لافي السرحاني
03-20-2010, 11:21 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طبقات الناس يوم القيامة لابن القيم رحمه الله
طبقات الناس يوم القيامة لابن القيم رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
هي لابن القيم رحمه الله
من كتابه النفيس طريق الهجرتين لابن القيم وهي ما بين الصفحات 1/514-632
الطبعة الثانية ، 1414 - 1994
وإنما قمت بتنسيقها ووضع هذه المقدمة لها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فإن الله تعالى قد خلق الجن والإنس لعبادته
قال تعالى :
) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) (سورة الذاريات}
إن هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة , من أضخم الحقائق الكونية
التي لا تستقيم حياة البشرفي الأرض بدون إدراكها واستيقانها .
سواء كانت حياة فرد أم جماعة . أم حياة الإنسانية كلها في جميع أدوارها وأعصارها .
وإنه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي ,
تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة , التي تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة .
وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة أن هنالك غاية معينة لوجود الجن والإنس .
تتمثل في وظيفة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده ; ومن قصر فيها
أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده ; وأصبح بلا وظيفة ,
وباتت حياته فارغة من القصد , خاوية من معناها الأصيل ,
الذي تستمد منه قيمتها الأولى . وقد انفلت من الناموس الذي خرج به
إلى الوجود , وانتهى إلى الضياع المطلق , الذي يصيب كل كائن ينفلت
من ناموس الوجود , الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء .
هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والإنس بناموس الوجود .
هي العبادة لله . أو هي العبودية لله . .
أن يكون هناك عبد ورب . عبد يعبد , ورب يعبد .
وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار .
ومن ثم يبرز الجانب الآخر لتلك الحقيقة الضخمة ,
ويتبين أن مدلول العبادة لا بد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر . فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر ;
والله لا يكلفهم هذا . وهو يكلفهم ألوانا أخرى من النشاط تستغرق
معظم حياتهم . وقد لا نعرف نحن ألوان النشاط التي يكلفها الجن ;
ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان . نعرفها من القرآن من
قول الله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة:إني جاعل في الأرض خليفة) . .
فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني .
وهي تقتضي ألوانا من النشاط الحيوي في عمارة الأرض , والتعرف إلى قواها وطاقاتها ,
وذخائرها ومكنوناتها , وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها .
كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي
يتناسق مع الناموس الكوني العام .
ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي
وظيفة الإنسان الأولى , أوسع وأشمل من مجرد الشعائر ;
وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا .
وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
الأول:هو استقرار معنى العبودية لله في النفس . أي استقرار الشعور ع
لى أن هناك عبدا وربا . عبدا يَعبُدُ , وربا يُعْبَدُ . وأن ليس وراء ذلك شيء ;
وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار . ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ;
وإلا رب واحد والكل له عبيد .
والثاني:هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير , وكل حركة في الجوارح ,
وكل حركة في الحياة . التوجه بها إلى الله خالصة , والتجرد من كل شعور آخر ; ومن كل معنى غير معنى التعبد لله .
بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة ; ويصبح العمل كالشعائر ,
والشعائر كعمارة الأرض , وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ,
والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله . . كلها عبادة ;
وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ;
وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه .
عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعرا أنه هنا للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى ,
جاء لينهض بها فترة , طاعة لله وعبادة له لا أرب له هو فيها , ولا غاية له من ورائها ,
إلا الطاعة , وجزاؤها الذي يجده في نفسه من طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله ,
ومن أنس برضى الله عنه , ورعايته له . ثم يجده في الآخرة تكريما ونعيما وفضلا عظيما .
وعندئذ يكون قد فر إلى الله حقا . يكون قد فر من جواذب هذه الأرض المعوقة ومغرياتها الملفتة .
ويكون قد تحرر بهذا الفرار . تحرر حقيقة من الأثقال . وخلص لله ,
واستقر في الوضع الكوني الأصيل:
عبدا لله . خلقه الله لعبادته . وقام بما خلق له . وحقق غاية وجوده .
فمن مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض ,
وينهض بتكاليفها , ويحقق أقصى ثمراتها ; وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها ;
خالص القلب من جواذبها ومغرياتها . ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها
لذاته هو ولا لذاتها . ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها , ثم الفرار إلى الله منها !
ومن مقتضياته كذلك أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة
من بواعثها لا من نتائجها . فلتكن النتائج ما تكون .
