ماجد سليمان البلوي
10-10-2009, 08:07 PM
تُرى ماذا يمكن أن يحدث لأحد المواطنين إذا رفع شكواه إلى حاكمٍ من حكامِ زماننا الذين يتغنون بالديمقراطية والشفافية وقنوات الاتصال المفتوحة بينهم وبين شعوبهم التي تفديهم بالأرواح والدماء، خاصةً إذا ختم هذا المواطن رسالته بتذكير الحاكم أن رفع المظالم وزجر المناكر والمنكرات واجبٌ على الحاكم، وليس ثمةَ عُذرٍ له عند الناس إن توانى عن القيام بالواجب المنوط به؟!.
في كتاب (رحلة العبدري) وصف "العبدري" الإسكندرية وعجائبها ثم قال: ومن الأمر المستغرب والحال الذي أفصح عن قلة دينهم- يعني أهل الإسكندرية- أنهم يعترضون الحجاج، ويجرعونهم من بحر الإهانة والملح الأجاج، ويأخذون على وفدهم الطرق والفجاج، يبحثون عما بأيديهم من مال، ويأمرون بتفتيش النساء والرجال، وقد رأيتُ من ذلك يوم ورودنا عليهم ما اشتدَّ له عجبي، وجعل الانفصال عنهم غاية أربي، وذلك لما وصل إليها الركب جاءت شرذمة من الحرس لا حرس الله مهجتهم الخسيسة، ولا أعدم منهم لأسد الآفات فريسة، فمدوا في الحجاج أيديهم، وفتشوا الرجال والنساء وألزموهم أنواعًا من المظالم وأذاقوهم ألوانًا من الهوان ثم استخلفوهم وراء ذلك كله، وما رأيتُ هذه العادة الذميمة، والشيمة اللئيمة، في بلد من البلاد ولا رأيت في الناس أقسى قلوبًا ولا أقل حياء ومروءة، ولا أكثر إعراضًا عن الله سبحانه وجفاء لأهل دينه من أهل هذا البلد، نعوذ بالله من الخذلان، فلو شاء لاعتدل المائل، وانتبه الوسنان.
وكنت إذ رأيت فعل المذكورين، ظننت أن ذلك أمر أحدثوه، حتى حدثني "نور الدين أبو عبد الله بن زين الدين أبي الحسن يحيى بن الشيخ وجيه الدين أبي علي منصور بن عبد العزيز بن حباسة الإسكندري" بمدرسة جده المذكور حكاية اقتضت أن لهم في هذه الفضائح سلفًا غير صالح، وذلك أنه حدثني إملاءً من كتابه قال: حدثني الشيخ الصالح "أبو العباس أحمد بن عمر بن محمد السبتي الحميري" بثغر الإسكندرية سنة 662 قال: حدثني الشيخ الإمام المحدث "أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي" سنة 611 أنه ورد إلى الإسكندرية في ركبٍ عظيمٍ عن المغاربة برسم الحج، فأمر الناظر على البلاد بمد اليد فيهم للتفتيش والبحث عما بأيديهم، ففتش الرجال والنساء، وهتكت حرمة الحرم، ولم يكن فيهم إبقاء على أحد، قال: فلما جاءتني النوبة وكانت معي حرم؛ ذكرتهم بالله ووعظتهم، فلم يعرجوا على قولي ولا التفتوا إلى كلامي، وفتشوني كما فتشوا غيري، فاستخرتُ الله تعالى ونظمتُ هذه القصيدة ناصحًا لأمير المؤمنين "صلاح الدين يوسف بن أيوب" ومذكرًا بالله في حقوقِ المسلمين ومادحًا له فقلت:
أطلَّتْ على أُفقك الزاهرِ سعودٌ من الفلكِ الدائرِ
فابشرْ فإنَّ رقابَ العدا تمدُّ إلى سيفكَ الباترِ
