ماجد سليمان البلوي
03-13-2010, 08:10 PM
الويل كل الويل لمن تسول له نفسه مزاحمة النظام العربي الحاكم في الاتصال بالجماهير والترويج لبضاعته السياسية . فهذا من الكبائر، وهو محرّم ليس فقط على العموم، بل أيضا على الجهات الأخرى المفترض أنها "معارضة" ومشاركة في اللعبة السياسية لكنها ارتضت لنفسها أن تخرس وتخمد وتكون مجرد تابع ذليل وخادم مُزايد للحزب الحاكم مقابل منافع شخصية معينة وضيعة. لا أدري أي نوع من الديموقراطية هذا الذي يسمح بتعددية حزبية ثم يمنع بقية الأحزاب من النشاط السياسي والتعبوي داخل الجامعات والمدارس والمعاهد والمصانع والهيئات الشعبية. ولا أدري أين يمكن لأحزاب المعارضة أن تنشط إذا كان ممنوعاً عليها التواجد في الأماكن التي تفهم في السياسة قليلا كالتجمعات الطلابية مثلا. هل تنشط في دورات المياه والسهول والوديان والأحراش بين الحيوانات المفترسة ؟ لم يتركوا لها أي مكان لمزاولة نشاطها السياسي إلا في الغابات وفوق أعمدة الكهرباء.
وبالتالي فقد كان يتحول هواة العمل السياسي الحقيقيون والمخلصون إلى النشاط السري، واعتاد النشطاء السياسيون في الماضي اللجوء إلى توزيع المنشورات بطريقة سرية جدا لإيصال أفكارهم ومشاريعهم من بعضهم البعض وإلى الناس. وكانوا يمضون وقتا طويلا في نقل المناشير من مكان إلى آخر تحت جنح الظلام كي لا تكشفهم كلاب المراقبة السياسية المتحكمة بالمسرح السياسي في معظم الدول العربية وتقطّعهم إرباً إرباً بأسنانها النتنة.
وكم سمعت بعض الحزبيين العرب يتحدث بكثير من الانتشاء والنشوة عن فتوحاته العظيمة المتمثلة بوضع منشور تحت أوراق شجرة أو تحت حجر كي يأتي زميله وينقله إلى مكان آخر بالتتابع حتى يصل في نهاية المطاف إلى بقية "المناضلين" أو الناس. لكن هذا النشاط السياسي والإعلامي كان جريمة لا تغتفر، فقد أمضى ممارسوه عشرات السنين وراء القضبان في غياهب السجون العربية الغراء. بيد أن الزمن الأول تحول.
كم أصبح سهلاً ويسيرا العمل السياسي المعارض هذه الأيام، فهو أسهل من شرب الماء بفضل ثورة المعلومات والاتصالات. فقد حدثني أحد المعارضين العرب ذات مرة أن جماعته كانت تحتاج أحيانا إلى ستة أشهر لإيصال خبر ما إلى الناس. لكن الأمور بدأت تتيسر أكثر فأكثر عندما ظهر جهاز الفاكس، فأخذت بعض الجماعات تستخدمه لإرسال آلاف المناشير من الخارج إلى الجماهير في بلد معين. وأثبت هذا التكتيك على بساطته نجاعة كبرى جعلت بعض الدول تتملل خوفاً من تأثيره على المتلقين. لكن الخوف زاد أضعافا مضاعفة لدى بعض الأنظمة الحاكمة عند ظهور وسائل اتصال أسرع وأكثر تأثيراً. ولا أقصد الفضائيات أو الراديو هنا لأن تلك الوسيلتين محكومتان بقيود كثيرة كونهما تخضعان لقوانين وشروط البلدان التي تبثان منها. ما أقصده هو الإنترنت تحديدا التي وفرت لمستخدميها مساحة تحرك وحرية لم يحلموا بها من قبل. فقد حولت الإنترنت بفضل هُلاميتها مساحات لمستخدميها..
ودعوني هنا أختلف تماما مع الذين يهزءون مما يسمونهم بمعارضي الإنترنت. فهؤلاء المعارضون أصبحوا يشكلون قوة لا يستهان بها وهم في تصاعد مستمر مع ازدياد عدد المشتركين في خدمة الشبكة الدولية . فبالرغم من ارتفاع نفقات هذه الخدمة وصعوبة الحصول على جهاز كومبيوتر في بعض البلدان إلا أن جماعات المعارضة في الداخل والخارج بدأت تلتف على هذا الأمر بأن يساهم عدد من الأشخاص في حساب إنترنت واحد ومن ثم يتناوبون على استخدامه كل حسب دوره. يحدث هذا مثلا في بعض دول المغرب العربي.
