سامي الوابصي
07-13-2005, 03:16 AM
تناول المضادات الحيوية ليس أمراً ضرورياً في علاج نزلات البرد والسعال، ووصف المضادات الحيوية لها التي تكلف 800 مليون دولار سنوياً لا داعي له من الوجهة الطبية، وفقا لخبراء الطب. كما عقد في الولايات المتحدة في الأسبوع الاخير من شهر يونيو الماضي مؤتمر المؤسسة القومية للأمراض المعدية الذي تناول الباحثون فيه مشكلة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والاستخدام العشوائي لها. ويزداد الحديث في كثير من دول العالم حول استفحال ظهور أنواع من البكتيريا الشرسة في مقاومتها لعمل المضادات الحيوية، والحالات الوبائية لها حتى بين المرضى المنومين في المستشفيات، بما قضى على العشرات منهم حتى اليوم. وتذكر الإحصاءات أن علاج هذه الأنواع من البكتيريا يستهلك ربع ميزانية المضادات الحيوية في العالم ويؤدي الى إقفال أقسام تنويم المرضى التي تظهر فيها لمدة لا تقل عن عشرة أيام بما يزيد من عبء المشكلة الصحية مادياً.
وفي دراسة نشرت في عدد الأسبوع الأخير من شهر يونيو لمجلة «رابطة الطب الباطني» الأميركية لم يجد الباحثون فرقاً في مدة استمرار الوعكة الصحية للسعال الناجم عن التهاب الجهاز التنفسي العلوي، فقد كانت 12 يوماً سواء تناول المرء مضاداً حيوياً أم لم يتناول! أي أن السبب ليس البكتيريا بل هي فيروسات لا تؤثر المضادات الحيوية فيها من قريب أو بعيد. بل إن تناول المضاد الحيوي يؤدي الى نشوء أنواع من البكتيريا ذات مناعة له، الأمر الذي يجعله لا يجدي نفعاً في المستقبل إذا ما دعت الحاجة اليه.
مقاومة شرسة
* لكن المشكلة التي يواجهها الناس في العالم وتهدد صحتهم ليست هذه، بل إن ظهور أنواع غاية في الغرابة والشراسة والمقاومة من البكتيريا أصبح حقيقة يومية يعيشها الناس ويعيش هاجسها الأطباء والصيادلة، وانتشار هذه السلالات الخبيثة غدا واقعاً منتشراً في المستشفيات في كافة دول العالم، لا فرق بين من هو في دول متقدمة أو غيرها، بل ربما هي أعنف في الأماكن التي تنعم بتوفر الغالي والنفيس من المضادات الحيوية!. الحديث اليوم في بريطانيا مثلا متعلق بتفشي إصابة العديد من المرضى في المستشفيات بالعدوى جراء أنواع شرسة من الميكروبات البكتيرية الأمر الذي يكلف سنوياً 160 مليون جنيه استرليني (اكثر من ربع مليون دولار) في الوقت الراهن، أحدها نوع جديد من سلالة بكتيريا «سي دي»، يتميز بأن سمومه أقوى عشر مرات من الأنواع العادية منه ينتشر بين المرضى في المستشفيات ويأخذ انتشاره شكل التفشي الوبائي بما حصد أرواح العشرات من المرضى في ثلاثة مستشفيات بريطانية أثناء تلقيهم العلاج فيها لأمراض متنوعة أخرى. وفي الولايات المتحدة يدور الحديث عن سلالات أخرى لأنواع متعددة من البكتيريا، وفي بقية مناطق العالم كذلك الحال.
انفلات البكتيريا
* الذي يجري هو انفلات غير منضبط لنمو أنواع من البكتيريا التي اكتسبت مناعة تؤهلها مقاومة تأثير كثير من المضادات الحيوية المستخدمة اليوم في العلاج وما يشكل اليوم مشكلة وحالة صحية عالمية. اما الذي مكن من هذا النمو فهو تطبيق البكتيريا آليات البقاء في صراع الحياة، وساعدها الإنسان بشكل كبير ومباشر عبر سوء استخدام المضادات الحيوية.
مشكلة الإنسان الأزلية هي فقدان حس الحكمة والتأني في التعامل مع المشاكل بشكل عام، ويتجلى هذا في موضع البكتيريا، فهي غاية في الذكاء من خلال البرامج المخزونة في عناصرها الوراثية للتكاثر والبقاء. حينما اكتشف البشر المضادات الحيوية أبهرتهم نتائجها الفاعلة في القضاء على البكتيريا، لكنهم تعاملوا معها بشكل منفرد لا بصفة متحدة برغم أنها عدوهم كلهم وتؤذي صحتهم كلهم لا تفرق بين مكان أو آخر أو بين جنس من دون جنس. فأخذ كل طبيب وكل إنسان ينظر بمنظور قصير الأمد الى محاربة البكتيريا بينما هي واجهت حلول البشر باستراتيجيات واحدة، لذا ظهرت في مناطق مختلفة أنواع شرسة ومقاومة لها نفس الصفات.