وعمَّا قليلٍ يحلُّ الرَّدَى بكيدِهِم الناكثِ القادرِ
فكمْ لكَ من فتكةٍ فيهمُ حكت فتكة الأسدِ الخادرِ
كسرت صليبهم عنوةً فلله درَّك من كاسرِ
وغيَّرت آثارَهُم كُلَّها فليسَ لها الدهر من جابرِ
وأمضيت جدَّك في غزْوِهِم فتعسًا لجدهم العاثرِ
فأدبر ملكهم بالشام وولَّى كأمسهم الدابرِ
جنودك بالرعب منصورة فناجز متى شئتَ أو صابرِ
فكلُّهم غارقٌ هالكٌ بتيارِ عسكرك الزاخر
ثأرت لدين الهدى في العدا فآثرك الله من ثائر
وقمت بنصر إله الورى فسماك بالملك الناصر
فتحت المقدس من أرضه فعادت إلى وصفها الطاهر
************
فكم لك بالشرقِ من حامدٍ وكمْ لك بالغربِ من شاكرِ
وكم بالدعـاء لكم كل عام بمـكةَ من معلنٍ جاهرِ
وكم بقيت حبسة بالظلام وتلك الذخيرة في الذاخرِ
يعنِّت حجاج بيت الإله ويسطو بهم سطوة الجائرِ
ويكشف عمَّا بأيديهم وناهيكَ من موقفٍ صاغرِ
وقد أوقفوا بعدما كُوشفوا كأنهم في يدي الآسرِ
ويلزمهم حلفًا باطلاً وعُقبى اليمينِ على الفاجرِ
وإن عرضت بينهم حرمة فليس لها عنه من ساترِ
أليس يخاف غدًا عرضه على الملكِ القادرِ القاهرِ
وليس على حرمِ المسلمين بتلك المشاهدِ من غائرِ
ولا حاضرَ نافع زجره فيا ذلةَ الحاضرِ الزاجرِ
ألا ناصح مبلغ نصحه إلى الملكِ الناصرِ الظافرِ
ظلومًا تضمَّن مال الزكاة لقد نفست صفقة الخاسرِ
يُسرُّ الخيانة في باطنٍ ويبدي النصيحة في الظاهرِ
فأوقع به حادثًا أنه يُقبِّح أحدوثة الذاكرِ
فما للمناكرِ من زاجر سواك وبالعرف من آمرِ
وحاشاك إن لم تزل رسمها فما لك في النَّاسِ من عاذرِ
نذرتُ النصيحة في حقكم وحق الوفاء على النَّاذرِ
وحُبك ألطفني بالقريض وما أبتغي صلة الشاعر
ولا كان فيما مضى مكسبي وبئس البضاعة للتاجر
في كتاب (رحلة العبدري) وصف "العبدري" الإسكندرية وعجائبها ثم قال: ومن الأمر المستغرب والحال الذي أفصح عن قلة دينهم- يعني أهل الإسكندرية- أنهم يعترضون الحجاج، ويجرعونهم من بحر الإهانة والملح الأجاج، ويأخذون على وفدهم الطرق والفجاج، يبحثون عما بأيديهم من مال، ويأمرون بتفتيش النساء والرجال، وقد رأيتُ من ذلك يوم ورودنا عليهم ما اشتدَّ له عجبي، وجعل الانفصال عنهم غاية أربي، وذلك لما وصل إليها الركب جاءت شرذمة من الحرس لا حرس الله مهجتهم الخسيسة، ولا أعدم منهم لأسد الآفات فريسة، فمدوا في الحجاج أيديهم، وفتشوا الرجال والنساء وألزموهم أنواعًا من المظالم وأذاقوهم ألوانًا من الهوان ثم استخلفوهم وراء ذلك كله، وما رأيتُ هذه العادة الذميمة، والشيمة اللئيمة، في بلد من البلاد ولا رأيت في الناس أقسى قلوبًا ولا أقل حياء ومروءة، ولا أكثر إعراضًا عن الله سبحانه وجفاء لأهل دينه من أهل هذا البلد، نعوذ بالله من الخذلان، فلو شاء لاعتدل المائل، وانتبه الوسنان.