صحيح أن بعض الدول العربية تأهبت منذ البداية لكبح جماح هذا القادم الجديد المسمى الإنترنت. فبعضها مثلا اشترى أجهزة متطورة جداً بملايين الدولارات لمراقبة وحجب مواقع الإنترنت التي تعتبرها معادية. وقد سمعت من أحدهم أن إحدى الدول العربية التسلطية دفعت أكثر من عشرين مليون دولار للحصول على تلك الأجهزة الكومبيوترية العملاقة بينما يتضور الآلاف من شعبها جوعاً، ولا يجدون ما يسترون به مؤخراتهم العارية. زد على ذلك أن بعض الدول العربية أصبح لديها أجهزة أمنية خاصة لمراقبة الإنترنت ومستخدميها. لكن كل هذه المحاولات الفاشلة لا تستطيع أن تقف في وجه هذا الطوفان الإعلامي الجديد مهما أنفقوا من ملايين، فمستخدمو الإنترنت يزدادون بالألوف حتى في العالم العربي الذي يعتبر أكثر بقاع الأرض تخلفاً في استخدام الكومبيوتر والشبكة الدولية.
ولا ننسى أن هناك ملايين العرب المغتربين في أوروبا وأمريكا وبقية بقاع العالم، فنسبة هائلة من هؤلاء تمتلك الكومبيوتر ولديها اشتراكات في شبكة الإنترنت نظراً لانتشارها بشكل هائل، ففي أمريكا مثلا يدخل إلى الإنترنت أكثر من خمسة وسبعين بالمائة من السكان. ولا ننسى أيضا أن جماعات المعارضة العربية في الخارج بدأت تعتمد اعتمادا كبيراً على الإنترنت في التحريض على الأنظمة الحاكمة ونشر برامجها ومشاريعها وبياناتها السياسية البديلة مما اضطر بعض البلدان إلى حجب المواقع والصحف الإلكترونية المعارضة، لكن الشعوب التائقة إلى الحقيقة والكلمة النظيفة داخل هذا الوطن العربي المكبل تعرف كيف تحبط ألاعيب وقيود الأنظمة على مواقع الإنترنت، فكم اندهشت عندما سمعت بعض الأشخاص في بعض الدول العربية يقولون لي إنهم قرأوا هذا أو ذاك الخبر على الموقع الفلاني فقلت لهم، لكنه موقع محجوب، فقالوا لي وهل تعتقد هذه الحكومات العربية المتخلفة أنها أذكى منا، فنحن لدينا ألف وسيلة ووسيلة للوصول إلى مواقع المعارضة ومنشوراتها الإلكترونية في الخارج.
لقد ولىّ زمان تكبد المخاطر والويلات لمجرد نقل منشور سياسي صغير من قرية إلى أخرى أو حتى من حي إلى آخر. إن بيانات جماعات المعارضة تظهر على الشبكة العنكبوتية الآن بسرعة البرق خارقة كل الحواجز والقيود والحدود لتصل إلى زوايا العالم الأربع بلمح البصر. وعلى ما يبدو هناك تضامن من نوع ما بين مستخدمي الشبكة، فهم دائما يرشدون بعضهم البعض إلى وسائل فك شفرات البروكسي للدخول إلى المواقع الممنوعة.
ولعل الأنكى من كل ذلك بالنسبة للحكام أن منتديات الإنترنت بدأت تشهد نقاشات حامية جدا بالكلمة والصوت والصورة مما يثير الرعب في نفوس بعض الأنظمة الحاكمة، فهناك مثلا غرفة نقاش على البالتوك لإحدى المعارضات العربية تلقى رواجا منقطع النظير داخل إحدى الدول العربية، ناهيك عن المنتديات التي تتمادى إلى أقصى حد في إيذاء الأنظمة الحاكمة من خلال التهجم العنيف والصارخ أحيانا، فلم يعد مجرد نقد بسيط للحاكم من البطولات التاريخية، فقد بدأ البعض يشن هجمات تجريح عنيفة جدا ضد الحكام لا بل يتلذذون في هجائهم وسلخهم وفضحهم. فالحاكم العربي صاحب عشرات الألقاب الفخمة و"الطنانة" لم يعد مقدساً بل مدنساً في منتديات الإنترنت. وبينما كان مجرد التلميح إلى الحاكم جريمة نكراء يختفي مقترفوها وراء الشمس أو يقضون نحبهم وراء القضبان، أصبح إذلاله وتسخيفه و"شرشحته" في غاية السهولة. وبما أن لدى الإنسان العربي إرثا طويلا من الكبت السياسي المقيم فإنه يبدو من خلال كتاباته في منتديات الإنترنت كالوحش الضاري الخارج للتو من القفص يستمتع إلى أقصى درجة بحريته المكتسبة حديثاً. ولا داعي هنا لذكر الألقاب البديلة التي يغدقها معارضو الإنترنت على الزعماء العرب.
