موسى بن ربيع البلوي
03-04-2003, 02:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
((((((((((((((( 1-1-1424هـ )))))))))))))))))
نحن اليوم في أول العام الجديد، تذكروا أول يوم من العام الفائت، كأنه كان بالأمس!.
الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ..
هذه الدنيا مثل رجل نائم، رأى في منامه شيئا يكره وشيئا يحب، فبينما هو كذلك إذ انتبه واستيقظ من نومه.
فهذه الدنيا من أولها الى آخرها، إنما هي لحظات قصيرة زائلة وستصبح يوما ما ذكريات وأخبارا يقال فيها:
كان في يوم ما عالم يسمى الدنيا، وكان فيها ناس:
- فمنهم من ظنها دائمة، فبناها، وزينها، وبالغ في إصلاحها، ثم تركها ومضى إلى عالم آخر، نادما، لما رأى الناس قد أخذوا مكانهم في الجنة وليس له فيها مكان.
- ومنهم - وهم قلة - علم أنها زائلة غير باقية، وأنه فيها على سفر، والمسافر لايحمل إلا ماخف وغلى، فاقتصد وتقلل منها وترك ما لايحتاج، وعمل على تزيين داره في الجنة وبناء القصور بالعمل الصالح، فلما أتاها فإذا هي عامرة، وسكانها من الولدان والحور، ينتظرونه بفارغ الصبر، وقد هيئت له، وتزينت، فحمدالله على الفوز والنجاة.
نحن اليوم في أول العام الجديد، تذكروا أول يوم من العام الفائت، كأنه كان بالأمس!.
في السابق كان اليوم طويلا، والشهر أطول، والسنة طويلة جدا، أما الآن فالأمر بخلاف ذلك،إن السنة تمر علينا وكأنها شهر، تذكروا العام الماضي كيف استقبلناه؟، وماذا عملنا فيه؟ وكيف خرج ؟ تذكروا صلاة العيد وفرحة الناس، أليس وكأنه في الشهر الماضي؟! .
إن الزمان يجري سريعا، وهذا من علامات الساعة كما جاء في الأثر: ( ويتقارب الزمان )، فيصبح اليوم كنصف يوم، وكربع يوم، وكاحتراق سعفة النخيل، لاشك أن أيامنا هذه آخر الزمان، فأيامنا تجري بشكل غير معهود.
- كل شيء إذا اقترب من نهايته زاد في سرعته، رغبة في قضاء مهمته..
المسافر إذا اقترب من دياره وأهله زاد في سيره شوقا وطلبا للراحة، فإن رؤية ديار الأحباب تزيد في العزيمة وتبث القوة من جديد، وهذه الأيام تبلغ بنا نهاية دنيانا، فهي تزداد جريانا بأمرالله، كي تحملنا إلى عالم آخر، فهل نحن منتبهون لهذا الأمر؟.
إن هذه الأيام هي أعمارنا، فكلما مضى يوم نقص من أعمارنا يوم، فكل يوم يأكل وينقص جزءا من أعمارنا، فإذا كانت الأيام تمضي سريعا فمعنى ذلك أن أعمارنا تنقضي سريعا، وأن حياتنا في هذه الدنيا تقترب من نهايتها سريعا.
إن الله تعالى خلق الانسان يكدح ويسعى ليلقى ربه:
{ يا أيها الانسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه }.
أنت أيها الإنسان! تكد وتعمل لتلاقي ربك، تسعى وتجري إليه لامفر من لقائه، ولامهرب وملجأ منه إلا إليه..
وهذه الآية فيها لفتة، وهي أن كل إنسان فهو يكدح ويسعى ويجري إلى لقاء ربه سواء كان مؤمنا أو كافرا ، فالكل يجهد ويتعب والكل، يقاسي الآلام والمشقة، لافرق بين مؤمن أوكافر، ولابين غني أو فقير، لكن المؤمن يسعى بالعمل الصالح، وأما الكافر والعاصي فيكدح بالعمل السيء، وكلهم مآلهم الى الله فيجازيهم بأعمالهم.
