عبدالرحمن عياد الوابصي
05-09-2009, 02:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:84)
والصّلاة والسّلام على رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم القائل :
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنـّهما سمعا رسول الله صلـّى الله عليه وسلم يقول ما يصيب المؤمن من وصب لا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يهمـّه إلا كفـّر به من سيئاته ( متفق عليه)
لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".( صحيح الأدب المفرد للبخاري رحمه الله تعالى)
وأخرج مسلم أنه صلـّى الله عليه وسلـّم قال ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلاللمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاءالله للمسلم خير)
أقول لكل مريض – مهما كن مرضه – ارضَ بما قسم الله لك ، واعلم أنك إن صبرت واحتسبت ، صار هذا المرض تكفيراً لخطيئاتك .. ورفعة في درجاتك ..
فيا أخي الحبيب يا من ابتليتَ بالمرض اعلم رحمك الله أنّ هذه الدنيا دار بلاء وامتحان ، وفرح وأحزان ، ومرض وأسقام ،
فالله تعالى خلق هذا الإنسان وأوجده في هذه الحياة ليبتليه قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك.
والابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(35) سورة الأنبياء.
فأحسن الظنّ بربك وخصوصا إن اشتد عليك المرض وشعرتَ أنّ الأجل قد اقترب فقد قال صلى الله عليه وسلم- : (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني)أخرجه البخاري
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بقضاء الله، فإن عاش لم يـُحرم الأجر، وإن مات فإلى رحمة الله إن شاء الله تعالى.
من فوائد المرض ما يأتي:
1-أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)الشورى:30
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ( رواه مسلم)،
وقال-صلى الله عليه وسلم- : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي ،وصحح الألباني في الصحيحة ،
يقول بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .
2- ومن فوائد المرض: أن ما يعقبه من اللذة والمسرّة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) أخرجه مسلم
وأخرج الترمذي عن جابر مرفوعاً: (يود النـّاس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع
3- ومن فوائد المرض: قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: (ابن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده) رواه مسلم .
4: - ومن فوائد المرض: أنـّه يـُعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر،
قال الفضيل -رحمه الله-: فإذا أحب الله عبداً أكثر غمـّه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه ،
5- ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وهذا ملموس وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنـّه لا يوجد له علاج، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله الدعاء في الأسحار، فشفاه الله بعد حين، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الإياس من الخلق، عند ذلك يأتي الفرج، فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه الشدة {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} يوسف:110.
6- ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة مرفوعاً من يرد الله به خيراً يصب منه) رواه البخاري
7-ومن فوائد المرض: أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته، فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة، ولولا الليل لما عرف قدر النهار، ولولا هذه الأضداد لما عرفت كثير من النعم، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}البقرة:216.
ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة .
فيا أخي المبتلى لو فتـّشتَ العالم لَمْ ترَ فِيهِمْ إلّا مُبْتَلًى إمّا بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ ،
فيا أخي الغالي عليك أن ترضى بقضاء الله وقدره رضا حقيقياً ظاهراً وباطناً ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة والراحة والطمأنينة ولذة الحياة التـّامة وامتثل وصية النـّاصح الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
وحذار أخي الغالي من اليأس من رحمة الله، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}.
وإليك الأآن أخي الغالي بعض القصص التي فيها عبر وأيّ عبر علـّنا نتـّعظ ونعتبر
عروة بن الزبير !!
عروة بن الزبير كان من كبار التابعين ..فهو ابن الصحابي الجليل الزبير بن العوام ..أصيبت رجله بالآكلة .. فجعلت عظامه تتآكل ويسقط عنها اللحم ..فرآه الأطباء .. فقرروا قطع رجله حتى لا يمتد المرض إلى بقية جسده ..فلما بدؤوا يقطعونها أغمي عليه .. فقطعوها .. وألقوها جانباً .. فبدأ نزيف الدّم يشتد عليه ..فغلوا زيتاً ثمّ غمسوا عروق الرّجل فيه حتى توقف الدمّ ..ثمّ لفـّوا على الرِّجل خرقة .. وانتظروا عند رأسه فلمـّا أفاق .. نظر إلى رجله المقطوعة ملقية في طست .. تسبح في دمائها ..فقال : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط .
فبدأ الناس يدخلون عليه ويعزونه في رجله .. ويصبرونه على مصابه ..فلمـّا أكثروا عليه الكلام .. رفع بصره إلى السماء .. وقال : اللهمّ كان لي أطراف أربعة ..فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة .. فلك الحمد إذ لم تأخذ ثلاثة وتترك واحداً .. اللهمّ ولئن ابتليتَ فلطالما عافيتَ، ولئنأخذتَ لطالما أبقيتَ وكان حوله أولادُه السبعة .. يخدمونه .. ويسلـّونه ..فدخل أحدهم إلى اصطبل الخيول لحاجة .. فمر وراء حصان فثار الحصان وضرب الغلام بحافره .. فأصابت الضربة أسفل بطنه .. فمات ..ففزع من حوله إليه .. وحملوه ..فلما غـُسل وكفـّن .. جاء أبوه يتكئ على عكاز ليصلي عليه .. فلما رآه قال : اللهمّ إنه كان لي بنون سبعة .. فأخذت واحداً وأبقيت ستة .. فلك الحمد إذ لم تأخذ ستة وتترك واحداً .. اللهمّ ولئن ابتليت فلطالما عافيت، ولئنأخذت لطالما أبقيت ..
