ابو البندري
08-02-2009, 08:55 PM
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الصاادق الامين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين 00وبعد
لم يمض وقت طويل على انتهاء الامتحانات النهائية في المدارس حتى دبت في المنازل والشوارع والمطارات حركة من نوع آخر، حركة تعلن انتهاء وقت العمل وبدء وقت الإجازة.
مكاتب حجوزات السفر بدأت تضج بالباحثين عن حجز لمغادرة البلاد، وشوارع كانت تزخر بالأمس بسيارات تثقلها الزحمة باتت اليوم شبه خالية، ومكتبات كانت عامرة قبل أيام نامت اليوم لندرة مرتاديها.
إنّها الإجازة الصيفية التي ينتظرها معظمنا بفارغ الصبر، ويحلم ويخطط لها طوال الأشهر التسعة التي يلزم فيها معظم النّاس منازلهم دعمًا لأبنائهم الدارسين، والتزامًا بالعمل والحركة النشيطة في المدينة.
وفيما يكتب للبعض التمتع بإجازته في مدينة أخرى داخلية أو خارجية، يكتب للبعض الآخر البقاء في منازلهم، بسبب ظروف معينة، أو لعدم هوايتهم للسفر، وبين هذا وذاك، تمضي الأيّام الصيفية الحارة في إجازة من الدراسة. يستغلها الآباء لأخذ إجازاتهم السنوية مسايرة لإجازات أبنائهم.
الكل يبحث عن أقصى حدود المتعة والسعادة المشروعة للاستمتاع بها في الصيف، البعض يلتمسها في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والبعض الآخر يراها في رحلة سياحية خارج البلاد، وآخرون يرونها في الالتزام بالمساجد والالتحاق بدورات تحفيظ القرآن والأحاديث، ويراها غيرهم في زيارة مدن داخلية، أو زيارة الأقارب، أو التمتع بإجازة على البحر، أو في مدن الألعاب والمطاعم... إلخ.
ولكي لا تتحول إجازاتنا السعيدة إلى أيّام حزينة، تؤثر في حياتنا بشكل سلبي، يجب على كل أسرة أن تبتعد قدر المستطاع عن بعض المحاذير والأخطاء التي قد يرتكبها البعض، والتي عاشها عن طريقة تجربة سابقة، أو سمعوا بها، أو شاهدوها تحدث أمام أعينهم.
أخطاء شرعية:
جاءت الإجازة الصيفية وجاء معها لمن بُغت بها الفراغ.
وقد تتساءل أيعقل أن يبغت بالإجازة إنسان علم بموعدها منذ بدء العام! منذ نحو سنة؟
نقول: نعم! وهل يبغت النّاس إلاّ بما يعلمون وقوعه وجريانه على بني الإنسان؟ فكم سمعت بإنسان مات بغتة... بعد أن عاش طويلًا!
فمثل ذلك الذي بغت بالموت، صاحبنا المبغوت بالإجازة، والجامع المشترك هجوم الموت وكهجوم الفراغ على من لم يحسن الاستعداد لهما.
وقد قيل: إنّ الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أي مفسدة.
ففي فضاء الفراغ تنتشر الأخطاء والمحاذير، ولعل من أبرزها في مجامعاتنا ما يلي:
- كثرة الخوض فيما لا يعني والتفكه بمن لا ينبغي التفكه به من الأعراض والأشخاص، فكم من رجل وكم من امرأة علقت في المجالس الساهرة تلوك لحمها الألسنة، يساعد على ذلك الفراغ إذ الليل طويل وفي الوقت متسع ولا شيء وراءك غدًا!
- ومنها السفر إلى بلاد الكفر في الشرق والغرب بغية الترفيه! وما درى من شد الرحل إلى تلك البقاع المشبوهة بأن نبينا صلى الله عليه وسلم بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين. على ما في السفر إليهم من بذل الأموال لهم والإسهام في انتعاش اقتصادهم، مع عدم السلامة من نظرة فاتنة، أو كلمة آثمة في أقل الأحوال.