وكنت إذ رأيت فعل المذكورين، ظننت أن ذلك أمر أحدثوه، حتى حدثني "نور الدين أبو عبد الله بن زين الدين أبي الحسن يحيى بن الشيخ وجيه الدين أبي علي منصور بن عبد العزيز بن حباسة الإسكندري" بمدرسة جده المذكور حكاية اقتضت أن لهم في هذه الفضائح سلفًا غير صالح، وذلك أنه حدثني إملاءً من كتابه قال: حدثني الشيخ الصالح "أبو العباس أحمد بن عمر بن محمد السبتي الحميري" بثغر الإسكندرية سنة 662 قال: حدثني الشيخ الإمام المحدث "أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي" سنة 611 أنه ورد إلى الإسكندرية في ركبٍ عظيمٍ عن المغاربة برسم الحج، فأمر الناظر على البلاد بمد اليد فيهم للتفتيش والبحث عما بأيديهم، ففتش الرجال والنساء، وهتكت حرمة الحرم، ولم يكن فيهم إبقاء على أحد، قال: فلما جاءتني النوبة وكانت معي حرم؛ ذكرتهم بالله ووعظتهم، فلم يعرجوا على قولي ولا التفتوا إلى كلامي، وفتشوني كما فتشوا غيري، فاستخرتُ الله تعالى ونظمتُ هذه القصيدة ناصحًا لأمير المؤمنين "صلاح الدين يوسف بن أيوب" ومذكرًا بالله في حقوقِ المسلمين ومادحًا له فقلت:
أطلَّتْ على أُفقك الزاهرِ سعودٌ من الفلكِ الدائرِ
فابشرْ فإنَّ رقابَ العدا تمدُّ إلى سيفكَ الباترِ
وعمَّا قليلٍ يحلُّ الرَّدَى بكيدِهِم الناكثِ القادرِ
فكمْ لكَ من فتكةٍ فيهمُ حكت فتكة الأسدِ الخادرِ
كسرت صليبهم عنوةً فلله درَّك من كاسرِ
وغيَّرت آثارَهُم كُلَّها فليسَ لها الدهر من جابرِ
وأمضيت جدَّك في غزْوِهِم فتعسًا لجدهم العاثرِ
فأدبر ملكهم بالشام وولَّى كأمسهم الدابرِ
جنودك بالرعب منصورة فناجز متى شئتَ أو صابرِ
فكلُّهم غارقٌ هالكٌ بتيارِ عسكرك الزاخر
ثأرت لدين الهدى في العدا فآثرك الله من ثائر
وقمت بنصر إله الورى فسماك بالملك الناصر
فتحت المقدس من أرضه فعادت إلى وصفها الطاهر
************
فكم لك بالشرقِ من حامدٍ وكمْ لك بالغربِ من شاكرِ
وكم بالدعـاء لكم كل عام بمـكةَ من معلنٍ جاهرِ
وكم بقيت حبسة بالظلام وتلك الذخيرة في الذاخرِ
يعنِّت حجاج بيت الإله ويسطو بهم سطوة الجائرِ
ويكشف عمَّا بأيديهم وناهيكَ من موقفٍ صاغرِ
وقد أوقفوا بعدما كُوشفوا كأنهم في يدي الآسرِ
ويلزمهم حلفًا باطلاً وعُقبى اليمينِ على الفاجرِ
وإن عرضت بينهم حرمة فليس لها عنه من ساترِ
أليس يخاف غدًا عرضه على الملكِ القادرِ القاهرِ
وليس على حرمِ المسلمين بتلك المشاهدِ من غائرِ
ولا حاضرَ نافع زجره فيا ذلةَ الحاضرِ الزاجرِ
ألا ناصح مبلغ نصحه إلى الملكِ الناصرِ الظافرِ
ظلومًا تضمَّن مال الزكاة لقد نفست صفقة الخاسرِ
يُسرُّ الخيانة في باطنٍ ويبدي النصيحة في الظاهرِ
فأوقع به حادثًا أنه يُقبِّح أحدوثة الذاكرِ
فما للمناكرِ من زاجر سواك وبالعرف من آمرِ
وحاشاك إن لم تزل رسمها فما لك في النَّاسِ من عاذرِ
نذرتُ النصيحة في حقكم وحق الوفاء على النَّاذرِ
وحُبك ألطفني بالقريض وما أبتغي صلة الشاعر
ولا كان فيما مضى مكسبي وبئس البضاعة للتاجر