عذب المعاني
01-27-2010, 01:46 AM
تاريخ الارسال
الخميس 23/12/1430 هـ الموافق 10/12/2009
رقم الصادر:em000069084sa
لكي لا تتكرر كارثة جدة:البرلمان بر الأمان
نطالب بالمشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي تأكيداً لمبدأ قوامة الأمة على النظام السياسي وتطبيقاً لشرط البيعة الأكبر على الكتاب والسنة: صدور الحكم عن قرارات نواب الأمة المنتخبين لأن ذلك هو العلاج الفعّال ضد الفساد السياسي والضامن الوحيد للشفافية والمراقبة والمحاسبة والنزاهة.[/color]
بسم الله الرحمن الرحيم
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وفقنا الله وإياه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يطيب لجمعية الحقوق المدنية والسياسية أن تشكركم على حرصكم على حماية المال العام وملاحقة الفاسدين والمفسدين، الذين أسهموا في نهب المال العام وضيعوا مقدرات الأمة، وتسببوا في تخلف البلد رغم الموارد والميزانيات العامة الضخمة التي ترصد سنوياً، ولكن مع الأسف الشديد ينتهي بها المطاف في الحسابات السرية في البنوك الأجنبية دون تأثير ملموس يذكر على المواطنين الذين يعانون الفقر المدقع والحرمان من الخدمات الأساسية المتوافرة في البلدان النامية الفقيرة.
بل إن الأمر تجاوز كل الحدود حيث تسبب داء الفساد السياسي (الإداري) المزمن إلى القتل الجماعي للمواطنين، فمع الأسف الشديد أضحى الفساد السياسي صبغة غالبة على سلوك بعض الأمراء الذين يحتلون المناصب العليا في الدولة ويتنافسون للاستحواذ على المال العام وتحقيق الثراء غير المشروع، بغض النظر عن الوسيلة حتى لو من خلال المتاجرة بحياة وأعراض الناس ومقدرات البلاد (راجع مقال الصحفي الأمريكي المخضرم سيمور هيرش المعنون "فدية الملك"، مجلة النيويوركر الأسبوعية، عدد 22 أكتوبر 2001م، صفحة 35 ).
لقد كشفت كارثة جدة عن واقع خطير ومنعطف مصيري تمر به بلادنا، ليس في مدينة جدة فحسب ولكن في بقية المدن والقرى، التي تعاني من غياب أو تهالك البنية التحتية، والتي تنتظر لموسم مطير حتى تبين عيوبها وتظهر سوأتها. لذا فإنه يتوجب علينا-والحال كذلك- اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والخطوات الاحترازية، حتى لا تقع مأساة أخرى لا قدر الله، تذهب فيها الأنفس الزكية وتتحطم الأسر وتدمر المنازل والممتلكات.
إن كارثة جدة بمثابة ناقوس خطر دق ليوقظنا من غفلتنا لنتنبه للأخطار المحدقة التي تواجه الإنسان في بلادنا، الذي أصبحت حياته رخيصة حيث يتركه المسئولون في أمارة مكة يغرق في مياه الصرف الصحي، على الرغم من ابتلاع عشرات المليارات في عقود لم تنفّذ، والنتيجة هي تلك الصور المرعبة التي بثتها وكالات الأنباء العالمية لأجساد المواطنين الغارقين في مستنقعات الصرف الصحي!!
خادم الحرمين الشريفين،
إن واجبنا الوطني يحتم علينا أن نخاطبكم بكل صراحة وصدق، بعيداً عن لغة المديح والتزلف والنفاق، وبعيداً عن أسلوب التلميح والتورية في حكايات كليلة ودمنة، لاسيما أن الأمر يتعلق بحياة المواطنين التي أصبحت عرضة للمتاجرة، من قبل أمراء الظلام وعصابات السلب والنهب التي يديرونها في الخفاء تحت مسميات مواطنين موظفين في دواوينهم وإمارات المناطق، ليبقى بعض أمراء المناطق حكاماً يتولون الأمور السياسية العليا التي تتعلق بأمور المنطقة، ولكنهم يمتلكون مخططات عقارية في الخفاء، وعقود مقاولات بعشرات المليارات.
وكل ذلك يتم في سريّة تامة بعيداً عن عيون الرقابة، فضلاً عن الملاحقة القضائية التي تبدو مستحيلة. يساعد على هذا الوضع البائس غياب الصحافة الحرة التي تكشف السرقات والمخالفات المالية الخطيرة، بل على العكس تماماً تحولت الصحف التي يشرف عليها بعض أمراء المناطق إلى جوقات لكيل المديح، وإلقاء اللائمة على المواطنين المغلوبين على أمرهم، ومما يدلل على ذلك أن أحد رؤساء تحرير الصحف الموالين للاستبداد، كتب فور غرق جدة مقالاً يضع اللوم فيه على الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوة!!. ويندرج في ذلك أن بعض فقهاء السلفية السلطانية أصدروا بياناً يعتبرون ما أصاب جدة ناتجاً عن ذنوب الضحايا، ومن المعلوم أن أكثر الضحايا هم من الفقراء، وكأن الأغنياء وفي مقدمتهم أمراء الظلام لا ذنوب لهم!!.
إن القاعدة البسيطة في علم الإدارة تقول "إن المسئولية تقاس على قدر الصلاحية (السلطة)"، والقاعدة الأخرى تقول "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، وعليه فإن على أمير المنطقة مسئولية مطلقة لأنه مخول من قبل الملك بصلاحيات واسعة في إدارة شئون المنطقة، فليس له التنصل منها بإلقاء المسئولية على "أمين" البلدية أو مدير الصرف الصحي، فالسلطة تفوض والمسئولية لا تفوض.
ومن هذا المنطلق، نرحب باهتمامكم، ورغبتكم في التحقيق والتحري عن المسئول المباشر عن هذه الكارثة، تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة والعقاب، وقد سبق ذلك محاولة أخرى قبل بضع سنوات في تأسيس "هيئة حماية النزاهة ومكافحة الفساد"، التي وأدت في مهدها لأسباب لا نعرفها، لكننا نستشعر سلطة أمراء النهب والسلب التي يكرسونها في حماية مصالحهم الخاصة الضيقة على حساب المصلحة الوطنية العامة.
لكن نقول لكم يا خادم الحرمين-منذ البدء بصراحة- إن هذه اللجنة لن يترتب عليها أي شيء ولن يتمخض عنها قرارات حاسمة تقدم المسئول عن الكارثة للمحاكمة، ليرتدع هو وغيره عن الارتزاق على حساب حياة وكرامة المواطنين الذين تم سحقهم والاعتداء السافر على ممتلكاتهم وهضم حقوقهم. أين إذن يكمن الحل؟ ولماذا؟
أولاً: لكي لا يكون المتهم هو الحكم، نعلن تحفظنا المبدئي على نتائج لجنة التحقيق في قضية القتل الجماعي في "تسونامي" جدة: لأنه لا يمكن لأجهزة حكومية برئاسة أمير المنطقة التي وقعت فيها المشكلة أن تتوصل إلى قرار مستقل؟
لا نتحدث عن أمير محدد، ولا عن قضايا شخصية تتعلق بفرد معين، ولكن نتحدث عن قضايا عامة.