فالإنسان غير معلق بهذه النتائج . إنما هو معلق بأداء العبادة في القيام بهذه الأعمال ;
ولأن جزاءه ليس في نتائجها , إنما جزاؤه في العبادة التي أداها . .
ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيرا كاملا تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال .
فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها . ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته .
ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك . فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه
ولا في حسابه , وليست من شأنه . إنما هو قدر الله ومشيئته .
وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته .
ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد ; وشعر أنه أخذ نصيبه ,
وضمن جزاءه , بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد ,
فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعو إلى التكالب والخصام
على أعراض هذه الحياة . فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من
الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف . ومن جانب آخر ينفض يده
وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض , وثمرات هذا النشاط .
فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته .
والناس قد انقسموا قسمين قسم قد كفر وقسم قد آمن
قال تعالى :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)( سورة التغابن}
وبين سبحانه وتعالى أنهم فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير
قال تعالى :
) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ
لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7)( سورة الشورى}
كما أنه سبحانه قد ميز بين أصحاب الجنة وأصحاب النار
قال تعالى :
) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ( }(20) سورة الحشر}
وأعد سبحانه لمن أطاعه جنات النعيم
قال تعالى :
) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (108)( سورة الكهف}
وأعد لمن عصاه نار السموم
قال تعالى :
( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ
خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ
هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )} (72) سورة الزمر}
وقال تعالى محذرا الناس :
) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ
وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} (4)( سورة يونس}
وقال تعالى :
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ
جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (33)( سورة لقمان}
وقد ذكر الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه النفيس طريق الهجرتين
طبقات الناس يوم القيامة وقسمهم إلى ثمان عشرة طبقة
}} وهذا يدل على عبقريته وسعة اطلاعه رحمه الله {{
وذكر الأدلة على كل طبقة من القرآن والسنة :
الطبقة الأولى:
وهى العليا على الإطلاق مرتبة الرسالة، فأكرم الخلق على الله وأخصهم
بالزلفى لديه رسله، وهم المصطفون من عباده الذين سلم عليهم فى العالمين
الطبقة الثانية:
من عداهم من الرسل على مراتبهم من [تفضيل الله] بعضهم على بعض.
الطبقة الثالثة:
الذين لم يرسلوا إلى أُممهم وإنما كانت لهم النبوة دون الرسالة
الطبقة الرابعة:
ورثة الرسل وخلفاؤهم فى أُممهم، وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملاً
الطبقة الخامسة:
أئمة العدل وولاته الذين تؤمن بهم السبل ويستقيم بهم العالم ويستنصر بهم
الطبقة السادسة:
المجاهدون فى سبيل الله، وهم جند الله، الذين يقيم بهم دينه ويدفع بهم بأْس
الطبقة السابعة:
أهل الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم
الطبقة الثامنة:
طبقة من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه كالصلاة والحج،
والعمرة، وقراءة القرآن، والصوم والاعتكاف، والذكر ونحوها،
مضافاً إلى أداءِ فرائض الله عليه
الطبقة التاسعة:
طبقة أهل النجاة، وهى طبقة من يؤدى فرائض الله ويترك محارم الله، مقتصراً
على ذلك لا يزيد عليه ولا ينقص منه
الطبقة العاشرة:
طبقة قوم أسرفوا على أنفسهم، وغشوا كبائر ما نهى الله عنه ولكن رزقهم
الله التوبة النصوح قبل الموت، فماتوا على توبة صحيحة. فهؤلاءِ
[ناجون من عذاب الله إما قطعا عند قوم وإما ظنا
الطبقة الحادية عشرة:
طبقة أقوام خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً: فعملوا حسنات وكبائر،
ولقو الله مصرّين عليها غير تائبين منها، لكن حسناتهم أغلب من سيئاتهم،
فإذا وزنت بها رجحت كفة الحسنات، فهؤلاءِ أيضاً ناجون
الطبقة الثانية عشر:
قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فتقابل أثراهما [فتقاوما] فمنعتهم حسناتهم المساوية
من دخول النار وسيئاتهم المساوية من دخول الجنة.
فهؤلاء هم أهل أهل [الأعراف]، لم يفضل لأحدهم حسنة يستحق بها الرحمة من ربه،
ولم يفضل عليه سيئة يستحق بها العذاب.