أين كان الخلل في عمل البشر؟ أساس الخلل في تعامل البشر مع البكتيريا بعد اكتشاف المضادات الحيوية هو عدم اكتمال فهم البكتيريا نفسها وكيف تسبب المرض ومقاومتها ما تواجه من مصاعب، فدخول جسم الإنسان ليس أمراً سهلاً إذْ ان لديه جهاز مناعة غاية في التعقيد والتطور يفوق البكتيريا بمراحل شاسعة جداً، ومع ذلك تدخل البكتيريا وتتكاثر وتسبب المرض وربما تقضي على الإنسان. لماذا؟ هذا هو السؤال المهم الذي لو وضحت الإجابة عليه لما وصلنا إلى ما نحن فيه. الأساس الثاني هو أين يكمن دور البكتيريا في المرض؟ فمن المخجل أننا نعلم اليوم فقط أن أكثر التهابات الحلق لا تحتاج إلى مضاد حيوي وأن الأطباء قبل عامة الناس مسؤولون عن الصرف العشوائي للمضادات وتعويد الناس على ذلك. وهو ما يفتح الباب واسعاً في طرح موضوع كنت أسمع أحد أساتذتي يتحدث عنه عند علاج أمر آخر وهو أحد أنواع اضطرابات إيقاع النبض التي لا يجدي فيها الدواء، إذْ قال حينها: هل صرف العلاج في هذه الحالة هو علاج للمريض أم علاج للطبيب؟، بمعنى آخر هل صرف الدواء واجب يراه الطبيب كي يحس أنه أدى دوره أم حاجة تفرضها حالة المريض وفائدة الدواء له؟.
واليوم نأتي لنتحدث عن الصرف العشوائي للمضادات الحيوية من قبل الأطباء وليس الناس، فمن أين أتى هذا السلوك الطبي، أمن قلة العلم والمتابعة للجديد في الطب أم من التقاعس عن فحص المريض ومتابعته أم ماذا؟.
إن دور الجمهور كان مهماً في التناول العشوائي للمضادات الحيوية من عدة جوانب يطول شرحها، لكن ضبط هذا الأمر ممكن، بدءا من تخلي الصيدلي عن التطوع في وصف الدواء بدل الطبيب وبيعه مباشرة من دون وصفة طبية ومروراً بتوضيح الطبيب للمريض كمية جرعة الدواء والمدة التي يتناولها خلالها وانتهاء بفحص المريض بعد الشفاء للتأكد من زوال البأس.
إن السيطرة على نمو البكتيريا الشرسة أمر ممكن عقلاً وواقعا يحتاج الى تناغم وتكاتف الجهود الطبية من جهات عدة قبل فوات الأوان.
وفي دراسة نشرت في عدد الأسبوع الأخير من شهر يونيو لمجلة «رابطة الطب الباطني» الأميركية لم يجد الباحثون فرقاً في مدة استمرار الوعكة الصحية للسعال الناجم عن التهاب الجهاز التنفسي العلوي، فقد كانت 12 يوماً سواء تناول المرء مضاداً حيوياً أم لم يتناول! أي أن السبب ليس البكتيريا بل هي فيروسات لا تؤثر المضادات الحيوية فيها من قريب أو بعيد. بل إن تناول المضاد الحيوي يؤدي الى نشوء أنواع من البكتيريا ذات مناعة له، الأمر الذي يجعله لا يجدي نفعاً في المستقبل إذا ما دعت الحاجة اليه.
مقاومة شرسة
* لكن المشكلة التي يواجهها الناس في العالم وتهدد صحتهم ليست هذه، بل إن ظهور أنواع غاية في الغرابة والشراسة والمقاومة من البكتيريا أصبح حقيقة يومية يعيشها الناس ويعيش هاجسها الأطباء والصيادلة، وانتشار هذه السلالات الخبيثة غدا واقعاً منتشراً في المستشفيات في كافة دول العالم، لا فرق بين من هو في دول متقدمة أو غيرها، بل ربما هي أعنف في الأماكن التي تنعم بتوفر الغالي والنفيس من المضادات الحيوية!. الحديث اليوم في بريطانيا مثلا متعلق بتفشي إصابة العديد من المرضى في المستشفيات بالعدوى جراء أنواع شرسة من الميكروبات البكتيرية الأمر الذي يكلف سنوياً 160 مليون جنيه استرليني (اكثر من ربع مليون دولار) في الوقت الراهن، أحدها نوع جديد من سلالة بكتيريا «سي دي»، يتميز بأن سمومه أقوى عشر مرات من الأنواع العادية منه ينتشر بين المرضى في المستشفيات ويأخذ انتشاره شكل التفشي الوبائي بما حصد أرواح العشرات من المرضى في ثلاثة مستشفيات بريطانية أثناء تلقيهم العلاج فيها لأمراض متنوعة أخرى. وفي الولايات المتحدة يدور الحديث عن سلالات أخرى لأنواع متعددة من البكتيريا، وفي بقية مناطق العالم كذلك الحال.
