اشراقة الدعوة
11-21-2009, 01:18 PM
العشر الأول من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من عَبَد الله حتى الممات، مَن بعثَه الله هدى ورحمة للعالمين.
إخواننا وأحبتنا الشباب...
مَن منَّا لم يحزن لفراق شهر رمضان الكريم، وكلنا إمَّا مقصر ضاعت منه فرصةُ استثمار أيامه ولياليه؛ ليغفر له ويعتق من النار، وإما صانع قدَّم من الأعمال القليلة ما كان يطعمه لو طالت تلك الأيام المباركات ليزداد تقربًا وتعبدًا لله وينال ثوابًا عظيمًا، وخالقنا الجواد الكريم سبحانه، وقد علم حزننا على فراق شهرنا ها هو يسعد القلوب، ويتفضل على العباد بنفحة مباركة طيبة هي فرصة جديدة لمحو الذنوب وغسل الخطايا ورفع الدرجات.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا الخير دهركم، وتعرَّضوا لنفحاتِ رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يُصيب بها مَن يشاء من عباده".
إخوتي، إن هذه النفحة المباركة التي مَنَّ الله بها علينا والتي تعطر الوجود الآن هي هذه الأشهر الحرم التي نحيا في نورها الآن، وعلى الأخص الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة المبارك، تلك الأيام التي قال عنها الرسول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" (حديث صحيح).
عليك الصلاة والسلام يا حبيبنا يا رسول الله، ما أكثر ما تأتينا بالمبشرات!! نعم إخوتي إنها فرصةٌ رائعةٌ.. احذروا أن تفوتكم.. احذروا أن تضيعوها من بين أيديكم دون أن تنالوا خيرها، ويغفر لكم فتحزنوا عليها حيث لا ينفع الندم.
إن هذه الأيام المباركة هي أفضل أيام الدنيا أيام، كما أخبرنا رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- وهي الأيام التي أمرنا الخالق- سبحانه- بالإكثار فيها من ذكره قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ (الحج:28) قال ابن عباس: إنها أيام العشر من ذي الحجة.
فلننفذ أمر الله ونذكره سبحانه فيها، ولنكثر من العبادات والطاعات؛ لنحيي هذه الأيام فنكون من الفائزين، ومن هذه الطاعات التي نتقرب بها لله في هذه الأيام..
أولاً: الذكر:
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
(صحيح)، فأكثِر أخي الشاب من هذه الأذكار المباركة، كما أمرك رسولك الكريم- صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الصيام:
وهل أفضل من صيام التطوع في هذه الأيام التي أُمِرنا بالإكثار من العمل الصالح فيها، وقد أخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الصيام وفضله: "من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينَه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض" (صحيح).
وأنتم- إخواني الشباب- أولَى الناس بالإكثار من الصيام؛ تنفيذًا صحيح لوصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكم: "يا معشر الشاب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم" صدق رسول الله– صلى الله عليه وسلم، والكيس من يعمل الصالح ويعد له نيات كثيرة فيَزداد من الحسنَات، فأكثِروا من الصيام، وتعرَّضوا لنفحات الله، ونفِّذوا وصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: الإكثار من الصدقات:
حُجاج بيت الله العتيق بذلوا كل غالٍ ورخيصٍ من جُهد ومالٍ؛ ليؤدوا مناسك الله.. فهل تبخلوا أنتم ببذل صدقاتٍ تجعلكم في ظل الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، وقد قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران:92).
رابعًا: الإكثار من قراءة القرآن:
احرص أخي على كثرةِ القراءة مع التدبر والخشوع وتحريك القلب بالقراءة.. قال تعالى ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ (الزمر:23).
واعلم أن حرصك على القرآن يجعلك ممن وصفهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إن لله أهلين من الناس.. قالوا: يا رسول الله مَن هم؟ قال هم أهل القرآن.. أهل الله وخاصته". (صحيح).