- ومن الأخطاء السهر إلى أوقات متأخرة من الليل في غير طاعة، ثم النوم عن صلاة الفجر دون أن يأسف كثيرون على تضيعها، وما كان وسيلة إلى الحرام يفضي إليه في الغالب فهو حرام.
- ومن المحاذير التي تقارف في الإجازة الذهاب إلى أماكن يكثر فيها الاختلاط، ولا يراعى فيها الفصل بين الرجال والنساء، أو تعم فيها المنكرات والمخالفات الشرعية بحجة الترفيه في بلد إسلامي، وقد كان لهؤلاء في الحلال الطيب غنية، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خير منه.
- ومن أخطائنا في الإجازة الإسراف في الترفيه ولو بالحلال الطيب، بينما أكباد المسلمين في المشارق والمغارب جائعة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}
- ومن المحاذير مرور الإجازة على كثيرين بغير فائدة، والإنسان إذا لم يكن في زيادة فهو في نقصان، وقد أمر الله تعالى فقال: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمر فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».
الصيف والدراسة:
قد يظن الكثير من الطلاب وآبائهم أنّ الإجازة هي فسحة للابتعاد عن الدراسة والثقافة والعلم، وأنّها فرصة ليتخلى الطالب عن أي شيء له علاقة بالعلم.
إذ يلاحظ على الطلاب هجرانهم للقراءة والاطلاع بمجرد انتهاء الاختبارات وحلول الإجازة، وسبب هذا يعود إلى أنّ الطالب لم يدرك أهمية القراءة والاطلاع ودورها في بناء شخصيته وتنمية ثقافته، فالطالب من نعومة أظفاره يطلب منه أن يذاكر دروسه فقط، فلم تقدم له قصة جميلة لقراءتها أو كتيب صغير لقراءته والاستفادة منه فيبرمج الطالب على أن يحصر قراءته واطلاعه على دروسه فقط، وهذا خطأ كبير يجعل الطالب محدود الفكر والاطلاع.
والحل يكمن في تعويد الطالب منذ صغره على القراءة فتقدم له القصص الجميلة الهادفة ليقرأها، ثم بعد ذلك وبعد تقدم عمره تقدم له الكتيبات التي تناسبه... وهكذا، بهذا التدرج يتمكن حب الكتاب وحب القراءة في قلبه فلا يستطيع أن يتركها فتزيد ثقافته وتتكون شخصيته فينفع أمته ـ بإذن الله ـ.
كما أنّ المدارس لا تعنى بتقديم كتيبات خاصة للطلاب تطلب منهم أن يقرؤوها أثناء العطلة الصيفية، أو تدعمهم في زيارات للمكتبات العامة الكثيرة في البلد، والتي تضم آلاف العناوين والكتب، تبقى حبيسة الرفوف والخزن، لذلك عليها مسؤولية أيضًا في تشجيع الطلاب المتابعة والقراءة والاطلاع.
يجب أن يعلم الطلاب وآباؤهم أنّ المدرسة ليست المنهل الوحيد للعلم، وليست فصولها الأوقات الوحيدة لمتابعة الدروس بالعكس، يوجد الكثير من المشاريع العلمية التي يصعب إجراؤها في أوقات الدراسة، بسبب انشغال الطلاب بالتحصيل العلمي الإلزامي.
لذلك، فعلى الطلاب أن يعلموا أنّ الصيف هو وقت مناسب لتناول العلوم الأخرى، مثل: الاطلاع على بعض الكتب الخاصة بهواية وميول كل شخص.
إنّ معظم طلاب المدارس لديهم ميول شخصية نحو علم أو أحد فروعه، إلاّ أنّ هذه الميول يتم تجنبها في المدارس التي تتبع نظامًا تعليميًا موحدًا، وعليه فإنّ الطالب الموهوب أو صاحب الميول الخاصة لن يجد ضالته في تلك المدارس، التي أنشأت لرفع المستوى التعليمي والثقافي للطلاب بشكل عام.
لذلك يجب أن يستغل وقت الصيف من أجل إشباع ميوله الخاصة، ومتابعة ما فاته من علوم تتعلق بهوايته.
