الوااااااااااابصي
10-25-2009, 09:55 PM
هاذي رساله جتني على الاميل للكاتب
فهد عامر الاحمدي
* كان في حيّنا خطيب لم أر مثل بلاغته وقدرته على أسر المشاعر والقلوب. وقد بلغ تعلق الناس به حد التزاحم على منبره لتعليق أجهزة التسجيل..
وذات يوم وبعد الانتهاء من خطبة الجمعة استفتيته في قضية اشكلت عليّ فاكتشفت سراً عجيباً. كان الرجل ألثغَ يقلب حرف "الزاي" إلى "ذال"... اكتشفت ذلك حين سألني: أما ذلت (ويقصد: أما زلت) تفعل ذلك؟
ورغم انني لم اعد افعل ذلك؛ الا انني بدأت أتنبه لخُطبه التالية واكتشفت كم كان ماهراً في تجنب الكلمات التي تضم حرف الزاي والاستعاضة عنها بمترادفات مشابهة.. فقد لاحظت مثلا انه يستخدم كلمة "حليلة" بدل "زوجة" و"بعل المرأة" بدل "زوج المرأة" و"الفاحشة" بدل "الزنا" و"التقشف" بدل "الزهد".. الجميل في الموضوع انه كان يفعل ذلك بتلقائية وثقة وبدون ان يلفت انتباه احد!!!
ومن أول لقاء ذكرني بـ (واصل بن عطاء) الذي كان مصاباً بلثغة في حرف الراء جعلته يتجنب ذكره في كل خطبه؛ وواصل بن عطاء من أئمة البلغاء ورأس المعتزلة ولد بالمدينة عام 80هـ وتوفي بالبصرة عام 131هـ وله مؤلفات عديدة من بينها "معاني القرآن" و"طبقات أهل العلم".. وكان إذا اراد ان يقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" قال "أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي". وإذا أراد أن يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" قال "بسم الله الفتاح المنان عظيم الجود السلطان"..
ولكن رغم حرصه يبدو أن هناك (ملقوفاً مثلي) تنبه إلى سره فقال فيه هذين البيتين:
يجعل البر قمحاً في تحدثه
ويجانب الراء حتى يحتال للشعر
ولا يقول مطراً والقول يعجله
فلاذ بالغيث إشفاقاً من المطر
ومن خطبه التي تحاشى فيها حرف الراء تلك التي القاها أمام عبدالله بن عمر بن عبدالعزيز ـ حين تولى العراق ـ وجاء فيها:
الحمد لله (ولم يقل الرحمن الرحيم) القديم بلا غاية والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوه، ودنا في علوه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان. ولا يؤوده حفظ ما خلق (متحاشياً قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما} ولم يخلق على مثال سابق، بل انشأه ابتداعاً وعدله اصطناعاً فأحسن كل شيء خلقه وتمم مشيئته واوضح حكمته، فدل على ألوهيته، فسبحانه لا معقب لحكمه ولا دافع لقضائه، تواضع كل شيء لعظمته، وذلّ كل شيء لسلطانه ولا يعزب عنه مثقال ذرة (متجاوزاً قوله تعالى: (في الارض ولا في السماء) وهو السميع العليم..
وقد استرسل في خطبته بما يملأ صفحات تم ختمها بقوله: نفعنا الله واياكم بالكتاب الحكيم والوحي المبين (ولم يقل الذكر المبين)، واعاذنا وإياكم من العذاب الأليم (ولم يقل الشيطان الرجيم) وادخلنا واياكم جنات النعيم، اقول ما اعظكم به واستعتب الله (ولم يقل استغفر الله) لي ولكم ولجميع (ولم يقل لسائر) المسلمين من كل ذنب عظيم!!!.
.. هذه الخطبة ليست إلا نموذجاً لخطب عربية عجيبة يصعب سردها.. فهناك مثلا خطب إذا قرأتها من آخرها لأولها تعطيك نفس المعنى.. وهناك خطب إذا كتبت في مستوى واحد وقرأتها من اعلى إلى اسفل ـ أو من اسفل إلى اعلى ـ تفيدك في مواضيع شتى. وهناك أيضاً خطبة لعلي بن أبي طالب لا تضم رغم طولها حرفاً واحداً منقطاً.. ورغم كل هذا أتعرف ما يعجبني في خطب واصل بن عطاء(؟) انها نموذج لكيفية تحويل الإعاقة إلى مصدر تفوق!!