هذه الحياة كتاب كبير عنوانه: " الـــــدنيـــــــــا "
فإذا فتحته وجدت فيه أخبار أهل الأرض، وآثارهم، وما قدموه، والكتاب ينتقل بك من فصل إلى فصل، ومن صفحة إلى صفحة، حتى إذا اقتربت من نهايته جاءت العلامات المؤذنة بالزوال والانقضاء، وهي الأشراط ، فإذا تكاملت أشراط الساعة ، أغلق الكتاب وصار حديثا وخبرا وذكرى:
{ يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} .
فإذا انتهى كتاب "الدنيا" مضى الناس إلى عالم آخر غير العالم الذي ألفوه، عالم سمعوا به ولم يروه، قرأوا في كتب المرسلين عن أخباره، فآمن به من آمن، وكفر به من كفر، فإذا هم اليوم وكأنهم كانوا في حلم ثم انتبهوا، وإذا بكل لذات الدنيا قد ذهبت، وإذا بكل آلامها قد نسيت، وكأن شيئا لم يكن، وكأن الدنيا بأسرها إنما كانت ساعة، تعارف الناس فيها، وسأل بعضهم عن بعضهم، ثم انقضت وكأن حادثا لم يحدث:
{ ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم}..
حينذاك يؤتى بأنعم أهل الأرض، من أهل النار، فيغمس في النار غمسة واحدة فيقال له: هل مربك نعيم قط؟ فيقول: لا والله ما مر بي نعيم قط..
ويؤتى بأبأس أهل الأرض، من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة واحدة، فيقال له: هل مر بك بؤس قط، فيقول: لا والله ما مر بي بؤس قط.
فإذا بجميع لذات الدنيا تذوب في غمسة واحدة في النار، وإذا بجميع آلام الدنيا تنسى في غمسة واحدة في الجنة..
الطائع تحمل مشقة الطاعة، وصبر على القيام بأمر الله، وصبر عن الحرام، فأين هو اليوم من ذلك التعب والمشقة؟.
زال التعب، وذهبت المشقة، وبقي الأجر والفرح والراحة:
{ وقالوا الحمدلله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لايمسنا فيها نصب ولايمسنا فيها لغوب } .
وهذا العاصي الذي ركب هواه، وفعل الحرام، وتلذذ بالآثام، أين هو اليوم من تلك اللذة، هل يشعر بها؟، هل يستمتع بها؟.
ذهبت اللذة والمتعة، وجاء الألم والشقاء:
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ}..
الطائع طلب الراحة بتعب جسده في طاعة الله، فوجدها، والعاصي طلب الراحة في معصية الله، فما وجدها، وإنما وجد التعب والنصب والحزن.
- لازلنا نتحدث عن سرعة انقضاء الأيام وتوالي الساعات والثواني، وسيرها بلا فتور ولاتواني، وهو أمر مقلق حقا.
نحن نخاف من ذهاب أعمارنا، ونخاف من الموت، لأنه يخرجنا من الدنيا، التي ألفناها، ونشأنا فيها، وأحببناها، ولو فكرنا لعلمنا أننا على خطأ، فكيف نحب دارا هي مصدر آلامنا وسبب شقاءنا ؟، وكيف نتعلق بدار ذمها الله وعابها فقال تعالى:
{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }، وقال: { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو }..
ولعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثلها بالجيفة.
ثم إن الدنيا مع ذلك قصيرة في عمرها، قليلة في خيرها بالنسبة إلى الآخرة، فالآخرة باقية أبد الآباد، وفيها دار الخير الخالص المحض، لا يشوبه شر، ودار الشر الخالص المحض لا يخالطه خير..
فهذا الذي نخاف منه في الدنيا من الموت ونقص الخير غير حاصل في الآخرة، فإن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة، وأهل النار إذا دخلوا النار، جيء بالموت على هيئة كبش أقرن فيذبح بين الجنة والنار، فيقال:
يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت..