كأن يكون البعض مهتمًا بالعلوم التكنولوجية، وتشكل العطلة الصيفية فرصة جيدة لاتباع دورة في الحاسب، أو استخدام الحاسب الآلي في المنزل بشكل مستمر، أو تجريب بعض البرامج الجديدة.
وبعض الطلاب يكون لديهم ميولًا نحو تعلم اللغة الإنجليزية، فيمكن اتباع دورة لتقوية اللغة الإنجليزية خلال العطلة الصيفية.
والبعض الآخر لديه ميول نحو المعلومات التاريخية والتراثية، وبإمكانه أن يقضي وقتًا مفيدًا في العطلة بزيارة المتاحف والآثار المختلفة داخل وخارج مدينته، وأن يقرأ في كتب التاريخ والسير ونحوها.
وطالما أنّ الطالب يبقى أسير أحلامه الخاصة في تمضية إجازة "سعيدة وهادئة"، فإنّه يطفئ شعلة الاهتمام في قلبه من غير إدراك منه، لهذا يجب على الآباء أن يحرصوا كل الحرص أثناء الإجازات على متابعة ما يهواه ابنهم، خاصة وأنّ دور المدرسة خلال العطلة الصيفية معطل، وتنحصر المسؤولية كلها على الأهل.
العلوم الشرعية والصيف:
يحظ ديننا الإسلامي على استغلال الوقت بالطاعات والعبادات، فالوقت مسؤول عنه الإنسان، وفي الصيف يطول النهار، وتمضي ساعاته بطيئة على كل عاطل عن العمل أو مهمل، فيما تقفل المدارس وتعطّل العديد من الأنشطة في المدن، وتتغير حال المدينة بشكل عام.
إلاّ أنّه ولله الحمد، فإنّ الكثير من الأنشطة الشرعية والتربوية والدينية تجد في العطلة الصيفية متسعًا من الوقت لنشر الدورات المختلفة، كدورات تحفيظ القرآن الكريم، وتحفيظ الأحاديث الصحيحة، ودورات تحفيظ المتون وغيرها من الأنشطة الشرعية المباركة.
وقد يقنع بعض الطلاب آبائهم بأنّهم في إجازة صيفية، وأن الوقت يجب أن لا يشغل بأي شيء، استعدادًا للعام الدراسي المقبل، طالبين منهم عدم إزعاجهم بالالتحاق بدورات تلزمهم تمضية وقت معين في اليوم في مكان ما.
وقد يقتنع الآباء ويرون من الصواب ترك أبنائهم على راحتهم، وهذا من الأخطاء الشائعة في الصيف.
فمن جهة، تنشط بعض الدورات الشرعية الهامة في الصيف أكثر منها في أوقات الدراسة، ما يعني تفويتها على الطالب تفويته لخير كبير.
ومن جهة أخرى، فإن القائمين على هذه الدورات يحاولون قدر المستطاع تيسير الدورات بأوقات سهلة وبسيطة، لا تؤثر كبير أثر على اليوم الاعتيادي.
ومن ناحية ثالثة، فإنّ الطالب سوف يجد في أيّام العطلة متسعًا من الوقت لمراجعة ما تعلمه وتلقاه، أكثر من أيّام المدرسة.
لذلك، فإنّه يتعين على الآباء أن يلحقوا أبناءهم ولو بحلقة واحدة على الأقل خلال العطلة الصيفية، وأن يلزموا أولادهم بهذا العلم الشرعي، الذي قد لا يجدونه في صفحات كتبهم المدرسية.
دور الأهل السلبي:
إنّ ممّا يؤسف له خلال أيّامنا هذه، أنّه بات الكثير من الآباء والأمهات بعيدون كل البعد عن أولادهم، لدرجة بات الأب لا يعلم أين أمضى ابنه ليلة أمس، أو من هم أصحابه المقربين، أو من أين يأتي بمصروفه الشخصي، أو هل ينتسب إلى دورة شرعية أم لا، وغيرها من المسائل التي تقع بالدرجة الأولى على الأهل.
