فايز ابن رويحل
06-10-2005, 04:22 AM
في صباح هذا اليوم شاهد رفاقي قبورهم وبجوارها آثار الدم، أما أنا فلم أرغب في رؤية ذلك المكان، ولا أدري هل كان ذلك من جراء تخوفي من رؤية الدم، أو أنه الإحساس بالخطر الذي يزال ينتابني؟ ظل الشيخان مهنا الواسطي ومرشد بن رفادة يطلبان مني التبغ دون توقف، وان ظل الأمر كذلك فلن يبق معي خلال اليومين القادمين ما أدخنه، إضافة إلى ذلك فأولئك الناس تدفعهم رغبة جارفة بلمس كل شيء أمتلكه، فقد كانت كل قطعة من ممتلكاتي تتنقل من يد متسخة إلى أخرى، حتى شداد جملي لم يسلم منهم، وكان يلمس في اليوم أكثر من عشرين مرة، كذلك الحال أيضا مع أبسطتي وملابسي، بل إن الثوب الذي أرتديه كان يثير فضولهم. بعد الظهر شاهدت كيف يتعلم الأطفال الرماية، فقد كانوا يثبتون قطعة من الورق على صخرة مقابلة ثم يطلقون النار عليها، ومن خلال ما رأيته يجب أن أقول إنهم رماة جيدون، وبالذات قدرتهم على التصويب وهم في حال الحركة. بعد ذلك بدأت أخيط ملابسي حيث قمت في البداية برقع ذلك الثقب الكبير في جيب ثوبي والذي كلفني فقدان الكثير من الرصاص، ثم جاء دور جبتي (زبوني) التي وجدتها مملوءة بالثقوب من جراء تطاير شرار الجمر عليها، ولكنني رأيت أن العمل فيها سيجهد يدي بالتأكيد، لذلك فضلت ألا أجهد نفسي بعمل ليس له نهاية.
لقد اضطررت اليوم انتظار الأكل طويلا، وحيث طال انتظاري وطعام العشاء لم يحضر بعد تناولت قطعة من خبز كانت معي ثم توجهت إلى فراشي كي أنام.
الأربعاء 2/4/1884 أنزلت الخيام قبل طلوع الشمس وارتحل أفراد قبيلة بلي باتجاه الجنوب الشرقي، أما نحن وأعني بذلك غضيان والشيخ مرشد وعبيد ومحمد الذي كان في ليلة الغارة يرافق أولئك اللصوص العشرة والمنتمين لقبيلة جهينة فقد أقمنا لفترة من الوقت هناك لانتظار قدوم قافلة تتكون من ستة جمال سيرافقوننا في المسير إلى الوجه، حيث يريدون هناك بيع الزبد والسمن ونحوه، وبثمنه يشترون بضائع أخرى. في تلك الأثناء وبينما كنا نأكل التمر والخبز ونشرب الشاي لاحت لنا بشائر القافلة من بعيد، فانطلقنا مباشرة باتجاه الغرب عبر وادي مغيرة ثم خلال ممر منخفض، وصلنا بعده مرة أخرى إلى وادي الحم مرورا بمخيمنا في يوم الثلاثين من شهر مارس، ومن وادي الحم دخلنا عبر وادي الشلول، وهناك عند مورد ماء يسمى (أبو حمادة) شربنا الشاي وأكلنا معه بعض الخبز، ثم ملأنا القرب واتجهنا إلى الأمام. كانت السحب تحجب شعاع الشمس، والهواء حار، والذباب كثير مزعج، ومن المدهش حقا أن الجمال رغم كثرة وبرها إلا أنها أكثر إحساسا بمضايقة الذباب من الخيول، فهي تستغل أي فرصة لتقوم بحك أنوفها بأخشاب الأشجار، بل حتى مؤخرات بعضها البعض رغبة في إبعاد الذباب عنها.
كانت الريح تهب بقوة بين الفينة والأخرى، كما بدأت السماء تظلم ونحن نسير عبر وادي شرهوت، لذا أقمنا مخيمنا في وادي الرباعة عند مكان يسمى الحمير، فعملنا هناك الخبز وأكلنا التمر وشربنا الشاي. كانت الأمطار قد بدأت بالهطول منذ مغيب الشمس وأخذت تتزايد أثناء الليل، وذلك ما جعلني أقلق كثيرا على بصمات نقوشي التي كان بعضها ملفوفا بالورق، وموضوعة في ثوب داخل محفظة (مزوده) شداد قديمة، وقد كنت مع بداية هطول المطر قد غطيتها ببساط كان معي ووضعتا فوقها غطاء نومي (بطانية)، نعم فهي أثمن شـيء أحضره معي من رحلتي إلى جزيرة العرب، كما أنها تستحق كل اهتمام مني كما تهتم الأم برضيعها وكما يهتم العربي بجواده.