1= لقد أضحت ثقافة الفساد في بلادنا هي الصفة السائدة، فلقد أصبحت بيئة العمل في الوزارات والمصالح الحكومية طاردة للموظف النزيه، وجاذبة للعناصر الفاسدة، التي لديها الاستعداد للانخراط في عمل عصابات نهب المال العام، لكن القاسم المشترك في هيكلة مافيا المال العام هو وجود أحد الأمراء الذي يحمي أفراد العصابة، ويقدم لهم الدعم اللوجستي، وهو المستفيد الأول من الغنائم.
أسهم في هذا الوضع المحموم سيطرة الأمراء على المناصب العليا فيما يسمى وزارات السيادة وإمارات المناطق، بل وأمتد نفوذهم مؤخراً ليشمل العديد من الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى التي كان-إلى وقت قريب-يشغلها مواطنون، مثل وزارة الشئون البلدية والقروية ووزارة التربية والتعليم وجمعية الهلال الأحمر والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وبعض المحافظات.
لكن حتى الوزارات الأخرى التي يرأس هيكلها الإداري أحد المواطنين، تجد أحد الأمراء في المناصب القيادية يدير شبكات الفساد لأن صلاحياته مطلقة وليس عرضة للمراقبة والمحاسبة، لذا نجد أن ذلك الأمير يحرص كل الحرص على توقيع العقود الدسمة، ويحتكر مشاريع المقاولات لشركات معينة هو المالك الفعلي لها، في تضارب صارخ في المصالح.
2= أصبح توارث المناصب في الدولة صفة سائدة، فأسماء الموظفين تتكرر في وزارات معينة، والوزارات يشغلها موظفون وفقاً للمناطق أو العائلات أو القبائل، وبالتالي يصبح المعيار مختلاً حيث لا يعتمد على الكفاءة والنزاهة والجد والأمانة، ولكن على القرابة والولاء، ومدى الاستعداد لتنفيذ رغبات ولي النعمة التي تعني التنازل عن الأمانة، وتقتضي في كثير من الأحيان التضحية بالذمة والضمير. بل إن الأمر المهم بالنسبة لمدير شبكة الفساد هو استعداد هؤلاء المرتزقة للتضحية بسمعتهم وحرياتهم لأجل التغطية على زعيم العصابة، هذه الصفة السائدة في الغالبية العظمى من كبار موظفي الدولة المقربين من صانع القرار الفاسد.
3= ألا يحق لنا إذن أن نحكم أن هذا الجو الموبوء كفيل بطمس الحقيقة وتضييع الحقوق وتضليل العدالة، ناهيك عن كون أمير المنطقة رئيس للجنة، ذا صلاحيات غير متناهية، و هو في دائرة المسئولية،فكيف يحقق في مخالفات إدارية في منطقة هو أميرها ويتولى جميع مقاليد الأمور فيها، وأي مسئول بهذه الكيفية، على تضليل العدالة أقدر.
4= ألا يحتمل أن يكون الأمير نفسه مقصراً؟ فمساءلة كبار المسئولين؛تتطلب إبعادهم عن إدارة التحقيق، وذلك هو أول مؤشر في طريق الإنصاف والعدالة، ونخبركم من الآن-إذا كان التحقيق بهذا المسار- أنهم سوف يضحون بكبش فداء ليبقى كبار الفاسدين، ويستمر مسلسل الكوارث، حتى ترتفع الأصوات مرة أخرى مع وقوع كارثة جديدة. إن تشكيل لجان التحقيق من أجهزة حكومية وبرئاسة أمير المنطقة، الذي هو في دائرة المسئولية، لن يوصل للمذنب الحقيقي الذي تسبب في القتل الجماعي للمواطنين، من أجل ذلك نطالب بأن تكون لجنة تقصي الحقائق من شخصيات خارج الإطار الرسمي قادرة على استجواب كافة المسئولين بما فيهم الأمراء.
ثانياً: أسباب انتشار ثقافة الفساد السياسي: الجرثومة الخبيثة التي تهدر مقدرات الأمة وتحطم مقومات الوطن وتحرف المؤسسات الحكومية عن أهدافها وتحرم المواطنين من الخدمات الأساسية
وحتى لو أدين أي مسئول مهما كان مركزه، فإنه ليس مسئولا وحده عن ما حدث، بل إن جرثومة الفساد السياسي هي المسئول الأول عن ضياع مقدرات الوطن، وهي السبب الأساسي في معاناة المواطنين، وإليها تعود جميع المشكلات التي تواجه البلاد، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فلقد تسببت هذه الجرثومة الخبيثة في فقر وبطالة المواطنين والخلل في توزيع الثروة، بين أقلية اختطفت البلاد وكدست الثروات لديها وغالبية مسحوقة ومهمشة ومحرومة.
تمر سرقة المال العام في بلادنا بمراحل أربع:
المرحلة الأولى،
هناك موارد مالية عامة لا تدخل الخزانة العامة مطلقاً، بل تذهب مباشرة لجيوب المستفيدين، على الرغم من أنها ملك للدولة، هذه الأموال من المفترض أن تنفق على مشاريع ذات نفع عام، والمثال الواضح في هذا الشأن هو منح النفط العينية التي تمنح لأفراد الأسرة المالكة ليقوموا ببيعها في الأسواق الدولية، التي تقدر بمئات الملايين من براميل النفط الخام، تباع على سماسرة يمثلون شركات نفط عالمية، دفعتها هذه التجارة الرائجة لتفتح مكاتب لها في البلاد حتى تشتري هذه المنح بأقل من الأسعار السائدة في الأسواق الدولية، فلا غرو إذن أن تنهار أسعار النفط العالمية في أواسط الثمانينات إلى معدلات متدنية، بسبب الجشع والطمع، وطالبت الدولة آنذاك المواطنين بشد الحزام وقلصت النفقات الأساسية، فأصبح المواطنون ضحية من جانبين، نهب مقدراتهم وغرقهم في مديونية عامة لا زالوا يعانون منها.
يدخل في هذا النوع من سرقة المال العام أنواع أخرى، مثل الإعفاءات الضريبية غير المبررة وأذون الاستيراد وتصدير السلع الإستراتيجية الأساسية، والحق الحصري في بيع السلع وتقديم الخدمات، وإقصاء المنافسين من دخول هذه النشاطات.
المرحلة الثانية،
هناك موارد مالية تدخل الخزانة العامة لكنها لا تنعكس على الميزانية العامة، ولا أحد يعلم كيف تصرف هذه الموارد وما هو مصيرها، ففي الوقت الذي يقدر إيرادات الدولة السنوي بأكثر من تريليون من الريالات ترصد الدولة أقل من نصف تلك الموارد في الميزانية السنوية، ولكن ما هو مصير المتبقي الذي لم ينفق خلال السنة المالية، ويدعي البعض أنها ذهبت لما يسمى "الاحتياطي الاستراتيجي".