فيزداد أهل الجنة فرحا، وأهل النار غما..
فأهل الجنة لا يخافون سرعة الأيام وذهابها، لأنهم أمنوا الموت وتغير الحال، فإذا بشروا بأنهم لا يموتون ولا يخرجون منها قالوا وهم في ذهول:
{ أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين }..
نعم الجنة ليس فيها موت، فتطير قلوبهم فرحا وسرورا:
{ إن هذا لهو الفوز العظيم * لمثل هذا فليعمل العاملون}..
أما أهل النار فودوا أنهم ماتوا وقضي عليهم، بل يدعون مالكا خازن النار بذلك:
{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك}..
قال العلماء: يمكث مالك ألف عام لا يرد عليهم، ثم يقوم لهم: { إنكم ماكثون}.
فهذه الدنيا سريعة الزوال، وهذه الآخرة باقية إلى أبد الآباد، فالمؤمن يفرح بلقاء ربه، ويود أن لوكانت أيامه في الدنيا لحظات، حتى يقدم على ربه سريعا، لأنه يعلم أنه لاراحة له إلا بلقاء ربه، أما سمعتم بموسى لما جاء ميقات ربه ترك قومه وعجل إلى ربه قال تعالى:
{وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى}..
هزه الشوق والحب لله فسابق إلى لقائه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اختار ربه على الدنيا..
فالمؤمن لا يقلقه سرعة أيام الدنيا، وإنما يحزن على أيام لايعبد الله فيها، وإذا تمنى طول العمر فإنما يتمناه لأجل الطاعة قال معاذ لما حضرته الوفاة :
" اللهم! إنك تعلم أني لم أحب البقاء في الدنيا، إلا لظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، ومزاحمة العلماء بالركب"..
أما العاصي فيخاف سرعة الأيام، ويخاف الموت، لأنه خاصم ربه، فهو يخاف عقوبته، ويستوحش من لقائه، ولو أنه أصلح العمل، وأقلع عن الزلل لفرح بلقاء ربه .
المصدر : شبكة صيد الفوائد
((((((((((((((( 1-1-1424هـ )))))))))))))))))
نحن اليوم في أول العام الجديد، تذكروا أول يوم من العام الفائت، كأنه كان بالأمس!.
الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ..
هذه الدنيا مثل رجل نائم، رأى في منامه شيئا يكره وشيئا يحب، فبينما هو كذلك إذ انتبه واستيقظ من نومه.
فهذه الدنيا من أولها الى آخرها، إنما هي لحظات قصيرة زائلة وستصبح يوما ما ذكريات وأخبارا يقال فيها:
كان في يوم ما عالم يسمى الدنيا، وكان فيها ناس:
- فمنهم من ظنها دائمة، فبناها، وزينها، وبالغ في إصلاحها، ثم تركها ومضى إلى عالم آخر، نادما، لما رأى الناس قد أخذوا مكانهم في الجنة وليس له فيها مكان.
- ومنهم - وهم قلة - علم أنها زائلة غير باقية، وأنه فيها على سفر، والمسافر لايحمل إلا ماخف وغلى، فاقتصد وتقلل منها وترك ما لايحتاج، وعمل على تزيين داره في الجنة وبناء القصور بالعمل الصالح، فلما أتاها فإذا هي عامرة، وسكانها من الولدان والحور، ينتظرونه بفارغ الصبر، وقد هيئت له، وتزينت، فحمدالله على الفوز والنجاة.
نحن اليوم في أول العام الجديد، تذكروا أول يوم من العام الفائت، كأنه كان بالأمس!.
في السابق كان اليوم طويلا، والشهر أطول، والسنة طويلة جدا، أما الآن فالأمر بخلاف ذلك،إن السنة تمر علينا وكأنها شهر، تذكروا العام الماضي كيف استقبلناه؟، وماذا عملنا فيه؟ وكيف خرج ؟ تذكروا صلاة العيد وفرحة الناس، أليس وكأنه في الشهر الماضي؟! .
إن الزمان يجري سريعا، وهذا من علامات الساعة كما جاء في الأثر: ( ويتقارب الزمان )، فيصبح اليوم كنصف يوم، وكربع يوم، وكاحتراق سعفة النخيل، لاشك أن أيامنا هذه آخر الزمان، فأيامنا تجري بشكل غير معهود.
- كل شيء إذا اقترب من نهايته زاد في سرعته، رغبة في قضاء مهمته..
المسافر إذا اقترب من دياره وأهله زاد في سيره شوقا وطلبا للراحة، فإن رؤية ديار الأحباب تزيد في العزيمة وتبث القوة من جديد، وهذه الأيام تبلغ بنا نهاية دنيانا، فهي تزداد جريانا بأمرالله، كي تحملنا إلى عالم آخر، فهل نحن منتبهون لهذا الأمر؟.
إن هذه الأيام هي أعمارنا، فكلما مضى يوم نقص من أعمارنا يوم، فكل يوم يأكل وينقص جزءا من أعمارنا، فإذا كانت الأيام تمضي سريعا فمعنى ذلك أن أعمارنا تنقضي سريعا، وأن حياتنا في هذه الدنيا تقترب من نهايتها سريعا.
إن الله تعالى خلق الانسان يكدح ويسعى ليلقى ربه:
{ يا أيها الانسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه }.
أنت أيها الإنسان! تكد وتعمل لتلاقي ربك، تسعى وتجري إليه لامفر من لقائه، ولامهرب وملجأ منه إلا إليه..
وهذه الآية فيها لفتة، وهي أن كل إنسان فهو يكدح ويسعى ويجري إلى لقاء ربه سواء كان مؤمنا أو كافرا ، فالكل يجهد ويتعب والكل، يقاسي الآلام والمشقة، لافرق بين مؤمن أوكافر، ولابين غني أو فقير، لكن المؤمن يسعى بالعمل الصالح، وأما الكافر والعاصي فيكدح بالعمل السيء، وكلهم مآلهم الى الله فيجازيهم بأعمالهم.
هذه الحياة كتاب كبير عنوانه: " الـــــدنيـــــــــا "
فإذا فتحته وجدت فيه أخبار أهل الأرض، وآثارهم، وما قدموه، والكتاب ينتقل بك من فصل إلى فصل، ومن صفحة إلى صفحة، حتى إذا اقتربت من نهايته جاءت العلامات المؤذنة بالزوال والانقضاء، وهي الأشراط ، فإذا تكاملت أشراط الساعة ، أغلق الكتاب وصار حديثا وخبرا وذكرى:
{ يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} .
فإذا انتهى كتاب "الدنيا" مضى الناس إلى عالم آخر غير العالم الذي ألفوه، عالم سمعوا به ولم يروه، قرأوا في كتب المرسلين عن أخباره، فآمن به من آمن، وكفر به من كفر، فإذا هم اليوم وكأنهم كانوا في حلم ثم انتبهوا، وإذا بكل لذات الدنيا قد ذهبت، وإذا بكل آلامها قد نسيت، وكأن شيئا لم يكن، وكأن الدنيا بأسرها إنما كانت ساعة، تعارف الناس فيها، وسأل بعضهم عن بعضهم، ثم انقضت وكأن حادثا لم يحدث:
{ ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم}..
حينذاك يؤتى بأنعم أهل الأرض، من أهل النار، فيغمس في النار غمسة واحدة فيقال له: هل مربك نعيم قط؟ فيقول: لا والله ما مر بي نعيم قط..
ويؤتى بأبأس أهل الأرض، من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة واحدة، فيقال له: هل مر بك بؤس قط، فيقول: لا والله ما مر بي بؤس قط.
فإذا بجميع لذات الدنيا تذوب في غمسة واحدة في النار، وإذا بجميع آلام الدنيا تنسى في غمسة واحدة في الجنة..
الطائع تحمل مشقة الطاعة، وصبر على القيام بأمر الله، وصبر عن الحرام، فأين هو اليوم من ذلك التعب والمشقة؟.