فكُنْ من أهل الله؛ بحرصك على كثرة القراءة والحفظ والتدبر، واحذر من أن تكون ممن يقيمون حروفه ويضيعون حدوده، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفًا من أحرف القرآن كان له حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن "ألف" حرف و"لام" حرف و"ميم" حرف".
خامسًا: إحياء لياليها بالقيام:
فالقيام إخوتي من العِبادات الجليلة التي أخفى الله ثواب القائمين بها لعظمته ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة:17)، وقد أخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قيام الليل فقال: "هو دأب الصالحين قبلكم، وقربةٌ إلى الله عز وجل، ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفيرٌ للسيئات، ومطردةٌ للداء عن الجسد" (صحيح)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ (المزمل:20).
سادسًا: الإكثار من الدعاء:
فلا تنسَ أخي كثرة الدعاء واللجوء إلى الله؛ ليقضي الله لك حوائج الدنيا والآخرة، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء مخ العبادة"، فتعبَّد لله بسؤاله والتضرع له.
أحبتنا في الله:
وإذا كانت هذه العبادات الجليلة عظيمةَ الثواب في الأيام العشر كلهن، فقد ميَّز الله يوم عرفة فميِّزوه وزيدوا من العبادة والذكر واللجوء والضراعة لله في هذا اليوم العظيم ليعتقكم الله من الله من النار، فتكونوا من الناجين، بإذن الله.. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة..." (صحيح).
أيها الإخوة الأحباب:
إذا عدنا معًا لأيام العشر المباركات، التي وصانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من العمل الصالح فيها، فسوف نجد أن يوم عيد الأضحى هو آخرها، فاحذروا أن تضيِّعوه دون تكبير وتحميد وتهليل، واحذروا من أن تضيعوا ثواب ما قُمتم به من عبادات بمعاصٍ تُرتكب يوم عيدٍ جعله الله جائزةً للمحسنين، واحرصوا على صلاة العيد وإظهار الفرحة والطِّيب، ولبس أجمل ثيابكم، وتقربوا إلى الله بالصدقة وصلة الرحم والذكر والدعاء والقرآن؛ حتى تختموا هذا الأيام العشر بخير.
وفي ختام حديثي أطمئن من كان يرجو لو كان مع الحجيج وأخبره إن فاتتك أداء المناسك لعدم استطاعتك، فبإمكانك الحج وأنت في بلدك، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة" (صحيح).
فأبواب الخير كثيرة، فاطرقوها واعزموا أن تؤدوا شعيرة الله، تقبل الله منا ومنكم، وأعاد الله عليكم وعلى الأمة الإسلامية هذه الأيام المباركة باليُمن والفلاح والبركات والفوز بالحسنات.
------------------------------------
بأيِّ شيء نستقبل عشر ذي الحجة؟!
(العشر من ذي الحجة- فضائلها- والأعمال المستحبة فيها)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وبعد..
من فضل الله تعالى على عباده أن جعلَ لهم مواسمَ للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمرُّ عليه مرورًا عابرًا.
ومن هذه المواسم الفاضلة العشر الأوَل من ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأنها أفضل أيام الدنيا، وحثَّ على العمل الصالح فيها؛ بل إن الله تعالى أقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرفًا وفضلاً، إذِ العظيمُ لا يُقسم إلا بعظيم، وهذا يستدعي منا أن نجتهد فيها، ونُكثر من الأعمال الصالحة، وأن نحسن استقبالها واغتنامها.
وفي هذه الرسالة بيان لفضل العشر الأُوَل من ذي الحجة وفضل العمل فيها، والأعمال المستحبة فيها، نسأل الله تعالى أن يرزقَنا حسن الاستفادة من هذه الأيام، وأن يُعيننا على اغتنامها على الوجه الذي يرضيه.
حريٌّ بالمسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامةً- ومنها العشر الأوَل من ذِي الحجة- بأمور:
1- التوبة الصادقة والإخلاص لله:
فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامةً بالتوبة الصادقة، والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله؛ ففي التوبة فلاحٌ للمسلم في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور:31)، وكذلك على المسلم أن يتصل قلبه بالله، وأن يبتغي في كل عمل يعمله وجه الله تعالى، فهو إذا صلى فلله، وإذا صام فلله، وإذا حجَّ فلله، وإذا تصدق فلله.. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام:162).
