نايف الحمري
03-12-2010, 03:45 PM
بادئ ذي بدء أرجو ألا تضيق صدور الشباب بذكر عيوب الصحوة وأخطائها فإن الرائد لا يكذب أهله
ولأن ذكر هذه العيوب والسلبيات لا يعد طعناً في هذه المسيرة المباركة ولا من باب التشهير ؛ لأننا قررنا – فيما سبق – أن هذه الصحوة خير في عمومها ولأن " الخير لا يأتي إلا بخير " كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - ، لكنه قال في الحديث نفسه : " وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يُلمّ إلا آكلة الخضر " [1] . فكما أن الإنسان قد لا يقتصد في الدنيا فيهلك ، فكذلك قد لا يقتصد في الدين فيغلو أو يشتد ، فيهلك كما يهلك الأول ، كما صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث أبي هريرة قال : " إن هذا الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " [2] .
ولذلك فيجب علينا ألا نغرق في التفاؤل ، ويجب أن نعرف أن النجاح والنصر والتوفيق رهين ببذل الجهد والنصح في تسديد خطى الصحوة وترشيدها ، وأنها إن تركت لمجرد التفاؤل والاندفاع فربما تحدث نكسات لا يعلم مداها إلا الله .
فلذلك سأشير إلى أهم ما يمكن أن يظهر للمراقب من عيوب وسلبيات وأدواء أصابت بعضاً من جماعات هذه الصحوة وأفرادها .
وأنبِّه في البداية إلى ملحوظتين :
الأولى : أن هذه الصحوة تتمثل في بشر ، وهم المسلمون الذين يحاولون الالتزام بشرع الله – عز وجل - ، وهؤلاء ليسوا بمعصومين بل يعتريهم ما يعتري البشر من أمراض العقائد وهي أخطرها وأنكاها ، وأمراض السلوك وأمراض الأفكار وأمراض الشبهات والشهوات ، ولكن مع ذلك فهم أقل الناس عرضة للإصابة بهذه الأمراض ، بحيث يغلب على الصحوة سلامة المعتقد وصحة التوجه – والحمد لله - .
والثانية : أن هذه الصحوة نبتت – أو أغلبها على الأقل – بين ركام من البدع والجهل والطرق الصوفية ، والفرق والاتجاهات والضالة ، والثقافات الوافدة ، والعلمانية المتسلطة، والتخلف الحضاري ، فمن الطبعي أن يصيبها غبار من هذا الركام الهائل من الانحراف ، ومن الطبعي كذلك أن توجد فيها بعض السلبيات ؛ لأن سعة رقعة الصحوة ، وسرعة تناميها وانتشارها أكبر من أن يتحكم فيها أهل العلم والفقه في الدين – وهم قليل – أو أن يرشدها العقلاء .
ومع ذلك فيجب التسديد والمقاربة والنصح بقدر الإمكان ، فإنه مع بذل الوسع وإسداء النصح ، فإن الله – سبحانه وتعالى – لا يضيع أجر العاملين .
وعليه فليس غريباً أن تظهر في مسيرة هذه الصحوة بعض العيوب والسلبيات ، ومن أبرزها ما يلي :
أولاً : ضعف الفقه في الدين – في العموم – على الرغم من وجود الحرص على التحصيل الشرعي ن وعلى الرغم من كثرة الوسائل المعينة على هذا التحصيل ، إلا أنه تنقصه المنهجية المتمثلة في التلقي عن العلماء مشافهة والتأدب بآداب طالب العلم ، مع مراعاة المنهج السليم في تلقي العلوم الشرعية من حيث التدرج والانتقاء والمواصلة ، لتتحقق معاني : العلم والعمل ، والاتباع والاقتداء والاهتداء .
ثانياً : إن أخطر الأدواء التي أصابت بعض فصائل هذه الصحوة هو الجفوة المفتعلة بين العلماء والشباب ، والتي يغذيها خصوم الدعوة ويروجون لها بكل وسيلة .
وهذه الجفوة منها جانب حقيقي ، ومنها جانب وهمي مفتعل متكلف ، وهذه الجفوة تتمثل في أمور :
منها : قلة الشباب الذين يتلقون العلم الشرعي عن المشايخ بالتلقي المباشر ، إذ أن أكثرهم يتلقون العلم إما عن بعضهم أو عمن هم دون طلبة العلم والدعاة . وهذا يؤدي إلى التتلمذ على الأحداث أو على أناس قليلي العلم والفقه والتجربة والحكمة ، وهذا شيء خطير ؛ لأنه يفتح باب الأهواء .
وبعض الشباب والمتلقين للعلم الشرعي يكتفون بالتلقي عن الوسائل دون العالم القدوة ، وأقصد بالوسائل ، الشريط والكتاب والجريدة والمجلة ، وهذا في نظري كارثة أدت إلى الانقطاع عن العالم الإمام والشيخ القدوة ، وحجبت بركة مجالس العلم والذكر ، وهذا نوع من العلم الذي لا ينفع ، وقد استعاذ منه النبي – صلى الله عليه وسلم - ، بقوله : " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع " [3].
وقد رأينا ثمارها النكدة في ظهور التعالم والغرور والخلط والخبط عند كثير من المتعلمين والمثقفين ، وهذا لا يعني أن نستهين بهذه الوسائل ؛ لأنها نعمة كبيرة يجب أن نفيد منها ، وقد يسرت سبيل العلم وإيصاله إلى كل مستمع وقارئ ، إنما أقصد أن الاستغناء بها عن ورود مجالس العلماء ودروسهم والتلقي عنهم خطأ فادح وعيب قادح يجب التخلص منه .
كما أني لا أقصد أن نترك الأخذ عن طلاب العلم مطلقاً ، فطالب العلم يؤخذ عنه ما يجيده طالما أنه مدرك بأنه لازال في مرحلة الطلب ولم يصل بعد إلى ما وصل إليه العلماء الكبار ، فهذا لا يضر – إن شاء الله - ، لأنه إن تكلم فسوف يصدر عن أقوال العلماء وتوجيهاتهم ولن يخرج عليها في أمر يتقدمهم فيه ، أما إذا ادعى الاجتهاد وبدأ في مقارعة العلماء ، واستغنى بنفسه عنهم فهذا هو ما نحذر منه ، فالأخذ عن مثل هؤلاء ، وترك العلماء المخلصين هو الهلاك بعينه .
فظاهرة عزوف الشباب المتعمد عن طلب العلم على أيدي العلماء والمشايخ والصدور عن رأيهم وتوجيههم ظاهرة مزعجة ، وهي موجودة بالفعل وتحتاج إلى شيء من النظر والعلاج .
ثالثاً : ومن العيوب التي توجد في بعض شباب : تغليب جوانب اليأس والتشاؤم ، والشعور بالإحباط ، وسوء الظن ، ونشر ذلك بين شباب الأمة وأفرادها ، والله – تعالى – أمرنا بالتفاؤل وإحسان الظن ، والثقة بنصر الله – تعالى – ووعده لعباده ، ونهى عن التشاؤم واليأس والهوان والحزن ، فقال – تعالى - : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ سورة محمد ، الآية 7 ] ، وقال : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) [ سورة آل عمران ، الآية 139 ] .