الموقف السلبي الذي باتت الكثير من الأسر تتخذه من أولادها، بحجج مشاغل الحياة وصعوبات تحصيل الموارد المادية، وترك الأبناء يعتمدون على أنفسهم، أصبح سمة كبيرة منتشرة في كثير من منازلنا، فإن لم يكن موقف الأب والأم، فإنّه موقف أحدهما.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...».
وكون الأب هو الراعي الأول والأهم لأبنائه، فإنّ غيابه عنهم يكسر أي اعتبار لأي شخص آخر، لذلك يصبح من الصعب جدًا انقيادهم بسهولة لمدرسيهم أو موجهيهم أو بعض طلاب العلم في المناشط التربوية، وغيرها.
وخلال الصيف، قد يترك الأب ابنه أوقاتًا طويلة لا يسأل عنه، ما يعطي الابن إحساسًا بأنّه غير مسؤول وغير مراقب، فيشطح في بعض النواحي التي قد تؤدي به إلى التهلكة، أو على الأقل قد تحرفه وتضلله بآراء وأفكار وعادات سيئة.
والصيف بأيّامه الطويلة الخالية، يشكل مرتعًا خصبًا للأبناء لقضاء الوقت الطويل خارج المنزل، ما يعرضهم لرفاق السوء ولعادات سيئة وغير مستحبة.
لذلك على الآباء أن يحصروا خلال أشهر الصيف على متابعة أبنائهم بشكل خاص، ومتابعة كل شؤونهم وجوانب حياتهم، تجنبًا للوقوع في المحرمات أو الانحرافات.
بالإضافة إلى ما ذكرنا، فإنّه يوجد العديد من الأخطاء والمحاذير التي يتوجب على الأهل تجنبها وتجنيب أولادهم إيّاها خلال العطلات الصيفية. خاصة في ظل وقوع العديد من شباب اليوم بهذه المحاذير، واعتيادهم عليهم لدرجة باتت من الأمور السهلة اليسيرة على نفوسهم.
نسأل الله أن يحفظ أولادنا وأولاد المسلمين من كل سوء، وأن يوفقهم لكل خير..
لم يمض وقت طويل على انتهاء الامتحانات النهائية في المدارس حتى دبت في المنازل والشوارع والمطارات حركة من نوع آخر، حركة تعلن انتهاء وقت العمل وبدء وقت الإجازة.
مكاتب حجوزات السفر بدأت تضج بالباحثين عن حجز لمغادرة البلاد، وشوارع كانت تزخر بالأمس بسيارات تثقلها الزحمة باتت اليوم شبه خالية، ومكتبات كانت عامرة قبل أيام نامت اليوم لندرة مرتاديها.
إنّها الإجازة الصيفية التي ينتظرها معظمنا بفارغ الصبر، ويحلم ويخطط لها طوال الأشهر التسعة التي يلزم فيها معظم النّاس منازلهم دعمًا لأبنائهم الدارسين، والتزامًا بالعمل والحركة النشيطة في المدينة.
وفيما يكتب للبعض التمتع بإجازته في مدينة أخرى داخلية أو خارجية، يكتب للبعض الآخر البقاء في منازلهم، بسبب ظروف معينة، أو لعدم هوايتهم للسفر، وبين هذا وذاك، تمضي الأيّام الصيفية الحارة في إجازة من الدراسة. يستغلها الآباء لأخذ إجازاتهم السنوية مسايرة لإجازات أبنائهم.
الكل يبحث عن أقصى حدود المتعة والسعادة المشروعة للاستمتاع بها في الصيف، البعض يلتمسها في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والبعض الآخر يراها في رحلة سياحية خارج البلاد، وآخرون يرونها في الالتزام بالمساجد والالتحاق بدورات تحفيظ القرآن والأحاديث، ويراها غيرهم في زيارة مدن داخلية، أو زيارة الأقارب، أو التمتع بإجازة على البحر، أو في مدن الألعاب والمطاعم... إلخ.