ولكن من هي الجهة المسئولة عن إدارة هذه الموارد؟ وما مدى الكفاءة في إدارتها واستثمارها؟ لقد نجحت بعض دول الجوار في تنمية استثماراتها ووضعها في "صناديق الأجيال" المستقبلية التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ويتوقع بعض الخبراء أن تبقي تلك الدول في حالة الاكتفاء الذاتي فور نضوب الموارد النفطية.
في بلادنا مع الأسف الشديد، هذه الموارد هناك مؤشرات تدل على أنها تمنح للأمراء لإرضائهم عند إعفائهم أو تنازلهم أو إقصائهم من المناصب، وأنها تمنح في عقود إستراتيجية بأرقام فلكية لتحسين أوضاع الأمراء المالية، ومما يؤكد ما ذكرناه ما وثقته النشرات الاقتصادية الدولية التي تتحدث عن زيادة الإنفاق السنوي خارج ما تم تخصيصه في الميزانية، في بعض السنوات المالية وصلت نسبة الزيادة 25% في الإنفاق الفعلي على ما تم تقديره في الميزانية خلال سنوات مالية طبيعية، لم يحدث فيها كوارث طبيعية ولا حروب تسببت في تلك الزيادة الهائلة في الإنفاق غير المجدول في الميزانية.
ولعل هذا يبرر تحفظ الدولة على نشر الحساب الختامي للسنة المالية الذي يعكس الأرقام الحقيقية للإيرادات والنفقات الفعلية التي لا يطّلع عليها إلا أعضاء مجلس الوزراء، هذه السرية التامة تسهم في المزيد من سرقة المال العام واستشراء الفساد الإداري والمالي وعدم استشعار مخاطر هذا المرض السياسي العضال.
المرحلة الثالثة،
الاعتداء على المبالغ المرصودة في الميزانية، فلم يكتف أمراء النهب والسلب بالمخصصات الضخمة الممنوحة لهم، التي تفي بحاجيات آلاف الأسر من الطبقة الوسطى، لكنهم دخلوا في مجال التجارة وأصبحوا ينافسون المواطنين في أرزاقهم، فهذا أمير يملك سلسلة مطاعم، وثان يدير أساطيل سيارات النقل والأجرة، وثالث يسيطر على محلات البيع الصغيرة داخل الأحياء، وأمير رابع يبيع المخططات السكنية التي تدر عليه مليارات الريالات.
ولم يكتفوا بكل ذلك، بل دخلوا حقل المقاولات مستفيدين من نفوذهم في الدولة واستطاعتهم الحصول على العقود الحكومية بقوة النظام، فأصبح أحد أمراء السلب والنهب مقاولاً لسكك الحديد وأصبح آخر مقاولا للصرف الصحي وشبكات الطرق، وكل تلك العقود بأرقام فلكية لكنها تمنح لمقاول آخر من الباطن بربع التكلفة، يحصل الأمير على نصيب الأسد من كلفة العقد دون أية مجهود يذكر. ولقد وصل الأمر إلى ذروته حيث أصبحت العقود تنفذ من الباطن من قبل عدة مقاولين، يتعاقبون على نيل العقد، وكل منهم يحصل على حصته دون أن ينفذ المشروع، ومن ثم يمنح لأحد المقاولين لينفذه بسعر التكلفة، ويتم التغاضي عن المواصفات لأن الأمير هو المقاول.
والمثال الواضح في هذا الصدد ترسية مشروع وصلة قصيرة من طريق في مدينة الرياض بمبلغ يفوق 700 مليون ريال ومن ثم منحه من الباطن لمقاول آخر بنصف التكلفة، ومقاول ثالث ورابع لينتهي به المطاف وينفذ بأقل من ثلاثين مليون ريال!!.
ناهيك عن التعويضات ذات الأرقام الفلكية التي يحصل عليها الأمراء التي تفوق كلفة تنفيذ المشروع بأضعاف مضاعفة، ولنا في مشاريع المطارات الإقليمية ومشاريع سكك الحديد والطرق السريعة وشبكات الأنابيب خير برهان، لذا فإن المشروع في الغالب أما أن يعطل أو يلغى ومن ثم يحرم المواطنون من خدمات حيوية بسبب وقوف الأمير حجر عثرة يعترض تنفيذ المشروع.
من نماذج ذلك أنه عندما علم أحد الأمراء نية وزارة النقل تنفيذ طريق سريع في منطقة قفر نائية، طفق زبانيته يضعون السياج والأسلاك الشائكة حتى يحصل سيدهم على مراده من التعويضات الهائلة.
وفي الآونة الأخيرة ومع وفرة الميزانية، أصبح الجيل الثاني من الأمراء-كما يقال- يستغل موقعه في الوزارة أو الأمارة أو الدائرة الحكومية ليخترع مشاريع لا نفع منها ولا تحقق الصالح العام، لكنها تحقق الثراء السريع للأمير وبقية أفراد العصابة، أليس من حقنا أن نتساءل عن كيفية صرف ميزانية مصلحة الأرصاد وحماية البيئة، وميزانيات وزارات السيادة، والخطوط السعودية، وهيئة حماية الحياة الفطرية، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، وغيرها من الوزارات والمصالح الحكومية، التي تتواتر الأخبار المؤكدة عن تعرضها لعبث الأمراء وأعوانهم.
المرحلة الرابعة،
احتكار الأمراء وأعوانهم للسلع الضرورية مثل بيع المياه وصهاريج الصرف الصحي ومخططات الأراضي ووسائل النقل العام، ونحن نعلم أن هذه الشركات تسجل عادة بأسماء مواطنين لكن المالك الفعلي هو الأمراء، لذا فإنه لم يكن محض صدفة أن يكون بعض ملاك هذه الشركات على علاقة وطيدة ببعض أمراء المناطق أو حتى موظفين لديهم في دواوينهم، لذا فإن أسعار تلك الخدمات ليست مبالغاً فيها فحسب بل وهي أيضاً رديئة المواصفات مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى الغارقة في الفقر والتخلف.
إن المطلوب والحال كذلك هو أن تبرم صيغة جديدة لعقد اجتماعي (دستور) بين الشعب والنظام السياسي، يتم فيه التوصل لآلية لتوزيع الدخل بين الشعب والأسرة الحاكمة، وتقنن فيه دخول الأمراء على أن يرفعوا أيديهم عن المناصب التي يتوارثونها كابر عن كابر، ويترك للشعب حق التصرف في الميزانيات الحكومية التي رصدت لخدمته ولتنمية الوطن، ولم توضع ليأخذها أمراء الظلام حتى ينفقوها على متعهم الشخصية.