رابعاً : التنازع والتخاصم في الأمور الخلافية التي يسع فيها الخلاف ، ويجب على المسلم أن يعذر فيها أخاه ولا يبدعه ولا يشنع عليه ، ويجب ألا يؤدي الخلاف في الاجتهادات إلا الافتراق والتنابز بالقول والتراشق والتقاطع ، فإن الله – تعالى – نهى عن التفرق والتنازع ، لأنه سبب للفشل والهزيمة ، وأمر بالجماعة والاجتماع فقال – تعالى - : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) . [ سورة آل عمران ، الآية 103] . ، وقال تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) [ سورة الأنفال ، الآية 46 ]. هذا مع العلم أن أكثر ما يتنازع عليه الناس ، ويتخاصمون حوله ، من الخلاف على المناهج أو على الجماعات ، أو على الشعارات أو الانتماءات أو نحو ذلك إنما هي من الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر وتتعدد فيها الرؤى ، ولا يضر الخلاف فيها شيئاً ، فيجب على هؤلاء ألا يتنازعوا في مثل هذه الأمور ، وإنما يحترم كل واحد وجهة نظر الآخر ، ولا يجوز أن يعادي بعضهم بعضاً على مثل هذه الأمور ، والاختلاف على مثل هذه الأمور في حد ذاته ليس عيباً لأنه من طبيعة البشر ومن أصل الجِبِلَّة ، إنما العيب في النزاع والخصومات والتشاحن والتباغض وكل ما يؤدي إلى التفريق بين المؤمنين ، ويؤول إلى التبديع والتفسيق والبراء بغير حق .
خامساً : من العيوب الخطيرة في بعض الاتجاهات ؛ التعلق بالشعارات والغلو في ذلك اكثر من التعلق بالحقائق والمعاني القائمة ، وهذا يؤدي بدوره إلى زعزعة الثقة لدى كثير من الناس في مصداقية الصحوة وصحة توجهاتها .
سادساً : ومن السمات الظاهرة أيضاً في بعض الشباب الغلو في الدين والتشدد فيه ، والذي قد يصل أحياناً بالبعض إلى تبني مسلك الخوارج في تكفير المؤمنين ، وأحياناً دون ذلك . ولاشك أن الفئات التي تظهر عليها سمات الخوارج قليلة . كما أن مظاهر التشدد في الدين والغلو في الدين والفرقة إنما توجد في قطاع قليل من أبناء هذه الصحوة ، وهذه القلة يجب ألا يستهان بها ، فالخوارج الأولون كانوا قلة ومع ذلك أتعبوا الأمة وزعزعوا أمنها في العصور الخالية ، والأمة في أوج عزها وقوتها ووحدتها ، فكيف بهذه العصور المتأخرة التي كثرت فيها الهواء والبدع والظلم والجور ، وضاع فيها كثير من معالم الحق على أكثر الناس .
وكما أسلفت فإن المسئول الأول عن وجود مظاهر الغلو لدى بعض الشباب هو الأنظمة العلمانية ، وتمكن العلمانيين من توجيه أمور هذه الأمة .
إن رفض شرع الله – عز وجل – والحكم بغير ما أنزل الله ، والصد عن دين الله ، وإشاعة الفوحش والمنكرات في المجتمعات الإسلامية ، وفرض القوانين الكفرية على الأمم والشعوب ، والانحراف بشتى صوره ، والفساد الاقتصادي الذي ينذر بعواقب وخيمة ، كل ذلك وغيره مما يقوم به العلمانيون وأشباههم لمن أكبر الأسباب الداعية إلى وجود رد الفعل المتشدد ، وظاهرة العنف التي بدأت تطل برأسها في كثير من البلاد ضد هذه الأنظمة التي تتحدى الإسلام وتقف منه موقف العداء .
فإذا زالت مظاهر هذا التحدي فلاشك أن مظاهر العنف سوف تختفي أو تخف ، الأمر الذي يجعل علاجها وترشيدها – إن وجدت – سهلاً ، لأنه متى كان للعلماء وأهل الفقه مكانتهم السامقة فإنهم يستطيعون بذلك أن يعالجوا مثل هذه المظاهر الطارئة بالحكمة وحسن التوجيه ، أما إذا لم يكن للعلماء مكانة في المجتمع ، فلن يستطيعوا القضاء على هذه المظاهر وإن استطاعوا التخفيف من حدتها في بضع الأحيان .
سابعاً : من عيوب هذه الصحوة : تميز بعض شرائحها بالعاطفية الشديدة وسرعة الانفعال ، والتعجل في الأحكام ، وما يستتبع ذلك من الطيش والتسرع والتقلب في الآراء والمواقف ، والجرأة في الفتاوى والأحكام وغير ذلك ، وهذه السمة وإن كانت إنما توجد في القليل ، إلا أنها بدأت تكثر وتنتشر مع فداحة الأحداث والمصائب والانحرافات والتحديات في الآونة الأخيرة .
ثامناً : تعلق البعض بكل راية والاستماع إلى كل ناعق واتباع كل داعٍ والتشبث بأي شعار خاصة من أولئك الذين تربوا في بيئات يسيطر عليها الجهل ويقل يفها العلم الشرعي ولذلك نجد انه في بعض بلاد المسلمين قد يتصدر الدعوة إلى الله ، ويتصدى لأمور المسلمين الخطيرة من لا يفقه في الدين شيئاً ، أو لا يفقه إلا القليل .
تاسعاً : وقوع طائفة في غائلة الاستسلام للأوهام النفسية ، ومن ذلك توهم بعض الخصوم الذين قد ر يكون لهم وجود في الواقع ، أو توهم كثير من الصعاب والعقبات التي هي ليست شيء ، أو هي من الأمور الهينة التي يسهل التعامل معها وإزالتها .
كذلك توهم البعض أن أكثر أفراد الأمة أو المسئولين أو من بيدهم مقاليد الأمور أنهم من خصوم الإسلام ، وهذا بمجرد الظن في حين أن الأمر لو تأملنا قد لا يكون كذلك .
وربما يصل الأمر عند بعضهم توهم أن الناس كلهم – عدا فئته – ليسوا على شيء أو أنهم خصوم للدعوة والإسلام .
ولا أعني بذلك أن الدعوة ليس لها خصوم ، بل لابد من خصوم ؛ لأن هذه سنة الله في خلقه ، لكنه يوجد في الأمة من الغيورين الكثير – والحمد لله - . فتوهم أن اكثر الناس قد انحازوا إلى طائفة خصوم الدعوة مرض لابد أن يعالج .
وكذلك من الأمراض النفسية عند بعض شباب الصحوة التهويل من خطط الخصوم والأعداء ، والنظر إلى الأشياء المستقبلية بعين التشاؤم ، والاعتماد على مجرد شائعات أو تقارير تسمع ، أو على تصريحات تقال ، أو على قرارات دولية أو غير دولية والمبالغة في هذه الأمور . وتعليق مصائر العباد ومستقبل الدين والأمة عليها نوع من التيئيس وعدم الثقة بالله - سبحانه وتعالى – وبنصره ووعده .
