ماجد سليمان البلوي
09-26-2009, 03:01 PM
خرج فاروق حسني من سباق "اليونسكو" منهزما، بعد أن راوغته البلغاريّة في الأمتار الأخيرة وتجاوزته... سقط، إذن، في اللحظة التي تعاظم فيها أمل بلوغ أوّل عربيّ إلى رئاسة هذه المنظّمة خاصّة بعد أن أبدت "فرنسا ساركوزي" تعاطفا معه؛ وهو الذي لجأ إليها مقيما كي يدير حملته الانتخابيّة، ولكي يضمن سلامة الطريق المؤدّية إلى كرسيّ الرئاسة...
المثير في المسألة هو أنّ بعض المتابعين لكواليس اللعبة الانتخابيّة في هذه المنظّمات التي تدّعي الحياديّة، وخدمة مصالح كلّ الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأديانهم، أكّدوا منذ إعلان "فاروق حسني" عزمه الترشّح لرئاسة اليونسكو أنّ ما يطمح إليه صعب المنال، وأنّ كلّ علامات الولاء والطاعة التي حاول أن يعبّد بها طريق "اليونسكو" لن تجدي نفعا في تلميع صورته. ذلك أنّ "إسرائيل" التي لا تغفل لها عين في مثل هذه "الولائم الأمميّة" قد ضبطته متلبّسا بمعاداة الساميّة عندما هدّد بحرق الكتب الإسرائيليّة إن وجدت في معرض القاهرة!.
لكن مثل هذه القراءات اعتُبِرت في نظر وزير الثقافة المصريّ وأنصاره ضربا من ضروب السوداويّة، والتآمر لعرقلة هذا العربيّ الذي ينطلق بحظوظ وافرة للفوز في آخر السباق، بل وصل الأمر إلى حدّ اعتبار التشكيك في فوزه "خيانة" وكسرا للصفّ العربيّ، وتقزيما للذات لا ينتفع منه إلّا العدوّ!!
والحقيقة التي لا تغيب عن كلّ متابع لسياسة إسرائيل في التعامل مع العرب المعتدلين والمتطرّفين أنّ هذا التصريح القديم كان محفوظا في أرشيف الخارجيّة الإسرائيلية إلى حين تهيّؤ المناخ المناسب واللحظة الحاسمة لاستغلاله، وتكييفه بما يحقّق للدولة العبريّة نصرا "معنويّا" يستوي فيه إن كان المطعون "معتدلا" أو متطرّفا...
وها هي تستغلّ اللحظة المباشرة لطعن وزير الثقافة المصريّ، والانتقام منه على كلام عابر جاء في لحظة "طيش" على حدّ تعبير المتهم "فاروق حسني" الذي حاول جاهدا إصلاح خطئه بالتودّد لإسرائيل، وبدعوة أحد فنانيها إلى دار الأوبرا المصريّة باسم التسامح والانفتاح على الآخر، لكن دون جدوى..
وما أقدمت عليه "إسرائيل" في أروقة "اليونسكو" لا يعدّ أمرا مستغربا، أو خروجا عن مألوف عاداتها في التعاطي مع ملفّ علاقاتها بالعرب. فبالعودة إلى التاريخ نتبيّن كيف نجحت الدولة العبريّة في إقناع العالم بأنّ "عبد الناصر" هدّد بإلقاء إسرائيل في البحر.. ولقد صدّق كثير من العرب هذا الكلام وردّدوه بافتخار مستندين إلى ما وهبهم اللّه من قدرة على ادّعاء الانتصارات المزيّفة! رغم أنّه لم يثبت، بعد فحص الخطب المكتوبة والمسموعة، أنّ الرئيس "عبد الناصر" نطق بهذه العبارات... لكنّ قوّة التعبئة، والبراعة في غسل الأدمغة مكّنتا إسرائيل من الظهور في صورة الدولة المسكينة المهدّدة في وجودها والتي تستحقّ أن تتعاطف معها كلّ الدول الخيّرة المناصرة لكلّ المستضعفين في العالم!