2- البُعد عن المعاصي :
فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فاحذر الوقوعَ في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها، ومَن عرف ما يُطلب هان عليه كل ما يبذل.
3- العزم الجاد على اغتِنام هذه الأيام:
فينبغي على المسلم أن يحرِصَ حِرصًا شديدًا على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيَّأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومَن صدق الله صدقه الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69).
4- سلامة الصدر لإخوانك المسلمين:
فاحرص- أخي المسلم- على اغتنام هذه الأيام، وجدد صفاءَ قلبِك وطهارةَ فؤادِك بينكِ وبين المسلمين جميعًا، وليكن شعارُك: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10)، وأحسن استقبال هذه الأيام قبل أن تفوتك فتندم، ولاتَ حين مندم.
فضل العشر الأوَل من ذي الحجة:
1- أن الله تعالى أقسم بها:
إذا أقسم الله بشيء دلَّ هذا على عِظَم مكانته وفضله، إذِ العظيم لا يُقسم إلا بعظيم، قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (الفجر:1-2)، والليالي العشر: هي عشر ذي الحجَّة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين من السلف والخلف، وقال "ابن كثير" في تفسيره: هو الصحيح.
2- أنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره:
قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ (الحج: من الآية28)، وذهب جمهور العلماء على أن (الأيام المعلومات) هي عشر ذي الحجة، ومنهم ابن عمر وابن عباس.
3- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهِدَ لها بأنها أفضلُ أيام الدنيا:
فعن جابر- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر- يعني عشر ذي الحجة– قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب" (صححه الألباني)
4- أن فيها يوم عرفة:
ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاه ذلك فضلاً.
5- أن فيها يوم النحر:
وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال- صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القَرِّ" (صححه الألباني).
6- اجتماع أمهات العبادة فيها:
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيره، وكان سعيد بن جبير- رحمه الله- إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه (رواه الدارمي).
فضل العمل في عشر ذي الحجة:
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام- يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" (رواه البخاري).
وعن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: "كنت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكرت له الأعمال فقال: "ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر، قلت: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله أكبَرُه؟، فقال: ولا الجهاد، إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه" (رواه أحمد، وحسن إسناده الألباني).
فدل هذان الحديثان وغيرهما على أن كل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحبُّ إلى الله تعالى من نفس العمل إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحبَّ إلى الله فهو أفضل عنده، ودل الحديثان على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله، الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة تضاعَف من غير استثناء شيء منها.
من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة:
إذا تبين لك أخي المسلم فضلُ العمل في عشر ذي الحجة عن غيره من الأيام، وأن هذه المواسم نعمةٌ وفضلٌ من الله على عباده، وفرصةٌ عظيمةٌ يجب اغتنامها.. إذا تبين لك كلُّ هذا، فحريٌّ بك أن تَخُص هذه العشر بمزيدِ عنايةٍ واهتمامٍ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة فيها، وأن تُكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، فقد كان هذا هو حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم، يقول أبو عثمان النهدي: "كانوا- أي السلف- يُعظِّمون ثلاث عشرات: العشر الأخيرة من رمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، والعشر الأُول من المحرم".
ومن الأعمال التي يستحب للمسلم أن يحرص عليه ويُكثر منها في هذه الأيام ما يلي:
1- أداء مناسك الحج والعمرة:
والحج ليس مستحبًا فقط بل هو واجب لمن استطاع سبيلاً إليه، والعمرة مندوبة، وهما معًا أفضل ما يؤدى في عشر ذي الحجة، ومن يسَّر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة" (متفق عليه)، والحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي- صلى الله عليه وسلم- والمحفوف بالصالحات والخيرات، الذي لم يخالطه إثمٌ من رياء أو سمعة أو رفث أو فسوق.