ومن الملاحظ أن أكثر المواقع شعبية هي تلك التي توفر لزائريها منتديات نقاشية. وقد أصبح من الصعب فعلاً إحصاء عدد منتديات الحوار والنقاش على العربية الشبكة الدولية لكثرتها وتنوعها. وأبرز ما يميز هذه المنتديات مساحة الحرية وليس هامشها كما عودتنا الأنظمة العربية في مصطلحاتها. فبينما يتحدث العالم الديموقراطي عن الحرية كنا نحن العرب ومازلنا نتحدث عما نسميه هامش الحرية، لأن الحرية تُقدم لنا بالقطارة، لكن هذا المصطلح الرديء في طريقه إلى الاندثار والزوال من القاموس العربي السياسي بفضل تكنولوجيا المعلومات التي ألغت القيود على الفكر.
قد يقول قائل إنني متفائل أكثر من اللازم بمعارضة الإنترنت، فهي ليست أكثر من مواقع للبذاءة والتنفيس في أحسن الأحوال وليس لها أي تأثير يُذكر على الأنظمة الحاكمة التي تتصرف كما لو أنها ما زالت تعيش في الستينيات. وهذا غير صحيح، فالأنظمة العربية التي تبدو صماء لما يدور حولها تدرك أكثر منا جميعا أنها تخوض معركة خاسرة ضد الإعلام الحديث وعلى رأسه شبكة الإنترنت وأنها مهزوزة في داخلها بالرغم من أنها قد تبدو قوية في الظاهر. فالنظام الذي يحارب موقعاً إلكترونياً بسيطاً، ويسجن مدوناً، ويجند كلابه البوليسية ليل نهار، ويبذر أموال الشعوب من أجل التصدي لموقع إنترنت نظام متهاو أو آيل للسقوط. ولا ننسى أن بعض المواقع أصبحت تشكل صداعا مرعبا لبعض وزارات الداخلية العربية.
ولا شك أن هذا الصداع سيزداد إيلاماً بعد أن اهتز النظام الإيراني أخيراً وترنح تحت ضربات المعارضين الإلكترونيين، فلا تستهينوا بالمعارضة الإلكترونية!
وبالتالي فقد كان يتحول هواة العمل السياسي الحقيقيون والمخلصون إلى النشاط السري، واعتاد النشطاء السياسيون في الماضي اللجوء إلى توزيع المنشورات بطريقة سرية جدا لإيصال أفكارهم ومشاريعهم من بعضهم البعض وإلى الناس. وكانوا يمضون وقتا طويلا في نقل المناشير من مكان إلى آخر تحت جنح الظلام كي لا تكشفهم كلاب المراقبة السياسية المتحكمة بالمسرح السياسي في معظم الدول العربية وتقطّعهم إرباً إرباً بأسنانها النتنة.
وكم سمعت بعض الحزبيين العرب يتحدث بكثير من الانتشاء والنشوة عن فتوحاته العظيمة المتمثلة بوضع منشور تحت أوراق شجرة أو تحت حجر كي يأتي زميله وينقله إلى مكان آخر بالتتابع حتى يصل في نهاية المطاف إلى بقية "المناضلين" أو الناس. لكن هذا النشاط السياسي والإعلامي كان جريمة لا تغتفر، فقد أمضى ممارسوه عشرات السنين وراء القضبان في غياهب السجون العربية الغراء. بيد أن الزمن الأول تحول.