ولكي لا تتحول إجازاتنا السعيدة إلى أيّام حزينة، تؤثر في حياتنا بشكل سلبي، يجب على كل أسرة أن تبتعد قدر المستطاع عن بعض المحاذير والأخطاء التي قد يرتكبها البعض، والتي عاشها عن طريقة تجربة سابقة، أو سمعوا بها، أو شاهدوها تحدث أمام أعينهم.
أخطاء شرعية:
جاءت الإجازة الصيفية وجاء معها لمن بُغت بها الفراغ.
وقد تتساءل أيعقل أن يبغت بالإجازة إنسان علم بموعدها منذ بدء العام! منذ نحو سنة؟
نقول: نعم! وهل يبغت النّاس إلاّ بما يعلمون وقوعه وجريانه على بني الإنسان؟ فكم سمعت بإنسان مات بغتة... بعد أن عاش طويلًا!
فمثل ذلك الذي بغت بالموت، صاحبنا المبغوت بالإجازة، والجامع المشترك هجوم الموت وكهجوم الفراغ على من لم يحسن الاستعداد لهما.
وقد قيل: إنّ الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أي مفسدة.
ففي فضاء الفراغ تنتشر الأخطاء والمحاذير، ولعل من أبرزها في مجامعاتنا ما يلي:
- كثرة الخوض فيما لا يعني والتفكه بمن لا ينبغي التفكه به من الأعراض والأشخاص، فكم من رجل وكم من امرأة علقت في المجالس الساهرة تلوك لحمها الألسنة، يساعد على ذلك الفراغ إذ الليل طويل وفي الوقت متسع ولا شيء وراءك غدًا!
- ومنها السفر إلى بلاد الكفر في الشرق والغرب بغية الترفيه! وما درى من شد الرحل إلى تلك البقاع المشبوهة بأن نبينا صلى الله عليه وسلم بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين. على ما في السفر إليهم من بذل الأموال لهم والإسهام في انتعاش اقتصادهم، مع عدم السلامة من نظرة فاتنة، أو كلمة آثمة في أقل الأحوال.
- ومن الأخطاء السهر إلى أوقات متأخرة من الليل في غير طاعة، ثم النوم عن صلاة الفجر دون أن يأسف كثيرون على تضيعها، وما كان وسيلة إلى الحرام يفضي إليه في الغالب فهو حرام.
- ومن المحاذير التي تقارف في الإجازة الذهاب إلى أماكن يكثر فيها الاختلاط، ولا يراعى فيها الفصل بين الرجال والنساء، أو تعم فيها المنكرات والمخالفات الشرعية بحجة الترفيه في بلد إسلامي، وقد كان لهؤلاء في الحلال الطيب غنية، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خير منه.
- ومن أخطائنا في الإجازة الإسراف في الترفيه ولو بالحلال الطيب، بينما أكباد المسلمين في المشارق والمغارب جائعة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}
- ومن المحاذير مرور الإجازة على كثيرين بغير فائدة، والإنسان إذا لم يكن في زيادة فهو في نقصان، وقد أمر الله تعالى فقال: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمر فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».
الصيف والدراسة:
قد يظن الكثير من الطلاب وآبائهم أنّ الإجازة هي فسحة للابتعاد عن الدراسة والثقافة والعلم، وأنّها فرصة ليتخلى الطالب عن أي شيء له علاقة بالعلم.
إذ يلاحظ على الطلاب هجرانهم للقراءة والاطلاع بمجرد انتهاء الاختبارات وحلول الإجازة، وسبب هذا يعود إلى أنّ الطالب لم يدرك أهمية القراءة والاطلاع ودورها في بناء شخصيته وتنمية ثقافته، فالطالب من نعومة أظفاره يطلب منه أن يذاكر دروسه فقط، فلم تقدم له قصة جميلة لقراءتها أو كتيب صغير لقراءته والاستفادة منه فيبرمج الطالب على أن يحصر قراءته واطلاعه على دروسه فقط، وهذا خطأ كبير يجعل الطالب محدود الفكر والاطلاع.