2- الصيام:
وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه لعِظم شأنه وعلوِّ قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" (متفق عليه).
وقد خص النبي- صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبيَّن فضل صيامه، فقال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والتي بعده" (رواه مسلم)، وعليه فيُسنُّ للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- حثَّ على العمل الصالح فيها، وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام "النووي"، وقال: صيامها مستحبٌ استحبابًا شديدًا.
3- الصلاة:
وهي من أجلِّ الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً؛ ولهذا يجب عليك أخي المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليكَ أن تكثر من النوافل في هذه الأيام؛ فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربِّه: "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" (رواه البخاري).
4- التكبير والتحميد والتهليل والذكر:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد)، وقال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة- رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما، وقال: وكان عمر يكبِّر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون، ويكبِّر أهل الأسواق حتى ترتجَّ منى تكبيرًا، وكان ابن عمر يكبِّر بمنى في تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا، ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به.
5- الصدقة:
وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله عليها فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة:254)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال" (رواه مسلم).
وهناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام، بالإضافة إلى ما ذكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي:
قراءة القرآن وتعلمه، والاستغفار، وبرُّ الوالدين، وتربية الأولاد، وصلة الأرحام والأقارب، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج المسلمين، والصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- وعدم إيذاء المسلمين، وصلة أصدقاء الوالدين، والدعاء لإخوانك المسلمين بظهر الغيب، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهد، والبرُّ بالخالة والخال، وإغاثة الملهوف، وغضُّ البصر عن محارم الله، وإسباغُ الوضوء، والدعاءُ بين الأذان والإقامة، وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة، والمحافظة على السنن الراتبة، والحرص على صلاة العيد في المصلى، وذكرُ الله عقب الصلوات، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، واصطناع المعروف، والدلالة على الخير، والدعوة إلى الله، والصدق في البيع والشراء، والدعاء للوالدين، وسلامة الصدر وترك الشحناء، والتعاون مع المسلمين فيما فيه الخير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقول
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من عَبَد الله حتى الممات، مَن بعثَه الله هدى ورحمة للعالمين.
إخواننا وأحبتنا الشباب...
مَن منَّا لم يحزن لفراق شهر رمضان الكريم، وكلنا إمَّا مقصر ضاعت منه فرصةُ استثمار أيامه ولياليه؛ ليغفر له ويعتق من النار، وإما صانع قدَّم من الأعمال القليلة ما كان يطعمه لو طالت تلك الأيام المباركات ليزداد تقربًا وتعبدًا لله وينال ثوابًا عظيمًا، وخالقنا الجواد الكريم سبحانه، وقد علم حزننا على فراق شهرنا ها هو يسعد القلوب، ويتفضل على العباد بنفحة مباركة طيبة هي فرصة جديدة لمحو الذنوب وغسل الخطايا ورفع الدرجات.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا الخير دهركم، وتعرَّضوا لنفحاتِ رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يُصيب بها مَن يشاء من عباده".
إخوتي، إن هذه النفحة المباركة التي مَنَّ الله بها علينا والتي تعطر الوجود الآن هي هذه الأشهر الحرم التي نحيا في نورها الآن، وعلى الأخص الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة المبارك، تلك الأيام التي قال عنها الرسول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" (حديث صحيح).
عليك الصلاة والسلام يا حبيبنا يا رسول الله، ما أكثر ما تأتينا بالمبشرات!! نعم إخوتي إنها فرصةٌ رائعةٌ.. احذروا أن تفوتكم.. احذروا أن تضيعوها من بين أيديكم دون أن تنالوا خيرها، ويغفر لكم فتحزنوا عليها حيث لا ينفع الندم.
إن هذه الأيام المباركة هي أفضل أيام الدنيا أيام، كما أخبرنا رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- وهي الأيام التي أمرنا الخالق- سبحانه- بالإكثار فيها من ذكره قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ (الحج:28) قال ابن عباس: إنها أيام العشر من ذي الحجة.