ولا أدعو إلى الاستهانة بخطط العداء أو بما يبيتونه من صد عن دين الله وشرعه ، وقمع للدعاة والمصلحين ، فهذا أمر يجب أن يكون كل مسلم على بينة منه وما يستلزمه ذلك من الإعداد المناسب لجميع الاحتمالات ، لأن الله – تعالى – يقول : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) . [ سورة الأنفال ، الآية 60 ] .
وعداوة الكافرين للمسلمين مؤكدة ؛ لأن الله – تعالى – وهو العليم الخبير يقول : ( لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) . [ سورة آل عمران ، الآية 118 ] . فهذا أمر معلوم وهو الواقع ، لكن المبالغة في تصوير الأحكام والمقالات والتقارير والمخططات على أنها عقبات كبرى أمام الدعوة إلى الله ، وترتيب النتائج والحكام المستقبلية عليها بما يؤدي إلى اليأس والقنوط ، هذا أمر لا يجوز شرعاً ، وهي سمة وظاهرة خطيرة في بعض شباب الصحوة . فالله قد وعد عباده إذا قاموا بأمره بالنصر والتمكين قال - تعالى - : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) . إلى قوله - تعالى - : ( وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) . [ سورة الصف ، الآية 10 ] ، وقال – تعالى - : ( ومن يتول الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون ) . [ سورة المائدة ، الآية 56 ] . وقال : ( لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ) . [ سورة آل عمران ، الآية 111 ] . وقال : ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط ) . [ سورة آل عمران ، الآية 120] .
وقال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ) [ سورة النور ، الآية 55 ] . وما يتوهمه البعض من كيد العداء وقوتهم وجبروتهم ووسائلهم الهائلة وما يمكن أن يلاقيه الدعاة والمؤمنون من الصعاب والعقبات ، كل ذلك قد تكفل الله – سبحانه – بتهوينه وتذليله إذا صدق المسلمون واتقوا وآمنوا وصبروا وصابروا ورابطوا .
وأمر آخر لابد أن نؤمن به كما أخبر الله ، وهو أن الكفار وخصوم الإسلام ، يرهبهم الحق ، وترهبهم عزائم الرجال ، قال الله – تعالى - : ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) . [ سورة النساء ، الآية 104 ] . وقال – تعالى - : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين . إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) . [ سورة آل عمران ، الآيتان : 139 ، 140 ] .
عاشراً : مما وقع فيه بعض شباب الصحوة تجاهل الآخرين من المخالفين أو العامة ، أو بعض فصائل وطبقات الأمة التي لا تباشر الدعوة أو لا تؤيدها ظاهراً ، أو لا يهمها أمر الدعوة ، ولا تعلن الاهتمام بأمر الإسلام والمسلمين ، وهؤلاء وهم الأكثرون عداً ، يجب على الدعاة ألا يستهينوا بهم ؛ لأن هؤلاء إن لم يحاول الدعاة إلى الله أن يجعلوهم في صف الدعوة وأنصارها ، فإنه يمكن أن يتحولوا على أيدي أعداء الإسلام إلى أدوات تحارب الدعوة وتعمل على نقض أركانها .
فعلى الدعاة إلى الله ألا يفترضوا أن الناس جميعاً على نمط واحد من الاستقامة والفهم والاستعداد ، أو على نمط واحد من القيام بالواجب ، فإنا لو تصورنا الأمر كذلك لاختلت الموازين ، ولما وجدنا للخير منفذاً ، بل يجب أن نفهم أن الناس كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال : " تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة " [4].
فيجب على كل مسلم – فضلاً عن طالب العلم – أن يحسن الظن بعامة المسلمين ، ويفترض فيهم الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين ، وحب الإسلام حتى وإن حصل منهم بعض التقصير ، أو قلة الاهتمام بأمور المسلمين ، فلا نتوقع أن الناس كلهم ولا أكثرهم سيحملون هموم الدعوة والأمة بل يكفي من الغالبية أن يكفوا عنا شرهم ، أما الأمور الكبار فهي مناطة :
أولاً : بالخُلّص من أهل العلم والفقه والتقوى والصلاح والاستقامة ، الذين يحملون على عاتقهم ميراث النبوة من الدعوة والعلم والفهم الشرعي ويحاولون تبليغه للناس كافة تحقيقاً لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إن العلماء ورثة الأنبياء " [5].
وثانياً : بأهل الحل والعقد في الأمة وهم العلماء والدعاة وطلاب العلم والولاة والمسئولون ، فإن هؤلاء هم الذين يتعين عليهم أن يقوموا بالواجب كما أمر الله ، أما غير هؤلاء فهم تبع لمن يسودهم ويقودهم إلى خير أو إلى شر .
فيجب ألا يغفل عن هذه المسألة ، وهي عدم تجاه الآخرين بل ينبغي ألا نستهين بهم وأن نرد إليهم اعتبارهم لنضمنهم في مصلحة الدين والأمة ، أو لنخلص من شرورهم على أقل تقدير .
حادي عشر : ومن سلبيات بعض شباب الصحوة : الاستهانة بمبدأ النصيحة بمعناها الشمل ، وهي النصيحة الواجبة شرعاً ؛ لله – تعالى - ، ولكتابه ، ولرسوله – صلى الله عليه وسلم - ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح : " الدين النصيحة " قلنا : لمن ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " [6].
ومن أبرز جوانب الإخلال بمبدأ النصيحة ن،عزوف بعض الدعاة والمصلحين عن مناصحة ولاة الأمور بشتى أشكالهم وأصنافهم ، فإن العزوف عن هذه المناصحة مخالفة لسنة من أعظم سنن الهدى التي شرعها النبي – صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً " وذكر منها : " وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " [7] كذا مطلقاً عاماً دون قيد .
والمناصحة لابد أن تكون بالأسلوب المناسب حتى تؤدي إلى الثمرة المرجوة منها ، ويجب أن تؤدى حتى ولو رفضت وأن تكرر حتى ولو صدت .
والمناصحة تكون بكل وسيلة مباحة يستطيعها الفرد أو تستطيعها الجماعة ، أو يستطيعها أهل الحل والعقد .
فالإخلال بهذا الأمر من أعظم جوانب التقصير عند بعض الدعاة وشباب الصحوة ، والخطر من ذلك هو اعتقاد بعض الناس أن الولاة إذا كانوا ظلمة أو فجرة أو عصاة ، أو كانوا أشد من ذلك وصفاً ، أنهم لا يناصحون أو أنه لا تجوز مناصحتهم ، أو أن مناصحتهم لا تفيد شيئاً ، فينبغي أن ننفض أيدينا منهم بدعوى أنهم لا يستجيبون ، أو أنهم يضحكون على أصحاب اللحى ، وكل ذلك إنما هو من تلبيس الشيطان ، لأنهم ، كانوا كذلك فإن النصيحة لهم تكون أوجب إقامة للحجة وإعذاراً أمام الله ، ودفعاً لعقابه ( قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) [ سورة الأعراف ، الآية : 164 ] .