انفلات البكتيريا
* الذي يجري هو انفلات غير منضبط لنمو أنواع من البكتيريا التي اكتسبت مناعة تؤهلها مقاومة تأثير كثير من المضادات الحيوية المستخدمة اليوم في العلاج وما يشكل اليوم مشكلة وحالة صحية عالمية. اما الذي مكن من هذا النمو فهو تطبيق البكتيريا آليات البقاء في صراع الحياة، وساعدها الإنسان بشكل كبير ومباشر عبر سوء استخدام المضادات الحيوية.
مشكلة الإنسان الأزلية هي فقدان حس الحكمة والتأني في التعامل مع المشاكل بشكل عام، ويتجلى هذا في موضع البكتيريا، فهي غاية في الذكاء من خلال البرامج المخزونة في عناصرها الوراثية للتكاثر والبقاء. حينما اكتشف البشر المضادات الحيوية أبهرتهم نتائجها الفاعلة في القضاء على البكتيريا، لكنهم تعاملوا معها بشكل منفرد لا بصفة متحدة برغم أنها عدوهم كلهم وتؤذي صحتهم كلهم لا تفرق بين مكان أو آخر أو بين جنس من دون جنس. فأخذ كل طبيب وكل إنسان ينظر بمنظور قصير الأمد الى محاربة البكتيريا بينما هي واجهت حلول البشر باستراتيجيات واحدة، لذا ظهرت في مناطق مختلفة أنواع شرسة ومقاومة لها نفس الصفات.
أين كان الخلل في عمل البشر؟ أساس الخلل في تعامل البشر مع البكتيريا بعد اكتشاف المضادات الحيوية هو عدم اكتمال فهم البكتيريا نفسها وكيف تسبب المرض ومقاومتها ما تواجه من مصاعب، فدخول جسم الإنسان ليس أمراً سهلاً إذْ ان لديه جهاز مناعة غاية في التعقيد والتطور يفوق البكتيريا بمراحل شاسعة جداً، ومع ذلك تدخل البكتيريا وتتكاثر وتسبب المرض وربما تقضي على الإنسان. لماذا؟ هذا هو السؤال المهم الذي لو وضحت الإجابة عليه لما وصلنا إلى ما نحن فيه. الأساس الثاني هو أين يكمن دور البكتيريا في المرض؟ فمن المخجل أننا نعلم اليوم فقط أن أكثر التهابات الحلق لا تحتاج إلى مضاد حيوي وأن الأطباء قبل عامة الناس مسؤولون عن الصرف العشوائي للمضادات وتعويد الناس على ذلك. وهو ما يفتح الباب واسعاً في طرح موضوع كنت أسمع أحد أساتذتي يتحدث عنه عند علاج أمر آخر وهو أحد أنواع اضطرابات إيقاع النبض التي لا يجدي فيها الدواء، إذْ قال حينها: هل صرف العلاج في هذه الحالة هو علاج للمريض أم علاج للطبيب؟، بمعنى آخر هل صرف الدواء واجب يراه الطبيب كي يحس أنه أدى دوره أم حاجة تفرضها حالة المريض وفائدة الدواء له؟.
واليوم نأتي لنتحدث عن الصرف العشوائي للمضادات الحيوية من قبل الأطباء وليس الناس، فمن أين أتى هذا السلوك الطبي، أمن قلة العلم والمتابعة للجديد في الطب أم من التقاعس عن فحص المريض ومتابعته أم ماذا؟.
إن دور الجمهور كان مهماً في التناول العشوائي للمضادات الحيوية من عدة جوانب يطول شرحها، لكن ضبط هذا الأمر ممكن، بدءا من تخلي الصيدلي عن التطوع في وصف الدواء بدل الطبيب وبيعه مباشرة من دون وصفة طبية ومروراً بتوضيح الطبيب للمريض كمية جرعة الدواء والمدة التي يتناولها خلالها وانتهاء بفحص المريض بعد الشفاء للتأكد من زوال البأس.
إن السيطرة على نمو البكتيريا الشرسة أمر ممكن عقلاً وواقعا يحتاج الى تناغم وتكاتف الجهود الطبية من جهات عدة قبل فوات الأوان.