الخميس 3/4/1884 بعد أن شربنا الشاي انطلقنا فورا فلا مجال اليوم للتريث، إذ يجب علي أن أقطع مسافة جيدة تقربني من نقطة النهاية، حيث اتجهنا عبر ممر صخري يسمى النقرة ثم نزلنا في وادي فري، بسبب انحدار الطريق هناك ترجلت من على ظهر راحلتي. بعد أن عبرنا وادي قميلة خيمنا عند مورد ماء يسمى المليحة بعد ثلاث ساعات من السير المتواصل، وهناك أعددنا الخبز وأكلنا التمر وشربنا الشاي. وبعد الظهر صعدنا ممرا يسمى طيب الاسم، وهذه التسمية بهذه الصيغة أو بصيغتها المختصرة (الطيب) معروفة كاسم مكان في كثير من البلاد العربية الأخرى، هنا شاهدنا الماء يجري من خلال الوادي وبعض أشجار النخيل المهملة. بعد ذلك أخذ الطريق في الانحدار بشكل عجيب نحو الشعيب مما جعل الجمال تواجه صعوبة بالغة في المسير. بعد ذلك مررنا عبر مكان يسمى جدل السدرة ثم عبر وادي القدير مرورا بالقرب من جبلين ذوي أشكال رائعة يسميان غلاب والثنية، وحينما وصلنا مكانا يسمى الصفاح أقمنا مخيمنا للنوم.
الجمعة 4/4/1884 لنسرع الآن إلى الأمام، يا إلهي ا لم يبق سوى يوم واحد ومخيم وإنه يوم الغد، آخ (إن سعادتي تفوق التصور، حقا فالآن ليس لدى إحساس يعينني على تأمل الطبيعة، أو إدراك ما يجري من حولي، أريد المسير إلى الأمام فقط لأتمكن من التخلص من هؤلاء الأشخاص الذين يثيرون في كل لحظة ومع كل نظرة الاضطراب في نفسي. انطلقنا مع شروق شمس هذا اليوم، وبعد طلوع الشمس شاهدنا أمامنا الكثير من الحمام البري والعديد من الأرانب، وحينما انحدرنا إلى أحد الشعاب قمنا بإرسال عبيد بالقرب ليملأها بالماء، وهنا سمعنا على حين فجأة أصواتا بشرية، فمن هم أولئك؟ هل هم من قبيلة جهينة يقتفون أثرنا؟ هل هم ممن يسعون للثأر مني؟ هل سيذهب كل جهدي هباء، وبالذات في اللحظة التي أرى فيها شاطئ الأمان أمامي؟ كلا، فسأظل من أجل البقاء. في أثناء ذلك طلب مني غضيان مجيديين اثنين، لكي يعطيها للأعداء كوسيلة لإضعاف هممهم في حال الضرورة، ولكنه بمجرد أن أخذها مني تبين أن أصحاب القافلة من قبيلة عنزة ويريدون الذهاب أيضا إلى الوجه، وقد كان الشيخ وغضيان الذي احتفظ بالنقود يعرفان أكثر أفراد القافلة. كانت قافلة عنزة تتكون من مائة وثمانين جملا، ويريدون كمرافقينا بيع الزبد ونحوه هناك، ويشترون مقابله الرز والقهوة... إلخ، بعد ساعة من المسير استرحنا بعض الوقت، ثم انطلقنا مع أولئك الرجال الذين ظلوا يرددون قائلين هيك، هيك، متبعينها ببعض الأهازيج المفزعة. كان الطريق أمامنا يسير على وتيرة واحدة، وفي المساء- وبينما كنا جالسين حول النار- تعمد أرباب تلك القافلة الإطالة في الحديث، والتعرض لمواضيع متعددة أملا منهم أن نقدم لهم القهوة والتبغ اللذين لم نكن نملك منها شيئا قط، وحينما طال بهم الانتظار انصرف الكثير منهم وخيبة الأمل تبدو واضحة على وجوههم، ولم يبق حول النار منهم سوى شيخ طاعن في السن وثلاثة من بني بلوي كانوا على صلة قرابة بأولئك اللصوص الخمسة الذين صدوا لصديقي هوبر في مدائن صالح. وقد سألوني هل صحيح أن هوبر يملك بندقية ذات عشرين طلقة؟ فقلت لهم كلا، إنه يحمل بندقتين كل واحدة فيها ثلاثون طلقة، إضافة إلى بندقيتي التي تركتها معه. في المساء نزل كثير من الطل (الندى) مما جعلني أقلق كثيرا على بصمات نقوشي.