وعليه فإن مبدأ ترك المناصحة مسلك خطير يخالف الأصول التي عرفناها عن سلفنا الصالح ومشايخنا الخيار، فإن المناصحة واجبة لكل من ولاه الله أمراً من أمور المسلمين ، حتى ولو لم يكن حقيق بالولاية ، فلابد من مناصحته بكل وسيلة وبأسلوب مناسب ، ولابد من تكرار المناصحة حتى ولو لم يستجب المنصوح ؛ لأنها قد لا تجدي في البداية ، أما إذا تكررت وأحس الشخص المنصوح بحرص الناصح وإشفاقه عليه ورغبته في هدايته ، فسوف يستجيب في الغالب إلى النصيحة .
إذاً فالنصيحة واجبة شرعاً وهي حق من الحقوق الشرعية لولاة الأمور ولغيرهم ، ثم إنها رافعة للبلاء ، وجالبة للخير وبها يحصل الإعذار إلى الله – سبحانه وتعالى – ويتحقق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقع الأمة ، ويتحصل الدعاة الناصحون على الأجر الجزيل من الله – سبحانه - .
ثاني عشر : الاختلاف والاضطراب في المواقف والأحكام لدى بعض الدعاة والشباب خاصة عند الأحداث الخطيرة والمحن التي تصيب الأمة ، وسبب ذلك الخلل والاضطراب هو القصور الشديد في فهم قواعد الشرع، وأهمها قاعدة المصالح والمفاسد ، والقصور في فهم أحكام الفتن وما يجب عمله حيالها أو لمواجهتها.
ثالث عشر : اختلال موازين العدل والإنصاف لدى البعض خاصة مع الخصوم ، وهذه أيضاً سمة – مع الأسف – ظاهرة عند كثير من المنتسبين للدعوة ن فإن بعضهم يترك أو يغفل إنصاف الخصم ، إما تورعاً – تورع قاصر – وإما بتأول كان يقول : الأصل في الناس الخير ونحن لا يهمنا إلا إصلاح العيوب والأخطاء ولذلك نذكرها دائماً لمعالجتها .
وهذا أمر لا يجوز أن يتخذ منهجاً لمن يقوَّم الآخرين تقويماً يقتدى به منه ، لأنه سيؤدي إلى اتساع هوة الفرقة وغرس الغل في القلوب ، وإثارة الضغائن والتشاحن بين المؤمنين ومن ثم الافتراق ، ولذلك فإنه لابد من إنصاف الناس حتى الخصوم .
فعلى الدعاة وطلاب العلم إذا تكلموا في حاكم أو عالم أو داعية أو هيئة أو مؤسسة ، في صديق أو منازع ، أو خصم ، فلابد أن ينصفوا وأن يذكروا الإيجابيات ثم يذكروا السلبيات خاصة في هذا الوقت الذي تُتلقّط فيه زلات الدعوة ، ويترصد خصومها كل خطأ ليأخذوها به . بل من شباب الأمة من يرتب على السلبيات والأخطاء الاجتهادية أحكام الولاء والبراء ، والتكفير والتبديع .
فهناك غلو – ولاشك – عند كثير من الدعاة والشباب في كثير من المسائل يؤدي بدوره إلى عدم إنصاف الآخرين ، وأكثر هذه المسائل من الاجتهاديات التي تنازع فيها أهل القبلة ، كأحكام الولاء والبراء ، والتفسيق والتبديع ، والعذر بالجهل ، وتكفير المعين ، فينبغي على الدعاة وطلاب العلم الإنصاف والعدل مع الآخرين خصوصاً فيما يتعلق بهذه المسائل التي تنازع فيها أهل العلم قديماً وحديثاً .
رابع عشر : قلة الصبر والتحمل ، والرغبة في قطف ثمار الجهود قبل أوان صلاحها ، والله – تعالى – أمر بالصبر ، وجعله شرطاً لتحصيل الأجر وبلوغ الغاية في الدنيا والآخرة ، قال – تعالى - : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) . [ سورة آل عمران ، الآية 200 ] ، وقال – تعالى - : ( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) [ سورة البقرة ، الآية 153 ] . وقال – تعالى - : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) [ سورة آل عمران ، الآية 142 ] . وقال – سبحانه - : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا اخباركم ) . [ سورة محمد ، الآية 31 ] . وقال – تعالى - : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) . [ سورة الزمر ، الآية : 10 ] .
وهذا التوجيه الإلهي ينافيه ما يقع فيه كثير من أبناء الصحوة من التذمر والجزع واستعجال النتائج ، وضيق العطن ، وكثرة التشكِّي .
خامس عشر : الجهل بأحكام التعامل مع الولاة والسلاطين والرؤساء والعلماء والعامة .
سادس عشر : قلة التجارب ؛ لأن الصحوة وليدة ناشئة ، وأحسن وصف لها أنها في فترة المراهقة ن فقد تجاوزت مرحلة الطفولة ، وبدأت مرحلة المراهقة فتجارب اتباعها قليلة ، واستفادتهم من الأحداث قاصرة ، يضاف إلى هذا عزوف البعض عن الاستفادة من تجارب السابقين من العلماء والمشايخ والأصناف الأخرى ذات التجارب الكثيرة وإن كانت من الخصوم " فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها " [8]، أو كما جاء في الأثر ، وإن كان ضعيفاً فهو حكمة صائبة .
سابع عشر : جهل كثير من منسوبي الحركات الإسلامية المعاصرة بأصول السنة والجماعة في العقيدة والدعوة ، والمناهج والتعامل ، أو بعضها ولذا نجد كثيراً من شعارات السنة في العالم الإسلامي لا يقصد بها أصحابها عقيدة السلف ومنهجهم ، إنما يقصدون بها بعض الفرق الكلامية أو الصوفية التي تنتسب للسنة .
ولذلك نجد أغلب المؤلفات الفكرية والدعوية والثقافية الإسلامية المعاصرة متأثرة بمناهج المتكلمين وأصولهم في العقيدة [9]، وبمناهج الطرق الصوفية وأصولها في العبادة والتصور [10].
ولاشك أن بناء الصحوة على هذه الأسس المحدثة التي حذر منها السلف ، يعد كارثة ، ويجب على أهل العلم والفقه في الدين أو يقوموا بواجب النصيحة ، لوقاية الأمة من مهالك الردى التي وقعت فيها سابقاً .
ثامن عشر : غلبة نزعات الأهواء على كثيرين من المنتسبين للدعوة ، وقد لا يشعرون بذلك ، إنما يتبين ذلك لمن وفقه الله لعرض أعمال الناس ومواقفهم على أصول السلف المستمدة من الكتاب والسنة ، وكثير مما ذكرته سلفاً من الأخطاء التي يقع فيها البعض إنما مرد أكثره إلى غلبة الأهواء . نسأل الله السلامة .