وَقَدِمَ عَلَى الْوَلِيدِ أَعْمَى فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَهْلٌ وَأَوْلَادٌ وَأَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ فَجَاءَهُمْ سَيْلٌ فَأَهْلَكَهُمْ إلَّا بَعِيرًا وَصَبِيًّا فَنَدَّ الْبَعِيرُ فَاتَّبَعَهُ ، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَكَلَ صَبِيَّهُ وَلَمَّا لَحِقَ الْبَعِيرَ رفثه فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ ،
وَذَهَبَ فَأَصْبَحَ لَا مَالَ وَلَا وَلَدَ فَقَالَ الْوَلِيدُ : انْطَلِقُوا بِهِ إلَى عُرْوَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ بَلَاءً مِنْهُ .
فما أجمل هذا الرضا وما أجمل هذا الإيمان بقضاء الله وقدره .
.
طبعا لا يعني موضوعي هذا وما نقلته فيه أن يتمنـّى الإنسان أن يبتليه الله تعالى بالأمراض والأحزان بل فليشكر الله تعالى المعافى من الأمراض ربّه على نعمة الصحـّة والعافية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " . رواه البخاري
وإليك أخي الغالي أخيرا بعض الأدعية المأثورة من القرآن والسنـّة دون أن أعلـّق عليها فهي واضحة بإذنه تعالى :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الانبياء:83)
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الانبياء:87)
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أءِِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62)
1:عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر " . قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي . (رواه مسلم )
3: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب : " اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي "
(شرح العقيدة الطحاوية الألباني)
أسأله تعالى أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين ويجعل أمراضهم رفعا لدرجاتهم وتكفيرا لسيّئاتهم .
وأختم بقوله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنـّه قال(وإذا مرضتُ فهو يشفين)
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلـّى الله تعالى على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .
الحمد لله القائل (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:84)
والصّلاة والسّلام على رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم القائل :
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنـّهما سمعا رسول الله صلـّى الله عليه وسلم يقول ما يصيب المؤمن من وصب لا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يهمـّه إلا كفـّر به من سيئاته ( متفق عليه)
لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".( صحيح الأدب المفرد للبخاري رحمه الله تعالى)
وأخرج مسلم أنه صلـّى الله عليه وسلـّم قال ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلاللمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاءالله للمسلم خير)
أقول لكل مريض – مهما كن مرضه – ارضَ بما قسم الله لك ، واعلم أنك إن صبرت واحتسبت ، صار هذا المرض تكفيراً لخطيئاتك .. ورفعة في درجاتك ..
فيا أخي الحبيب يا من ابتليتَ بالمرض اعلم رحمك الله أنّ هذه الدنيا دار بلاء وامتحان ، وفرح وأحزان ، ومرض وأسقام ،
فالله تعالى خلق هذا الإنسان وأوجده في هذه الحياة ليبتليه قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك.
والابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(35) سورة الأنبياء.
فأحسن الظنّ بربك وخصوصا إن اشتد عليك المرض وشعرتَ أنّ الأجل قد اقترب فقد قال صلى الله عليه وسلم- : (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني)أخرجه البخاري
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بقضاء الله، فإن عاش لم يـُحرم الأجر، وإن مات فإلى رحمة الله إن شاء الله تعالى.
من فوائد المرض ما يأتي:
1-أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)الشورى:30
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ( رواه مسلم)،
وقال-صلى الله عليه وسلم- : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي ،وصحح الألباني في الصحيحة ،
يقول بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .
2- ومن فوائد المرض: أن ما يعقبه من اللذة والمسرّة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) أخرجه مسلم
وأخرج الترمذي عن جابر مرفوعاً: (يود النـّاس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع
3- ومن فوائد المرض: قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: (ابن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده) رواه مسلم .
4: - ومن فوائد المرض: أنـّه يـُعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر،
قال الفضيل -رحمه الله-: فإذا أحب الله عبداً أكثر غمـّه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه ،
5- ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وهذا ملموس وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنـّه لا يوجد له علاج، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله الدعاء في الأسحار، فشفاه الله بعد حين، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الإياس من الخلق، عند ذلك يأتي الفرج، فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه الشدة {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} يوسف:110.
6- ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة مرفوعاً من يرد الله به خيراً يصب منه) رواه البخاري
7-ومن فوائد المرض: أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته، فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة، ولولا الليل لما عرف قدر النهار، ولولا هذه الأضداد لما عرفت كثير من النعم، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}البقرة:216.
ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة .
فيا أخي المبتلى لو فتـّشتَ العالم لَمْ ترَ فِيهِمْ إلّا مُبْتَلًى إمّا بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ ،
فيا أخي الغالي عليك أن ترضى بقضاء الله وقدره رضا حقيقياً ظاهراً وباطناً ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة والراحة والطمأنينة ولذة الحياة التـّامة وامتثل وصية النـّاصح الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
وحذار أخي الغالي من اليأس من رحمة الله، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}.
وإليك الأآن أخي الغالي بعض القصص التي فيها عبر وأيّ عبر علـّنا نتـّعظ ونعتبر
عروة بن الزبير !!
عروة بن الزبير كان من كبار التابعين ..فهو ابن الصحابي الجليل الزبير بن العوام ..أصيبت رجله بالآكلة .. فجعلت عظامه تتآكل ويسقط عنها اللحم ..فرآه الأطباء .. فقرروا قطع رجله حتى لا يمتد المرض إلى بقية جسده ..فلما بدؤوا يقطعونها أغمي عليه .. فقطعوها .. وألقوها جانباً .. فبدأ نزيف الدّم يشتد عليه ..فغلوا زيتاً ثمّ غمسوا عروق الرّجل فيه حتى توقف الدمّ ..ثمّ لفـّوا على الرِّجل خرقة .. وانتظروا عند رأسه فلمـّا أفاق .. نظر إلى رجله المقطوعة ملقية في طست .. تسبح في دمائها ..فقال : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط .
فبدأ الناس يدخلون عليه ويعزونه في رجله .. ويصبرونه على مصابه ..فلمـّا أكثروا عليه الكلام .. رفع بصره إلى السماء .. وقال : اللهمّ كان لي أطراف أربعة ..فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة .. فلك الحمد إذ لم تأخذ ثلاثة وتترك واحداً .. اللهمّ ولئن ابتليتَ فلطالما عافيتَ، ولئنأخذتَ لطالما أبقيتَ وكان حوله أولادُه السبعة .. يخدمونه .. ويسلـّونه ..فدخل أحدهم إلى اصطبل الخيول لحاجة .. فمر وراء حصان فثار الحصان وضرب الغلام بحافره .. فأصابت الضربة أسفل بطنه .. فمات ..ففزع من حوله إليه .. وحملوه ..فلما غـُسل وكفـّن .. جاء أبوه يتكئ على عكاز ليصلي عليه .. فلما رآه قال : اللهمّ إنه كان لي بنون سبعة .. فأخذت واحداً وأبقيت ستة .. فلك الحمد إذ لم تأخذ ستة وتترك واحداً .. اللهمّ ولئن ابتليت فلطالما عافيت، ولئنأخذت لطالما أبقيت ..
وَقَدِمَ عَلَى الْوَلِيدِ أَعْمَى فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَهْلٌ وَأَوْلَادٌ وَأَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ فَجَاءَهُمْ سَيْلٌ فَأَهْلَكَهُمْ إلَّا بَعِيرًا وَصَبِيًّا فَنَدَّ الْبَعِيرُ فَاتَّبَعَهُ ، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَكَلَ صَبِيَّهُ وَلَمَّا لَحِقَ الْبَعِيرَ رفثه فَأَذْهَبَ عَيْنَيْهِ ،
وَذَهَبَ فَأَصْبَحَ لَا مَالَ وَلَا وَلَدَ فَقَالَ الْوَلِيدُ : انْطَلِقُوا بِهِ إلَى عُرْوَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ بَلَاءً مِنْهُ .
فما أجمل هذا الرضا وما أجمل هذا الإيمان بقضاء الله وقدره .
.
طبعا لا يعني موضوعي هذا وما نقلته فيه أن يتمنـّى الإنسان أن يبتليه الله تعالى بالأمراض والأحزان بل فليشكر الله تعالى المعافى من الأمراض ربّه على نعمة الصحـّة والعافية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " . رواه البخاري
وإليك أخي الغالي أخيرا بعض الأدعية المأثورة من القرآن والسنـّة دون أن أعلـّق عليها فهي واضحة بإذنه تعالى :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الانبياء:83)
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الانبياء:87)
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أءِِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62)
1:عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر " . قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي . (رواه مسلم )
3: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب : " اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي "
(شرح العقيدة الطحاوية الألباني)
أسأله تعالى أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين ويجعل أمراضهم رفعا لدرجاتهم وتكفيرا لسيّئاتهم .
وأختم بقوله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنـّه قال(وإذا مرضتُ فهو يشفين)
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلـّى الله تعالى على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .