حماد عبدالله أبوشامه (متوفي رحمه الله)
04-19-2009, 09:47 AM
**المنهج النفسي عند الأديب**
-------------------------
**للأخت الفاضلة جازية**
---------------------------
*
*
*تعريف المنهج النفسي:
- هو المنهج الذي يتناول العمل الأدبي من بدايته إلى نموه واكتماله من حيث الكشف عن العناصر الشعورية، فهو يدرس نفسية قائل النص ونفسية النص من خلال قائله.مثلا هل مر الشاعر بحالة نفسية ما أثرت على القصيدة، كيف هي علاقاته الاجتماعية. هل فقده لشخص ما أثر على نبض قصيدته.
- فالأدب ما هو إلا تعبير عن حالة شعورية في صورة أدبية راقية
*شرح:
1/ تجربة شعورية في صورة موحية.
2/ هوتحليل نفسيات الأدباء وخصائص شخصياتهم اعتمادا على كتابتهم و أحداث حياتهم، واعتبار. العمل الأدبي صورة تعكس حياة الأديب وسماته الشخصية عن طريق تطبيق نتاج علم النفس الحديث على شخصيات الأدباء ونتاجهم الأدبي.
خصائص المنهج النفسي:
1/ يعرف شخصية الأديب من خلال شعره وما تتسم به نفسيته من ألم وحزن .
2/ تفسير الظواهر الفنية والجوانب الجمالية إسنادا لعوامل نفسية.
3/ تطبيق نتائج علم النفس على شخصيات الأدباء ونتاجهم الأدبي.
4/ البحث في أثر البيئة على شخصية الأديب عند تحليل.
أسس نظريات المنهج النفسي:
1/ تفسير العمل الأدبي:
اهتم فيه الناقد بتفسير الأعمال الأدبية ذاتها، في ضوء حقائق علم النفس دون أن يحفل كثيرا بدراسة شخصية الأديب أو عملية الإبداع، فهو يرى أن معرفة تفاصيل الطرق التي يكتب بها الأديب، لا تفيد كثيرا في فهم عمل الأديب ذاته و في تفسيره ومن أجل هذا، لم يقتصر عنايته على دراسة شخصية الأديب، بل وجهها إلى العمل الأدبي على اختلاف أجناسه و أنواعه.
2/ العمل الأدبي وليد اللاشعور:
يرى الناقد أن العمل الأدبي نشاط باطني أو لا شعوير، وهو رمز للرغبات المكبوتة في لاشعور الأديب، ومن هنا تأتي ضرورة المنهج النفسي التحليلي، لأنه المنهج الوحيد الذي يختص بتحليل اللاشعور.
3/ معرفة حياة الأديب وتفسير أدبه:
يرى الناقد أن معرفة حياة الأديب قد تفيد في فهم عمل الأديب و تفسيره ولكنه لا يعتمد كثيرا على هذه القاعدة، لأن حياة الأديب قد تفيد في استكناه رموز عمله الأدبي، ولكنها قد لا تفيد في تفسير أعمال أخرى على حين نجد لعلم النفسه وحقائقه قرائن كثيرة في معظم الأعمال الأدبية.
4/علم النفس بين الناقد والأديب:
يؤمن ( عز الدين إسماعيل) بأن التجليات النفسية في العمل الأدبي وظيفة ينهض بها الناقد، وليس الأديب بتضمين أثره الفني حقائق سيكيلوجية، إذ يكفي هذا الأثر ما يحمله في ثناياه من ذخيرة نفسية دون أن نقحم فيه نتائج لستنباط أبعاد العمل الأدبي و تفسير ما يختبئ وراءه من دلالات دون مبالغة أو شطط. على أن هذا لا يمنع الفنان الإفادة من حقائق علم النفس، و ليس بالضرورة أن يكون عالم التحليل النفسي ناقدا للأدب لمجرد أنه يستطيع تفسير الإشارات و الرموز الواردة في العمل الفني، ثم إن إشراك علم النفس في الأدب وفي كثير من المجالات، لا يعني بالضرورة أيضا أنه يستطيع إنشاء الأدب.