ثالثاً: تراجع رفاهية المواطن السعودي مقارنة بجيرانه: السبب يعود لاستغلال بعض الأمراء وسياسات التفقير والتجويع والتعطيل
تشير العديد من مراكز البحوث الدولية إلى تراجع الدخل الحقيقي للمواطن السعودي بنسبة تقدر بـ50% خلال العشرين سنة الماضية، وتعود الأسباب إلى جمود الدخل الفردي للمواطن السعودي، فيما عدا الزيادات الطفيفة في السنوات الأخيرة، وبطالة الأبناء والبنات الذين هم في سن العمل، والارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية، وبالتالي تناقصت القوة الشرائية للدخل النقدي المحدود.
إن السبب في الأوضاع المزرية وتردي رفاهية المواطنين يعود في المقام الأول لإخفاق السياسات العليا للدولة، فجمود الدخول يعود لتجاهل النظام السياسي للأوضاع المعيشية للمواطنين، وحتى عندما أفاقت الدولة من سباتها زادت دخول الموظفين مؤخراً بزيادات طفيفة لا تفي باحتياجات الأسر الأساسية، فمتوسط دخل المواطن السعودي أقل من نظرائه في البلدان الخليجية الأخرى.
لم تأخذ الدولة-من خلال وزاراتها المختصة- علاج قضية البطالة بشكل جدي، سوى خطوات ترقيعية لرفع الحرج وتبرير الوضع المتردي، فلا زالت الدولة تجلب عمالاً أجانب من الدول الصديقة لتوظفهم على حساب بطالة المواطنين، والأمراء هم أهم من أفشل مشاريع السعودة والإحلال حماية لمصالحهم الشخصية من خلال تدخلهم في القوانين وتعطيل التشريعات وعرقلة المصلحة الوطنية.
أنظمة الدولة كذلك تدعم الاحتكار وتعيق المنافسة وتؤيد ابتزاز المواطنين، من خلال منح الأمراء وأعوانهم حق الاستغلال الحصري لنشاطات تتعلق ببيع سلع أساسية، دون أن تحاول كسر الاحتكار وتطبيق قوانين المنافسة وتكافؤ الفرص، ولعل نظام الوكالات التي لم تستطع الدولة التخلي عنه على الرغم من منافاته لشروط منظمة التجارة العالمية أسطع برهان على دعم أنظمة الدولة الرسمية للاستغلال البشع وجشع الأمراء التجار وأعوانهم.
دفع الفقر والعوز الأسر إلى سكنى الكهوف وبطون الأودية وتحت الأشجار في القفار وأسفل الجسور في المدن، لاسيما أن المواطن يبتز من خلال حاجته للخدمات الأساسية كالعلاج والمياه والصرف الصحي التي يتحكم في بيعها بعض الأمراء، خصوصاً بعض أمراء المناطق ذوي الصلاحيات غير المقننة. فلم يكن محض صدفة ما كشفت عنه الإحصاءات الحكومية من قلة امتلاك الأسر السعودية للمنازل، والتي تقدر فقط بـ22% فقط من إجمالي الأسر، أي أن أسرة واحدة فقط من بين كل خمس أسر سعودية تملك المنزل الذي تسكنه، في حين 78% مستأجرون.
لكن السؤال المهم هو لماذا هذا الواقع الأليم الذي يعيشه المواطن في هذه البلاد التي تمتلئ خزائنها بالريع النفطي الذي هو ملك لجميع المواطنين؟ الجواب بسيط جداً، إنه السلوك المستغل لمصاصي الدماء من أمراء الطغيان وأعوانهم، فالمواطن يشتري الأرض السكنية بمبالغ خيالية، ويمص دمه مرة أخرى من قبل الأمراء المسيطرين على صناعة الأسمنت ومواد البناء، ناهيك عن سرقة مدخراته من قبل حيل أمراء الظلام الذين عبثوا بسوق الأسهم.
رابعاً: إمارات المناطق ألم تتحول إلى إقطاعيات يمارس فيها الأمراء صلاحيات مطلقة؟: و"السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"
أدى حصر تولية المناطق والأقاليم والمحافظات بالأسرة الحاكمة وذوي قرابتها إلى خلل إداري كبير.
1= لقد أصبحت حقاً إمارات المناطق إقطاعيات شبه مستقلة يمارس فيها الأمير صلاحيات مطلقة في اتخاذ كافة القرارات المصيرية فيما يتعلق بشئون المنطقة، ولم يبق سوى أن يضع على حدود الأمارة نقاط جوازات وجمارك تنظم دخول الزوار والقاطنين.
هذا الواقع خلق فرصا لدى البعض لأجل استغلالها في تحقيق الثراء غير المشروع، فأصبح أمير المنطقة يشارك أصحاب التجارة في أرزاقهم بالقوة، بل إن بعض أمراء المناطق لا يعطي الإذن بممارسات نشاطات تجارية إلا تحت شرط المشاركة الجائر. أما المشاريع ذات الدخل الهائل فهي ملك حصري للأمير، فشركات المياه والصرف الصحي وسيارات الأجرة تدار من مكتب الأمير، وإن وضعت تحت غطاء مسميات مواطنين، إلا أننا نعلم أنهم تربطهم علاقات مباشرة بأمير المنطقة.
ويتملك أمير المنطقة- وكأن ذلك بحكم النظام- جميع أراضي الأمارة البور، بل فوق ذلك أخرجوا الفقراء والمشردين والمعدمين من أعشاشهم وهدموها، من أجل الاستيلاء عليها، لذا فإن جميع المخططات السكنية والتجارية تدار من قبل عقاريين ينوبون عن الأمير في بيع الأراضي، ويتحقق له منها دخل هائل يقدر بعشرات المليارات، بل إن العجيب أن بعض المخططات السكنية لازالت تحمل أسماء بعض أمراء المنطقة السابقين والحاليين،الذين استقطعوها، لقد ازداد جشع بعض أمراء المناطق الساحلية فتجاوز تملك الشواطئ إلى البحر، فقاموا بردم البحر وبيعه على المواطنين، وترتب على ذلك تدمير البيئة البحرية وتحويل الواجهات البحرية لمشاريع وممتلكات خاصة للأمراء ونوابهم.