السبت 5/4/1884 تم قبل ساعة من شروق الشمس إعداد القافلة للتحرك، وبينما كنا نشرب الشاي على وجه من السرعة شاهدت هناك طيور النورس، مما جعل سعادتي تفوق الوصف، فهذه الطيور الحبيبة تحمل معها بشائر السعد، فلها مني الشكر الجزيل على جلبها تحية البحر لي. لم نحط الرحال لتناول طعام الإفطار إلا بعد أن قطعنا مسافة طويلة. والآن انتهى الاكتفاء فقط بالوجبة المعهودة (خبز، تمر، شاي)، إذ يجب علي وبكل ثقة إخراج ما لذ وطاب مما ادخرته ليوم الضيق، الآن إلى التمتع بشرب الشوكلادة وأكل البسكويت.
وصلنا حوالي الظهر إلى شعيب ضيق يسمى الذريب تزودنا من منابعه بالماء وأسقينا منه الجمال، ثم انصرفنا على عجل، وحينما خرجنا من ذلك الشعيب لاحت أمامنا قلعة الوجه الواقعة على درب الحج المصري، وما هو إلا وقت قصير حتى وصلنا إليها، وبعد ساعتين كانتا تمران ثقيلتين كدهر كامل وصلنا إلى ميناء الوجه التابع للسيادة المصرية. ياله من شعور. لقد رأيت البحر مرة أخرى، حقا إن نعمة الماء التي وهبها الله لنا لا يقدرها سوى من عايش القحط والعطش في الصحراء ومن لم ير طوال أشهر عديدة نهرا أو واديا أو عينا جارية. حقا إن المشاعر لتغمرها السعادة والبهجة. لقد أدى اقترابنا من ميناء الوجه إلى انفتاح صدري المتصحر، فهنا أشاهد أمامي البحري وبعض الأعمدة وشخصا راكبا حصانه، و رأيت أيضا الطربوش والمعطف المصري والثياب النظيفة، يا إلهي ما هذه المفارقات؟!
وفي هذه اللحظة أصبحت نقوشي في مأمن، ولم يعد هناك من الناس من أخشاه، حقا إن سعادتي لا توصف.
تحياتي وامل ان تعجبكم وعلى فكره سالم ومحمود اخوان غضيان توفوا من الصغر يعني بعد الرحله
مع البريطاني وضبيان وقتها صغير ومع جدي مرزوق رحمهم الله جميعا
وانشالله القادم احلى
المصدر: دار الملك عبدالعزيز
لقد اضطررت اليوم انتظار الأكل طويلا، وحيث طال انتظاري وطعام العشاء لم يحضر بعد تناولت قطعة من خبز كانت معي ثم توجهت إلى فراشي كي أنام.
الأربعاء 2/4/1884 أنزلت الخيام قبل طلوع الشمس وارتحل أفراد قبيلة بلي باتجاه الجنوب الشرقي، أما نحن وأعني بذلك غضيان والشيخ مرشد وعبيد ومحمد الذي كان في ليلة الغارة يرافق أولئك اللصوص العشرة والمنتمين لقبيلة جهينة فقد أقمنا لفترة من الوقت هناك لانتظار قدوم قافلة تتكون من ستة جمال سيرافقوننا في المسير إلى الوجه، حيث يريدون هناك بيع الزبد والسمن ونحوه، وبثمنه يشترون بضائع أخرى. في تلك الأثناء وبينما كنا نأكل التمر والخبز ونشرب الشاي لاحت لنا بشائر القافلة من بعيد، فانطلقنا مباشرة باتجاه الغرب عبر وادي مغيرة ثم خلال ممر منخفض، وصلنا بعده مرة أخرى إلى وادي الحم مرورا بمخيمنا في يوم الثلاثين من شهر مارس، ومن وادي الحم دخلنا عبر وادي الشلول، وهناك عند مورد ماء يسمى (أبو حمادة) شربنا الشاي وأكلنا معه بعض الخبز، ثم ملأنا القرب واتجهنا إلى الأمام. كانت السحب تحجب شعاع الشمس، والهواء حار، والذباب كثير مزعج، ومن المدهش حقا أن الجمال رغم كثرة وبرها إلا أنها أكثر إحساسا بمضايقة الذباب من الخيول، فهي تستغل أي فرصة لتقوم بحك أنوفها بأخشاب الأشجار، بل حتى مؤخرات بعضها البعض رغبة في إبعاد الذباب عنها.