5/ المعالجة النقدية على التفسير، والتحليل والتقويم أو الحكم والاعتماد على المعرفة العلمية السيكولوجية وهذه العناصر مجتمعة تشكل في الوقت نفسه، مساكيته في النقد النفسي، وفي الوقت الذي استطعنا فيه أن نفسر عناصر العمل الشعري و نحلله، كنا قد مهدنا السبيل للحكم على القيمة الفنية لهذا الشعر فيها الصورة أو الرمز، فالتفسير و التحليل والتقويم أو الحكم مراحل متداخلة تجري في سياق واحد، والتقويم الصحيح ينشأ في الفهم الصحيح ينشأ عن الفهم الصحيح.
6/ كل عمل أدبي قابل للتحليل النفسي:
أي عمل أدبي كائنا ما كان نوعه أو عصره إنما يمكن تناوله بالدراسة التحليلية على أسس نفسية وهذا رأي فيه شيء من الريبة لو لا استخدام الناقد كلمة " يمكن" لأن الأعمال الأدبية التي طبق عليها منهجه في التحليل النفسي أعمال منتقاة، ولا يمكن أن تكون حكما عاما ينسحب على كل ما ينتجه الأديب.
علاقة علم النفس بالأدب:
لا ريب أن علاقة علم النفس بالأدب و الأدباء علاقة تلازمية فالأديب متأثر و مؤثر فهو يتأثر بالمشاهدات و التجارب التي تصادقه في حياته، ثم يقوم بنقل تجاربه و أفكاره إلى أبناء حسية ليؤثر في عقلياتهم و ينهض بها من حصة و يكسب عطفهم و مؤازرتهم من جهة أخرى ليس الأديب معبرا فحسب و لكنه معبر و مفكر ومدبر،بل انه يفكر و يدبر قبل أن يعبر ويحرر.
و من مقومات الأديب أن يكون قوي الإحساس دقيق الملاحظة سريع التذكر صادق التصور واسع الخيال وسليم التفكير ومن مقوماته أن يكون مرهف الوحدات رقيق العاطفة، متزن الانفعال فإن لم يكن كذلك ما استطاع أن يخاطب الوجدان ويثيره وما كان في وسعه أن يبعث في الشعب العواطف الخليقة النبيلة التي تنهض بالأمة وتجعل لها مكانة بين الأمم وترفع من شأنها .إن من أنبل أغراض الأديب أن يعمل على إصلاح المجتمع الذي يعيش فيه لتقوية إرادته.
وليس عمل الأديب مقصورا فقط على التفكير و التحرير والإنشاء وإلقاء الخطب وقرضه الشعر بل هناك عمل لا يقبل أهمية عن هذه الأعمال هو النقد الأديب.
و خلاصة القول: أن الأديب منشئا كان أو ناقد في حاجة ماسة إلى دراسة علم النفس، والى معرفة العمليات العقلية التي لها صلة وثيقة بالإنتاج أو النقد الأديب بوجه خاص، والى الإلمام بمدى تأثير حياة الأديب العقلية في سلكه الأديب بوجه أخص.
العوامل النفسية المؤثرة في أعمال الأدباء:
ومن الهم جدا للباحث و الناقد تعمق العوامل النفسية المقررة في علم النفس وأثر هذه العوامل على الأدباء باعتبارها عوامل محركة لإبراز الإبداع الأدبي ونستعرض باختصار إلى أهم هذه العوامل فيما يلي:
1-الإدراك الحسي: يرى علماء النفس أن أصل العمليات العقلية الإدراكية هو الإحساس أو الإدراك الحسي الذي هو الفهم و التعقل بالحواس الخمس الظاهرة كإدراك الألوان بواسطة البصر و الأصوات والنغمات بواسطة السمع و المطعومات بالذوق و الروائح بالشم والمحسوسات باللمس والناس في إدراك كل ذلك متفاوتون فكلما قويت مادة الإدراك في إنسان ساعدته على دقة التوصيف للمدركات .
و من هنا كان الإدراك الحسي أثر كبير في نتاجه الأدبي فان كان الإدراك قويا جليا، كان عمل الأديب إبداعا لأنه لا ريب سيصف ما يحسه أو يشاهده أو يلمسه وصفا دقيقا واقعيا أو يكاد.
2- التصور: هو حالة استحضار عقلية لصور المدركات الحسية في حال غيبتها عن الحواس دون تغيير في حقائقها الواقعية، فهو ينشأ عن الإدراك الحسي كما أنه أمر يسيير تختلف فيه قدرات الأدباء و المبدعين يقول: الأستاذ حامد عبد القادر : التصور ميدان تتسابق فيه عقول الأدباء فهو الذي سبب عدهم على وصف تجاربهم الماضية وصفا دقيقا. والى اختلاف الناس في الإدراك الحسي يرجع اختلافهم في التصوير و القدرة على التصوير، فالبصري يقوي على تصور المبصرات و تصويرها تصويرا واضحا دقيقا، والسمعي يقوي تصوره للأصوات و النغمات قيسا عدة ذلك على حس تصويرها وكذلك يقال في الذوقي و الشمسي واللمسي فالشاعر الذي يقول:
لما نزلنا نصبنا ظل أخبية وقار باللحم للقوم والمراجيل
ورود وأشقر ما يؤتيه طابخه ما غير الغلي منه فهو مأكول
إنما يصف ما رأى وأحس ما قبل، معتمدا في ذلك على عملية التصور فقد استحضر الأخبية وظلها، والمراجيل وفورانها ولون اللحم الوردي والأحمر وغليان الماء واللحم فيه و التهام اللحوم بمجرد أن يغير لونها غليان الماء وهذا تصوير مطابق للواقع لا زيادة فيه ولا تغيير ولا تبديل.
3- التخيل: وكما أن التصور ينشأ عن الإدراك الحسي فان التخيل ينشأ عن التصور الذهني وهو استدعاء أو إنشاء صور ليس لها خارج الذهن إدراك حسي كتصور بقرة تتكلم أو قرد يقهقه فالمتنبي عندما يصف كافور الأحشيد يقول:
وإذا ما بدا ضاحكا فكأنما قرد يقهقه أو عجوز تلطم.
4- تداعي المعاني:ويقصد بها توارد المعاني على هذا الباحث واحد يعد الآخر لوجود علاقة بينهما سواء كانت هذا العلاقة علاقة تشابه أو تضاد أو علاقة اقتران زماني أو مكاني كأن يرى رجلاله أنف طويل فيتذكر صورة جده لأن له ملامحا منه وهذه العلائق الثلاثة هي الأصل في تداعي المعاني في ذهن الأديب إلا أن الباحثاين لاحظوا قوانين أخرى ثانوية لتداعي المعاني هي:
1/ قانون الأولوية: مثلا أول حادثة من نوعها يشتد تأثيرها في النفس ولذا تجد طريقها إلى ذهن أسرع من غيرها
2/ قانون التكرار: وإذا تكرر ارتباط فكرة بأخرى عدة مرات كانت أولى بالاستدعاء من غيرها
3/ قانون قرب العهد: إذا كان أحد المعاني المترابطة أحدث من غيره في تجاربنا كانت له الأفضلية في المرور بالذهن على ما هو قديم منها.
4/ قانون الوضوح: كلما اشتدت الرابطة بين مهنيين واتضحت الصلة بينهما كان كل منهما أسرع في دخول حظيرة الشعور عقب الآخر.
5/ الحالة الوجدانية الخاصة: والإنسان في حالة الرضاعية شخص تتوارء على ذهنه الصفات الحسنة الفضائل التي تتجلى في ذلك الشخص.
6/ قانون الحالة العقلية العامة أو الخاصة: و الأفكار التي تتوارد على أذهان الناس تختلف باختلاف مهنهم وميولهم فمثلا أفكار المدرس تكون في الغالب في العالم التدريس، أفكار القاضي تكون اشد اتصالا بعالم القضاء و القانون.
5-الحكم: و يقصد به في علم النفس إدراك علاقة بين شيئين ايجابيا أو سلبيا إذا استطاع الأديبان يتحاشى العوالم التي تؤدي إلى حدوث الخطأ في حكمه على الأشياء مثل التغلب على العاطفة و البعد عن الانفعالات كالخوف و الغضب.
6-التعليل: هو عملية يقصد إدراك السبب في واقعة ما كإدراك السبب في تنوع الكاتب نجيب محفوظ وحصوله على طائرة توبل في الأدب والتعليل قد يكون علميا وقد يكون أدبيا.
