نواف النجيدي
08-24-2009, 02:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث حول الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحركته المجدده
المقدمة
الحمدلله الذي نصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده وصلى الله على محمد وأله وصحبه, أما بعد
فإن الحديث عن المصلحين وأئمة الدين لا يبلى مهما تعدد , ولا يمل مهما تردد , لأن الحديث عنهم معين ثري , يستطيبه الكاتب والمتحدث , كما يولع به المتقى والسامع .
وإمامنا محمد بن عبدالوهاب اجزل الله له الثواب تعددت الكتابات عنه ولكنها سير في أثر , والتجدد فيها فكر ولفظا لم يتح , ولهذا بقيت الأجيال محتاجة , إلى تجديد وتقريب وتواقة .
ودعوة الإمام ( التى هي دعوة الإسلام , دعوة السلف الصالح )
يمكن أن يتحدث عنها المؤرخ فيسهب , والأديب فيطنب , والعالم فيؤسس , والمربي فيقرب , وغيرهم
صالح بن عبدالعزيز بن محمد أل الشيخ
الرياض 26/10/1419
حاولت جاهدا جمع سيرة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب وأن آتي بجديد واجمع ما توفر لي من مواد في مصادر أو مذكرات أو مواقع على صفحات الإنترنت .
وقد حاولت عرض الموضوع بطريقة جديدة أتمنى أن تكون ميسره وسهله للباحث والدارس في هذا الموضوع وقد أرفقت مع البحث بعض ما توفر لي من صور لمدينة الشيخ ومسجده ونبذة عن المواقع التى زارها ومدى التأثير الذي أحدثه وأقوال بعض الكتاب والعلماء والمؤرخين عنه .
دون التطرق قدر الإمكان للادعاءات التى أثيرت حول الشيخ ودعوته , والظاهر لي ولكثير غيري أن الشيخ محمد رحمه الله لم يأتي بجديد بل حاول نزع الشوائب والخرافات والشركيات عن الدين الإسلامي وإعادته لسابق عهده على منهج كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأقوال السلف الصالح .
وهناك عدت أسماء لقبت بها دعوة الشيخ من قبل خصومه ومن أمثلتها ( الوهابية أو الموحدون) وغيرهم الكثير
حالة العالم الإسلامي الدينية بشكل عام ونجد بشكل خاص عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
ساد في العالم الاسلامي قبيل ظهور حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنواع وبدع و شركيات كثيرة وانحرف الناس عن كثير من أصول الدين والعقيدة وسنذكر بعضها :
مجال العقيدة :
نشأ الشرك وغلب على الناس تصورات كثيرة أبرزها الدعاء و طلب الحاجات من غير الله ومنها عبادة الأضرحة والقباب والتوسل بالمشايخ والصالحين أحياء وأموات , وانتشرت البدع و العادات والتقاليد التى حرمها الإسلام وغلبت الطرق الصوفية التي أصبحت المرجع الأساسي عن هؤلاء الناس في أمور الدين .
يصور الشيخ سليمان بن سحمان هذه الحالة في نجد بقوله :((قد خلع الناس ربقة التوحيد والدين , وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله تعالى من الأولياء والصالحين والأصنام والأوثان والشياطين))
و((كثير منهم يعتقد النفع في الأحجار والجمادات , ويتبركون بالأشجار , ويرجون منها القبول في جميع الأوقات(1) .
ففي مصر: بلد الأزهر رفع الناس لواء العبادات الوثنية والدعاوى الفرعونية وقامت دولة الأدعياء الدراويش .(2)
وفي الحجاز : أصبح الدعاء عند القبور من الأمور المألوفة عند الكثير من الناس. فيما يفعل عند قبر خديجة في المعلاة وعند قبة أبي طالب ومن استغاثة وطلب شفاعة شيء تهول له النفوس , وفي اليمن يوجد قبور يتبرك بها العوام وفي الحديدة وحضر موت ويافع.. وفي الشام توجد قبور في دمشق وحلب وأقصى الشام يتبرك بها.وفي العراق قبر أبي حنيفة , ومعروف الكرخي, وكذلك ما يفعله الناس عند مشهد قبر على ابن أبي طالب رضى الله عنه وفي النجف ومشهد قبر الحسين والكاضم في كربلاء. وهذه القبور وغيرها يأتيها الناس فيستغيثون بها ويسألونها قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم . (3)
ويصور الحالة التي وصل لها المسلمين إبان ظهور دعوة الشيخ الكاتب الأمريكي (لوتروب ستودارد ) بقوله : (( في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ , ومن التدني والانحطاط أعمق درك , فأربد جوه وطبعت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجا من أرجائه وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب , وتلاشى ما كان باقيا من أثار التهذيب العربي واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات وماتت الفضيلة في الناس , وساد الجهل , وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال)) (4)
(( وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء , فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفا من الخرافات وقشور الصوفية , دخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عدد الأدعياء والجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمام والتعاويذ والسبحات , ويهمون الناس بالباطل والشبهات ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء , ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور , وغابت عن الناس فضائل القرآن – فصار شرب الخمر والأفيون في كل مكان وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء , ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام , وعلى الجملة بدل المسلمون غير المسلمين وهبطوا مهبطا بعيد القرار فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يدعى الإسلام لغضب)) (5)
ويصور لنا ابن غنام الحالة التي وصلت إليها نجد قبل دعوة الشيخ محمد بقولة : ((فقد كان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم وهول مقيم , كان الناس يقصدون قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة ويدعونه لتفريج الكرب , وكشف النوب , وقضاء الحاجان , وكانوا يزعمون أن في قرية في الدرعية قبور بعض الصحابة فعكقوا على عبادتها وصار أهلها أعظم في صدورهم من الله خوفا , ورهبة فتقربوا إليهم , وهم يعنون أنهم أسرع إلى تلبية حوائجهم من الله ......) . وكانوا يأتون إلى شعيب غبيرا من المنكر ما لا يعهد مثله يزعمون أن فيه قبر ضرار بن الأزور . وفي بلدة ( العفرا ) ذكر النخل المعروف ( بالفحال) يهذب إليه الرجال والنساء ويفعلون عنده المنكرات ما ينكره الدين , فالرجل الفقير يذهب إلى الفحال ليوسع له رزقه , والمريض يذهب إليه ليشفيه من المرض .