والحل يكمن في تعويد الطالب منذ صغره على القراءة فتقدم له القصص الجميلة الهادفة ليقرأها، ثم بعد ذلك وبعد تقدم عمره تقدم له الكتيبات التي تناسبه... وهكذا، بهذا التدرج يتمكن حب الكتاب وحب القراءة في قلبه فلا يستطيع أن يتركها فتزيد ثقافته وتتكون شخصيته فينفع أمته ـ بإذن الله ـ.
كما أنّ المدارس لا تعنى بتقديم كتيبات خاصة للطلاب تطلب منهم أن يقرؤوها أثناء العطلة الصيفية، أو تدعمهم في زيارات للمكتبات العامة الكثيرة في البلد، والتي تضم آلاف العناوين والكتب، تبقى حبيسة الرفوف والخزن، لذلك عليها مسؤولية أيضًا في تشجيع الطلاب المتابعة والقراءة والاطلاع.
يجب أن يعلم الطلاب وآباؤهم أنّ المدرسة ليست المنهل الوحيد للعلم، وليست فصولها الأوقات الوحيدة لمتابعة الدروس بالعكس، يوجد الكثير من المشاريع العلمية التي يصعب إجراؤها في أوقات الدراسة، بسبب انشغال الطلاب بالتحصيل العلمي الإلزامي.
لذلك، فعلى الطلاب أن يعلموا أنّ الصيف هو وقت مناسب لتناول العلوم الأخرى، مثل: الاطلاع على بعض الكتب الخاصة بهواية وميول كل شخص.
إنّ معظم طلاب المدارس لديهم ميول شخصية نحو علم أو أحد فروعه، إلاّ أنّ هذه الميول يتم تجنبها في المدارس التي تتبع نظامًا تعليميًا موحدًا، وعليه فإنّ الطالب الموهوب أو صاحب الميول الخاصة لن يجد ضالته في تلك المدارس، التي أنشأت لرفع المستوى التعليمي والثقافي للطلاب بشكل عام.
لذلك يجب أن يستغل وقت الصيف من أجل إشباع ميوله الخاصة، ومتابعة ما فاته من علوم تتعلق بهوايته.
كأن يكون البعض مهتمًا بالعلوم التكنولوجية، وتشكل العطلة الصيفية فرصة جيدة لاتباع دورة في الحاسب، أو استخدام الحاسب الآلي في المنزل بشكل مستمر، أو تجريب بعض البرامج الجديدة.
وبعض الطلاب يكون لديهم ميولًا نحو تعلم اللغة الإنجليزية، فيمكن اتباع دورة لتقوية اللغة الإنجليزية خلال العطلة الصيفية.
والبعض الآخر لديه ميول نحو المعلومات التاريخية والتراثية، وبإمكانه أن يقضي وقتًا مفيدًا في العطلة بزيارة المتاحف والآثار المختلفة داخل وخارج مدينته، وأن يقرأ في كتب التاريخ والسير ونحوها.
وطالما أنّ الطالب يبقى أسير أحلامه الخاصة في تمضية إجازة "سعيدة وهادئة"، فإنّه يطفئ شعلة الاهتمام في قلبه من غير إدراك منه، لهذا يجب على الآباء أن يحرصوا كل الحرص أثناء الإجازات على متابعة ما يهواه ابنهم، خاصة وأنّ دور المدرسة خلال العطلة الصيفية معطل، وتنحصر المسؤولية كلها على الأهل.
العلوم الشرعية والصيف:
يحظ ديننا الإسلامي على استغلال الوقت بالطاعات والعبادات، فالوقت مسؤول عنه الإنسان، وفي الصيف يطول النهار، وتمضي ساعاته بطيئة على كل عاطل عن العمل أو مهمل، فيما تقفل المدارس وتعطّل العديد من الأنشطة في المدن، وتتغير حال المدينة بشكل عام.
إلاّ أنّه ولله الحمد، فإنّ الكثير من الأنشطة الشرعية والتربوية والدينية تجد في العطلة الصيفية متسعًا من الوقت لنشر الدورات المختلفة، كدورات تحفيظ القرآن الكريم، وتحفيظ الأحاديث الصحيحة، ودورات تحفيظ المتون وغيرها من الأنشطة الشرعية المباركة.