الطبقة الثالثة عشرة:
طبقة أهل المحنة والبلية، نعوذ بالله. وإن كانت آخرتهم إلى عفو وخير،
الطبقة الرابعة عشرة:
قوم لا طاعة لهم ولا معصية، ولا كفر ولا إيمان.
حكم الأطفال :
وأما أطفال المسلمين فقال الإمام أحمد: لا يختلف فيهم أحد [يعنى] أنهم فى الجنة.
وأما أطفال المشركين فللناس فيهم ثمانية مذاهب:
أحدها: الوقف فيهم
المذهب الثانى: أنهم فى النار.
المذهب الثالث: أنهم فى الجنة
المذهب الرابع: أنهم فى منزلة بين المنزلتين بين الجنة والنار
المذهب الخامس: أنهم تحت مشيئة الله تعالى، يجوز أن يعمهم بعذابه، وأن يعمهم برحمته،
المذهب السادس: أنهم خدم أهل الجنة ومماليكهم،
المذهب السابع: أن حكمهم حكم آبائهم فى الدنيا والآخرة
المذهب الثامن: أنهم يمتحنون فى [عرصة] القيامة
الطبقة الخامسة عشرة:
طبقة الزنادقة، وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر
ومعاداة الله [ورسوله]. وهؤلاء المنافقون، وهم فى الدرك الأسفل من النار
الطبقة السادسة عشرة:
رؤساء الكفر وأئمته، ودعاته الذين كفروا وصدوا عباد الله عن الإيمان
الطبقة السابعة عشرة:
طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم
الطبقة الثامنة عشرة:
طبقة الجن، وقد اتفق المسلمون على أن منهم المؤمن والكافر والبر والفاجر
فصل وقد اتفق المسلمون على أن كفار الجن فى النار
فصل وأما حكم مؤمنيهم فى الدار الآخرة، فجمهور السلف والخلف على أنهم فى الجنة.
فصل فإذا علم تكليفهم بشرائع الأنبياءِ ومطالبتهم بها وحشرهم يوم القيامة للثواب والعقاب، علم أن محسنهم فى الجنة كما أن مسيئهم فى النار
فنظر أخي المؤمن في أية طبقة أنت قبل فوات الأوان
نسأل الله تعالى أن يحشرنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين
قال تعالى :
) وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69)( سورة النساء}
تقبلوا فائق إحترامي وتقديري
طبقات الناس يوم القيامة لابن القيم رحمه الله
طبقات الناس يوم القيامة لابن القيم رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
هي لابن القيم رحمه الله
من كتابه النفيس طريق الهجرتين لابن القيم وهي ما بين الصفحات 1/514-632
الطبعة الثانية ، 1414 - 1994
وإنما قمت بتنسيقها ووضع هذه المقدمة لها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فإن الله تعالى قد خلق الجن والإنس لعبادته
قال تعالى :
) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) (سورة الذاريات}
إن هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة , من أضخم الحقائق الكونية
التي لا تستقيم حياة البشرفي الأرض بدون إدراكها واستيقانها .
سواء كانت حياة فرد أم جماعة . أم حياة الإنسانية كلها في جميع أدوارها وأعصارها .
وإنه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي ,
تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة , التي تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة .
وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة أن هنالك غاية معينة لوجود الجن والإنس .
تتمثل في وظيفة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده ; ومن قصر فيها
أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده ; وأصبح بلا وظيفة ,
وباتت حياته فارغة من القصد , خاوية من معناها الأصيل ,
الذي تستمد منه قيمتها الأولى . وقد انفلت من الناموس الذي خرج به
إلى الوجود , وانتهى إلى الضياع المطلق , الذي يصيب كل كائن ينفلت
من ناموس الوجود , الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء .
هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والإنس بناموس الوجود .
هي العبادة لله . أو هي العبودية لله . .
أن يكون هناك عبد ورب . عبد يعبد , ورب يعبد .
وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار .
ومن ثم يبرز الجانب الآخر لتلك الحقيقة الضخمة ,
ويتبين أن مدلول العبادة لا بد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر . فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر ;
والله لا يكلفهم هذا . وهو يكلفهم ألوانا أخرى من النشاط تستغرق
معظم حياتهم . وقد لا نعرف نحن ألوان النشاط التي يكلفها الجن ;
ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان . نعرفها من القرآن من
قول الله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة:إني جاعل في الأرض خليفة) . .
فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني .
وهي تقتضي ألوانا من النشاط الحيوي في عمارة الأرض , والتعرف إلى قواها وطاقاتها ,
وذخائرها ومكنوناتها , وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها .
كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي
يتناسق مع الناموس الكوني العام .
ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي
وظيفة الإنسان الأولى , أوسع وأشمل من مجرد الشعائر ;
وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا .
وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
الأول:هو استقرار معنى العبودية لله في النفس . أي استقرار الشعور ع
لى أن هناك عبدا وربا . عبدا يَعبُدُ , وربا يُعْبَدُ . وأن ليس وراء ذلك شيء ;
وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار . ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ;
وإلا رب واحد والكل له عبيد .
والثاني:هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير , وكل حركة في الجوارح ,
وكل حركة في الحياة . التوجه بها إلى الله خالصة , والتجرد من كل شعور آخر ; ومن كل معنى غير معنى التعبد لله .
بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة ; ويصبح العمل كالشعائر ,
والشعائر كعمارة الأرض , وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ,
والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله . . كلها عبادة ;
وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ;
وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه .
عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعرا أنه هنا للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى ,
جاء لينهض بها فترة , طاعة لله وعبادة له لا أرب له هو فيها , ولا غاية له من ورائها ,
إلا الطاعة , وجزاؤها الذي يجده في نفسه من طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله ,
ومن أنس برضى الله عنه , ورعايته له . ثم يجده في الآخرة تكريما ونعيما وفضلا عظيما .
وعندئذ يكون قد فر إلى الله حقا . يكون قد فر من جواذب هذه الأرض المعوقة ومغرياتها الملفتة .
ويكون قد تحرر بهذا الفرار . تحرر حقيقة من الأثقال . وخلص لله ,
واستقر في الوضع الكوني الأصيل:
عبدا لله . خلقه الله لعبادته . وقام بما خلق له . وحقق غاية وجوده .
فمن مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض ,
وينهض بتكاليفها , ويحقق أقصى ثمراتها ; وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها ;
خالص القلب من جواذبها ومغرياتها . ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها
لذاته هو ولا لذاتها . ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها , ثم الفرار إلى الله منها !
ومن مقتضياته كذلك أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة
من بواعثها لا من نتائجها . فلتكن النتائج ما تكون .
فالإنسان غير معلق بهذه النتائج . إنما هو معلق بأداء العبادة في القيام بهذه الأعمال ;
ولأن جزاءه ليس في نتائجها , إنما جزاؤه في العبادة التي أداها . .
ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيرا كاملا تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال .
فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها . ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته .
ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك . فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه
ولا في حسابه , وليست من شأنه . إنما هو قدر الله ومشيئته .
وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته .
ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد ; وشعر أنه أخذ نصيبه ,
وضمن جزاءه , بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد ,
فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعو إلى التكالب والخصام
على أعراض هذه الحياة . فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من
الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف . ومن جانب آخر ينفض يده
وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض , وثمرات هذا النشاط .
فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته .
والناس قد انقسموا قسمين قسم قد كفر وقسم قد آمن
قال تعالى :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)( سورة التغابن}
وبين سبحانه وتعالى أنهم فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير
قال تعالى :
) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ
لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7)( سورة الشورى}
كما أنه سبحانه قد ميز بين أصحاب الجنة وأصحاب النار
قال تعالى :
) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ( }(20) سورة الحشر}
وأعد سبحانه لمن أطاعه جنات النعيم
قال تعالى :
) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (108)( سورة الكهف}
وأعد لمن عصاه نار السموم
قال تعالى :
( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ
خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ
هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )} (72) سورة الزمر}
وقال تعالى محذرا الناس :
) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ
وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} (4)( سورة يونس}
وقال تعالى :
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ
جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (33)( سورة لقمان}
وقد ذكر الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه النفيس طريق الهجرتين
طبقات الناس يوم القيامة وقسمهم إلى ثمان عشرة طبقة
}} وهذا يدل على عبقريته وسعة اطلاعه رحمه الله {{
وذكر الأدلة على كل طبقة من القرآن والسنة :
الطبقة الأولى:
وهى العليا على الإطلاق مرتبة الرسالة، فأكرم الخلق على الله وأخصهم
بالزلفى لديه رسله، وهم المصطفون من عباده الذين سلم عليهم فى العالمين
الطبقة الثانية:
من عداهم من الرسل على مراتبهم من [تفضيل الله] بعضهم على بعض.