كانت الريح تهب بقوة بين الفينة والأخرى، كما بدأت السماء تظلم ونحن نسير عبر وادي شرهوت، لذا أقمنا مخيمنا في وادي الرباعة عند مكان يسمى الحمير، فعملنا هناك الخبز وأكلنا التمر وشربنا الشاي. كانت الأمطار قد بدأت بالهطول منذ مغيب الشمس وأخذت تتزايد أثناء الليل، وذلك ما جعلني أقلق كثيرا على بصمات نقوشي التي كان بعضها ملفوفا بالورق، وموضوعة في ثوب داخل محفظة (مزوده) شداد قديمة، وقد كنت مع بداية هطول المطر قد غطيتها ببساط كان معي ووضعتا فوقها غطاء نومي (بطانية)، نعم فهي أثمن شـيء أحضره معي من رحلتي إلى جزيرة العرب، كما أنها تستحق كل اهتمام مني كما تهتم الأم برضيعها وكما يهتم العربي بجواده.
الخميس 3/4/1884 بعد أن شربنا الشاي انطلقنا فورا فلا مجال اليوم للتريث، إذ يجب علي أن أقطع مسافة جيدة تقربني من نقطة النهاية، حيث اتجهنا عبر ممر صخري يسمى النقرة ثم نزلنا في وادي فري، بسبب انحدار الطريق هناك ترجلت من على ظهر راحلتي. بعد أن عبرنا وادي قميلة خيمنا عند مورد ماء يسمى المليحة بعد ثلاث ساعات من السير المتواصل، وهناك أعددنا الخبز وأكلنا التمر وشربنا الشاي. وبعد الظهر صعدنا ممرا يسمى طيب الاسم، وهذه التسمية بهذه الصيغة أو بصيغتها المختصرة (الطيب) معروفة كاسم مكان في كثير من البلاد العربية الأخرى، هنا شاهدنا الماء يجري من خلال الوادي وبعض أشجار النخيل المهملة. بعد ذلك أخذ الطريق في الانحدار بشكل عجيب نحو الشعيب مما جعل الجمال تواجه صعوبة بالغة في المسير. بعد ذلك مررنا عبر مكان يسمى جدل السدرة ثم عبر وادي القدير مرورا بالقرب من جبلين ذوي أشكال رائعة يسميان غلاب والثنية، وحينما وصلنا مكانا يسمى الصفاح أقمنا مخيمنا للنوم.