د ناصر العقل
ولأن ذكر هذه العيوب والسلبيات لا يعد طعناً في هذه المسيرة المباركة ولا من باب التشهير ؛ لأننا قررنا – فيما سبق – أن هذه الصحوة خير في عمومها ولأن " الخير لا يأتي إلا بخير " كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - ، لكنه قال في الحديث نفسه : " وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يُلمّ إلا آكلة الخضر " [1] . فكما أن الإنسان قد لا يقتصد في الدنيا فيهلك ، فكذلك قد لا يقتصد في الدين فيغلو أو يشتد ، فيهلك كما يهلك الأول ، كما صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث أبي هريرة قال : " إن هذا الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " [2] .
ولذلك فيجب علينا ألا نغرق في التفاؤل ، ويجب أن نعرف أن النجاح والنصر والتوفيق رهين ببذل الجهد والنصح في تسديد خطى الصحوة وترشيدها ، وأنها إن تركت لمجرد التفاؤل والاندفاع فربما تحدث نكسات لا يعلم مداها إلا الله .
فلذلك سأشير إلى أهم ما يمكن أن يظهر للمراقب من عيوب وسلبيات وأدواء أصابت بعضاً من جماعات هذه الصحوة وأفرادها .
وأنبِّه في البداية إلى ملحوظتين :
الأولى : أن هذه الصحوة تتمثل في بشر ، وهم المسلمون الذين يحاولون الالتزام بشرع الله – عز وجل - ، وهؤلاء ليسوا بمعصومين بل يعتريهم ما يعتري البشر من أمراض العقائد وهي أخطرها وأنكاها ، وأمراض السلوك وأمراض الأفكار وأمراض الشبهات والشهوات ، ولكن مع ذلك فهم أقل الناس عرضة للإصابة بهذه الأمراض ، بحيث يغلب على الصحوة سلامة المعتقد وصحة التوجه – والحمد لله - .
والثانية : أن هذه الصحوة نبتت – أو أغلبها على الأقل – بين ركام من البدع والجهل والطرق الصوفية ، والفرق والاتجاهات والضالة ، والثقافات الوافدة ، والعلمانية المتسلطة، والتخلف الحضاري ، فمن الطبعي أن يصيبها غبار من هذا الركام الهائل من الانحراف ، ومن الطبعي كذلك أن توجد فيها بعض السلبيات ؛ لأن سعة رقعة الصحوة ، وسرعة تناميها وانتشارها أكبر من أن يتحكم فيها أهل العلم والفقه في الدين – وهم قليل – أو أن يرشدها العقلاء .
ومع ذلك فيجب التسديد والمقاربة والنصح بقدر الإمكان ، فإنه مع بذل الوسع وإسداء النصح ، فإن الله – سبحانه وتعالى – لا يضيع أجر العاملين .
وعليه فليس غريباً أن تظهر في مسيرة هذه الصحوة بعض العيوب والسلبيات ، ومن أبرزها ما يلي :
أولاً : ضعف الفقه في الدين – في العموم – على الرغم من وجود الحرص على التحصيل الشرعي ن وعلى الرغم من كثرة الوسائل المعينة على هذا التحصيل ، إلا أنه تنقصه المنهجية المتمثلة في التلقي عن العلماء مشافهة والتأدب بآداب طالب العلم ، مع مراعاة المنهج السليم في تلقي العلوم الشرعية من حيث التدرج والانتقاء والمواصلة ، لتتحقق معاني : العلم والعمل ، والاتباع والاقتداء والاهتداء .
ثانياً : إن أخطر الأدواء التي أصابت بعض فصائل هذه الصحوة هو الجفوة المفتعلة بين العلماء والشباب ، والتي يغذيها خصوم الدعوة ويروجون لها بكل وسيلة .
وهذه الجفوة منها جانب حقيقي ، ومنها جانب وهمي مفتعل متكلف ، وهذه الجفوة تتمثل في أمور :
منها : قلة الشباب الذين يتلقون العلم الشرعي عن المشايخ بالتلقي المباشر ، إذ أن أكثرهم يتلقون العلم إما عن بعضهم أو عمن هم دون طلبة العلم والدعاة . وهذا يؤدي إلى التتلمذ على الأحداث أو على أناس قليلي العلم والفقه والتجربة والحكمة ، وهذا شيء خطير ؛ لأنه يفتح باب الأهواء .
وبعض الشباب والمتلقين للعلم الشرعي يكتفون بالتلقي عن الوسائل دون العالم القدوة ، وأقصد بالوسائل ، الشريط والكتاب والجريدة والمجلة ، وهذا في نظري كارثة أدت إلى الانقطاع عن العالم الإمام والشيخ القدوة ، وحجبت بركة مجالس العلم والذكر ، وهذا نوع من العلم الذي لا ينفع ، وقد استعاذ منه النبي – صلى الله عليه وسلم - ، بقوله : " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع " [3].
وقد رأينا ثمارها النكدة في ظهور التعالم والغرور والخلط والخبط عند كثير من المتعلمين والمثقفين ، وهذا لا يعني أن نستهين بهذه الوسائل ؛ لأنها نعمة كبيرة يجب أن نفيد منها ، وقد يسرت سبيل العلم وإيصاله إلى كل مستمع وقارئ ، إنما أقصد أن الاستغناء بها عن ورود مجالس العلماء ودروسهم والتلقي عنهم خطأ فادح وعيب قادح يجب التخلص منه .
كما أني لا أقصد أن نترك الأخذ عن طلاب العلم مطلقاً ، فطالب العلم يؤخذ عنه ما يجيده طالما أنه مدرك بأنه لازال في مرحلة الطلب ولم يصل بعد إلى ما وصل إليه العلماء الكبار ، فهذا لا يضر – إن شاء الله - ، لأنه إن تكلم فسوف يصدر عن أقوال العلماء وتوجيهاتهم ولن يخرج عليها في أمر يتقدمهم فيه ، أما إذا ادعى الاجتهاد وبدأ في مقارعة العلماء ، واستغنى بنفسه عنهم فهذا هو ما نحذر منه ، فالأخذ عن مثل هؤلاء ، وترك العلماء المخلصين هو الهلاك بعينه .
فظاهرة عزوف الشباب المتعمد عن طلب العلم على أيدي العلماء والمشايخ والصدور عن رأيهم وتوجيههم ظاهرة مزعجة ، وهي موجودة بالفعل وتحتاج إلى شيء من النظر والعلاج .
ثالثاً : ومن العيوب التي توجد في بعض شباب : تغليب جوانب اليأس والتشاؤم ، والشعور بالإحباط ، وسوء الظن ، ونشر ذلك بين شباب الأمة وأفرادها ، والله – تعالى – أمرنا بالتفاؤل وإحسان الظن ، والثقة بنصر الله – تعالى – ووعده لعباده ، ونهى عن التشاؤم واليأس والهوان والحزن ، فقال – تعالى - : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ سورة محمد ، الآية 7 ] ، وقال : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) [ سورة آل عمران ، الآية 139 ] .