الطبقة الثالثة:
الذين لم يرسلوا إلى أُممهم وإنما كانت لهم النبوة دون الرسالة
الطبقة الرابعة:
ورثة الرسل وخلفاؤهم فى أُممهم، وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملاً
الطبقة الخامسة:
أئمة العدل وولاته الذين تؤمن بهم السبل ويستقيم بهم العالم ويستنصر بهم
الطبقة السادسة:
المجاهدون فى سبيل الله، وهم جند الله، الذين يقيم بهم دينه ويدفع بهم بأْس
الطبقة السابعة:
أهل الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم
الطبقة الثامنة:
طبقة من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه كالصلاة والحج،
والعمرة، وقراءة القرآن، والصوم والاعتكاف، والذكر ونحوها،
مضافاً إلى أداءِ فرائض الله عليه
الطبقة التاسعة:
طبقة أهل النجاة، وهى طبقة من يؤدى فرائض الله ويترك محارم الله، مقتصراً
على ذلك لا يزيد عليه ولا ينقص منه
الطبقة العاشرة:
طبقة قوم أسرفوا على أنفسهم، وغشوا كبائر ما نهى الله عنه ولكن رزقهم
الله التوبة النصوح قبل الموت، فماتوا على توبة صحيحة. فهؤلاءِ
[ناجون من عذاب الله إما قطعا عند قوم وإما ظنا
الطبقة الحادية عشرة:
طبقة أقوام خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً: فعملوا حسنات وكبائر،
ولقو الله مصرّين عليها غير تائبين منها، لكن حسناتهم أغلب من سيئاتهم،
فإذا وزنت بها رجحت كفة الحسنات، فهؤلاءِ أيضاً ناجون
الطبقة الثانية عشر:
قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فتقابل أثراهما [فتقاوما] فمنعتهم حسناتهم المساوية
من دخول النار وسيئاتهم المساوية من دخول الجنة.
فهؤلاء هم أهل أهل [الأعراف]، لم يفضل لأحدهم حسنة يستحق بها الرحمة من ربه،
ولم يفضل عليه سيئة يستحق بها العذاب.
الطبقة الثالثة عشرة:
طبقة أهل المحنة والبلية، نعوذ بالله. وإن كانت آخرتهم إلى عفو وخير،
الطبقة الرابعة عشرة:
قوم لا طاعة لهم ولا معصية، ولا كفر ولا إيمان.
حكم الأطفال :
وأما أطفال المسلمين فقال الإمام أحمد: لا يختلف فيهم أحد [يعنى] أنهم فى الجنة.
وأما أطفال المشركين فللناس فيهم ثمانية مذاهب:
أحدها: الوقف فيهم
المذهب الثانى: أنهم فى النار.
المذهب الثالث: أنهم فى الجنة
المذهب الرابع: أنهم فى منزلة بين المنزلتين بين الجنة والنار
المذهب الخامس: أنهم تحت مشيئة الله تعالى، يجوز أن يعمهم بعذابه، وأن يعمهم برحمته،
المذهب السادس: أنهم خدم أهل الجنة ومماليكهم،
المذهب السابع: أن حكمهم حكم آبائهم فى الدنيا والآخرة
المذهب الثامن: أنهم يمتحنون فى [عرصة] القيامة
الطبقة الخامسة عشرة:
طبقة الزنادقة، وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر
ومعاداة الله [ورسوله]. وهؤلاء المنافقون، وهم فى الدرك الأسفل من النار
الطبقة السادسة عشرة:
رؤساء الكفر وأئمته، ودعاته الذين كفروا وصدوا عباد الله عن الإيمان
الطبقة السابعة عشرة:
طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم
الطبقة الثامنة عشرة:
طبقة الجن، وقد اتفق المسلمون على أن منهم المؤمن والكافر والبر والفاجر
فصل وقد اتفق المسلمون على أن كفار الجن فى النار
فصل وأما حكم مؤمنيهم فى الدار الآخرة، فجمهور السلف والخلف على أنهم فى الجنة.
فصل فإذا علم تكليفهم بشرائع الأنبياءِ ومطالبتهم بها وحشرهم يوم القيامة للثواب والعقاب، علم أن محسنهم فى الجنة كما أن مسيئهم فى النار
فنظر أخي المؤمن في أية طبقة أنت قبل فوات الأوان
نسأل الله تعالى أن يحشرنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين
قال تعالى :
) وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69)( سورة النساء}
تقبلوا فائق إحترامي وتقديري