والمرأة التي لم يتقدم لها خاطب تتوسل إليه في خضوع وتقول له : يا فحل الفحول ارزقني زوجا قبل الحول .
وكان هناك شجر تدعى شجرة الذئب يأمها النساء آلاتي يرزقن بمواليد ذكور ويعلقن عليها الخرق البالية لعل أولادهن يسلمون من الموت والحسد .
وكان في الخرج رجل يدعى ( تاج ) نهج الناس فيه سبيل الطواغيت فانهالت عليه النذر واعتقدوا فيه النفع والضرر وكانوا يذهرون للحج إليه أفواجا وينسجون حوله كثيرا من الأساطير والخرافات....)) (6)
ويلخص لنا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن حال العصر الذي ظهر فيه الشيخ محمد بقوله : (( كان اهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم وعفت آثار الدين لديهم , وانهدمت قواعد الملة الحنيفية , وغلب على الأكثرين ما كان عليه آهل الجاهلية وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان , وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة و القرآن وشبه الصغير لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه آهل تلك البلدان , وهرم الكبير على ما تلقاه من الأباء والأجداد , و أعلام الشريعة مطموسة , ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة , وطريق الأباء و الأسلاف مرفوعة الأعلام وأحاديث الكهان والطواغيت مقبول غير مردود ولا مدفوعة قد خلوا ربقة التوحيد والدين ودوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين والأوثان والأصنام والشياطين , وعلمائهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون وببحر الأجاج شاربون به قد أغشتهم العوائد والمألوفات وحبستهم الشهوات والإيرادات عن الارتفاع إلى قلب الهدى من النصوص المحكمات والآيات البينات)) (7)
هذه نبذة موجزة عن الحالة الدينية في العالم الإسلامي بشكل عام ونجد بشكل خاص عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوردتها كمدخل للحديث عن حياة الشيخ ودعوته التي سنتناولها بإذن الله تعالى .
نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
نسبه :
ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف التميمي سنة 1115 هجري (1703م )
فأصله ينحدر إلى قبيلة تميم تلك القبيلة التى حافظت على موطنها في إقليم نجد واستقرت واستوطنت وتركت حياة البدو واشتغلت بأوجه النشاط الأخرى من زراعة وتجارة .
تعلمه :
ولد في عام 1115 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية .
وتعلم على أبيه في بلدة العيينة وهذه البلدة هي مسقط رأسه رحمة الله عليه ، وهي قرية معلومة في اليمامة في نجد شمال غرب مدينة الرياض بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلو مترا تقريبا ، أو ما يقارب ذلك من جهة الغرب . ولد فيها رحمة الله عليه ونشأ نشأة صالحة . وقرأ القرآن مبكرا .
واجتهد في الدراسة ، والتفقه على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان - وكان فقيها كبيرا وعالما قديرا ، وكان قاضيا في بلدة العيينة - ثم بعد بلوغ الحلم حج وقصد بيت الله الحرام وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف .
ثم توجه إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، فاجتمع بعلمائها ، وأقام فيها مدة ، وأخذ من عالمين كبيرين مشهورين في المدينة ذلك الوقت ، وهما : الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ، أصله من المجمعة ، وهو والد الشيخ إبراهيم بن عبد الله صاحب العذب الفائض في علم الفرائض ، وأخذ أيضا عن الشيخ الكبير محمد حياة السندي بالمدينة . هذان العالمان ممن اشتهر أخذ الشيخ عنهما بالمدينة . ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف .
ورحل الشيخ لطلب العلم إلى العراق فقصد البصرة واجتمع بعلمائها ، وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم ، وأظهر الدعوة هناك إلى توحيد الله ودعا الناس إلى السنة ، وأظهر للناس أن الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم عن كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وناقش وذاكر في ذلك ، وناظر هنالك من العلماء ، واشتهر من مشايخه ، هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي ، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى ، فخرج من أجل ذلك وكان من نيته أن يقصد الشام فلم يقدر على ذلك لعدم وجود النفقة الكافية ، فخرج من البصرة إلى الزبير وتوجه من الزبير إلى الإحساء واجتمع بعلمائها وذاكرهم في أشياء من أصول الدين ثم توجه إلى بلاد حريملاء وذلك ( والله أعلم ) في العقد الخامس من القرن الثاني عشر لأن أباه كان قاضيا في العيينة وصار بينه وبين أميرها نزاع فانتقل عنها إلى حريملاء سنة 1139 هجرية فقدم الشيخ محمد على أبيه في حريملاء بعد انتقاله إليها سنة 1139 هجرية ، فيكون قدومه حريملاء في عام 1140 هـ أو بعدها ، واستقر هناك ولم يزل مشتغلا بالعلم والتعليم والدعوة في حريملاء حتى مات والده في عام 1153 هجرية فحصل من بعض أهل حريملاء شر عليه ، وهم بعض السفلة بها أن يفتك به . وقيل : إن بعضهم تسور عليه الجدار فعلم بهم بعض الناس فهربوا
إستقرارة في العيينة
بعد هذه الحادثة خرج الشيخ للعيينة واستقر بها ، وأسباب غضب هؤلاء السفلة عليه أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، وكان يحث الأمراء على تعزير المجرمين الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء ، ومن جملتهم هؤلاء السفلة الذين يقال لهم : العبيد هناك ، ولما عرفوا من الشيخ أنه ضدهم وأنه لا يرضى بأفعالهم ، وأنه يحرض الأمراء على عقوباتهم ، والحد من شرهم غضبوا وهموا أن يفتكوا به ، فصانه الله وحماه ، ثم انتقل إلى بلدة العيينة وأميرها إذ ذاك عثمان بن محمد بن معمر ، فنزل عليه ورحب به الأمير ، وقال : قم بالدعوة إلى الله ونحن معك وناصروك وأظهر له الخير ، والمحبة والموافقة على ما هو عليه ، فاشتغل الشيخ بالتعليم والإرشاد والدعوة إلى الله عز وجل ، وتوجيه الناس إلى الخير ، والمحبة في الله ، رجالهم ونسائهم ، واشتهر أمره في العيينة وعظم صيته وجاء إليها الناس من القرى المجاورة .