2= ميزانيات مشاريع المنطقة هي في عداد الملكية الخاصة، يديرها الأمير في الغالب بالشكل الذي يحقق مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة، ولم لا؟ فهذه الميزانيات أليست تستغل في تمويل رحلات الصيد المكلفة، وتدفع تكاليف السفر والاستجمام للأمير وعائلته خارج البلاد، خصوصاً أن بعض أمراء المناطق مقيم بصورة شبه دائمة خارج المملكة، وكأنه لا يأتي إلا إذا كان هناك صفقة (معاملة!) يحتاج إنجازها إلى حضوره، فلا نستغرب أن بعض المناطق تعاني من التخلف وتفتقر للبنية التحتية الأساسية، ويستمر مسلسل معاناة المواطنين وتعرضهم للمخاطر لينعم سمو الأمير وعائلته.
v
v
يتبع
الخميس 23/12/1430 هـ الموافق 10/12/2009
رقم الصادر:em000069084sa
لكي لا تتكرر كارثة جدة:البرلمان بر الأمان
نطالب بالمشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي تأكيداً لمبدأ قوامة الأمة على النظام السياسي وتطبيقاً لشرط البيعة الأكبر على الكتاب والسنة: صدور الحكم عن قرارات نواب الأمة المنتخبين لأن ذلك هو العلاج الفعّال ضد الفساد السياسي والضامن الوحيد للشفافية والمراقبة والمحاسبة والنزاهة.[/color]
بسم الله الرحمن الرحيم
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وفقنا الله وإياه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يطيب لجمعية الحقوق المدنية والسياسية أن تشكركم على حرصكم على حماية المال العام وملاحقة الفاسدين والمفسدين، الذين أسهموا في نهب المال العام وضيعوا مقدرات الأمة، وتسببوا في تخلف البلد رغم الموارد والميزانيات العامة الضخمة التي ترصد سنوياً، ولكن مع الأسف الشديد ينتهي بها المطاف في الحسابات السرية في البنوك الأجنبية دون تأثير ملموس يذكر على المواطنين الذين يعانون الفقر المدقع والحرمان من الخدمات الأساسية المتوافرة في البلدان النامية الفقيرة.
بل إن الأمر تجاوز كل الحدود حيث تسبب داء الفساد السياسي (الإداري) المزمن إلى القتل الجماعي للمواطنين، فمع الأسف الشديد أضحى الفساد السياسي صبغة غالبة على سلوك بعض الأمراء الذين يحتلون المناصب العليا في الدولة ويتنافسون للاستحواذ على المال العام وتحقيق الثراء غير المشروع، بغض النظر عن الوسيلة حتى لو من خلال المتاجرة بحياة وأعراض الناس ومقدرات البلاد (راجع مقال الصحفي الأمريكي المخضرم سيمور هيرش المعنون "فدية الملك"، مجلة النيويوركر الأسبوعية، عدد 22 أكتوبر 2001م، صفحة 35 ).
لقد كشفت كارثة جدة عن واقع خطير ومنعطف مصيري تمر به بلادنا، ليس في مدينة جدة فحسب ولكن في بقية المدن والقرى، التي تعاني من غياب أو تهالك البنية التحتية، والتي تنتظر لموسم مطير حتى تبين عيوبها وتظهر سوأتها. لذا فإنه يتوجب علينا-والحال كذلك- اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والخطوات الاحترازية، حتى لا تقع مأساة أخرى لا قدر الله، تذهب فيها الأنفس الزكية وتتحطم الأسر وتدمر المنازل والممتلكات.
إن كارثة جدة بمثابة ناقوس خطر دق ليوقظنا من غفلتنا لنتنبه للأخطار المحدقة التي تواجه الإنسان في بلادنا، الذي أصبحت حياته رخيصة حيث يتركه المسئولون في أمارة مكة يغرق في مياه الصرف الصحي، على الرغم من ابتلاع عشرات المليارات في عقود لم تنفّذ، والنتيجة هي تلك الصور المرعبة التي بثتها وكالات الأنباء العالمية لأجساد المواطنين الغارقين في مستنقعات الصرف الصحي!!
خادم الحرمين الشريفين،
إن واجبنا الوطني يحتم علينا أن نخاطبكم بكل صراحة وصدق، بعيداً عن لغة المديح والتزلف والنفاق، وبعيداً عن أسلوب التلميح والتورية في حكايات كليلة ودمنة، لاسيما أن الأمر يتعلق بحياة المواطنين التي أصبحت عرضة للمتاجرة، من قبل أمراء الظلام وعصابات السلب والنهب التي يديرونها في الخفاء تحت مسميات مواطنين موظفين في دواوينهم وإمارات المناطق، ليبقى بعض أمراء المناطق حكاماً يتولون الأمور السياسية العليا التي تتعلق بأمور المنطقة، ولكنهم يمتلكون مخططات عقارية في الخفاء، وعقود مقاولات بعشرات المليارات.
وكل ذلك يتم في سريّة تامة بعيداً عن عيون الرقابة، فضلاً عن الملاحقة القضائية التي تبدو مستحيلة. يساعد على هذا الوضع البائس غياب الصحافة الحرة التي تكشف السرقات والمخالفات المالية الخطيرة، بل على العكس تماماً تحولت الصحف التي يشرف عليها بعض أمراء المناطق إلى جوقات لكيل المديح، وإلقاء اللائمة على المواطنين المغلوبين على أمرهم، ومما يدلل على ذلك أن أحد رؤساء تحرير الصحف الموالين للاستبداد، كتب فور غرق جدة مقالاً يضع اللوم فيه على الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوة!!. ويندرج في ذلك أن بعض فقهاء السلفية السلطانية أصدروا بياناً يعتبرون ما أصاب جدة ناتجاً عن ذنوب الضحايا، ومن المعلوم أن أكثر الضحايا هم من الفقراء، وكأن الأغنياء وفي مقدمتهم أمراء الظلام لا ذنوب لهم!!.
إن القاعدة البسيطة في علم الإدارة تقول "إن المسئولية تقاس على قدر الصلاحية (السلطة)"، والقاعدة الأخرى تقول "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، وعليه فإن على أمير المنطقة مسئولية مطلقة لأنه مخول من قبل الملك بصلاحيات واسعة في إدارة شئون المنطقة، فليس له التنصل منها بإلقاء المسئولية على "أمين" البلدية أو مدير الصرف الصحي، فالسلطة تفوض والمسئولية لا تفوض.
ومن هذا المنطلق، نرحب باهتمامكم، ورغبتكم في التحقيق والتحري عن المسئول المباشر عن هذه الكارثة، تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة والعقاب، وقد سبق ذلك محاولة أخرى قبل بضع سنوات في تأسيس "هيئة حماية النزاهة ومكافحة الفساد"، التي وأدت في مهدها لأسباب لا نعرفها، لكننا نستشعر سلطة أمراء النهب والسلب التي يكرسونها في حماية مصالحهم الخاصة الضيقة على حساب المصلحة الوطنية العامة.
لكن نقول لكم يا خادم الحرمين-منذ البدء بصراحة- إن هذه اللجنة لن يترتب عليها أي شيء ولن يتمخض عنها قرارات حاسمة تقدم المسئول عن الكارثة للمحاكمة، ليرتدع هو وغيره عن الارتزاق على حساب حياة وكرامة المواطنين الذين تم سحقهم والاعتداء السافر على ممتلكاتهم وهضم حقوقهم. أين إذن يكمن الحل؟ ولماذا؟
أولاً: لكي لا يكون المتهم هو الحكم، نعلن تحفظنا المبدئي على نتائج لجنة التحقيق في قضية القتل الجماعي في "تسونامي" جدة: لأنه لا يمكن لأجهزة حكومية برئاسة أمير المنطقة التي وقعت فيها المشكلة أن تتوصل إلى قرار مستقل؟
لا نتحدث عن أمير محدد، ولا عن قضايا شخصية تتعلق بفرد معين، ولكن نتحدث عن قضايا عامة.