وقد يقنع بعض الطلاب آبائهم بأنّهم في إجازة صيفية، وأن الوقت يجب أن لا يشغل بأي شيء، استعدادًا للعام الدراسي المقبل، طالبين منهم عدم إزعاجهم بالالتحاق بدورات تلزمهم تمضية وقت معين في اليوم في مكان ما.
وقد يقتنع الآباء ويرون من الصواب ترك أبنائهم على راحتهم، وهذا من الأخطاء الشائعة في الصيف.
فمن جهة، تنشط بعض الدورات الشرعية الهامة في الصيف أكثر منها في أوقات الدراسة، ما يعني تفويتها على الطالب تفويته لخير كبير.
ومن جهة أخرى، فإن القائمين على هذه الدورات يحاولون قدر المستطاع تيسير الدورات بأوقات سهلة وبسيطة، لا تؤثر كبير أثر على اليوم الاعتيادي.
ومن ناحية ثالثة، فإنّ الطالب سوف يجد في أيّام العطلة متسعًا من الوقت لمراجعة ما تعلمه وتلقاه، أكثر من أيّام المدرسة.
لذلك، فإنّه يتعين على الآباء أن يلحقوا أبناءهم ولو بحلقة واحدة على الأقل خلال العطلة الصيفية، وأن يلزموا أولادهم بهذا العلم الشرعي، الذي قد لا يجدونه في صفحات كتبهم المدرسية.
دور الأهل السلبي:
إنّ ممّا يؤسف له خلال أيّامنا هذه، أنّه بات الكثير من الآباء والأمهات بعيدون كل البعد عن أولادهم، لدرجة بات الأب لا يعلم أين أمضى ابنه ليلة أمس، أو من هم أصحابه المقربين، أو من أين يأتي بمصروفه الشخصي، أو هل ينتسب إلى دورة شرعية أم لا، وغيرها من المسائل التي تقع بالدرجة الأولى على الأهل.
الموقف السلبي الذي باتت الكثير من الأسر تتخذه من أولادها، بحجج مشاغل الحياة وصعوبات تحصيل الموارد المادية، وترك الأبناء يعتمدون على أنفسهم، أصبح سمة كبيرة منتشرة في كثير من منازلنا، فإن لم يكن موقف الأب والأم، فإنّه موقف أحدهما.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...».
وكون الأب هو الراعي الأول والأهم لأبنائه، فإنّ غيابه عنهم يكسر أي اعتبار لأي شخص آخر، لذلك يصبح من الصعب جدًا انقيادهم بسهولة لمدرسيهم أو موجهيهم أو بعض طلاب العلم في المناشط التربوية، وغيرها.
وخلال الصيف، قد يترك الأب ابنه أوقاتًا طويلة لا يسأل عنه، ما يعطي الابن إحساسًا بأنّه غير مسؤول وغير مراقب، فيشطح في بعض النواحي التي قد تؤدي به إلى التهلكة، أو على الأقل قد تحرفه وتضلله بآراء وأفكار وعادات سيئة.
والصيف بأيّامه الطويلة الخالية، يشكل مرتعًا خصبًا للأبناء لقضاء الوقت الطويل خارج المنزل، ما يعرضهم لرفاق السوء ولعادات سيئة وغير مستحبة.
لذلك على الآباء أن يحصروا خلال أشهر الصيف على متابعة أبنائهم بشكل خاص، ومتابعة كل شؤونهم وجوانب حياتهم، تجنبًا للوقوع في المحرمات أو الانحرافات.
بالإضافة إلى ما ذكرنا، فإنّه يوجد العديد من الأخطاء والمحاذير التي يتوجب على الأهل تجنبها وتجنيب أولادهم إيّاها خلال العطلات الصيفية. خاصة في ظل وقوع العديد من شباب اليوم بهذه المحاذير، واعتيادهم عليهم لدرجة باتت من الأمور السهلة اليسيرة على نفوسهم.
نسأل الله أن يحفظ أولادنا وأولاد المسلمين من كل سوء، وأن يوفقهم لكل خير..