زال التعب، وذهبت المشقة، وبقي الأجر والفرح والراحة:
{ وقالوا الحمدلله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لايمسنا فيها نصب ولايمسنا فيها لغوب } .
وهذا العاصي الذي ركب هواه، وفعل الحرام، وتلذذ بالآثام، أين هو اليوم من تلك اللذة، هل يشعر بها؟، هل يستمتع بها؟.
ذهبت اللذة والمتعة، وجاء الألم والشقاء:
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ}..
الطائع طلب الراحة بتعب جسده في طاعة الله، فوجدها، والعاصي طلب الراحة في معصية الله، فما وجدها، وإنما وجد التعب والنصب والحزن.
- لازلنا نتحدث عن سرعة انقضاء الأيام وتوالي الساعات والثواني، وسيرها بلا فتور ولاتواني، وهو أمر مقلق حقا.
نحن نخاف من ذهاب أعمارنا، ونخاف من الموت، لأنه يخرجنا من الدنيا، التي ألفناها، ونشأنا فيها، وأحببناها، ولو فكرنا لعلمنا أننا على خطأ، فكيف نحب دارا هي مصدر آلامنا وسبب شقاءنا ؟، وكيف نتعلق بدار ذمها الله وعابها فقال تعالى:
{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }، وقال: { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو }..
ولعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثلها بالجيفة.
ثم إن الدنيا مع ذلك قصيرة في عمرها، قليلة في خيرها بالنسبة إلى الآخرة، فالآخرة باقية أبد الآباد، وفيها دار الخير الخالص المحض، لا يشوبه شر، ودار الشر الخالص المحض لا يخالطه خير..
فهذا الذي نخاف منه في الدنيا من الموت ونقص الخير غير حاصل في الآخرة، فإن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة، وأهل النار إذا دخلوا النار، جيء بالموت على هيئة كبش أقرن فيذبح بين الجنة والنار، فيقال:
يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت..
فيزداد أهل الجنة فرحا، وأهل النار غما..
فأهل الجنة لا يخافون سرعة الأيام وذهابها، لأنهم أمنوا الموت وتغير الحال، فإذا بشروا بأنهم لا يموتون ولا يخرجون منها قالوا وهم في ذهول:
{ أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين }..
نعم الجنة ليس فيها موت، فتطير قلوبهم فرحا وسرورا:
{ إن هذا لهو الفوز العظيم * لمثل هذا فليعمل العاملون}..
أما أهل النار فودوا أنهم ماتوا وقضي عليهم، بل يدعون مالكا خازن النار بذلك:
{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك}..
قال العلماء: يمكث مالك ألف عام لا يرد عليهم، ثم يقوم لهم: { إنكم ماكثون}.
فهذه الدنيا سريعة الزوال، وهذه الآخرة باقية إلى أبد الآباد، فالمؤمن يفرح بلقاء ربه، ويود أن لوكانت أيامه في الدنيا لحظات، حتى يقدم على ربه سريعا، لأنه يعلم أنه لاراحة له إلا بلقاء ربه، أما سمعتم بموسى لما جاء ميقات ربه ترك قومه وعجل إلى ربه قال تعالى:
{وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى}..
هزه الشوق والحب لله فسابق إلى لقائه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اختار ربه على الدنيا..
فالمؤمن لا يقلقه سرعة أيام الدنيا، وإنما يحزن على أيام لايعبد الله فيها، وإذا تمنى طول العمر فإنما يتمناه لأجل الطاعة قال معاذ لما حضرته الوفاة :
" اللهم! إنك تعلم أني لم أحب البقاء في الدنيا، إلا لظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، ومزاحمة العلماء بالركب"..
أما العاصي فيخاف سرعة الأيام، ويخاف الموت، لأنه خاصم ربه، فهو يخاف عقوبته، ويستوحش من لقائه، ولو أنه أصلح العمل، وأقلع عن الزلل لفرح بلقاء ربه .
المصدر : شبكة صيد الفوائد