1= لقد أضحت ثقافة الفساد في بلادنا هي الصفة السائدة، فلقد أصبحت بيئة العمل في الوزارات والمصالح الحكومية طاردة للموظف النزيه، وجاذبة للعناصر الفاسدة، التي لديها الاستعداد للانخراط في عمل عصابات نهب المال العام، لكن القاسم المشترك في هيكلة مافيا المال العام هو وجود أحد الأمراء الذي يحمي أفراد العصابة، ويقدم لهم الدعم اللوجستي، وهو المستفيد الأول من الغنائم.
أسهم في هذا الوضع المحموم سيطرة الأمراء على المناصب العليا فيما يسمى وزارات السيادة وإمارات المناطق، بل وأمتد نفوذهم مؤخراً ليشمل العديد من الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى التي كان-إلى وقت قريب-يشغلها مواطنون، مثل وزارة الشئون البلدية والقروية ووزارة التربية والتعليم وجمعية الهلال الأحمر والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وبعض المحافظات.
لكن حتى الوزارات الأخرى التي يرأس هيكلها الإداري أحد المواطنين، تجد أحد الأمراء في المناصب القيادية يدير شبكات الفساد لأن صلاحياته مطلقة وليس عرضة للمراقبة والمحاسبة، لذا نجد أن ذلك الأمير يحرص كل الحرص على توقيع العقود الدسمة، ويحتكر مشاريع المقاولات لشركات معينة هو المالك الفعلي لها، في تضارب صارخ في المصالح.
2= أصبح توارث المناصب في الدولة صفة سائدة، فأسماء الموظفين تتكرر في وزارات معينة، والوزارات يشغلها موظفون وفقاً للمناطق أو العائلات أو القبائل، وبالتالي يصبح المعيار مختلاً حيث لا يعتمد على الكفاءة والنزاهة والجد والأمانة، ولكن على القرابة والولاء، ومدى الاستعداد لتنفيذ رغبات ولي النعمة التي تعني التنازل عن الأمانة، وتقتضي في كثير من الأحيان التضحية بالذمة والضمير. بل إن الأمر المهم بالنسبة لمدير شبكة الفساد هو استعداد هؤلاء المرتزقة للتضحية بسمعتهم وحرياتهم لأجل التغطية على زعيم العصابة، هذه الصفة السائدة في الغالبية العظمى من كبار موظفي الدولة المقربين من صانع القرار الفاسد.
3= ألا يحق لنا إذن أن نحكم أن هذا الجو الموبوء كفيل بطمس الحقيقة وتضييع الحقوق وتضليل العدالة، ناهيك عن كون أمير المنطقة رئيس للجنة، ذا صلاحيات غير متناهية، و هو في دائرة المسئولية،فكيف يحقق في مخالفات إدارية في منطقة هو أميرها ويتولى جميع مقاليد الأمور فيها، وأي مسئول بهذه الكيفية، على تضليل العدالة أقدر.
4= ألا يحتمل أن يكون الأمير نفسه مقصراً؟ فمساءلة كبار المسئولين؛تتطلب إبعادهم عن إدارة التحقيق، وذلك هو أول مؤشر في طريق الإنصاف والعدالة، ونخبركم من الآن-إذا كان التحقيق بهذا المسار- أنهم سوف يضحون بكبش فداء ليبقى كبار الفاسدين، ويستمر مسلسل الكوارث، حتى ترتفع الأصوات مرة أخرى مع وقوع كارثة جديدة. إن تشكيل لجان التحقيق من أجهزة حكومية وبرئاسة أمير المنطقة، الذي هو في دائرة المسئولية، لن يوصل للمذنب الحقيقي الذي تسبب في القتل الجماعي للمواطنين، من أجل ذلك نطالب بأن تكون لجنة تقصي الحقائق من شخصيات خارج الإطار الرسمي قادرة على استجواب كافة المسئولين بما فيهم الأمراء.
ثانياً: أسباب انتشار ثقافة الفساد السياسي: الجرثومة الخبيثة التي تهدر مقدرات الأمة وتحطم مقومات الوطن وتحرف المؤسسات الحكومية عن أهدافها وتحرم المواطنين من الخدمات الأساسية
وحتى لو أدين أي مسئول مهما كان مركزه، فإنه ليس مسئولا وحده عن ما حدث، بل إن جرثومة الفساد السياسي هي المسئول الأول عن ضياع مقدرات الوطن، وهي السبب الأساسي في معاناة المواطنين، وإليها تعود جميع المشكلات التي تواجه البلاد، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فلقد تسببت هذه الجرثومة الخبيثة في فقر وبطالة المواطنين والخلل في توزيع الثروة، بين أقلية اختطفت البلاد وكدست الثروات لديها وغالبية مسحوقة ومهمشة ومحرومة.
تمر سرقة المال العام في بلادنا بمراحل أربع:
المرحلة الأولى،
هناك موارد مالية عامة لا تدخل الخزانة العامة مطلقاً، بل تذهب مباشرة لجيوب المستفيدين، على الرغم من أنها ملك للدولة، هذه الأموال من المفترض أن تنفق على مشاريع ذات نفع عام، والمثال الواضح في هذا الشأن هو منح النفط العينية التي تمنح لأفراد الأسرة المالكة ليقوموا ببيعها في الأسواق الدولية، التي تقدر بمئات الملايين من براميل النفط الخام، تباع على سماسرة يمثلون شركات نفط عالمية، دفعتها هذه التجارة الرائجة لتفتح مكاتب لها في البلاد حتى تشتري هذه المنح بأقل من الأسعار السائدة في الأسواق الدولية، فلا غرو إذن أن تنهار أسعار النفط العالمية في أواسط الثمانينات إلى معدلات متدنية، بسبب الجشع والطمع، وطالبت الدولة آنذاك المواطنين بشد الحزام وقلصت النفقات الأساسية، فأصبح المواطنون ضحية من جانبين، نهب مقدراتهم وغرقهم في مديونية عامة لا زالوا يعانون منها.
يدخل في هذا النوع من سرقة المال العام أنواع أخرى، مثل الإعفاءات الضريبية غير المبررة وأذون الاستيراد وتصدير السلع الإستراتيجية الأساسية، والحق الحصري في بيع السلع وتقديم الخدمات، وإقصاء المنافسين من دخول هذه النشاطات.
المرحلة الثانية،
هناك موارد مالية تدخل الخزانة العامة لكنها لا تنعكس على الميزانية العامة، ولا أحد يعلم كيف تصرف هذه الموارد وما هو مصيرها، ففي الوقت الذي يقدر إيرادات الدولة السنوي بأكثر من تريليون من الريالات ترصد الدولة أقل من نصف تلك الموارد في الميزانية السنوية، ولكن ما هو مصير المتبقي الذي لم ينفق خلال السنة المالية، ويدعي البعض أنها ذهبت لما يسمى "الاحتياطي الاستراتيجي".