و"إسرائيل" كعادتها لا تتردّد في تأكيد سلطانها، وقوّتها، وسيطرتها على الممرات، والمعابر المؤدّية إلى المنظّمات الدوليّة مهما كان ثقلها ووزنها.. وما إسقاط "فاروق حسني"، وحرمانه من منصب كان يتوهّم أنّه في المتناول إلا رسالة إلى العرب، وإلى بقيّة العالم أنّ مصير كلّ عربيّ يطمح في الوصول إلى كرسيّ منظّمة دوليّة يمرّ عبر شهادة "حسن سيرة وسلوك" في الأقوال والأفعال مختومة بطابع رئيس الوزراء الإسرائيليّ! الذي يقدّمها باسم دولته لمن يرضى عنه..
القضيّة ليست في سقوط فاروق حسني، وفي فشله في تحقيق حلم شخصي راوده، وأوقعه في الوهم، بل إنّ لبّ المسألة وجوهرها هو: هل استوعب بعض العرب الدرس؟ وهل استخلصوا العبر ممّا حدث؟ وهل أدركوا حقيقة الوصول إلى مثل هذه المناصب وخفاياها؟.
ما هو موقف الحكومة المصريّة ممّا حدث؟ هل ستواصل دعمها لمشروع "ساركوزي" في إقامة الاتحاد من أجل المتوسّط؟ ألم يحصل الاتفاق بين الدولتين على أن تدعم فرنسا مرشّح مصر لليونسكو وفي المقابل تعمل أكبر دولة عربيّة على تسويق مشروع الاتحاد المتوسّطي، وإقناع الدول العربيّة بقبول "إسرائيل" عضوا فاعلا في الاتحاد!؟
والمفاجأة الكبيرة ليلة سقوط "فاروق حسني" أنّ عدد الأصوات التي حصل عليها لا تكشف عن مؤامرة إسرائيليّة غربيّة فحسب، بل عن تورّط دولتين عربيتين على الأقلّ في حسم أمر المنافسة لصالح خصم وزير الثقافة المصري. فعمليّة حسابيّة بسيطة تؤكّد أنّ صوتين عربيين، على الأقلّ، ذهبا للبلغاريّة! وهو ما يطرح أسئلة عن حقيقة التشدّق بالتضامن والتآزر بين العرب!؟.
فهل أراد بعض العرب أن يوقفوا طموحات مصر للوصول إلى أعلى درجات المسؤوليّة في كثير من المنظّمات الدوليّة؟ هل تسلّلت الغيرة إلى قلوب بعض "الأخيار" بعد أن وصل "بطرس غالي" إلى منصب الأمين العام للأمم المتّحدة، و"البرادعي" إلى منصب رئيس الوكالة الذرّية؟ هل تجاهل العرب أنّ وصول "بطرس غالي" والبرادعي" إلى هذين المنصبين كان بمباركة إسرائيليّة بعد أن بحثت في ملفّاتها واكتشفت أنّهما نقيّان، قولا وفعلا، وأنّهما يتمتّعان بحسن السيرة والسلوك ولم يقعا في زلّات لسان!؟
إن ما حدث في "اليونسكو" جاء ليؤّكد حقائق ثابتة لا تتغيّر مهما تلوّن البيت الأبيض ومهما كانت هويّة ساكن الإيليزيه وهي:
- أنّ الوصول إلى منصب في منظّمة دوليّة يتطلّب "صكّ غفران" من إسرائيل تحتفظ الدولة العبريّة لوحدها بصلاحيّة تحديد مقاييسه وشروطه.
- وأنّ فرض هيكل هجين مجهول المعالم بعنوان "الاتحاد من أجل المتوسّط" سيكون مصيره كمصير "الشرق الأوسط الجديد" أو الشرق الأوسط الكبير".