وفي يوم من الأيام قال الشيخ للأمير عثمان : دعنا نهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه فإنها أسست على غير هدى ، وأن الله جل وعلا لا يرضى بهذا العمل ، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، وهذه القبة فتنت الناس وغيرت العقائد ، وحصل بها الشرك فيجب هدمها ، فقال الأمير عثمان لا مانع من ذلك ، فقال الشيخ : إني أخشى أن يثور لها أهل الجبيلة ، والجبيلة قرية هناك قريبة من القبر ، فخرج عثمان ومعه جيش يبلغون 600 مقاتل لهدم القبة ، ومعهم الشيخ رحمة الله عليه فلما قربوا من القبة خرج أهل الجبيلة لما سمعوا بذلك لينصروها ويحموها .
فلما رأوا الأمير عثمان ومن معه كفوا ورجعوا عن ذلك ، فباشر الشيخ هدمها لإزالتها فأزالها الله عز وجل على يديه رحمة الله عليه . فقال الشيخ للأمير عثمان بن معمر : لا بد من هدم هذه القبة على قبر زيد - وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع ، وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية ، فكان ممن قتل هناك وبني على قبره قبة فيما يذكرون ، وقد يكون قبر غيره ، لكنه فيما يذكرون أنه قبره - فوافقه عثمان كما تقدم ، وهدمت القبة بحمد الله وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة ، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة ، وقصد مستقيم ونصر للحق ، وهناك قبور أخرى منها قبر يقال : إنه قبر ضرار بن الأوزر كانت عليه قبة هدمت أيضا ، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل ، وكانت هناك غيران وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا فأزيلت وقضى عليها وحذر الناس عنها . والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة قولا وعملا كما تقدم ، ثم إن الشيخ أتته امرأة واعترفت عنده بالزنا عدة مرات ، وسأل عن عقلها فقيل : إنها عاقلة ولا بأس بها ، فلما صممت على الاعتراف ، ولم ترجع عن اعترافها ، ولم تدع إكراها ولا شبهة وكانت محصنة ، أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره حالة كونه قاضيا بالعيينة ، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة وبرجم المرأة وبالدعوة العظيمة إلى الله وهجرة المهاجرين إلى العيينة .
طرد الشيخ بن عبدالوهاب من العيينة :
وبلغ أمير الإحساء وتوابعها من بني خالد سليمان بن عريعر الخالدي أمر الشيخ وأنه يدعو إلى الله وأنه يهدم القباب ، وأنه يقيم الحدود فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ ، لأن من عادة البادية إلا من هدى الله ، الإقدام على الظلم ، وسفك الدماء ، ونهب الأموال ، وانتهاك الحرمات ، فخاف أن هذا الشيخ يعظم أمره ويزيل سلطان الأمير البدوي ، فكتب إلى عثمان يتوعده ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة ، وقال : إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا ، وكذا!! فإما أن تقتله ، وإما أن نقطع عنك خراجك الذي عندنا!! وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب ، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير ، وخاف إن عصاه أن يقطع عنه خراجه أو يحاربه ، فقال للشيخ : إن هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا ، وأنه لا يحسن منا أن نقتلك وأنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته ، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت ، فقال له الشيخ : إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله ، وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله ، فمن تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه ، فإن صبرت واستقمت وقبلت هذا الخبر فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره ، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته ، فقال : أيها الشيخ أنا لا نستطيع محاربته ، ولا صبر لنا على مخالفته.
دخول الشيخ محمد إلى الدرعية :
فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية ، جاء إليها ماشيا فيما ذكروا حتى وصل إليها في آخر النهار ، وقد خرج من العيينة في أول النهار ماشيا على الأقدام لم يرحله عثمان ، فدخل على شخص من خيارها في أعلى البلد يقال له : محمد بن سويلم العريني فنزل عليه ، ويقال : إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرض بما رحبت ، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له : أبشر بخير ، وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله ، وسوف يظهره الله ، فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد ، ويقال :
أخبره به زوجته جاء إليها بعض الصالحين وقال لها : أخبري محمدا بهذا الرجل ، وشجعيه على قبول دعوته وحرضيه على مؤازرته ومساعدته وكانت امرأة صالحة طيبة ، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له : أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك ، رجل داعية يدعو إلى دين الله ، ويدعو إلى كتاب الله ، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يا لها من غنيمة! بادر بقبوله وبادر بنصرته ، ولا تقف في ذلك أبدا ، فقبل الأمير مشورتها ، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه ويقال : إن المرأة أيضا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين وقالوا له : لا ينبغي أن تدعوه إليك ، بل ينبغي أن تقصده في منزله ، وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير ، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه وأكرم الله مثواه
لقاء الشيخ بن عبدالوهاب ببن سعود والعد بينهم :
فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم ، وقصده وسلم عليه وتحدث معه ، وقال له يا شيخ محمد أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة ، فقال له الشيخ : وأنت أبشر بالنصرة أيضا والتمكين والعاقبة الحميدة ، هذا دين الله من نصره نصره الله ، ومن أيده أيده الله وسوف تجد آثار ذلك سريعا ، فقال : يا شيخ سأبايعك على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله ، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على
أعداء الإسلام ، أن تبتغي غير أرضنا ، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى فقال : لا أبايعك على هذا . . . أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج عن بلادك أبدا ، فبايعه على النصرة وعلى البقاء في البلد وأنه يبقى عند الأمير يساعده ، ويجاهد معه في سبيل الله حتى يظهر دين الله ، وتمت البيعة على ذلك .
أعمال الشيخ بالدرعية :
توافد الناس إلى الدرعية من كل مكان ، من العيينة ، وعرقة ، ومنفوحة ، والرياض وغير ذلك ، من البلدان المجاورة ، ولم تزل الدرعية موضع هجرة يهاجر إليها الناس من كل مكان ، وتسامع الناس بأخبار الشيخ ، ودروسه في الدرعية ودعوته إلى الله وإرشاده إليه ، فأتوا زرافات ووحدانا .