فالتعليل العلمي يكون برد الأشياء إلى طبائعها أو قوانينها التي يخضع لها تعليل واقعي و التعليل الأديب هو ما يعرف في علم المعاني بحسن التعليل الذي يقوم أساسه على الخيال و العاطفة فهو تعليل نفسي و الغرض منه التأثير في وجدان السامع و إدخال السرور.
خصائص العلاقة و أهم أعلامها عربيا:
1/ إن دراسة الأدب في ضوء علم النفس لا تحتاج تسويغ ما دام العمل الأدبي من إنتاج الإنسان، وهو المعبر الذي يوصلنا إلى نفس هذا الإنسان وما تنطوي عليه إحساساته و مشاعره.
2/إن مرحلة الراهنة تتطلب المنهج النفسي، بعدما كان الفكر المعاصر يميل إلى الفهم و المعرفة أكثر من ميله إلى الذوق و الاستحسان.
3/ الفلسفة الذوقية النفسية: هي التي تنير السبيل أمام الناقد و تكسبه منتفذ التأثر الأدبي في النفوس.
أهــم الأعــلام:
1/ محمد خلف الله ألف كتاب سماه من وجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده وقد طبق هذه الدراسة على عدد من الشعراء مثل حسان بن ثابت
2/ أمين الخولي ألف عن أبي العلاء المعري سماه في ترسيخ العلاقة بين علن النفس و الأدب وإرساء قواعد النقد النفسي ألف كتاب فن القول وقد انفرد في دراسة العلاقة بين علم النفس و البلاغة.
3/ حامد عبد القادر أول من أدخل مادة علم النفس الأدبي في الجامعات المصرية ونظرية النقد النفسي وهو صاحب كتاب دراسات في علن النفس الأدبي
4/ إسماعيل عز الدين هو أمل من طبق علم النفس على الأعمال الأدبية لتفسيرها تفسيرا نفسيا وهو صاحب كتاب التفسير النفسي للأدب.
5/ العقاد في كتابه عن ابن الرومي و أبي نواس
6/ إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه عن بشار بن برد
7/ دراسات خليل مطران عن الحكيم الدكتور إسماعيل أدهم.
وقد طبقها في بحثه عبد القاهر الجرجاني (في كتابه أسرار البلاغة)
****
-------------------------
**للأخت الفاضلة جازية**
---------------------------
*
*
*تعريف المنهج النفسي:
- هو المنهج الذي يتناول العمل الأدبي من بدايته إلى نموه واكتماله من حيث الكشف عن العناصر الشعورية، فهو يدرس نفسية قائل النص ونفسية النص من خلال قائله.مثلا هل مر الشاعر بحالة نفسية ما أثرت على القصيدة، كيف هي علاقاته الاجتماعية. هل فقده لشخص ما أثر على نبض قصيدته.
- فالأدب ما هو إلا تعبير عن حالة شعورية في صورة أدبية راقية
*شرح:
1/ تجربة شعورية في صورة موحية.
2/ هوتحليل نفسيات الأدباء وخصائص شخصياتهم اعتمادا على كتابتهم و أحداث حياتهم، واعتبار. العمل الأدبي صورة تعكس حياة الأديب وسماته الشخصية عن طريق تطبيق نتاج علم النفس الحديث على شخصيات الأدباء ونتاجهم الأدبي.
خصائص المنهج النفسي:
1/ يعرف شخصية الأديب من خلال شعره وما تتسم به نفسيته من ألم وحزن .
2/ تفسير الظواهر الفنية والجوانب الجمالية إسنادا لعوامل نفسية.
3/ تطبيق نتائج علم النفس على شخصيات الأدباء ونتاجهم الأدبي.
4/ البحث في أثر البيئة على شخصية الأديب عند تحليل.
أسس نظريات المنهج النفسي:
1/ تفسير العمل الأدبي:
اهتم فيه الناقد بتفسير الأعمال الأدبية ذاتها، في ضوء حقائق علم النفس دون أن يحفل كثيرا بدراسة شخصية الأديب أو عملية الإبداع، فهو يرى أن معرفة تفاصيل الطرق التي يكتب بها الأديب، لا تفيد كثيرا في فهم عمل الأديب ذاته و في تفسيره ومن أجل هذا، لم يقتصر عنايته على دراسة شخصية الأديب، بل وجهها إلى العمل الأدبي على اختلاف أجناسه و أنواعه.