فلننفذ أمر الله ونذكره سبحانه فيها، ولنكثر من العبادات والطاعات؛ لنحيي هذه الأيام فنكون من الفائزين، ومن هذه الطاعات التي نتقرب بها لله في هذه الأيام..
أولاً: الذكر:
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
(صحيح)، فأكثِر أخي الشاب من هذه الأذكار المباركة، كما أمرك رسولك الكريم- صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الصيام:
وهل أفضل من صيام التطوع في هذه الأيام التي أُمِرنا بالإكثار من العمل الصالح فيها، وقد أخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الصيام وفضله: "من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينَه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض" (صحيح).
وأنتم- إخواني الشباب- أولَى الناس بالإكثار من الصيام؛ تنفيذًا صحيح لوصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكم: "يا معشر الشاب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم" صدق رسول الله– صلى الله عليه وسلم، والكيس من يعمل الصالح ويعد له نيات كثيرة فيَزداد من الحسنَات، فأكثِروا من الصيام، وتعرَّضوا لنفحات الله، ونفِّذوا وصية رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: الإكثار من الصدقات:
حُجاج بيت الله العتيق بذلوا كل غالٍ ورخيصٍ من جُهد ومالٍ؛ ليؤدوا مناسك الله.. فهل تبخلوا أنتم ببذل صدقاتٍ تجعلكم في ظل الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، وقد قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران:92).
رابعًا: الإكثار من قراءة القرآن:
احرص أخي على كثرةِ القراءة مع التدبر والخشوع وتحريك القلب بالقراءة.. قال تعالى ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ (الزمر:23).
واعلم أن حرصك على القرآن يجعلك ممن وصفهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إن لله أهلين من الناس.. قالوا: يا رسول الله مَن هم؟ قال هم أهل القرآن.. أهل الله وخاصته". (صحيح).
فكُنْ من أهل الله؛ بحرصك على كثرة القراءة والحفظ والتدبر، واحذر من أن تكون ممن يقيمون حروفه ويضيعون حدوده، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفًا من أحرف القرآن كان له حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن "ألف" حرف و"لام" حرف و"ميم" حرف".
خامسًا: إحياء لياليها بالقيام:
فالقيام إخوتي من العِبادات الجليلة التي أخفى الله ثواب القائمين بها لعظمته ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة:17)، وقد أخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قيام الليل فقال: "هو دأب الصالحين قبلكم، وقربةٌ إلى الله عز وجل، ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفيرٌ للسيئات، ومطردةٌ للداء عن الجسد" (صحيح)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ (المزمل:20).
سادسًا: الإكثار من الدعاء:
فلا تنسَ أخي كثرة الدعاء واللجوء إلى الله؛ ليقضي الله لك حوائج الدنيا والآخرة، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء مخ العبادة"، فتعبَّد لله بسؤاله والتضرع له.
أحبتنا في الله:
وإذا كانت هذه العبادات الجليلة عظيمةَ الثواب في الأيام العشر كلهن، فقد ميَّز الله يوم عرفة فميِّزوه وزيدوا من العبادة والذكر واللجوء والضراعة لله في هذا اليوم العظيم ليعتقكم الله من الله من النار، فتكونوا من الناجين، بإذن الله.. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة..." (صحيح).
أيها الإخوة الأحباب:
إذا عدنا معًا لأيام العشر المباركات، التي وصانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من العمل الصالح فيها، فسوف نجد أن يوم عيد الأضحى هو آخرها، فاحذروا أن تضيِّعوه دون تكبير وتحميد وتهليل، واحذروا من أن تضيعوا ثواب ما قُمتم به من عبادات بمعاصٍ تُرتكب يوم عيدٍ جعله الله جائزةً للمحسنين، واحرصوا على صلاة العيد وإظهار الفرحة والطِّيب، ولبس أجمل ثيابكم، وتقربوا إلى الله بالصدقة وصلة الرحم والذكر والدعاء والقرآن؛ حتى تختموا هذا الأيام العشر بخير.