كم أصبح سهلاً ويسيرا العمل السياسي المعارض هذه الأيام، فهو أسهل من شرب الماء بفضل ثورة المعلومات والاتصالات. فقد حدثني أحد المعارضين العرب ذات مرة أن جماعته كانت تحتاج أحيانا إلى ستة أشهر لإيصال خبر ما إلى الناس. لكن الأمور بدأت تتيسر أكثر فأكثر عندما ظهر جهاز الفاكس، فأخذت بعض الجماعات تستخدمه لإرسال آلاف المناشير من الخارج إلى الجماهير في بلد معين. وأثبت هذا التكتيك على بساطته نجاعة كبرى جعلت بعض الدول تتملل خوفاً من تأثيره على المتلقين. لكن الخوف زاد أضعافا مضاعفة لدى بعض الأنظمة الحاكمة عند ظهور وسائل اتصال أسرع وأكثر تأثيراً. ولا أقصد الفضائيات أو الراديو هنا لأن تلك الوسيلتين محكومتان بقيود كثيرة كونهما تخضعان لقوانين وشروط البلدان التي تبثان منها. ما أقصده هو الإنترنت تحديدا التي وفرت لمستخدميها مساحة تحرك وحرية لم يحلموا بها من قبل. فقد حولت الإنترنت بفضل هُلاميتها مساحات لمستخدميها..
ودعوني هنا أختلف تماما مع الذين يهزءون مما يسمونهم بمعارضي الإنترنت. فهؤلاء المعارضون أصبحوا يشكلون قوة لا يستهان بها وهم في تصاعد مستمر مع ازدياد عدد المشتركين في خدمة الشبكة الدولية . فبالرغم من ارتفاع نفقات هذه الخدمة وصعوبة الحصول على جهاز كومبيوتر في بعض البلدان إلا أن جماعات المعارضة في الداخل والخارج بدأت تلتف على هذا الأمر بأن يساهم عدد من الأشخاص في حساب إنترنت واحد ومن ثم يتناوبون على استخدامه كل حسب دوره. يحدث هذا مثلا في بعض دول المغرب العربي.
صحيح أن بعض الدول العربية تأهبت منذ البداية لكبح جماح هذا القادم الجديد المسمى الإنترنت. فبعضها مثلا اشترى أجهزة متطورة جداً بملايين الدولارات لمراقبة وحجب مواقع الإنترنت التي تعتبرها معادية. وقد سمعت من أحدهم أن إحدى الدول العربية التسلطية دفعت أكثر من عشرين مليون دولار للحصول على تلك الأجهزة الكومبيوترية العملاقة بينما يتضور الآلاف من شعبها جوعاً، ولا يجدون ما يسترون به مؤخراتهم العارية. زد على ذلك أن بعض الدول العربية أصبح لديها أجهزة أمنية خاصة لمراقبة الإنترنت ومستخدميها. لكن كل هذه المحاولات الفاشلة لا تستطيع أن تقف في وجه هذا الطوفان الإعلامي الجديد مهما أنفقوا من ملايين، فمستخدمو الإنترنت يزدادون بالألوف حتى في العالم العربي الذي يعتبر أكثر بقاع الأرض تخلفاً في استخدام الكومبيوتر والشبكة الدولية.
ولا ننسى أن هناك ملايين العرب المغتربين في أوروبا وأمريكا وبقية بقاع العالم، فنسبة هائلة من هؤلاء تمتلك الكومبيوتر ولديها اشتراكات في شبكة الإنترنت نظراً لانتشارها بشكل هائل، ففي أمريكا مثلا يدخل إلى الإنترنت أكثر من خمسة وسبعين بالمائة من السكان. ولا ننسى أيضا أن جماعات المعارضة العربية في الخارج بدأت تعتمد اعتمادا كبيراً على الإنترنت في التحريض على الأنظمة الحاكمة ونشر برامجها ومشاريعها وبياناتها السياسية البديلة مما اضطر بعض البلدان إلى حجب المواقع والصحف الإلكترونية المعارضة، لكن الشعوب التائقة إلى الحقيقة والكلمة النظيفة داخل هذا الوطن العربي المكبل تعرف كيف تحبط ألاعيب وقيود الأنظمة على مواقع الإنترنت، فكم اندهشت عندما سمعت بعض الأشخاص في بعض الدول العربية يقولون لي إنهم قرأوا هذا أو ذاك الخبر على الموقع الفلاني فقلت لهم، لكنه موقع محجوب، فقالوا لي وهل تعتقد هذه الحكومات العربية المتخلفة أنها أذكى منا، فنحن لدينا ألف وسيلة ووسيلة للوصول إلى مواقع المعارضة ومنشوراتها الإلكترونية في الخارج.
