسلموا له من ( قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) : أي بادروا بالتوبة و العمل الصالح قبل حلول النقمة ( و اتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم ) : أي اتبعوا القران الكريم ( من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و انتم لا تشعرون ) : أي من حيث لا تعلمون و لا تشعرون ، ثم قال عز وجل : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) : يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة و الإنابة و يود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله عز وجل ( و إن كنت لمن الساخرين ) : أي إنما كان عملي في الدنيا عمل سافر مستهزئ غير موفق .
- ( أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) : أي تود لو أعيدت إلى الدنيا لتحسن العمل و اخبر الله لو ردوا لما قدروا على الهدى و قال تعالى : ( و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و إنهم لكاذبون ) .
- ( و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ) : أي في دعواهم له شريك و ولداً ( وجوههم مسودة ) أي بكذبهم و افترائهم فيوم القيامة تسّود فيه وجوه و تبيض فيه وجوه ، تسّود وجوه أهل الفرقة و الاختلاف و تبيض وجوه أهل السنة و الجماعة ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) : أي ليست جهنم كافية لهم سجناً و موئلاً لهم فيها الخزي و الهوان بسبب تكبرهم و تجبرهم و إبائهم عن الانقياد للحق ( و ينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم ) : أي بما سبق لهم من السعادة و الفوز عند الله ( لا يمسهم السوء ) : أي يوم القيامة ( و لا هم يحزنون ) : أي لا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر نائلون كل خير .
********
2 –
عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِبَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ : سمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلميَقُولُ: " إن الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أمورمُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثيِرٌ مِنَ الناسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِاسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشَّبُهاتِ وَقَعَ فيالْحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِك أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاوَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً أَلا وَإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُه، أَلا وَإنَّ فيالجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحً الْجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَالْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّوَمُسْلِمٌ.
مفردات الحديث :
-بَيِّن ": ظاهر .
-مُشْتَبِهَات ": جمع مشتبه، وهو المشكل؛ لما فيه من عدم الوضوح في الحلوالحرمة.
-لا يَعْلَمُهُنَّ ": لا يعلم حكمها.
-اتَّقَىالشُّبُهَاتِ ":ابتعد عنها، وجعل بينه وبين كل شبهة أو مشكلة وقاية.
-اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ": طلب البراءة أو حصل عليها لعرضه من الطعنولدينه من النقص، وأشار بذلك إلى ما يتعلق بالناس وما يتعلق بالله عز وجل.
-الْحِمَى": المحمي، وهو المحظور على غير مالكه.
-أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ": أنتأكل منه ماشيته وتقيم فيه.
-مضغة ": قطعة من اللحم قدر ما يُمضغ فيالفم.
المعنى العام :
- الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن، وبينهما أمورمشتبهات: معناه أن الأشياء ثلاثة أقسام : حلال واضح، لا يخفى حله، كأكل الخبز،والكلام، والمشي، وغير ذلك.. وحرام واضح؛ كالخمر والزنا، ونحوهما.. وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحل والحرمة، ولهذا لا يعرفها كثير من الناس، وأماالعلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن نصولا إجماع اجتهد فيه المجتهد، فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي.
- ومن الورع تركالشبهات مثل عدم معاملة إنسان في ماله شبهة أو خالط ماله الربا، أو الإكثار منمباحات تركها أولى .
- أما ما يصل إلى درجة الوسوسة من تحريم الأمر البعيدفليس من المشتبهات المطلوب تركها، ومثال ذلك: ترك النكاح من نساء في بلد كبير خوفاًمن أن يكون له فيها محرم، وترك استعمال ماء في فلاة، لجواز تنجسه.. فهذا ليس بورع،بل وسوسة شيطانية.
- لكل ملك حمى، وإن حمى الله فيأرضه محارمه : الغرض من ذكر هذا المثل هو التنبيه بالشاهد على الغائب وبالمحسوس علىالمجرد، فإن ملوك العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها وتتوعد من يقربها، والخائف منعقوبة الملك يبتعد بماشيته خوف الوقوع، وغير الخائف يتقرب منها ويرعى في جوارهاوجوانبها، فلا يلبث أن يقع فيها من غير اختياره، فيعاقب على ذلك.
- وللهسبحانه في أرضه حمى، وهي المعاصي والمحرمات، فمن ارتكب منها شيئاً استحق عقاب اللهفي الدنيا والآخرة، ومن اقترب منها بالدخول في الشبهات يوشك أن يقع فيالمحرمات.