ولكن من هي الجهة المسئولة عن إدارة هذه الموارد؟ وما مدى الكفاءة في إدارتها واستثمارها؟ لقد نجحت بعض دول الجوار في تنمية استثماراتها ووضعها في "صناديق الأجيال" المستقبلية التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ويتوقع بعض الخبراء أن تبقي تلك الدول في حالة الاكتفاء الذاتي فور نضوب الموارد النفطية.
في بلادنا مع الأسف الشديد، هذه الموارد هناك مؤشرات تدل على أنها تمنح للأمراء لإرضائهم عند إعفائهم أو تنازلهم أو إقصائهم من المناصب، وأنها تمنح في عقود إستراتيجية بأرقام فلكية لتحسين أوضاع الأمراء المالية، ومما يؤكد ما ذكرناه ما وثقته النشرات الاقتصادية الدولية التي تتحدث عن زيادة الإنفاق السنوي خارج ما تم تخصيصه في الميزانية، في بعض السنوات المالية وصلت نسبة الزيادة 25% في الإنفاق الفعلي على ما تم تقديره في الميزانية خلال سنوات مالية طبيعية، لم يحدث فيها كوارث طبيعية ولا حروب تسببت في تلك الزيادة الهائلة في الإنفاق غير المجدول في الميزانية.
ولعل هذا يبرر تحفظ الدولة على نشر الحساب الختامي للسنة المالية الذي يعكس الأرقام الحقيقية للإيرادات والنفقات الفعلية التي لا يطّلع عليها إلا أعضاء مجلس الوزراء، هذه السرية التامة تسهم في المزيد من سرقة المال العام واستشراء الفساد الإداري والمالي وعدم استشعار مخاطر هذا المرض السياسي العضال.
المرحلة الثالثة،
الاعتداء على المبالغ المرصودة في الميزانية، فلم يكتف أمراء النهب والسلب بالمخصصات الضخمة الممنوحة لهم، التي تفي بحاجيات آلاف الأسر من الطبقة الوسطى، لكنهم دخلوا في مجال التجارة وأصبحوا ينافسون المواطنين في أرزاقهم، فهذا أمير يملك سلسلة مطاعم، وثان يدير أساطيل سيارات النقل والأجرة، وثالث يسيطر على محلات البيع الصغيرة داخل الأحياء، وأمير رابع يبيع المخططات السكنية التي تدر عليه مليارات الريالات.
ولم يكتفوا بكل ذلك، بل دخلوا حقل المقاولات مستفيدين من نفوذهم في الدولة واستطاعتهم الحصول على العقود الحكومية بقوة النظام، فأصبح أحد أمراء السلب والنهب مقاولاً لسكك الحديد وأصبح آخر مقاولا للصرف الصحي وشبكات الطرق، وكل تلك العقود بأرقام فلكية لكنها تمنح لمقاول آخر من الباطن بربع التكلفة، يحصل الأمير على نصيب الأسد من كلفة العقد دون أية مجهود يذكر. ولقد وصل الأمر إلى ذروته حيث أصبحت العقود تنفذ من الباطن من قبل عدة مقاولين، يتعاقبون على نيل العقد، وكل منهم يحصل على حصته دون أن ينفذ المشروع، ومن ثم يمنح لأحد المقاولين لينفذه بسعر التكلفة، ويتم التغاضي عن المواصفات لأن الأمير هو المقاول.
والمثال الواضح في هذا الصدد ترسية مشروع وصلة قصيرة من طريق في مدينة الرياض بمبلغ يفوق 700 مليون ريال ومن ثم منحه من الباطن لمقاول آخر بنصف التكلفة، ومقاول ثالث ورابع لينتهي به المطاف وينفذ بأقل من ثلاثين مليون ريال!!.
ناهيك عن التعويضات ذات الأرقام الفلكية التي يحصل عليها الأمراء التي تفوق كلفة تنفيذ المشروع بأضعاف مضاعفة، ولنا في مشاريع المطارات الإقليمية ومشاريع سكك الحديد والطرق السريعة وشبكات الأنابيب خير برهان، لذا فإن المشروع في الغالب أما أن يعطل أو يلغى ومن ثم يحرم المواطنون من خدمات حيوية بسبب وقوف الأمير حجر عثرة يعترض تنفيذ المشروع.
من نماذج ذلك أنه عندما علم أحد الأمراء نية وزارة النقل تنفيذ طريق سريع في منطقة قفر نائية، طفق زبانيته يضعون السياج والأسلاك الشائكة حتى يحصل سيدهم على مراده من التعويضات الهائلة.
وفي الآونة الأخيرة ومع وفرة الميزانية، أصبح الجيل الثاني من الأمراء-كما يقال- يستغل موقعه في الوزارة أو الأمارة أو الدائرة الحكومية ليخترع مشاريع لا نفع منها ولا تحقق الصالح العام، لكنها تحقق الثراء السريع للأمير وبقية أفراد العصابة، أليس من حقنا أن نتساءل عن كيفية صرف ميزانية مصلحة الأرصاد وحماية البيئة، وميزانيات وزارات السيادة، والخطوط السعودية، وهيئة حماية الحياة الفطرية، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، وغيرها من الوزارات والمصالح الحكومية، التي تتواتر الأخبار المؤكدة عن تعرضها لعبث الأمراء وأعوانهم.
المرحلة الرابعة،
احتكار الأمراء وأعوانهم للسلع الضرورية مثل بيع المياه وصهاريج الصرف الصحي ومخططات الأراضي ووسائل النقل العام، ونحن نعلم أن هذه الشركات تسجل عادة بأسماء مواطنين لكن المالك الفعلي هو الأمراء، لذا فإنه لم يكن محض صدفة أن يكون بعض ملاك هذه الشركات على علاقة وطيدة ببعض أمراء المناطق أو حتى موظفين لديهم في دواوينهم، لذا فإن أسعار تلك الخدمات ليست مبالغاً فيها فحسب بل وهي أيضاً رديئة المواصفات مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى الغارقة في الفقر والتخلف.
إن المطلوب والحال كذلك هو أن تبرم صيغة جديدة لعقد اجتماعي (دستور) بين الشعب والنظام السياسي، يتم فيه التوصل لآلية لتوزيع الدخل بين الشعب والأسرة الحاكمة، وتقنن فيه دخول الأمراء على أن يرفعوا أيديهم عن المناصب التي يتوارثونها كابر عن كابر، ويترك للشعب حق التصرف في الميزانيات الحكومية التي رصدت لخدمته ولتنمية الوطن، ولم توضع ليأخذها أمراء الظلام حتى ينفقوها على متعهم الشخصية.