لقد ولىّ زمان تكبد المخاطر والويلات لمجرد نقل منشور سياسي صغير من قرية إلى أخرى أو حتى من حي إلى آخر. إن بيانات جماعات المعارضة تظهر على الشبكة العنكبوتية الآن بسرعة البرق خارقة كل الحواجز والقيود والحدود لتصل إلى زوايا العالم الأربع بلمح البصر. وعلى ما يبدو هناك تضامن من نوع ما بين مستخدمي الشبكة، فهم دائما يرشدون بعضهم البعض إلى وسائل فك شفرات البروكسي للدخول إلى المواقع الممنوعة.
ولعل الأنكى من كل ذلك بالنسبة للحكام أن منتديات الإنترنت بدأت تشهد نقاشات حامية جدا بالكلمة والصوت والصورة مما يثير الرعب في نفوس بعض الأنظمة الحاكمة، فهناك مثلا غرفة نقاش على البالتوك لإحدى المعارضات العربية تلقى رواجا منقطع النظير داخل إحدى الدول العربية، ناهيك عن المنتديات التي تتمادى إلى أقصى حد في إيذاء الأنظمة الحاكمة من خلال التهجم العنيف والصارخ أحيانا، فلم يعد مجرد نقد بسيط للحاكم من البطولات التاريخية، فقد بدأ البعض يشن هجمات تجريح عنيفة جدا ضد الحكام لا بل يتلذذون في هجائهم وسلخهم وفضحهم. فالحاكم العربي صاحب عشرات الألقاب الفخمة و"الطنانة" لم يعد مقدساً بل مدنساً في منتديات الإنترنت. وبينما كان مجرد التلميح إلى الحاكم جريمة نكراء يختفي مقترفوها وراء الشمس أو يقضون نحبهم وراء القضبان، أصبح إذلاله وتسخيفه و"شرشحته" في غاية السهولة. وبما أن لدى الإنسان العربي إرثا طويلا من الكبت السياسي المقيم فإنه يبدو من خلال كتاباته في منتديات الإنترنت كالوحش الضاري الخارج للتو من القفص يستمتع إلى أقصى درجة بحريته المكتسبة حديثاً. ولا داعي هنا لذكر الألقاب البديلة التي يغدقها معارضو الإنترنت على الزعماء العرب.
ومن الملاحظ أن أكثر المواقع شعبية هي تلك التي توفر لزائريها منتديات نقاشية. وقد أصبح من الصعب فعلاً إحصاء عدد منتديات الحوار والنقاش على العربية الشبكة الدولية لكثرتها وتنوعها. وأبرز ما يميز هذه المنتديات مساحة الحرية وليس هامشها كما عودتنا الأنظمة العربية في مصطلحاتها. فبينما يتحدث العالم الديموقراطي عن الحرية كنا نحن العرب ومازلنا نتحدث عما نسميه هامش الحرية، لأن الحرية تُقدم لنا بالقطارة، لكن هذا المصطلح الرديء في طريقه إلى الاندثار والزوال من القاموس العربي السياسي بفضل تكنولوجيا المعلومات التي ألغت القيود على الفكر.
قد يقول قائل إنني متفائل أكثر من اللازم بمعارضة الإنترنت، فهي ليست أكثر من مواقع للبذاءة والتنفيس في أحسن الأحوال وليس لها أي تأثير يُذكر على الأنظمة الحاكمة التي تتصرف كما لو أنها ما زالت تعيش في الستينيات. وهذا غير صحيح، فالأنظمة العربية التي تبدو صماء لما يدور حولها تدرك أكثر منا جميعا أنها تخوض معركة خاسرة ضد الإعلام الحديث وعلى رأسه شبكة الإنترنت وأنها مهزوزة في داخلها بالرغم من أنها قد تبدو قوية في الظاهر. فالنظام الذي يحارب موقعاً إلكترونياً بسيطاً، ويسجن مدوناً، ويجند كلابه البوليسية ليل نهار، ويبذر أموال الشعوب من أجل التصدي لموقع إنترنت نظام متهاو أو آيل للسقوط. ولا ننسى أن بعض المواقع أصبحت تشكل صداعا مرعبا لبعض وزارات الداخلية العربية.
ولا شك أن هذا الصداع سيزداد إيلاماً بعد أن اهتز النظام الإيراني أخيراً وترنح تحت ضربات المعارضين الإلكترونيين، فلا تستهينوا بالمعارضة الإلكترونية!