فأقام الشيخ بالدرعية معظما مؤيدا محبوبا منصورا ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه ، وأصوله ، والحديث ، ومصطلحة ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان ، وتعلم الناس علمه في الدرعية الشباب وغيرهم ، ورتب للناس دروسا كثيرة للعامة ، والخاصة ، ونشر العلم في الدرعية واستمر على الدعوة .
بدأ بالجهاد وكاتب الناس إلى الدخول في هذا الميدان وإزالة الشرك الذي في بلادهم ، وبدأ بأهل نجد ، وكاتب أمراءها وعلماؤها . كاتب علماء الرياض وأميرها دهام بن دواس ، كاتب علماء الخرج وأمراءها ، وعلماء بلاد الجنوب والقصيم وحائل والوشم ، وسدير وغير ذلك ، ولم يزل يكاتبهم ويكاتب علماءهم وأمراءهم .
وهكذا علماء الإحساء وعلماء الحرمين الشريفين ، وهكذا علماء الخارج في مصر ، والشام ، والعراق ، والهند ، واليمن ، وغير ذلك ، ولم يزل يكاتب الناس ويقيم الحجج ويذكر الناس ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع ، وليس معنى هذا أنه ليس هناك أنصار للدين بل هناك أنصار والله جل وعلا قد ضمن لهذا الدين أن لا بد له من ناصر ولا تزال طائفة في هذه الأمة على الحق منصورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، فهناك أنصار للحق في أقطار كثيرة .
ولكن الحديث الآن عن نجد ، فكان فيها من الشر والفساد والشرك والخرافات ما لا يحصيه إلا الله عز وجل . مع أن فيها علماء فيهم خير ، ولكن لم يقدر لهم أن ينشطوا في الدعوة وأن يقوموا بها كما ينبغي ، وهناك أيضا في اليمن وغير اليمن دعاة إلى الحق وأنصار قد عرفوا هذا الشرك وهذه الخرافات ، ولكن لم يقدر الله لدعوتهم النجاح ما قدر لدعوة الشيخ محمد لأسباب كثيرة ،
منها : عدم تيسر الناصر المساعد لهم .
ومنها : عدم الصبر لكثير من الدعاة وتحمل الأذى في سبيل الله ،
ومنها : قلة علوم بعض الدعاة التي يستطيع بها أن يوجه الناس بالأساليب المناسبة ، والعبارات اللائقة ، والحكمة والموعظة الحسنة .
ومنها : أسباب أخرى غير هذه الأسباب ، وبسبب هذه المكاتبات الكثيرة والرسائل والجهاد اشتهر أمر الشيخ ، وظهر أمر الدعوة ، واتصلت رسائله بالعلماء في داخل الجزيرة ، وفي خارجها . وتأثر بدعوته جمع غفير من الناس في الهند وفي أندونيسيا ، وفي أفغانستان ، وفي أفريقيا وفي المغرب ، وهكذا في مصر ، والشام ، والعراق ، وكان هناك دعاة كثيرون عندهم معرفة بالحق والدعوة إليه فلما بلغتهم دعوة الشيخ زاد نشاطهم ، وزادت قوتهم واشتهروا بالدعوة ولم تزل دعوة الشيخ تشتهر وتظهر بين العالم الإسلامي وغيره ، ثم في هذا العصر الأخير طبعت كتبه ، ورسائله ، وكتب أبنائه ، وأحفاده ، وأنصاره ، وأعوانه من علماء المسلمين في الجزيرة وخارجها ، وكذلك طبعت الكتب في دعوته ، وترجمته ، وأحواله ، وأحوال أنصاره ، حتى اشتهرت بين الناس في غالب الأقطار والأمصار ، ومن المعلوم أن لكل نعمة حاسدا وأن لكل داعي أعداء كثيرين قال الله تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة ، وألف المؤلفات القيمة ، ونشرها في الناس ، وكاتبه العلماء ، ظهر جماعة كثيرون من حساده ، ومن مخالفيه ، وظهر أيضا أعداء آخرون ، وصار أعداؤه وخصومه قسمين :
قسم عادوه باسم العلم والدين ، وقسم : عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم ، وتستروا باسم الدين ، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء الذين أظهروا عداوته وقالوا : إنه على غير الحق ، وإنه كيت وكيت .
والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه ، ويوضح الدليل ، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي علي من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطورا . يقولون : إنه من الخوارج ، وتارة يقولون : يخرق الإجماع ، ويدعي الاجتهاد المطلق ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منه وطائفة أخرى قلدت غيرها واعتمدت عليها ، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة وتستتر باسم الإسلام والدين واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين .
والخصوم في الحقيقة ثلاثة أقسام :
علماء مخرفون يرون الحق باطلا والباطل حقا ، ويعتقدون أن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ،ودعاءها من دون الله والاستغاثة بها وما أشبه ذلك دين وهدى ، ويعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين ، وأبغض الأولياء ، وهو عدو يجب جهاده .
وقسم آخر : من المنسوبين للعلم جهلوا حقيقة هذا الرجل ، ولم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه بل قلدوا غيرهم وصدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين ، وظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بغض الأولياء والأنبياء ، ومن معاداتهم ، وإنكار كراماتهم ، فذموا الشيخ ، وعابوا ونفروا عنه .
وقسم آخر : خافوا على المناصب والمراتب فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم فتنزلهم عن مراكزهم ، وتستولي على بلادهم ، واستمرت الحرب الكلامية . والمجادلات والمساجلات بين الشيخ وخصومه ، يكاتبهم ويكاتبونه ، ويجادلهم ويرد عليهم ، ويردون عليه ، وهكذا جرى بين أبنائه وأحفاده وأنصاره وبين خصوم الدعوة . حتى اجتمع من ذلك رسائل كثيرة ، وردود جمة ، وقد جمعت هذه الرسائل والفتاوى والردود فبلغت مجلدات ، وقد طبع أكثرها والحمد لله ، واستمر الشيخ في الدعوة والجهاد وساعده الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية ، وجد الأسرة السعودية على ذلك ، ورفعت راية الجهاد وبدأ الجهاد من عام 1158 هـ .
... يتبع ...