- وأنّ التضامن العربيّ في غرفة الإنعاش، وفي حالة موت سريريّ، ولم يبق إلّا نزع آلة التنفّس الاصطناعيّة لإعلان وفاته، والتخلّص من أعبائه المعنويّة.. والمادّيّة.وشكرآ لكم
المثير في المسألة هو أنّ بعض المتابعين لكواليس اللعبة الانتخابيّة في هذه المنظّمات التي تدّعي الحياديّة، وخدمة مصالح كلّ الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأديانهم، أكّدوا منذ إعلان "فاروق حسني" عزمه الترشّح لرئاسة اليونسكو أنّ ما يطمح إليه صعب المنال، وأنّ كلّ علامات الولاء والطاعة التي حاول أن يعبّد بها طريق "اليونسكو" لن تجدي نفعا في تلميع صورته. ذلك أنّ "إسرائيل" التي لا تغفل لها عين في مثل هذه "الولائم الأمميّة" قد ضبطته متلبّسا بمعاداة الساميّة عندما هدّد بحرق الكتب الإسرائيليّة إن وجدت في معرض القاهرة!.
لكن مثل هذه القراءات اعتُبِرت في نظر وزير الثقافة المصريّ وأنصاره ضربا من ضروب السوداويّة، والتآمر لعرقلة هذا العربيّ الذي ينطلق بحظوظ وافرة للفوز في آخر السباق، بل وصل الأمر إلى حدّ اعتبار التشكيك في فوزه "خيانة" وكسرا للصفّ العربيّ، وتقزيما للذات لا ينتفع منه إلّا العدوّ!!
والحقيقة التي لا تغيب عن كلّ متابع لسياسة إسرائيل في التعامل مع العرب المعتدلين والمتطرّفين أنّ هذا التصريح القديم كان محفوظا في أرشيف الخارجيّة الإسرائيلية إلى حين تهيّؤ المناخ المناسب واللحظة الحاسمة لاستغلاله، وتكييفه بما يحقّق للدولة العبريّة نصرا "معنويّا" يستوي فيه إن كان المطعون "معتدلا" أو متطرّفا...
وها هي تستغلّ اللحظة المباشرة لطعن وزير الثقافة المصريّ، والانتقام منه على كلام عابر جاء في لحظة "طيش" على حدّ تعبير المتهم "فاروق حسني" الذي حاول جاهدا إصلاح خطئه بالتودّد لإسرائيل، وبدعوة أحد فنانيها إلى دار الأوبرا المصريّة باسم التسامح والانفتاح على الآخر، لكن دون جدوى..
وما أقدمت عليه "إسرائيل" في أروقة "اليونسكو" لا يعدّ أمرا مستغربا، أو خروجا عن مألوف عاداتها في التعاطي مع ملفّ علاقاتها بالعرب. فبالعودة إلى التاريخ نتبيّن كيف نجحت الدولة العبريّة في إقناع العالم بأنّ "عبد الناصر" هدّد بإلقاء إسرائيل في البحر.. ولقد صدّق كثير من العرب هذا الكلام وردّدوه بافتخار مستندين إلى ما وهبهم اللّه من قدرة على ادّعاء الانتصارات المزيّفة! رغم أنّه لم يثبت، بعد فحص الخطب المكتوبة والمسموعة، أنّ الرئيس "عبد الناصر" نطق بهذه العبارات... لكنّ قوّة التعبئة، والبراعة في غسل الأدمغة مكّنتا إسرائيل من الظهور في صورة الدولة المسكينة المهدّدة في وجودها والتي تستحقّ أن تتعاطف معها كلّ الدول الخيّرة المناصرة لكلّ المستضعفين في العالم!