رابعاً : التنازع والتخاصم في الأمور الخلافية التي يسع فيها الخلاف ، ويجب على المسلم أن يعذر فيها أخاه ولا يبدعه ولا يشنع عليه ، ويجب ألا يؤدي الخلاف في الاجتهادات إلا الافتراق والتنابز بالقول والتراشق والتقاطع ، فإن الله – تعالى – نهى عن التفرق والتنازع ، لأنه سبب للفشل والهزيمة ، وأمر بالجماعة والاجتماع فقال – تعالى - : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) . [ سورة آل عمران ، الآية 103] . ، وقال تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) [ سورة الأنفال ، الآية 46 ]. هذا مع العلم أن أكثر ما يتنازع عليه الناس ، ويتخاصمون حوله ، من الخلاف على المناهج أو على الجماعات ، أو على الشعارات أو الانتماءات أو نحو ذلك إنما هي من الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر وتتعدد فيها الرؤى ، ولا يضر الخلاف فيها شيئاً ، فيجب على هؤلاء ألا يتنازعوا في مثل هذه الأمور ، وإنما يحترم كل واحد وجهة نظر الآخر ، ولا يجوز أن يعادي بعضهم بعضاً على مثل هذه الأمور ، والاختلاف على مثل هذه الأمور في حد ذاته ليس عيباً لأنه من طبيعة البشر ومن أصل الجِبِلَّة ، إنما العيب في النزاع والخصومات والتشاحن والتباغض وكل ما يؤدي إلى التفريق بين المؤمنين ، ويؤول إلى التبديع والتفسيق والبراء بغير حق .
خامساً : من العيوب الخطيرة في بعض الاتجاهات ؛ التعلق بالشعارات والغلو في ذلك اكثر من التعلق بالحقائق والمعاني القائمة ، وهذا يؤدي بدوره إلى زعزعة الثقة لدى كثير من الناس في مصداقية الصحوة وصحة توجهاتها .
سادساً : ومن السمات الظاهرة أيضاً في بعض الشباب الغلو في الدين والتشدد فيه ، والذي قد يصل أحياناً بالبعض إلى تبني مسلك الخوارج في تكفير المؤمنين ، وأحياناً دون ذلك . ولاشك أن الفئات التي تظهر عليها سمات الخوارج قليلة . كما أن مظاهر التشدد في الدين والغلو في الدين والفرقة إنما توجد في قطاع قليل من أبناء هذه الصحوة ، وهذه القلة يجب ألا يستهان بها ، فالخوارج الأولون كانوا قلة ومع ذلك أتعبوا الأمة وزعزعوا أمنها في العصور الخالية ، والأمة في أوج عزها وقوتها ووحدتها ، فكيف بهذه العصور المتأخرة التي كثرت فيها الهواء والبدع والظلم والجور ، وضاع فيها كثير من معالم الحق على أكثر الناس .
وكما أسلفت فإن المسئول الأول عن وجود مظاهر الغلو لدى بعض الشباب هو الأنظمة العلمانية ، وتمكن العلمانيين من توجيه أمور هذه الأمة .
إن رفض شرع الله – عز وجل – والحكم بغير ما أنزل الله ، والصد عن دين الله ، وإشاعة الفوحش والمنكرات في المجتمعات الإسلامية ، وفرض القوانين الكفرية على الأمم والشعوب ، والانحراف بشتى صوره ، والفساد الاقتصادي الذي ينذر بعواقب وخيمة ، كل ذلك وغيره مما يقوم به العلمانيون وأشباههم لمن أكبر الأسباب الداعية إلى وجود رد الفعل المتشدد ، وظاهرة العنف التي بدأت تطل برأسها في كثير من البلاد ضد هذه الأنظمة التي تتحدى الإسلام وتقف منه موقف العداء .
فإذا زالت مظاهر هذا التحدي فلاشك أن مظاهر العنف سوف تختفي أو تخف ، الأمر الذي يجعل علاجها وترشيدها – إن وجدت – سهلاً ، لأنه متى كان للعلماء وأهل الفقه مكانتهم السامقة فإنهم يستطيعون بذلك أن يعالجوا مثل هذه المظاهر الطارئة بالحكمة وحسن التوجيه ، أما إذا لم يكن للعلماء مكانة في المجتمع ، فلن يستطيعوا القضاء على هذه المظاهر وإن استطاعوا التخفيف من حدتها في بضع الأحيان .
سابعاً : من عيوب هذه الصحوة : تميز بعض شرائحها بالعاطفية الشديدة وسرعة الانفعال ، والتعجل في الأحكام ، وما يستتبع ذلك من الطيش والتسرع والتقلب في الآراء والمواقف ، والجرأة في الفتاوى والأحكام وغير ذلك ، وهذه السمة وإن كانت إنما توجد في القليل ، إلا أنها بدأت تكثر وتنتشر مع فداحة الأحداث والمصائب والانحرافات والتحديات في الآونة الأخيرة .
ثامناً : تعلق البعض بكل راية والاستماع إلى كل ناعق واتباع كل داعٍ والتشبث بأي شعار خاصة من أولئك الذين تربوا في بيئات يسيطر عليها الجهل ويقل يفها العلم الشرعي ولذلك نجد انه في بعض بلاد المسلمين قد يتصدر الدعوة إلى الله ، ويتصدى لأمور المسلمين الخطيرة من لا يفقه في الدين شيئاً ، أو لا يفقه إلا القليل .
تاسعاً : وقوع طائفة في غائلة الاستسلام للأوهام النفسية ، ومن ذلك توهم بعض الخصوم الذين قد ر يكون لهم وجود في الواقع ، أو توهم كثير من الصعاب والعقبات التي هي ليست شيء ، أو هي من الأمور الهينة التي يسهل التعامل معها وإزالتها .
كذلك توهم البعض أن أكثر أفراد الأمة أو المسئولين أو من بيدهم مقاليد الأمور أنهم من خصوم الإسلام ، وهذا بمجرد الظن في حين أن الأمر لو تأملنا قد لا يكون كذلك .
وربما يصل الأمر عند بعضهم توهم أن الناس كلهم – عدا فئته – ليسوا على شيء أو أنهم خصوم للدعوة والإسلام .
ولا أعني بذلك أن الدعوة ليس لها خصوم ، بل لابد من خصوم ؛ لأن هذه سنة الله في خلقه ، لكنه يوجد في الأمة من الغيورين الكثير – والحمد لله - . فتوهم أن اكثر الناس قد انحازوا إلى طائفة خصوم الدعوة مرض لابد أن يعالج .
وكذلك من الأمراض النفسية عند بعض شباب الصحوة التهويل من خطط الخصوم والأعداء ، والنظر إلى الأشياء المستقبلية بعين التشاؤم ، والاعتماد على مجرد شائعات أو تقارير تسمع ، أو على تصريحات تقال ، أو على قرارات دولية أو غير دولية والمبالغة في هذه الأمور . وتعليق مصائر العباد ومستقبل الدين والأمة عليها نوع من التيئيس وعدم الثقة بالله - سبحانه وتعالى – وبنصره ووعده .