ثالثاً: تراجع رفاهية المواطن السعودي مقارنة بجيرانه: السبب يعود لاستغلال بعض الأمراء وسياسات التفقير والتجويع والتعطيل
تشير العديد من مراكز البحوث الدولية إلى تراجع الدخل الحقيقي للمواطن السعودي بنسبة تقدر بـ50% خلال العشرين سنة الماضية، وتعود الأسباب إلى جمود الدخل الفردي للمواطن السعودي، فيما عدا الزيادات الطفيفة في السنوات الأخيرة، وبطالة الأبناء والبنات الذين هم في سن العمل، والارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية، وبالتالي تناقصت القوة الشرائية للدخل النقدي المحدود.
إن السبب في الأوضاع المزرية وتردي رفاهية المواطنين يعود في المقام الأول لإخفاق السياسات العليا للدولة، فجمود الدخول يعود لتجاهل النظام السياسي للأوضاع المعيشية للمواطنين، وحتى عندما أفاقت الدولة من سباتها زادت دخول الموظفين مؤخراً بزيادات طفيفة لا تفي باحتياجات الأسر الأساسية، فمتوسط دخل المواطن السعودي أقل من نظرائه في البلدان الخليجية الأخرى.
لم تأخذ الدولة-من خلال وزاراتها المختصة- علاج قضية البطالة بشكل جدي، سوى خطوات ترقيعية لرفع الحرج وتبرير الوضع المتردي، فلا زالت الدولة تجلب عمالاً أجانب من الدول الصديقة لتوظفهم على حساب بطالة المواطنين، والأمراء هم أهم من أفشل مشاريع السعودة والإحلال حماية لمصالحهم الشخصية من خلال تدخلهم في القوانين وتعطيل التشريعات وعرقلة المصلحة الوطنية.
أنظمة الدولة كذلك تدعم الاحتكار وتعيق المنافسة وتؤيد ابتزاز المواطنين، من خلال منح الأمراء وأعوانهم حق الاستغلال الحصري لنشاطات تتعلق ببيع سلع أساسية، دون أن تحاول كسر الاحتكار وتطبيق قوانين المنافسة وتكافؤ الفرص، ولعل نظام الوكالات التي لم تستطع الدولة التخلي عنه على الرغم من منافاته لشروط منظمة التجارة العالمية أسطع برهان على دعم أنظمة الدولة الرسمية للاستغلال البشع وجشع الأمراء التجار وأعوانهم.
دفع الفقر والعوز الأسر إلى سكنى الكهوف وبطون الأودية وتحت الأشجار في القفار وأسفل الجسور في المدن، لاسيما أن المواطن يبتز من خلال حاجته للخدمات الأساسية كالعلاج والمياه والصرف الصحي التي يتحكم في بيعها بعض الأمراء، خصوصاً بعض أمراء المناطق ذوي الصلاحيات غير المقننة. فلم يكن محض صدفة ما كشفت عنه الإحصاءات الحكومية من قلة امتلاك الأسر السعودية للمنازل، والتي تقدر فقط بـ22% فقط من إجمالي الأسر، أي أن أسرة واحدة فقط من بين كل خمس أسر سعودية تملك المنزل الذي تسكنه، في حين 78% مستأجرون.
لكن السؤال المهم هو لماذا هذا الواقع الأليم الذي يعيشه المواطن في هذه البلاد التي تمتلئ خزائنها بالريع النفطي الذي هو ملك لجميع المواطنين؟ الجواب بسيط جداً، إنه السلوك المستغل لمصاصي الدماء من أمراء الطغيان وأعوانهم، فالمواطن يشتري الأرض السكنية بمبالغ خيالية، ويمص دمه مرة أخرى من قبل الأمراء المسيطرين على صناعة الأسمنت ومواد البناء، ناهيك عن سرقة مدخراته من قبل حيل أمراء الظلام الذين عبثوا بسوق الأسهم.
رابعاً: إمارات المناطق ألم تتحول إلى إقطاعيات يمارس فيها الأمراء صلاحيات مطلقة؟: و"السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"
أدى حصر تولية المناطق والأقاليم والمحافظات بالأسرة الحاكمة وذوي قرابتها إلى خلل إداري كبير.
1= لقد أصبحت حقاً إمارات المناطق إقطاعيات شبه مستقلة يمارس فيها الأمير صلاحيات مطلقة في اتخاذ كافة القرارات المصيرية فيما يتعلق بشئون المنطقة، ولم يبق سوى أن يضع على حدود الأمارة نقاط جوازات وجمارك تنظم دخول الزوار والقاطنين.
هذا الواقع خلق فرصا لدى البعض لأجل استغلالها في تحقيق الثراء غير المشروع، فأصبح أمير المنطقة يشارك أصحاب التجارة في أرزاقهم بالقوة، بل إن بعض أمراء المناطق لا يعطي الإذن بممارسات نشاطات تجارية إلا تحت شرط المشاركة الجائر. أما المشاريع ذات الدخل الهائل فهي ملك حصري للأمير، فشركات المياه والصرف الصحي وسيارات الأجرة تدار من مكتب الأمير، وإن وضعت تحت غطاء مسميات مواطنين، إلا أننا نعلم أنهم تربطهم علاقات مباشرة بأمير المنطقة.
ويتملك أمير المنطقة- وكأن ذلك بحكم النظام- جميع أراضي الأمارة البور، بل فوق ذلك أخرجوا الفقراء والمشردين والمعدمين من أعشاشهم وهدموها، من أجل الاستيلاء عليها، لذا فإن جميع المخططات السكنية والتجارية تدار من قبل عقاريين ينوبون عن الأمير في بيع الأراضي، ويتحقق له منها دخل هائل يقدر بعشرات المليارات، بل إن العجيب أن بعض المخططات السكنية لازالت تحمل أسماء بعض أمراء المنطقة السابقين والحاليين،الذين استقطعوها، لقد ازداد جشع بعض أمراء المناطق الساحلية فتجاوز تملك الشواطئ إلى البحر، فقاموا بردم البحر وبيعه على المواطنين، وترتب على ذلك تدمير البيئة البحرية وتحويل الواجهات البحرية لمشاريع وممتلكات خاصة للأمراء ونوابهم.
2= ميزانيات مشاريع المنطقة هي في عداد الملكية الخاصة، يديرها الأمير في الغالب بالشكل الذي يحقق مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة، ولم لا؟ فهذه الميزانيات أليست تستغل في تمويل رحلات الصيد المكلفة، وتدفع تكاليف السفر والاستجمام للأمير وعائلته خارج البلاد، خصوصاً أن بعض أمراء المناطق مقيم بصورة شبه دائمة خارج المملكة، وكأنه لا يأتي إلا إذا كان هناك صفقة (معاملة!) يحتاج إنجازها إلى حضوره، فلا نستغرب أن بعض المناطق تعاني من التخلف وتفتقر للبنية التحتية الأساسية، ويستمر مسلسل معاناة المواطنين وتعرضهم للمخاطر لينعم سمو الأمير وعائلته.
v
v
يتبع