- صلاح القلب: يتوقف صلاح الجسد على صلاح القلب؛ لأنه أهم عضو فيجسم الإنسان، وهذا لا خلاف فيه من الناحية التشريحية والطبية، ومن المُسَلَّم به أنالقلب هو مصدر الحياة المشاهدة للإنسان، وطالما هو سليم يضخ الدم بانتظام إلى جميعأعضاء الجسم، فالإنسان بخير وعافية.
والمراد من الحديث صلاح القلب المعنوي،والمقصود منه صلاح النفس من داخلها حيث لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى، وهيالسريرة.
- صلاح القلب في ستة أشياء قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيامالليل، والتضرع عند السَّحَر، ومجالسة الصالحين. وأكل الحلال .
- والقلبالسليم هو عنوان الفوز عند الله عز وجل، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلابَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ( الشعراء 88 – 89 )
- ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح الجوارح، فإذا كان القلب صالحاً ليسفيه إلا إرادة ما يريده الله، لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده الله، فسارعت إلى مافيه رضاه وكفت عما يكره، وعما يخشى أن يكون مما يكرهه وإن لم يتيقنذلك.
يفيد الحديث :
1 - الحث على فعل الحلال، واجتناب الحرام، وترك الشبهات،والاحتياط للدين والعرض، وعدم تعاطي الأمور الموجبة لسوء الظن والوقوع فيالمحظور.
2 - الدعوة إلى إصلاح القوة العاقلة، وإصلاح النفس من داخلها وهو إصلاحالقلب.
3 - سد الذرائع إلى المحرمات، وتحريم الوسائلإليها.
الحمد لله حمداً يليق بجلاله و الشكر له على توفيقه و إحسانه .
و صلى الله وسلم على أشرف خلقه و عباده .
و بعد ....
في خضم هذه الأمواج المتلاطمة في هذا الزمن نحتاج إلى متنفسٍ تنفسه و ملجأ نلجأ إليه بعد الله ، و خير ما يطمئن به القلب ذكر الله .
أترككم مع هذه النزهة المباركة بإذن الله تعالى :
1 -
قال تعالى :
(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ {56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ {59} وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ {60} وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {61}
هذه الآيات الكريمات دعوة لجميع من عصى من الكفرة و غيرهم إلى التوبة و الإنابة و إخبار بان الله تبارك و تعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها و رجع عنها و إن كانت مهما كانت و إن كثرت و كانت مثل زبد البحر و لا يصح حمل هذه الآية على غير توبة لان الشرك لا يُغفر لمن لم يتب منه .
- الآية ( 53 ) قل يا عبادي : و المراد أن الله يغفر جميع ذلك مع التوبة و لا يقنط عبد من رحمة الله ، فان باب الرحمة و التوبة واسع .
- ( و أنيبوا إلى ربكم و اسلموا ) : أي ارجعوا إلى الله و استسلموا له من ( قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) : أي بادروا بالتوبة و العمل الصالح قبل حلول النقمة ( و اتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم ) : أي اتبعوا القران الكريم ( من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و انتم لا تشعرون ) : أي من حيث لا تعلمون و لا تشعرون ، ثم قال عز وجل : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) : يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة و الإنابة و يود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله عز وجل ( و إن كنت لمن الساخرين ) : أي إنما كان عملي في الدنيا عمل سافر مستهزئ غير موفق .
- ( أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) : أي تود لو أعيدت إلى الدنيا لتحسن العمل و اخبر الله لو ردوا لما قدروا على الهدى و قال تعالى : ( و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و إنهم لكاذبون ) .
- ( و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ) : أي في دعواهم له شريك و ولداً ( وجوههم مسودة ) أي بكذبهم و افترائهم فيوم القيامة تسّود فيه وجوه و تبيض فيه وجوه ، تسّود وجوه أهل الفرقة و الاختلاف و تبيض وجوه أهل السنة و الجماعة ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) : أي ليست جهنم كافية لهم سجناً و موئلاً لهم فيها الخزي و الهوان بسبب تكبرهم و تجبرهم و إبائهم عن الانقياد للحق ( و ينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم ) : أي بما سبق لهم من السعادة و الفوز عند الله ( لا يمسهم السوء ) : أي يوم القيامة ( و لا هم يحزنون ) : أي لا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر نائلون كل خير .
********
2 –
عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِبَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ : سمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلميَقُولُ: " إن الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أمورمُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثيِرٌ مِنَ الناسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِاسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشَّبُهاتِ وَقَعَ فيالْحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِك أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاوَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً أَلا وَإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُه، أَلا وَإنَّ فيالجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحً الْجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَالْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّوَمُسْلِمٌ.
مفردات الحديث :
-بَيِّن ": ظاهر .
-مُشْتَبِهَات ": جمع مشتبه، وهو المشكل؛ لما فيه من عدم الوضوح في الحلوالحرمة.
-لا يَعْلَمُهُنَّ ": لا يعلم حكمها.
-اتَّقَىالشُّبُهَاتِ ":ابتعد عنها، وجعل بينه وبين كل شبهة أو مشكلة وقاية.
-اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ": طلب البراءة أو حصل عليها لعرضه من الطعنولدينه من النقص، وأشار بذلك إلى ما يتعلق بالناس وما يتعلق بالله عز وجل.
-الْحِمَى": المحمي، وهو المحظور على غير مالكه.
-أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ": أنتأكل منه ماشيته وتقيم فيه.
-مضغة ": قطعة من اللحم قدر ما يُمضغ فيالفم.
المعنى العام :
- الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن، وبينهما أمورمشتبهات: معناه أن الأشياء ثلاثة أقسام : حلال واضح، لا يخفى حله، كأكل الخبز،والكلام، والمشي، وغير ذلك.. وحرام واضح؛ كالخمر والزنا، ونحوهما.. وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحل والحرمة، ولهذا لا يعرفها كثير من الناس، وأماالعلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن نصولا إجماع اجتهد فيه المجتهد، فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي.
- ومن الورع تركالشبهات مثل عدم معاملة إنسان في ماله شبهة أو خالط ماله الربا، أو الإكثار منمباحات تركها أولى .
- أما ما يصل إلى درجة الوسوسة من تحريم الأمر البعيدفليس من المشتبهات المطلوب تركها، ومثال ذلك: ترك النكاح من نساء في بلد كبير خوفاًمن أن يكون له فيها محرم، وترك استعمال ماء في فلاة، لجواز تنجسه.. فهذا ليس بورع،بل وسوسة شيطانية.
- لكل ملك حمى، وإن حمى الله فيأرضه محارمه : الغرض من ذكر هذا المثل هو التنبيه بالشاهد على الغائب وبالمحسوس علىالمجرد، فإن ملوك العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها وتتوعد من يقربها، والخائف منعقوبة الملك يبتعد بماشيته خوف الوقوع، وغير الخائف يتقرب منها ويرعى في جوارهاوجوانبها، فلا يلبث أن يقع فيها من غير اختياره، فيعاقب على ذلك.
- وللهسبحانه في أرضه حمى، وهي المعاصي والمحرمات، فمن ارتكب منها شيئاً استحق عقاب اللهفي الدنيا والآخرة، ومن اقترب منها بالدخول في الشبهات يوشك أن يقع فيالمحرمات.
- صلاح القلب: يتوقف صلاح الجسد على صلاح القلب؛ لأنه أهم عضو فيجسم الإنسان، وهذا لا خلاف فيه من الناحية التشريحية والطبية، ومن المُسَلَّم به أنالقلب هو مصدر الحياة المشاهدة للإنسان، وطالما هو سليم يضخ الدم بانتظام إلى جميعأعضاء الجسم، فالإنسان بخير وعافية.
والمراد من الحديث صلاح القلب المعنوي،والمقصود منه صلاح النفس من داخلها حيث لا يطلع عليها أحد إلا الله تعالى، وهيالسريرة.
- صلاح القلب في ستة أشياء قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيامالليل، والتضرع عند السَّحَر، ومجالسة الصالحين. وأكل الحلال .
- والقلبالسليم هو عنوان الفوز عند الله عز وجل، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلابَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ( الشعراء 88 – 89 )
- ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح الجوارح، فإذا كان القلب صالحاً ليسفيه إلا إرادة ما يريده الله، لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده الله، فسارعت إلى مافيه رضاه وكفت عما يكره، وعما يخشى أن يكون مما يكرهه وإن لم يتيقنذلك.
يفيد الحديث :
1 - الحث على فعل الحلال، واجتناب الحرام، وترك الشبهات،والاحتياط للدين والعرض، وعدم تعاطي الأمور الموجبة لسوء الظن والوقوع فيالمحظور.
2 - الدعوة إلى إصلاح القوة العاقلة، وإصلاح النفس من داخلها وهو إصلاحالقلب.
3 - سد الذرائع إلى المحرمات، وتحريم الوسائلإليها.