2/ العمل الأدبي وليد اللاشعور:
يرى الناقد أن العمل الأدبي نشاط باطني أو لا شعوير، وهو رمز للرغبات المكبوتة في لاشعور الأديب، ومن هنا تأتي ضرورة المنهج النفسي التحليلي، لأنه المنهج الوحيد الذي يختص بتحليل اللاشعور.
3/ معرفة حياة الأديب وتفسير أدبه:
يرى الناقد أن معرفة حياة الأديب قد تفيد في فهم عمل الأديب و تفسيره ولكنه لا يعتمد كثيرا على هذه القاعدة، لأن حياة الأديب قد تفيد في استكناه رموز عمله الأدبي، ولكنها قد لا تفيد في تفسير أعمال أخرى على حين نجد لعلم النفسه وحقائقه قرائن كثيرة في معظم الأعمال الأدبية.
4/علم النفس بين الناقد والأديب:
يؤمن ( عز الدين إسماعيل) بأن التجليات النفسية في العمل الأدبي وظيفة ينهض بها الناقد، وليس الأديب بتضمين أثره الفني حقائق سيكيلوجية، إذ يكفي هذا الأثر ما يحمله في ثناياه من ذخيرة نفسية دون أن نقحم فيه نتائج لستنباط أبعاد العمل الأدبي و تفسير ما يختبئ وراءه من دلالات دون مبالغة أو شطط. على أن هذا لا يمنع الفنان الإفادة من حقائق علم النفس، و ليس بالضرورة أن يكون عالم التحليل النفسي ناقدا للأدب لمجرد أنه يستطيع تفسير الإشارات و الرموز الواردة في العمل الفني، ثم إن إشراك علم النفس في الأدب وفي كثير من المجالات، لا يعني بالضرورة أيضا أنه يستطيع إنشاء الأدب.
5/ المعالجة النقدية على التفسير، والتحليل والتقويم أو الحكم والاعتماد على المعرفة العلمية السيكولوجية وهذه العناصر مجتمعة تشكل في الوقت نفسه، مساكيته في النقد النفسي، وفي الوقت الذي استطعنا فيه أن نفسر عناصر العمل الشعري و نحلله، كنا قد مهدنا السبيل للحكم على القيمة الفنية لهذا الشعر فيها الصورة أو الرمز، فالتفسير و التحليل والتقويم أو الحكم مراحل متداخلة تجري في سياق واحد، والتقويم الصحيح ينشأ في الفهم الصحيح ينشأ عن الفهم الصحيح.
6/ كل عمل أدبي قابل للتحليل النفسي:
أي عمل أدبي كائنا ما كان نوعه أو عصره إنما يمكن تناوله بالدراسة التحليلية على أسس نفسية وهذا رأي فيه شيء من الريبة لو لا استخدام الناقد كلمة " يمكن" لأن الأعمال الأدبية التي طبق عليها منهجه في التحليل النفسي أعمال منتقاة، ولا يمكن أن تكون حكما عاما ينسحب على كل ما ينتجه الأديب.
علاقة علم النفس بالأدب:
لا ريب أن علاقة علم النفس بالأدب و الأدباء علاقة تلازمية فالأديب متأثر و مؤثر فهو يتأثر بالمشاهدات و التجارب التي تصادقه في حياته، ثم يقوم بنقل تجاربه و أفكاره إلى أبناء حسية ليؤثر في عقلياتهم و ينهض بها من حصة و يكسب عطفهم و مؤازرتهم من جهة أخرى ليس الأديب معبرا فحسب و لكنه معبر و مفكر ومدبر،بل انه يفكر و يدبر قبل أن يعبر ويحرر.
و من مقومات الأديب أن يكون قوي الإحساس دقيق الملاحظة سريع التذكر صادق التصور واسع الخيال وسليم التفكير ومن مقوماته أن يكون مرهف الوحدات رقيق العاطفة، متزن الانفعال فإن لم يكن كذلك ما استطاع أن يخاطب الوجدان ويثيره وما كان في وسعه أن يبعث في الشعب العواطف الخليقة النبيلة التي تنهض بالأمة وتجعل لها مكانة بين الأمم وترفع من شأنها .إن من أنبل أغراض الأديب أن يعمل على إصلاح المجتمع الذي يعيش فيه لتقوية إرادته.