ولا أدعو إلى الاستهانة بخطط العداء أو بما يبيتونه من صد عن دين الله وشرعه ، وقمع للدعاة والمصلحين ، فهذا أمر يجب أن يكون كل مسلم على بينة منه وما يستلزمه ذلك من الإعداد المناسب لجميع الاحتمالات ، لأن الله – تعالى – يقول : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) . [ سورة الأنفال ، الآية 60 ] .
وعداوة الكافرين للمسلمين مؤكدة ؛ لأن الله – تعالى – وهو العليم الخبير يقول : ( لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) . [ سورة آل عمران ، الآية 118 ] . فهذا أمر معلوم وهو الواقع ، لكن المبالغة في تصوير الأحكام والمقالات والتقارير والمخططات على أنها عقبات كبرى أمام الدعوة إلى الله ، وترتيب النتائج والحكام المستقبلية عليها بما يؤدي إلى اليأس والقنوط ، هذا أمر لا يجوز شرعاً ، وهي سمة وظاهرة خطيرة في بعض شباب الصحوة . فالله قد وعد عباده إذا قاموا بأمره بالنصر والتمكين قال - تعالى - : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) . إلى قوله - تعالى - : ( وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) . [ سورة الصف ، الآية 10 ] ، وقال – تعالى - : ( ومن يتول الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون ) . [ سورة المائدة ، الآية 56 ] . وقال : ( لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ) . [ سورة آل عمران ، الآية 111 ] . وقال : ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط ) . [ سورة آل عمران ، الآية 120] .
وقال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ) [ سورة النور ، الآية 55 ] . وما يتوهمه البعض من كيد العداء وقوتهم وجبروتهم ووسائلهم الهائلة وما يمكن أن يلاقيه الدعاة والمؤمنون من الصعاب والعقبات ، كل ذلك قد تكفل الله – سبحانه – بتهوينه وتذليله إذا صدق المسلمون واتقوا وآمنوا وصبروا وصابروا ورابطوا .
وأمر آخر لابد أن نؤمن به كما أخبر الله ، وهو أن الكفار وخصوم الإسلام ، يرهبهم الحق ، وترهبهم عزائم الرجال ، قال الله – تعالى - : ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) . [ سورة النساء ، الآية 104 ] . وقال – تعالى - : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين . إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) . [ سورة آل عمران ، الآيتان : 139 ، 140 ] .
عاشراً : مما وقع فيه بعض شباب الصحوة تجاهل الآخرين من المخالفين أو العامة ، أو بعض فصائل وطبقات الأمة التي لا تباشر الدعوة أو لا تؤيدها ظاهراً ، أو لا يهمها أمر الدعوة ، ولا تعلن الاهتمام بأمر الإسلام والمسلمين ، وهؤلاء وهم الأكثرون عداً ، يجب على الدعاة ألا يستهينوا بهم ؛ لأن هؤلاء إن لم يحاول الدعاة إلى الله أن يجعلوهم في صف الدعوة وأنصارها ، فإنه يمكن أن يتحولوا على أيدي أعداء الإسلام إلى أدوات تحارب الدعوة وتعمل على نقض أركانها .
فعلى الدعاة إلى الله ألا يفترضوا أن الناس جميعاً على نمط واحد من الاستقامة والفهم والاستعداد ، أو على نمط واحد من القيام بالواجب ، فإنا لو تصورنا الأمر كذلك لاختلت الموازين ، ولما وجدنا للخير منفذاً ، بل يجب أن نفهم أن الناس كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال : " تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة " [4].
فيجب على كل مسلم – فضلاً عن طالب العلم – أن يحسن الظن بعامة المسلمين ، ويفترض فيهم الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين ، وحب الإسلام حتى وإن حصل منهم بعض التقصير ، أو قلة الاهتمام بأمور المسلمين ، فلا نتوقع أن الناس كلهم ولا أكثرهم سيحملون هموم الدعوة والأمة بل يكفي من الغالبية أن يكفوا عنا شرهم ، أما الأمور الكبار فهي مناطة :
أولاً : بالخُلّص من أهل العلم والفقه والتقوى والصلاح والاستقامة ، الذين يحملون على عاتقهم ميراث النبوة من الدعوة والعلم والفهم الشرعي ويحاولون تبليغه للناس كافة تحقيقاً لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إن العلماء ورثة الأنبياء " [5].
وثانياً : بأهل الحل والعقد في الأمة وهم العلماء والدعاة وطلاب العلم والولاة والمسئولون ، فإن هؤلاء هم الذين يتعين عليهم أن يقوموا بالواجب كما أمر الله ، أما غير هؤلاء فهم تبع لمن يسودهم ويقودهم إلى خير أو إلى شر .
فيجب ألا يغفل عن هذه المسألة ، وهي عدم تجاه الآخرين بل ينبغي ألا نستهين بهم وأن نرد إليهم اعتبارهم لنضمنهم في مصلحة الدين والأمة ، أو لنخلص من شرورهم على أقل تقدير .
حادي عشر : ومن سلبيات بعض شباب الصحوة : الاستهانة بمبدأ النصيحة بمعناها الشمل ، وهي النصيحة الواجبة شرعاً ؛ لله – تعالى - ، ولكتابه ، ولرسوله – صلى الله عليه وسلم - ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح : " الدين النصيحة " قلنا : لمن ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " [6].
ومن أبرز جوانب الإخلال بمبدأ النصيحة ن،عزوف بعض الدعاة والمصلحين عن مناصحة ولاة الأمور بشتى أشكالهم وأصنافهم ، فإن العزوف عن هذه المناصحة مخالفة لسنة من أعظم سنن الهدى التي شرعها النبي – صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً " وذكر منها : " وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " [7] كذا مطلقاً عاماً دون قيد .
والمناصحة لابد أن تكون بالأسلوب المناسب حتى تؤدي إلى الثمرة المرجوة منها ، ويجب أن تؤدى حتى ولو رفضت وأن تكرر حتى ولو صدت .
والمناصحة تكون بكل وسيلة مباحة يستطيعها الفرد أو تستطيعها الجماعة ، أو يستطيعها أهل الحل والعقد .
فالإخلال بهذا الأمر من أعظم جوانب التقصير عند بعض الدعاة وشباب الصحوة ، والخطر من ذلك هو اعتقاد بعض الناس أن الولاة إذا كانوا ظلمة أو فجرة أو عصاة ، أو كانوا أشد من ذلك وصفاً ، أنهم لا يناصحون أو أنه لا تجوز مناصحتهم ، أو أن مناصحتهم لا تفيد شيئاً ، فينبغي أن ننفض أيدينا منهم بدعوى أنهم لا يستجيبون ، أو أنهم يضحكون على أصحاب اللحى ، وكل ذلك إنما هو من تلبيس الشيطان ، لأنهم ، كانوا كذلك فإن النصيحة لهم تكون أوجب إقامة للحجة وإعذاراً أمام الله ، ودفعاً لعقابه ( قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) [ سورة الأعراف ، الآية : 164 ] .