بحث حول الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحركته المجدده
المقدمة
الحمدلله الذي نصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده وصلى الله على محمد وأله وصحبه, أما بعد
فإن الحديث عن المصلحين وأئمة الدين لا يبلى مهما تعدد , ولا يمل مهما تردد , لأن الحديث عنهم معين ثري , يستطيبه الكاتب والمتحدث , كما يولع به المتقى والسامع .
وإمامنا محمد بن عبدالوهاب اجزل الله له الثواب تعددت الكتابات عنه ولكنها سير في أثر , والتجدد فيها فكر ولفظا لم يتح , ولهذا بقيت الأجيال محتاجة , إلى تجديد وتقريب وتواقة .
ودعوة الإمام ( التى هي دعوة الإسلام , دعوة السلف الصالح )
يمكن أن يتحدث عنها المؤرخ فيسهب , والأديب فيطنب , والعالم فيؤسس , والمربي فيقرب , وغيرهم
صالح بن عبدالعزيز بن محمد أل الشيخ
الرياض 26/10/1419
حاولت جاهدا جمع سيرة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب وأن آتي بجديد واجمع ما توفر لي من مواد في مصادر أو مذكرات أو مواقع على صفحات الإنترنت .
وقد حاولت عرض الموضوع بطريقة جديدة أتمنى أن تكون ميسره وسهله للباحث والدارس في هذا الموضوع وقد أرفقت مع البحث بعض ما توفر لي من صور لمدينة الشيخ ومسجده ونبذة عن المواقع التى زارها ومدى التأثير الذي أحدثه وأقوال بعض الكتاب والعلماء والمؤرخين عنه .
دون التطرق قدر الإمكان للادعاءات التى أثيرت حول الشيخ ودعوته , والظاهر لي ولكثير غيري أن الشيخ محمد رحمه الله لم يأتي بجديد بل حاول نزع الشوائب والخرافات والشركيات عن الدين الإسلامي وإعادته لسابق عهده على منهج كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأقوال السلف الصالح .
وهناك عدت أسماء لقبت بها دعوة الشيخ من قبل خصومه ومن أمثلتها ( الوهابية أو الموحدون) وغيرهم الكثير
حالة العالم الإسلامي الدينية بشكل عام ونجد بشكل خاص عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
ساد في العالم الاسلامي قبيل ظهور حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنواع وبدع و شركيات كثيرة وانحرف الناس عن كثير من أصول الدين والعقيدة وسنذكر بعضها :
مجال العقيدة :
نشأ الشرك وغلب على الناس تصورات كثيرة أبرزها الدعاء و طلب الحاجات من غير الله ومنها عبادة الأضرحة والقباب والتوسل بالمشايخ والصالحين أحياء وأموات , وانتشرت البدع و العادات والتقاليد التى حرمها الإسلام وغلبت الطرق الصوفية التي أصبحت المرجع الأساسي عن هؤلاء الناس في أمور الدين .
يصور الشيخ سليمان بن سحمان هذه الحالة في نجد بقوله :((قد خلع الناس ربقة التوحيد والدين , وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله تعالى من الأولياء والصالحين والأصنام والأوثان والشياطين))
و((كثير منهم يعتقد النفع في الأحجار والجمادات , ويتبركون بالأشجار , ويرجون منها القبول في جميع الأوقات(1) .
ففي مصر: بلد الأزهر رفع الناس لواء العبادات الوثنية والدعاوى الفرعونية وقامت دولة الأدعياء الدراويش .(2)
وفي الحجاز : أصبح الدعاء عند القبور من الأمور المألوفة عند الكثير من الناس. فيما يفعل عند قبر خديجة في المعلاة وعند قبة أبي طالب ومن استغاثة وطلب شفاعة شيء تهول له النفوس , وفي اليمن يوجد قبور يتبرك بها العوام وفي الحديدة وحضر موت ويافع.. وفي الشام توجد قبور في دمشق وحلب وأقصى الشام يتبرك بها.وفي العراق قبر أبي حنيفة , ومعروف الكرخي, وكذلك ما يفعله الناس عند مشهد قبر على ابن أبي طالب رضى الله عنه وفي النجف ومشهد قبر الحسين والكاضم في كربلاء. وهذه القبور وغيرها يأتيها الناس فيستغيثون بها ويسألونها قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم . (3)
ويصور الحالة التي وصل لها المسلمين إبان ظهور دعوة الشيخ الكاتب الأمريكي (لوتروب ستودارد ) بقوله : (( في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ , ومن التدني والانحطاط أعمق درك , فأربد جوه وطبعت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجا من أرجائه وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب , وتلاشى ما كان باقيا من أثار التهذيب العربي واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات وماتت الفضيلة في الناس , وساد الجهل , وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال)) (4)
(( وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء , فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفا من الخرافات وقشور الصوفية , دخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عدد الأدعياء والجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمام والتعاويذ والسبحات , ويهمون الناس بالباطل والشبهات ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء , ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور , وغابت عن الناس فضائل القرآن – فصار شرب الخمر والأفيون في كل مكان وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء , ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام , وعلى الجملة بدل المسلمون غير المسلمين وهبطوا مهبطا بعيد القرار فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يدعى الإسلام لغضب)) (5)
ويصور لنا ابن غنام الحالة التي وصلت إليها نجد قبل دعوة الشيخ محمد بقولة : ((فقد كان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم وهول مقيم , كان الناس يقصدون قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة ويدعونه لتفريج الكرب , وكشف النوب , وقضاء الحاجان , وكانوا يزعمون أن في قرية في الدرعية قبور بعض الصحابة فعكقوا على عبادتها وصار أهلها أعظم في صدورهم من الله خوفا , ورهبة فتقربوا إليهم , وهم يعنون أنهم أسرع إلى تلبية حوائجهم من الله ......) . وكانوا يأتون إلى شعيب غبيرا من المنكر ما لا يعهد مثله يزعمون أن فيه قبر ضرار بن الأزور . وفي بلدة ( العفرا ) ذكر النخل المعروف ( بالفحال) يهذب إليه الرجال والنساء ويفعلون عنده المنكرات ما ينكره الدين , فالرجل الفقير يذهب إلى الفحال ليوسع له رزقه , والمريض يذهب إليه ليشفيه من المرض .