وليس عمل الأديب مقصورا فقط على التفكير و التحرير والإنشاء وإلقاء الخطب وقرضه الشعر بل هناك عمل لا يقبل أهمية عن هذه الأعمال هو النقد الأديب.
و خلاصة القول: أن الأديب منشئا كان أو ناقد في حاجة ماسة إلى دراسة علم النفس، والى معرفة العمليات العقلية التي لها صلة وثيقة بالإنتاج أو النقد الأديب بوجه خاص، والى الإلمام بمدى تأثير حياة الأديب العقلية في سلكه الأديب بوجه أخص.
العوامل النفسية المؤثرة في أعمال الأدباء:
ومن الهم جدا للباحث و الناقد تعمق العوامل النفسية المقررة في علم النفس وأثر هذه العوامل على الأدباء باعتبارها عوامل محركة لإبراز الإبداع الأدبي ونستعرض باختصار إلى أهم هذه العوامل فيما يلي:
1-الإدراك الحسي: يرى علماء النفس أن أصل العمليات العقلية الإدراكية هو الإحساس أو الإدراك الحسي الذي هو الفهم و التعقل بالحواس الخمس الظاهرة كإدراك الألوان بواسطة البصر و الأصوات والنغمات بواسطة السمع و المطعومات بالذوق و الروائح بالشم والمحسوسات باللمس والناس في إدراك كل ذلك متفاوتون فكلما قويت مادة الإدراك في إنسان ساعدته على دقة التوصيف للمدركات .
و من هنا كان الإدراك الحسي أثر كبير في نتاجه الأدبي فان كان الإدراك قويا جليا، كان عمل الأديب إبداعا لأنه لا ريب سيصف ما يحسه أو يشاهده أو يلمسه وصفا دقيقا واقعيا أو يكاد.
2- التصور: هو حالة استحضار عقلية لصور المدركات الحسية في حال غيبتها عن الحواس دون تغيير في حقائقها الواقعية، فهو ينشأ عن الإدراك الحسي كما أنه أمر يسيير تختلف فيه قدرات الأدباء و المبدعين يقول: الأستاذ حامد عبد القادر : التصور ميدان تتسابق فيه عقول الأدباء فهو الذي سبب عدهم على وصف تجاربهم الماضية وصفا دقيقا. والى اختلاف الناس في الإدراك الحسي يرجع اختلافهم في التصوير و القدرة على التصوير، فالبصري يقوي على تصور المبصرات و تصويرها تصويرا واضحا دقيقا، والسمعي يقوي تصوره للأصوات و النغمات قيسا عدة ذلك على حس تصويرها وكذلك يقال في الذوقي و الشمسي واللمسي فالشاعر الذي يقول:
لما نزلنا نصبنا ظل أخبية وقار باللحم للقوم والمراجيل
ورود وأشقر ما يؤتيه طابخه ما غير الغلي منه فهو مأكول
إنما يصف ما رأى وأحس ما قبل، معتمدا في ذلك على عملية التصور فقد استحضر الأخبية وظلها، والمراجيل وفورانها ولون اللحم الوردي والأحمر وغليان الماء واللحم فيه و التهام اللحوم بمجرد أن يغير لونها غليان الماء وهذا تصوير مطابق للواقع لا زيادة فيه ولا تغيير ولا تبديل.
3- التخيل: وكما أن التصور ينشأ عن الإدراك الحسي فان التخيل ينشأ عن التصور الذهني وهو استدعاء أو إنشاء صور ليس لها خارج الذهن إدراك حسي كتصور بقرة تتكلم أو قرد يقهقه فالمتنبي عندما يصف كافور الأحشيد يقول:
وإذا ما بدا ضاحكا فكأنما قرد يقهقه أو عجوز تلطم.