الجمعة 4/4/1884 لنسرع الآن إلى الأمام، يا إلهي ا لم يبق سوى يوم واحد ومخيم وإنه يوم الغد، آخ (إن سعادتي تفوق التصور، حقا فالآن ليس لدى إحساس يعينني على تأمل الطبيعة، أو إدراك ما يجري من حولي، أريد المسير إلى الأمام فقط لأتمكن من التخلص من هؤلاء الأشخاص الذين يثيرون في كل لحظة ومع كل نظرة الاضطراب في نفسي. انطلقنا مع شروق شمس هذا اليوم، وبعد طلوع الشمس شاهدنا أمامنا الكثير من الحمام البري والعديد من الأرانب، وحينما انحدرنا إلى أحد الشعاب قمنا بإرسال عبيد بالقرب ليملأها بالماء، وهنا سمعنا على حين فجأة أصواتا بشرية، فمن هم أولئك؟ هل هم من قبيلة جهينة يقتفون أثرنا؟ هل هم ممن يسعون للثأر مني؟ هل سيذهب كل جهدي هباء، وبالذات في اللحظة التي أرى فيها شاطئ الأمان أمامي؟ كلا، فسأظل من أجل البقاء. في أثناء ذلك طلب مني غضيان مجيديين اثنين، لكي يعطيها للأعداء كوسيلة لإضعاف هممهم في حال الضرورة، ولكنه بمجرد أن أخذها مني تبين أن أصحاب القافلة من قبيلة عنزة ويريدون الذهاب أيضا إلى الوجه، وقد كان الشيخ وغضيان الذي احتفظ بالنقود يعرفان أكثر أفراد القافلة. كانت قافلة عنزة تتكون من مائة وثمانين جملا، ويريدون كمرافقينا بيع الزبد ونحوه هناك، ويشترون مقابله الرز والقهوة... إلخ، بعد ساعة من المسير استرحنا بعض الوقت، ثم انطلقنا مع أولئك الرجال الذين ظلوا يرددون قائلين هيك، هيك، متبعينها ببعض الأهازيج المفزعة. كان الطريق أمامنا يسير على وتيرة واحدة، وفي المساء- وبينما كنا جالسين حول النار- تعمد أرباب تلك القافلة الإطالة في الحديث، والتعرض لمواضيع متعددة أملا منهم أن نقدم لهم القهوة والتبغ اللذين لم نكن نملك منها شيئا قط، وحينما طال بهم الانتظار انصرف الكثير منهم وخيبة الأمل تبدو واضحة على وجوههم، ولم يبق حول النار منهم سوى شيخ طاعن في السن وثلاثة من بني بلوي كانوا على صلة قرابة بأولئك اللصوص الخمسة الذين صدوا لصديقي هوبر في مدائن صالح. وقد سألوني هل صحيح أن هوبر يملك بندقية ذات عشرين طلقة؟ فقلت لهم كلا، إنه يحمل بندقتين كل واحدة فيها ثلاثون طلقة، إضافة إلى بندقيتي التي تركتها معه. في المساء نزل كثير من الطل (الندى) مما جعلني أقلق كثيرا على بصمات نقوشي.
السبت 5/4/1884 تم قبل ساعة من شروق الشمس إعداد القافلة للتحرك، وبينما كنا نشرب الشاي على وجه من السرعة شاهدت هناك طيور النورس، مما جعل سعادتي تفوق الوصف، فهذه الطيور الحبيبة تحمل معها بشائر السعد، فلها مني الشكر الجزيل على جلبها تحية البحر لي. لم نحط الرحال لتناول طعام الإفطار إلا بعد أن قطعنا مسافة طويلة. والآن انتهى الاكتفاء فقط بالوجبة المعهودة (خبز، تمر، شاي)، إذ يجب علي وبكل ثقة إخراج ما لذ وطاب مما ادخرته ليوم الضيق، الآن إلى التمتع بشرب الشوكلادة وأكل البسكويت.
وصلنا حوالي الظهر إلى شعيب ضيق يسمى الذريب تزودنا من منابعه بالماء وأسقينا منه الجمال، ثم انصرفنا على عجل، وحينما خرجنا من ذلك الشعيب لاحت أمامنا قلعة الوجه الواقعة على درب الحج المصري، وما هو إلا وقت قصير حتى وصلنا إليها، وبعد ساعتين كانتا تمران ثقيلتين كدهر كامل وصلنا إلى ميناء الوجه التابع للسيادة المصرية. ياله من شعور. لقد رأيت البحر مرة أخرى، حقا إن نعمة الماء التي وهبها الله لنا لا يقدرها سوى من عايش القحط والعطش في الصحراء ومن لم ير طوال أشهر عديدة نهرا أو واديا أو عينا جارية. حقا إن المشاعر لتغمرها السعادة والبهجة. لقد أدى اقترابنا من ميناء الوجه إلى انفتاح صدري المتصحر، فهنا أشاهد أمامي البحري وبعض الأعمدة وشخصا راكبا حصانه، و رأيت أيضا الطربوش والمعطف المصري والثياب النظيفة، يا إلهي ما هذه المفارقات؟!
وفي هذه اللحظة أصبحت نقوشي في مأمن، ولم يعد هناك من الناس من أخشاه، حقا إن سعادتي لا توصف.
تحياتي وامل ان تعجبكم وعلى فكره سالم ومحمود اخوان غضيان توفوا من الصغر يعني بعد الرحله
مع البريطاني وضبيان وقتها صغير ومع جدي مرزوق رحمهم الله جميعا
وانشالله القادم احلى
المصدر: دار الملك عبدالعزيز