والمرأة التي لم يتقدم لها خاطب تتوسل إليه في خضوع وتقول له : يا فحل الفحول ارزقني زوجا قبل الحول .
وكان هناك شجر تدعى شجرة الذئب يأمها النساء آلاتي يرزقن بمواليد ذكور ويعلقن عليها الخرق البالية لعل أولادهن يسلمون من الموت والحسد .
وكان في الخرج رجل يدعى ( تاج ) نهج الناس فيه سبيل الطواغيت فانهالت عليه النذر واعتقدوا فيه النفع والضرر وكانوا يذهرون للحج إليه أفواجا وينسجون حوله كثيرا من الأساطير والخرافات....)) (6)
ويلخص لنا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن حال العصر الذي ظهر فيه الشيخ محمد بقوله : (( كان اهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم وعفت آثار الدين لديهم , وانهدمت قواعد الملة الحنيفية , وغلب على الأكثرين ما كان عليه آهل الجاهلية وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان , وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة و القرآن وشبه الصغير لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه آهل تلك البلدان , وهرم الكبير على ما تلقاه من الأباء والأجداد , و أعلام الشريعة مطموسة , ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة , وطريق الأباء و الأسلاف مرفوعة الأعلام وأحاديث الكهان والطواغيت مقبول غير مردود ولا مدفوعة قد خلوا ربقة التوحيد والدين ودوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين والأوثان والأصنام والشياطين , وعلمائهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون وببحر الأجاج شاربون به قد أغشتهم العوائد والمألوفات وحبستهم الشهوات والإيرادات عن الارتفاع إلى قلب الهدى من النصوص المحكمات والآيات البينات)) (7)
هذه نبذة موجزة عن الحالة الدينية في العالم الإسلامي بشكل عام ونجد بشكل خاص عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوردتها كمدخل للحديث عن حياة الشيخ ودعوته التي سنتناولها بإذن الله تعالى .
نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
نسبه :
ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف التميمي سنة 1115 هجري (1703م )
فأصله ينحدر إلى قبيلة تميم تلك القبيلة التى حافظت على موطنها في إقليم نجد واستقرت واستوطنت وتركت حياة البدو واشتغلت بأوجه النشاط الأخرى من زراعة وتجارة .
تعلمه :
ولد في عام 1115 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية .
وتعلم على أبيه في بلدة العيينة وهذه البلدة هي مسقط رأسه رحمة الله عليه ، وهي قرية معلومة في اليمامة في نجد شمال غرب مدينة الرياض بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلو مترا تقريبا ، أو ما يقارب ذلك من جهة الغرب . ولد فيها رحمة الله عليه ونشأ نشأة صالحة . وقرأ القرآن مبكرا .
واجتهد في الدراسة ، والتفقه على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان - وكان فقيها كبيرا وعالما قديرا ، وكان قاضيا في بلدة العيينة - ثم بعد بلوغ الحلم حج وقصد بيت الله الحرام وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف .
ثم توجه إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، فاجتمع بعلمائها ، وأقام فيها مدة ، وأخذ من عالمين كبيرين مشهورين في المدينة ذلك الوقت ، وهما : الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ، أصله من المجمعة ، وهو والد الشيخ إبراهيم بن عبد الله صاحب العذب الفائض في علم الفرائض ، وأخذ أيضا عن الشيخ الكبير محمد حياة السندي بالمدينة . هذان العالمان ممن اشتهر أخذ الشيخ عنهما بالمدينة . ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف .
ورحل الشيخ لطلب العلم إلى العراق فقصد البصرة واجتمع بعلمائها ، وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم ، وأظهر الدعوة هناك إلى توحيد الله ودعا الناس إلى السنة ، وأظهر للناس أن الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم عن كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وناقش وذاكر في ذلك ، وناظر هنالك من العلماء ، واشتهر من مشايخه ، هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي ، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى ، فخرج من أجل ذلك وكان من نيته أن يقصد الشام فلم يقدر على ذلك لعدم وجود النفقة الكافية ، فخرج من البصرة إلى الزبير وتوجه من الزبير إلى الإحساء واجتمع بعلمائها وذاكرهم في أشياء من أصول الدين ثم توجه إلى بلاد حريملاء وذلك ( والله أعلم ) في العقد الخامس من القرن الثاني عشر لأن أباه كان قاضيا في العيينة وصار بينه وبين أميرها نزاع فانتقل عنها إلى حريملاء سنة 1139 هجرية فقدم الشيخ محمد على أبيه في حريملاء بعد انتقاله إليها سنة 1139 هجرية ، فيكون قدومه حريملاء في عام 1140 هـ أو بعدها ، واستقر هناك ولم يزل مشتغلا بالعلم والتعليم والدعوة في حريملاء حتى مات والده في عام 1153 هجرية فحصل من بعض أهل حريملاء شر عليه ، وهم بعض السفلة بها أن يفتك به . وقيل : إن بعضهم تسور عليه الجدار فعلم بهم بعض الناس فهربوا
إستقرارة في العيينة
بعد هذه الحادثة خرج الشيخ للعيينة واستقر بها ، وأسباب غضب هؤلاء السفلة عليه أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، وكان يحث الأمراء على تعزير المجرمين الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء ، ومن جملتهم هؤلاء السفلة الذين يقال لهم : العبيد هناك ، ولما عرفوا من الشيخ أنه ضدهم وأنه لا يرضى بأفعالهم ، وأنه يحرض الأمراء على عقوباتهم ، والحد من شرهم غضبوا وهموا أن يفتكوا به ، فصانه الله وحماه ، ثم انتقل إلى بلدة العيينة وأميرها إذ ذاك عثمان بن محمد بن معمر ، فنزل عليه ورحب به الأمير ، وقال : قم بالدعوة إلى الله ونحن معك وناصروك وأظهر له الخير ، والمحبة والموافقة على ما هو عليه ، فاشتغل الشيخ بالتعليم والإرشاد والدعوة إلى الله عز وجل ، وتوجيه الناس إلى الخير ، والمحبة في الله ، رجالهم ونسائهم ، واشتهر أمره في العيينة وعظم صيته وجاء إليها الناس من القرى المجاورة .