وعليه فإن مبدأ ترك المناصحة مسلك خطير يخالف الأصول التي عرفناها عن سلفنا الصالح ومشايخنا الخيار، فإن المناصحة واجبة لكل من ولاه الله أمراً من أمور المسلمين ، حتى ولو لم يكن حقيق بالولاية ، فلابد من مناصحته بكل وسيلة وبأسلوب مناسب ، ولابد من تكرار المناصحة حتى ولو لم يستجب المنصوح ؛ لأنها قد لا تجدي في البداية ، أما إذا تكررت وأحس الشخص المنصوح بحرص الناصح وإشفاقه عليه ورغبته في هدايته ، فسوف يستجيب في الغالب إلى النصيحة .
إذاً فالنصيحة واجبة شرعاً وهي حق من الحقوق الشرعية لولاة الأمور ولغيرهم ، ثم إنها رافعة للبلاء ، وجالبة للخير وبها يحصل الإعذار إلى الله – سبحانه وتعالى – ويتحقق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقع الأمة ، ويتحصل الدعاة الناصحون على الأجر الجزيل من الله – سبحانه - .
ثاني عشر : الاختلاف والاضطراب في المواقف والأحكام لدى بعض الدعاة والشباب خاصة عند الأحداث الخطيرة والمحن التي تصيب الأمة ، وسبب ذلك الخلل والاضطراب هو القصور الشديد في فهم قواعد الشرع، وأهمها قاعدة المصالح والمفاسد ، والقصور في فهم أحكام الفتن وما يجب عمله حيالها أو لمواجهتها.
ثالث عشر : اختلال موازين العدل والإنصاف لدى البعض خاصة مع الخصوم ، وهذه أيضاً سمة – مع الأسف – ظاهرة عند كثير من المنتسبين للدعوة ن فإن بعضهم يترك أو يغفل إنصاف الخصم ، إما تورعاً – تورع قاصر – وإما بتأول كان يقول : الأصل في الناس الخير ونحن لا يهمنا إلا إصلاح العيوب والأخطاء ولذلك نذكرها دائماً لمعالجتها .
وهذا أمر لا يجوز أن يتخذ منهجاً لمن يقوَّم الآخرين تقويماً يقتدى به منه ، لأنه سيؤدي إلى اتساع هوة الفرقة وغرس الغل في القلوب ، وإثارة الضغائن والتشاحن بين المؤمنين ومن ثم الافتراق ، ولذلك فإنه لابد من إنصاف الناس حتى الخصوم .
فعلى الدعاة وطلاب العلم إذا تكلموا في حاكم أو عالم أو داعية أو هيئة أو مؤسسة ، في صديق أو منازع ، أو خصم ، فلابد أن ينصفوا وأن يذكروا الإيجابيات ثم يذكروا السلبيات خاصة في هذا الوقت الذي تُتلقّط فيه زلات الدعوة ، ويترصد خصومها كل خطأ ليأخذوها به . بل من شباب الأمة من يرتب على السلبيات والأخطاء الاجتهادية أحكام الولاء والبراء ، والتكفير والتبديع .
فهناك غلو – ولاشك – عند كثير من الدعاة والشباب في كثير من المسائل يؤدي بدوره إلى عدم إنصاف الآخرين ، وأكثر هذه المسائل من الاجتهاديات التي تنازع فيها أهل القبلة ، كأحكام الولاء والبراء ، والتفسيق والتبديع ، والعذر بالجهل ، وتكفير المعين ، فينبغي على الدعاة وطلاب العلم الإنصاف والعدل مع الآخرين خصوصاً فيما يتعلق بهذه المسائل التي تنازع فيها أهل العلم قديماً وحديثاً .
رابع عشر : قلة الصبر والتحمل ، والرغبة في قطف ثمار الجهود قبل أوان صلاحها ، والله – تعالى – أمر بالصبر ، وجعله شرطاً لتحصيل الأجر وبلوغ الغاية في الدنيا والآخرة ، قال – تعالى - : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) . [ سورة آل عمران ، الآية 200 ] ، وقال – تعالى - : ( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) [ سورة البقرة ، الآية 153 ] . وقال – تعالى - : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) [ سورة آل عمران ، الآية 142 ] . وقال – سبحانه - : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا اخباركم ) . [ سورة محمد ، الآية 31 ] . وقال – تعالى - : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) . [ سورة الزمر ، الآية : 10 ] .
وهذا التوجيه الإلهي ينافيه ما يقع فيه كثير من أبناء الصحوة من التذمر والجزع واستعجال النتائج ، وضيق العطن ، وكثرة التشكِّي .
خامس عشر : الجهل بأحكام التعامل مع الولاة والسلاطين والرؤساء والعلماء والعامة .
سادس عشر : قلة التجارب ؛ لأن الصحوة وليدة ناشئة ، وأحسن وصف لها أنها في فترة المراهقة ن فقد تجاوزت مرحلة الطفولة ، وبدأت مرحلة المراهقة فتجارب اتباعها قليلة ، واستفادتهم من الأحداث قاصرة ، يضاف إلى هذا عزوف البعض عن الاستفادة من تجارب السابقين من العلماء والمشايخ والأصناف الأخرى ذات التجارب الكثيرة وإن كانت من الخصوم " فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها " [8]، أو كما جاء في الأثر ، وإن كان ضعيفاً فهو حكمة صائبة .
سابع عشر : جهل كثير من منسوبي الحركات الإسلامية المعاصرة بأصول السنة والجماعة في العقيدة والدعوة ، والمناهج والتعامل ، أو بعضها ولذا نجد كثيراً من شعارات السنة في العالم الإسلامي لا يقصد بها أصحابها عقيدة السلف ومنهجهم ، إنما يقصدون بها بعض الفرق الكلامية أو الصوفية التي تنتسب للسنة .
ولذلك نجد أغلب المؤلفات الفكرية والدعوية والثقافية الإسلامية المعاصرة متأثرة بمناهج المتكلمين وأصولهم في العقيدة [9]، وبمناهج الطرق الصوفية وأصولها في العبادة والتصور [10].
ولاشك أن بناء الصحوة على هذه الأسس المحدثة التي حذر منها السلف ، يعد كارثة ، ويجب على أهل العلم والفقه في الدين أو يقوموا بواجب النصيحة ، لوقاية الأمة من مهالك الردى التي وقعت فيها سابقاً .
ثامن عشر : غلبة نزعات الأهواء على كثيرين من المنتسبين للدعوة ، وقد لا يشعرون بذلك ، إنما يتبين ذلك لمن وفقه الله لعرض أعمال الناس ومواقفهم على أصول السلف المستمدة من الكتاب والسنة ، وكثير مما ذكرته سلفاً من الأخطاء التي يقع فيها البعض إنما مرد أكثره إلى غلبة الأهواء . نسأل الله السلامة .
د ناصر العقل