4- تداعي المعاني:ويقصد بها توارد المعاني على هذا الباحث واحد يعد الآخر لوجود علاقة بينهما سواء كانت هذا العلاقة علاقة تشابه أو تضاد أو علاقة اقتران زماني أو مكاني كأن يرى رجلاله أنف طويل فيتذكر صورة جده لأن له ملامحا منه وهذه العلائق الثلاثة هي الأصل في تداعي المعاني في ذهن الأديب إلا أن الباحثاين لاحظوا قوانين أخرى ثانوية لتداعي المعاني هي:
1/ قانون الأولوية: مثلا أول حادثة من نوعها يشتد تأثيرها في النفس ولذا تجد طريقها إلى ذهن أسرع من غيرها
2/ قانون التكرار: وإذا تكرر ارتباط فكرة بأخرى عدة مرات كانت أولى بالاستدعاء من غيرها
3/ قانون قرب العهد: إذا كان أحد المعاني المترابطة أحدث من غيره في تجاربنا كانت له الأفضلية في المرور بالذهن على ما هو قديم منها.
4/ قانون الوضوح: كلما اشتدت الرابطة بين مهنيين واتضحت الصلة بينهما كان كل منهما أسرع في دخول حظيرة الشعور عقب الآخر.
5/ الحالة الوجدانية الخاصة: والإنسان في حالة الرضاعية شخص تتوارء على ذهنه الصفات الحسنة الفضائل التي تتجلى في ذلك الشخص.
6/ قانون الحالة العقلية العامة أو الخاصة: و الأفكار التي تتوارد على أذهان الناس تختلف باختلاف مهنهم وميولهم فمثلا أفكار المدرس تكون في الغالب في العالم التدريس، أفكار القاضي تكون اشد اتصالا بعالم القضاء و القانون.
5-الحكم: و يقصد به في علم النفس إدراك علاقة بين شيئين ايجابيا أو سلبيا إذا استطاع الأديبان يتحاشى العوالم التي تؤدي إلى حدوث الخطأ في حكمه على الأشياء مثل التغلب على العاطفة و البعد عن الانفعالات كالخوف و الغضب.
6-التعليل: هو عملية يقصد إدراك السبب في واقعة ما كإدراك السبب في تنوع الكاتب نجيب محفوظ وحصوله على طائرة توبل في الأدب والتعليل قد يكون علميا وقد يكون أدبيا.
فالتعليل العلمي يكون برد الأشياء إلى طبائعها أو قوانينها التي يخضع لها تعليل واقعي و التعليل الأديب هو ما يعرف في علم المعاني بحسن التعليل الذي يقوم أساسه على الخيال و العاطفة فهو تعليل نفسي و الغرض منه التأثير في وجدان السامع و إدخال السرور.
خصائص العلاقة و أهم أعلامها عربيا:
1/ إن دراسة الأدب في ضوء علم النفس لا تحتاج تسويغ ما دام العمل الأدبي من إنتاج الإنسان، وهو المعبر الذي يوصلنا إلى نفس هذا الإنسان وما تنطوي عليه إحساساته و مشاعره.
2/إن مرحلة الراهنة تتطلب المنهج النفسي، بعدما كان الفكر المعاصر يميل إلى الفهم و المعرفة أكثر من ميله إلى الذوق و الاستحسان.
3/ الفلسفة الذوقية النفسية: هي التي تنير السبيل أمام الناقد و تكسبه منتفذ التأثر الأدبي في النفوس.
أهــم الأعــلام:
1/ محمد خلف الله ألف كتاب سماه من وجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده وقد طبق هذه الدراسة على عدد من الشعراء مثل حسان بن ثابت
2/ أمين الخولي ألف عن أبي العلاء المعري سماه في ترسيخ العلاقة بين علن النفس و الأدب وإرساء قواعد النقد النفسي ألف كتاب فن القول وقد انفرد في دراسة العلاقة بين علم النفس و البلاغة.
3/ حامد عبد القادر أول من أدخل مادة علم النفس الأدبي في الجامعات المصرية ونظرية النقد النفسي وهو صاحب كتاب دراسات في علن النفس الأدبي
4/ إسماعيل عز الدين هو أمل من طبق علم النفس على الأعمال الأدبية لتفسيرها تفسيرا نفسيا وهو صاحب كتاب التفسير النفسي للأدب.
5/ العقاد في كتابه عن ابن الرومي و أبي نواس
6/ إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه عن بشار بن برد
7/ دراسات خليل مطران عن الحكيم الدكتور إسماعيل أدهم.
وقد طبقها في بحثه عبد القاهر الجرجاني (في كتابه أسرار البلاغة)
****