وفي يوم من الأيام قال الشيخ للأمير عثمان : دعنا نهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه فإنها أسست على غير هدى ، وأن الله جل وعلا لا يرضى بهذا العمل ، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، وهذه القبة فتنت الناس وغيرت العقائد ، وحصل بها الشرك فيجب هدمها ، فقال الأمير عثمان لا مانع من ذلك ، فقال الشيخ : إني أخشى أن يثور لها أهل الجبيلة ، والجبيلة قرية هناك قريبة من القبر ، فخرج عثمان ومعه جيش يبلغون 600 مقاتل لهدم القبة ، ومعهم الشيخ رحمة الله عليه فلما قربوا من القبة خرج أهل الجبيلة لما سمعوا بذلك لينصروها ويحموها .
فلما رأوا الأمير عثمان ومن معه كفوا ورجعوا عن ذلك ، فباشر الشيخ هدمها لإزالتها فأزالها الله عز وجل على يديه رحمة الله عليه . فقال الشيخ للأمير عثمان بن معمر : لا بد من هدم هذه القبة على قبر زيد - وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع ، وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية ، فكان ممن قتل هناك وبني على قبره قبة فيما يذكرون ، وقد يكون قبر غيره ، لكنه فيما يذكرون أنه قبره - فوافقه عثمان كما تقدم ، وهدمت القبة بحمد الله وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة ، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة ، وقصد مستقيم ونصر للحق ، وهناك قبور أخرى منها قبر يقال : إنه قبر ضرار بن الأوزر كانت عليه قبة هدمت أيضا ، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل ، وكانت هناك غيران وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا فأزيلت وقضى عليها وحذر الناس عنها . والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة قولا وعملا كما تقدم ، ثم إن الشيخ أتته امرأة واعترفت عنده بالزنا عدة مرات ، وسأل عن عقلها فقيل : إنها عاقلة ولا بأس بها ، فلما صممت على الاعتراف ، ولم ترجع عن اعترافها ، ولم تدع إكراها ولا شبهة وكانت محصنة ، أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره حالة كونه قاضيا بالعيينة ، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة وبرجم المرأة وبالدعوة العظيمة إلى الله وهجرة المهاجرين إلى العيينة .
طرد الشيخ بن عبدالوهاب من العيينة :
وبلغ أمير الإحساء وتوابعها من بني خالد سليمان بن عريعر الخالدي أمر الشيخ وأنه يدعو إلى الله وأنه يهدم القباب ، وأنه يقيم الحدود فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ ، لأن من عادة البادية إلا من هدى الله ، الإقدام على الظلم ، وسفك الدماء ، ونهب الأموال ، وانتهاك الحرمات ، فخاف أن هذا الشيخ يعظم أمره ويزيل سلطان الأمير البدوي ، فكتب إلى عثمان يتوعده ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة ، وقال : إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا ، وكذا!! فإما أن تقتله ، وإما أن نقطع عنك خراجك الذي عندنا!! وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب ، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير ، وخاف إن عصاه أن يقطع عنه خراجه أو يحاربه ، فقال للشيخ : إن هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا ، وأنه لا يحسن منا أن نقتلك وأنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته ، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت ، فقال له الشيخ : إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله ، وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله ، فمن تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه ، فإن صبرت واستقمت وقبلت هذا الخبر فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره ، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته ، فقال : أيها الشيخ أنا لا نستطيع محاربته ، ولا صبر لنا على مخالفته.
دخول الشيخ محمد إلى الدرعية :
فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية ، جاء إليها ماشيا فيما ذكروا حتى وصل إليها في آخر النهار ، وقد خرج من العيينة في أول النهار ماشيا على الأقدام لم يرحله عثمان ، فدخل على شخص من خيارها في أعلى البلد يقال له : محمد بن سويلم العريني فنزل عليه ، ويقال : إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرض بما رحبت ، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له : أبشر بخير ، وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله ، وسوف يظهره الله ، فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد ، ويقال :
أخبره به زوجته جاء إليها بعض الصالحين وقال لها : أخبري محمدا بهذا الرجل ، وشجعيه على قبول دعوته وحرضيه على مؤازرته ومساعدته وكانت امرأة صالحة طيبة ، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له : أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك ، رجل داعية يدعو إلى دين الله ، ويدعو إلى كتاب الله ، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يا لها من غنيمة! بادر بقبوله وبادر بنصرته ، ولا تقف في ذلك أبدا ، فقبل الأمير مشورتها ، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه ويقال : إن المرأة أيضا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين وقالوا له : لا ينبغي أن تدعوه إليك ، بل ينبغي أن تقصده في منزله ، وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير ، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه وأكرم الله مثواه
لقاء الشيخ بن عبدالوهاب ببن سعود والعد بينهم :
فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم ، وقصده وسلم عليه وتحدث معه ، وقال له يا شيخ محمد أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة ، فقال له الشيخ : وأنت أبشر بالنصرة أيضا والتمكين والعاقبة الحميدة ، هذا دين الله من نصره نصره الله ، ومن أيده أيده الله وسوف تجد آثار ذلك سريعا ، فقال : يا شيخ سأبايعك على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله ، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على
أعداء الإسلام ، أن تبتغي غير أرضنا ، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى فقال : لا أبايعك على هذا . . . أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج عن بلادك أبدا ، فبايعه على النصرة وعلى البقاء في البلد وأنه يبقى عند الأمير يساعده ، ويجاهد معه في سبيل الله حتى يظهر دين الله ، وتمت البيعة على ذلك .
أعمال الشيخ بالدرعية :
توافد الناس إلى الدرعية من كل مكان ، من العيينة ، وعرقة ، ومنفوحة ، والرياض وغير ذلك ، من البلدان المجاورة ، ولم تزل الدرعية موضع هجرة يهاجر إليها الناس من كل مكان ، وتسامع الناس بأخبار الشيخ ، ودروسه في الدرعية ودعوته إلى الله وإرشاده إليه ، فأتوا زرافات ووحدانا .