وفي ختام حديثي أطمئن من كان يرجو لو كان مع الحجيج وأخبره إن فاتتك أداء المناسك لعدم استطاعتك، فبإمكانك الحج وأنت في بلدك، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة" (صحيح).
فأبواب الخير كثيرة، فاطرقوها واعزموا أن تؤدوا شعيرة الله، تقبل الله منا ومنكم، وأعاد الله عليكم وعلى الأمة الإسلامية هذه الأيام المباركة باليُمن والفلاح والبركات والفوز بالحسنات.
------------------------------------
بأيِّ شيء نستقبل عشر ذي الحجة؟!
(العشر من ذي الحجة- فضائلها- والأعمال المستحبة فيها)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وبعد..
من فضل الله تعالى على عباده أن جعلَ لهم مواسمَ للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمرُّ عليه مرورًا عابرًا.
ومن هذه المواسم الفاضلة العشر الأوَل من ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأنها أفضل أيام الدنيا، وحثَّ على العمل الصالح فيها؛ بل إن الله تعالى أقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرفًا وفضلاً، إذِ العظيمُ لا يُقسم إلا بعظيم، وهذا يستدعي منا أن نجتهد فيها، ونُكثر من الأعمال الصالحة، وأن نحسن استقبالها واغتنامها.
وفي هذه الرسالة بيان لفضل العشر الأُوَل من ذي الحجة وفضل العمل فيها، والأعمال المستحبة فيها، نسأل الله تعالى أن يرزقَنا حسن الاستفادة من هذه الأيام، وأن يُعيننا على اغتنامها على الوجه الذي يرضيه.
حريٌّ بالمسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامةً- ومنها العشر الأوَل من ذِي الحجة- بأمور:
1- التوبة الصادقة والإخلاص لله:
فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامةً بالتوبة الصادقة، والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله؛ ففي التوبة فلاحٌ للمسلم في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور:31)، وكذلك على المسلم أن يتصل قلبه بالله، وأن يبتغي في كل عمل يعمله وجه الله تعالى، فهو إذا صلى فلله، وإذا صام فلله، وإذا حجَّ فلله، وإذا تصدق فلله.. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام:162).
2- البُعد عن المعاصي :
فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فاحذر الوقوعَ في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها، ومَن عرف ما يُطلب هان عليه كل ما يبذل.
3- العزم الجاد على اغتِنام هذه الأيام:
فينبغي على المسلم أن يحرِصَ حِرصًا شديدًا على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيَّأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومَن صدق الله صدقه الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69).
4- سلامة الصدر لإخوانك المسلمين:
فاحرص- أخي المسلم- على اغتنام هذه الأيام، وجدد صفاءَ قلبِك وطهارةَ فؤادِك بينكِ وبين المسلمين جميعًا، وليكن شعارُك: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحشر: من الآية 10)، وأحسن استقبال هذه الأيام قبل أن تفوتك فتندم، ولاتَ حين مندم.
فضل العشر الأوَل من ذي الحجة:
1- أن الله تعالى أقسم بها:
إذا أقسم الله بشيء دلَّ هذا على عِظَم مكانته وفضله، إذِ العظيم لا يُقسم إلا بعظيم، قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (الفجر:1-2)، والليالي العشر: هي عشر ذي الحجَّة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين من السلف والخلف، وقال "ابن كثير" في تفسيره: هو الصحيح.
2- أنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره:
قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ (الحج: من الآية28)، وذهب جمهور العلماء على أن (الأيام المعلومات) هي عشر ذي الحجة، ومنهم ابن عمر وابن عباس.
3- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهِدَ لها بأنها أفضلُ أيام الدنيا:
فعن جابر- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر- يعني عشر ذي الحجة– قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب" (صححه الألباني)
4- أن فيها يوم عرفة:
ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاه ذلك فضلاً.
5- أن فيها يوم النحر:
وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال- صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القَرِّ" (صححه الألباني).