و"إسرائيل" كعادتها لا تتردّد في تأكيد سلطانها، وقوّتها، وسيطرتها على الممرات، والمعابر المؤدّية إلى المنظّمات الدوليّة مهما كان ثقلها ووزنها.. وما إسقاط "فاروق حسني"، وحرمانه من منصب كان يتوهّم أنّه في المتناول إلا رسالة إلى العرب، وإلى بقيّة العالم أنّ مصير كلّ عربيّ يطمح في الوصول إلى كرسيّ منظّمة دوليّة يمرّ عبر شهادة "حسن سيرة وسلوك" في الأقوال والأفعال مختومة بطابع رئيس الوزراء الإسرائيليّ! الذي يقدّمها باسم دولته لمن يرضى عنه..
القضيّة ليست في سقوط فاروق حسني، وفي فشله في تحقيق حلم شخصي راوده، وأوقعه في الوهم، بل إنّ لبّ المسألة وجوهرها هو: هل استوعب بعض العرب الدرس؟ وهل استخلصوا العبر ممّا حدث؟ وهل أدركوا حقيقة الوصول إلى مثل هذه المناصب وخفاياها؟.
ما هو موقف الحكومة المصريّة ممّا حدث؟ هل ستواصل دعمها لمشروع "ساركوزي" في إقامة الاتحاد من أجل المتوسّط؟ ألم يحصل الاتفاق بين الدولتين على أن تدعم فرنسا مرشّح مصر لليونسكو وفي المقابل تعمل أكبر دولة عربيّة على تسويق مشروع الاتحاد المتوسّطي، وإقناع الدول العربيّة بقبول "إسرائيل" عضوا فاعلا في الاتحاد!؟
والمفاجأة الكبيرة ليلة سقوط "فاروق حسني" أنّ عدد الأصوات التي حصل عليها لا تكشف عن مؤامرة إسرائيليّة غربيّة فحسب، بل عن تورّط دولتين عربيتين على الأقلّ في حسم أمر المنافسة لصالح خصم وزير الثقافة المصري. فعمليّة حسابيّة بسيطة تؤكّد أنّ صوتين عربيين، على الأقلّ، ذهبا للبلغاريّة! وهو ما يطرح أسئلة عن حقيقة التشدّق بالتضامن والتآزر بين العرب!؟.
فهل أراد بعض العرب أن يوقفوا طموحات مصر للوصول إلى أعلى درجات المسؤوليّة في كثير من المنظّمات الدوليّة؟ هل تسلّلت الغيرة إلى قلوب بعض "الأخيار" بعد أن وصل "بطرس غالي" إلى منصب الأمين العام للأمم المتّحدة، و"البرادعي" إلى منصب رئيس الوكالة الذرّية؟ هل تجاهل العرب أنّ وصول "بطرس غالي" والبرادعي" إلى هذين المنصبين كان بمباركة إسرائيليّة بعد أن بحثت في ملفّاتها واكتشفت أنّهما نقيّان، قولا وفعلا، وأنّهما يتمتّعان بحسن السيرة والسلوك ولم يقعا في زلّات لسان!؟
إن ما حدث في "اليونسكو" جاء ليؤّكد حقائق ثابتة لا تتغيّر مهما تلوّن البيت الأبيض ومهما كانت هويّة ساكن الإيليزيه وهي:
- أنّ الوصول إلى منصب في منظّمة دوليّة يتطلّب "صكّ غفران" من إسرائيل تحتفظ الدولة العبريّة لوحدها بصلاحيّة تحديد مقاييسه وشروطه.
- وأنّ فرض هيكل هجين مجهول المعالم بعنوان "الاتحاد من أجل المتوسّط" سيكون مصيره كمصير "الشرق الأوسط الجديد" أو الشرق الأوسط الكبير".
- وأنّ التضامن العربيّ في غرفة الإنعاش، وفي حالة موت سريريّ، ولم يبق إلّا نزع آلة التنفّس الاصطناعيّة لإعلان وفاته، والتخلّص من أعبائه المعنويّة.. والمادّيّة.وشكرآ لكم