فأقام الشيخ بالدرعية معظما مؤيدا محبوبا منصورا ورتب الدروس في الدرعية في العقائد ، وفي القرآن الكريم ، وفي التفسير ، وفي الفقه ، وأصوله ، والحديث ، ومصطلحة ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، وغير ذلك من العلوم النافعة ، وتوافد الناس عليه من كل مكان ، وتعلم الناس علمه في الدرعية الشباب وغيرهم ، ورتب للناس دروسا كثيرة للعامة ، والخاصة ، ونشر العلم في الدرعية واستمر على الدعوة .
بدأ بالجهاد وكاتب الناس إلى الدخول في هذا الميدان وإزالة الشرك الذي في بلادهم ، وبدأ بأهل نجد ، وكاتب أمراءها وعلماؤها . كاتب علماء الرياض وأميرها دهام بن دواس ، كاتب علماء الخرج وأمراءها ، وعلماء بلاد الجنوب والقصيم وحائل والوشم ، وسدير وغير ذلك ، ولم يزل يكاتبهم ويكاتب علماءهم وأمراءهم .
وهكذا علماء الإحساء وعلماء الحرمين الشريفين ، وهكذا علماء الخارج في مصر ، والشام ، والعراق ، والهند ، واليمن ، وغير ذلك ، ولم يزل يكاتب الناس ويقيم الحجج ويذكر الناس ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع ، وليس معنى هذا أنه ليس هناك أنصار للدين بل هناك أنصار والله جل وعلا قد ضمن لهذا الدين أن لا بد له من ناصر ولا تزال طائفة في هذه الأمة على الحق منصورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، فهناك أنصار للحق في أقطار كثيرة .
ولكن الحديث الآن عن نجد ، فكان فيها من الشر والفساد والشرك والخرافات ما لا يحصيه إلا الله عز وجل . مع أن فيها علماء فيهم خير ، ولكن لم يقدر لهم أن ينشطوا في الدعوة وأن يقوموا بها كما ينبغي ، وهناك أيضا في اليمن وغير اليمن دعاة إلى الحق وأنصار قد عرفوا هذا الشرك وهذه الخرافات ، ولكن لم يقدر الله لدعوتهم النجاح ما قدر لدعوة الشيخ محمد لأسباب كثيرة ،
منها : عدم تيسر الناصر المساعد لهم .
ومنها : عدم الصبر لكثير من الدعاة وتحمل الأذى في سبيل الله ،
ومنها : قلة علوم بعض الدعاة التي يستطيع بها أن يوجه الناس بالأساليب المناسبة ، والعبارات اللائقة ، والحكمة والموعظة الحسنة .
ومنها : أسباب أخرى غير هذه الأسباب ، وبسبب هذه المكاتبات الكثيرة والرسائل والجهاد اشتهر أمر الشيخ ، وظهر أمر الدعوة ، واتصلت رسائله بالعلماء في داخل الجزيرة ، وفي خارجها . وتأثر بدعوته جمع غفير من الناس في الهند وفي أندونيسيا ، وفي أفغانستان ، وفي أفريقيا وفي المغرب ، وهكذا في مصر ، والشام ، والعراق ، وكان هناك دعاة كثيرون عندهم معرفة بالحق والدعوة إليه فلما بلغتهم دعوة الشيخ زاد نشاطهم ، وزادت قوتهم واشتهروا بالدعوة ولم تزل دعوة الشيخ تشتهر وتظهر بين العالم الإسلامي وغيره ، ثم في هذا العصر الأخير طبعت كتبه ، ورسائله ، وكتب أبنائه ، وأحفاده ، وأنصاره ، وأعوانه من علماء المسلمين في الجزيرة وخارجها ، وكذلك طبعت الكتب في دعوته ، وترجمته ، وأحواله ، وأحوال أنصاره ، حتى اشتهرت بين الناس في غالب الأقطار والأمصار ، ومن المعلوم أن لكل نعمة حاسدا وأن لكل داعي أعداء كثيرين قال الله تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة ، وألف المؤلفات القيمة ، ونشرها في الناس ، وكاتبه العلماء ، ظهر جماعة كثيرون من حساده ، ومن مخالفيه ، وظهر أيضا أعداء آخرون ، وصار أعداؤه وخصومه قسمين :
قسم عادوه باسم العلم والدين ، وقسم : عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم ، وتستروا باسم الدين ، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء الذين أظهروا عداوته وقالوا : إنه على غير الحق ، وإنه كيت وكيت .
والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه ، ويوضح الدليل ، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي علي من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطورا . يقولون : إنه من الخوارج ، وتارة يقولون : يخرق الإجماع ، ويدعي الاجتهاد المطلق ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منه وطائفة أخرى قلدت غيرها واعتمدت عليها ، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة وتستتر باسم الإسلام والدين واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين .
والخصوم في الحقيقة ثلاثة أقسام :
علماء مخرفون يرون الحق باطلا والباطل حقا ، ويعتقدون أن البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ،ودعاءها من دون الله والاستغاثة بها وما أشبه ذلك دين وهدى ، ويعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين ، وأبغض الأولياء ، وهو عدو يجب جهاده .
وقسم آخر : من المنسوبين للعلم جهلوا حقيقة هذا الرجل ، ولم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه بل قلدوا غيرهم وصدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين ، وظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بغض الأولياء والأنبياء ، ومن معاداتهم ، وإنكار كراماتهم ، فذموا الشيخ ، وعابوا ونفروا عنه .
وقسم آخر : خافوا على المناصب والمراتب فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم فتنزلهم عن مراكزهم ، وتستولي على بلادهم ، واستمرت الحرب الكلامية . والمجادلات والمساجلات بين الشيخ وخصومه ، يكاتبهم ويكاتبونه ، ويجادلهم ويرد عليهم ، ويردون عليه ، وهكذا جرى بين أبنائه وأحفاده وأنصاره وبين خصوم الدعوة . حتى اجتمع من ذلك رسائل كثيرة ، وردود جمة ، وقد جمعت هذه الرسائل والفتاوى والردود فبلغت مجلدات ، وقد طبع أكثرها والحمد لله ، واستمر الشيخ في الدعوة والجهاد وساعده الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية ، وجد الأسرة السعودية على ذلك ، ورفعت راية الجهاد وبدأ الجهاد من عام 1158 هـ .
... يتبع ...