فهد عامر الاحمدي
* كان في حيّنا خطيب لم أر مثل بلاغته وقدرته على أسر المشاعر والقلوب. وقد بلغ تعلق الناس به حد التزاحم على منبره لتعليق أجهزة التسجيل..
وذات يوم وبعد الانتهاء من خطبة الجمعة استفتيته في قضية اشكلت عليّ فاكتشفت سراً عجيباً. كان الرجل ألثغَ يقلب حرف "الزاي" إلى "ذال"... اكتشفت ذلك حين سألني: أما ذلت (ويقصد: أما زلت) تفعل ذلك؟
ورغم انني لم اعد افعل ذلك؛ الا انني بدأت أتنبه لخُطبه التالية واكتشفت كم كان ماهراً في تجنب الكلمات التي تضم حرف الزاي والاستعاضة عنها بمترادفات مشابهة.. فقد لاحظت مثلا انه يستخدم كلمة "حليلة" بدل "زوجة" و"بعل المرأة" بدل "زوج المرأة" و"الفاحشة" بدل "الزنا" و"التقشف" بدل "الزهد".. الجميل في الموضوع انه كان يفعل ذلك بتلقائية وثقة وبدون ان يلفت انتباه احد!!!
ومن أول لقاء ذكرني بـ (واصل بن عطاء) الذي كان مصاباً بلثغة في حرف الراء جعلته يتجنب ذكره في كل خطبه؛ وواصل بن عطاء من أئمة البلغاء ورأس المعتزلة ولد بالمدينة عام 80هـ وتوفي بالبصرة عام 131هـ وله مؤلفات عديدة من بينها "معاني القرآن" و"طبقات أهل العلم".. وكان إذا اراد ان يقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" قال "أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي". وإذا أراد أن يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" قال "بسم الله الفتاح المنان عظيم الجود السلطان"..
ولكن رغم حرصه يبدو أن هناك (ملقوفاً مثلي) تنبه إلى سره فقال فيه هذين البيتين:
يجعل البر قمحاً في تحدثه
ويجانب الراء حتى يحتال للشعر
ولا يقول مطراً والقول يعجله
فلاذ بالغيث إشفاقاً من المطر
ومن خطبه التي تحاشى فيها حرف الراء تلك التي القاها أمام عبدالله بن عمر بن عبدالعزيز ـ حين تولى العراق ـ وجاء فيها:
الحمد لله (ولم يقل الرحمن الرحيم) القديم بلا غاية والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوه، ودنا في علوه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان. ولا يؤوده حفظ ما خلق (متحاشياً قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما} ولم يخلق على مثال سابق، بل انشأه ابتداعاً وعدله اصطناعاً فأحسن كل شيء خلقه وتمم مشيئته واوضح حكمته، فدل على ألوهيته، فسبحانه لا معقب لحكمه ولا دافع لقضائه، تواضع كل شيء لعظمته، وذلّ كل شيء لسلطانه ولا يعزب عنه مثقال ذرة (متجاوزاً قوله تعالى: (في الارض ولا في السماء) وهو السميع العليم..
وقد استرسل في خطبته بما يملأ صفحات تم ختمها بقوله: نفعنا الله واياكم بالكتاب الحكيم والوحي المبين (ولم يقل الذكر المبين)، واعاذنا وإياكم من العذاب الأليم (ولم يقل الشيطان الرجيم) وادخلنا واياكم جنات النعيم، اقول ما اعظكم به واستعتب الله (ولم يقل استغفر الله) لي ولكم ولجميع (ولم يقل لسائر) المسلمين من كل ذنب عظيم!!!.
.. هذه الخطبة ليست إلا نموذجاً لخطب عربية عجيبة يصعب سردها.. فهناك مثلا خطب إذا قرأتها من آخرها لأولها تعطيك نفس المعنى.. وهناك خطب إذا كتبت في مستوى واحد وقرأتها من اعلى إلى اسفل ـ أو من اسفل إلى اعلى ـ تفيدك في مواضيع شتى. وهناك أيضاً خطبة لعلي بن أبي طالب لا تضم رغم طولها حرفاً واحداً منقطاً.. ورغم كل هذا أتعرف ما يعجبني في خطب واصل بن عطاء(؟) انها نموذج لكيفية تحويل الإعاقة إلى مصدر تفوق!!