6- اجتماع أمهات العبادة فيها:
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيره، وكان سعيد بن جبير- رحمه الله- إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه (رواه الدارمي).
فضل العمل في عشر ذي الحجة:
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام- يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" (رواه البخاري).
وعن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: "كنت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكرت له الأعمال فقال: "ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر، قلت: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله أكبَرُه؟، فقال: ولا الجهاد، إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه" (رواه أحمد، وحسن إسناده الألباني).
فدل هذان الحديثان وغيرهما على أن كل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحبُّ إلى الله تعالى من نفس العمل إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحبَّ إلى الله فهو أفضل عنده، ودل الحديثان على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله، الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة تضاعَف من غير استثناء شيء منها.
من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة:
إذا تبين لك أخي المسلم فضلُ العمل في عشر ذي الحجة عن غيره من الأيام، وأن هذه المواسم نعمةٌ وفضلٌ من الله على عباده، وفرصةٌ عظيمةٌ يجب اغتنامها.. إذا تبين لك كلُّ هذا، فحريٌّ بك أن تَخُص هذه العشر بمزيدِ عنايةٍ واهتمامٍ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة فيها، وأن تُكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، فقد كان هذا هو حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم، يقول أبو عثمان النهدي: "كانوا- أي السلف- يُعظِّمون ثلاث عشرات: العشر الأخيرة من رمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، والعشر الأُول من المحرم".
ومن الأعمال التي يستحب للمسلم أن يحرص عليه ويُكثر منها في هذه الأيام ما يلي:
1- أداء مناسك الحج والعمرة:
والحج ليس مستحبًا فقط بل هو واجب لمن استطاع سبيلاً إليه، والعمرة مندوبة، وهما معًا أفضل ما يؤدى في عشر ذي الحجة، ومن يسَّر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة" (متفق عليه)، والحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي- صلى الله عليه وسلم- والمحفوف بالصالحات والخيرات، الذي لم يخالطه إثمٌ من رياء أو سمعة أو رفث أو فسوق.
2- الصيام:
وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه لعِظم شأنه وعلوِّ قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" (متفق عليه).
وقد خص النبي- صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبيَّن فضل صيامه، فقال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والتي بعده" (رواه مسلم)، وعليه فيُسنُّ للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- حثَّ على العمل الصالح فيها، وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام "النووي"، وقال: صيامها مستحبٌ استحبابًا شديدًا.
3- الصلاة:
وهي من أجلِّ الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً؛ ولهذا يجب عليك أخي المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليكَ أن تكثر من النوافل في هذه الأيام؛ فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربِّه: "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" (رواه البخاري).
4- التكبير والتحميد والتهليل والذكر:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد)، وقال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة- رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما، وقال: وكان عمر يكبِّر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون، ويكبِّر أهل الأسواق حتى ترتجَّ منى تكبيرًا، وكان ابن عمر يكبِّر بمنى في تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا، ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به.
5- الصدقة:
وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله عليها فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة:254)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال" (رواه مسلم).
وهناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام، بالإضافة إلى ما ذكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي:
قراءة القرآن وتعلمه، والاستغفار، وبرُّ الوالدين، وتربية الأولاد، وصلة الأرحام والأقارب، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج المسلمين، والصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- وعدم إيذاء المسلمين، وصلة أصدقاء الوالدين، والدعاء لإخوانك المسلمين بظهر الغيب، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهد، والبرُّ بالخالة والخال، وإغاثة الملهوف، وغضُّ البصر عن محارم الله، وإسباغُ الوضوء، والدعاءُ بين الأذان والإقامة، وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة، والمحافظة على السنن الراتبة، والحرص على صلاة العيد في المصلى، وذكرُ الله عقب الصلوات، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، واصطناع المعروف، والدلالة على الخير، والدعوة إلى الله، والصدق في البيع والشراء، والدعاء للوالدين، وسلامة الصدر وترك الشحناء، والتعاون مع المسلمين فيما فيه الخير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقول