الشبابي
05-20-2010, 02:14 PM
غربة الإسلام - للعلامة الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد...
فنحن في زمان الغربة، تحقق ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء"وسئل عن الغرباء فقال: "هم النزاع من القبائل أو الذين يصلحون عند فساد الناس أو الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي" أو الذين يفرون بدينهم من الفتن .
إنما النزاع من القبائل أي: أن من كل قبيلة فردا أو فردين، وبقية القبيلة ليسوا من هؤلاء الغرباء، وسموا غرباء؛ لأن أحدهم غريب بين الناس، يرى كأنه ليس من الناس، الناس في واد وهو في واد، جمهور الناس وأكثريتهم متوسعون في أمور دنياهم، ومنهمكون في شهواتهم وفي شغلهم ولهوهم.
والصالح منهم والمتمسك يرى مثل الشعرة في جلد البعير، الأكثرية من الناس هم الذين قد تغيروا عن ما كان عليه أسلافهم وآباؤهم وأجدادهم إلا من شاء الله.
ومعنى قوله: "وسيعود غريبا" أنه سيصبح الإسلام غريبا، وسيصبح أهله غرباء.
وقد تحققت هذه الغربة منذ زمان؛ قد روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: ما أغرب السنة! وأغرب منها من يعرفها!
فهذا في زمن الإمام أحمد الذي هو في أحد القرون الثلاثة المفضلة، فكيف بما بعده؟
وقد ذكروا أن بعض التابعين دخلوا على أنس -رضي الله عنه- واشتكوا إليه ما يلقون من الحجاج بن يوسف من الأذى، فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم".
وقد تحكم الغربة وتشتد في زمان، ثم تنحل بإذن الله ويتسع الأمر، ولكن الغالب والأكثر هو استحكامها إلا من شاء الله؛ ففي زمن أول القرن الرابع عشر الماضي حدث مثل هذه الغربة أو أشد؛ حيث ذكر الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- أنهم لما كانوا في ولاية آل رشيد منعوا من إظهار الخير، ومنعوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر كل أحد منهم أن يقتصر على نفسه، وفي ذلك أنشأ قصيدة ميمية منشورة في ديوانه، وذكر فيها ما يلاقيه أهل ذلك الزمان من غربة الدين فيقول فيها:
على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى*** فقد طمست أعلامه في العوالم
وقد صار إقبال الورى واحتيالهم *** على هذه الدنيا وجمع الدراهم
يعادون فيها بل يوالون أهلها *** سواء لديهم ذو التقى والجرائم
إذا انتقص الإنسان منها بما عسى *** يكون له ذخرا أتى بالعظائم
وابدى أعاجيبا من الحزن والأسى *** على قلة الأنصار من كل حازم
فأما على الدين الحنيفي والهدى *** وملة إبراهيم ذات الدعائم
فليس عليها والذي فلق النوى *** من الناس من باك وآس ونادم
وهكذا استمر فيها يذكر الغربة في ذلك الزمان، مع أنه فيه العلماء الكثير، وفيه العباد ولم تفش هذه المنكرات، ولم تظهر الخمور، ولم يظهر الفجور، ولم يحدث هذا الاختلاط، ولم يكثر الكفار، بل المسلمون عزيزون أقوياء، والموحدون مظهرون لدينهم، ولكن لما أنهم وجدوا هذا الذي فيه شيء من التحجر على الأخيار أن يظهروا خيرهم، عد ذلك من الغربة، الغربة الشديدة.
وهكذا أيضا في زمن الشيخ الحافظ الحكمي -رحمه الله- أظن أنه مات سنة سبع وسبعين من القرن الرابع عشر، أي بعد الثلاثين والألف ومع ذلك ظهرت في زمنه أيضا الغربة، يعني: استغرب ما وقع فيه الناس في زمانه، وأين هو من زماننا!
فله قصيدة دالية يقول فيها:
ولا نصيخ لعصري يفوه بما *** يناقض الشرع أو إياه يعتقد
يرى الطبيعة في الأشيا مؤثرة *** أين الطبيعة يا مخذول إذ وجدوا
وما مجلاتهم وردي ولا صدري *** وما لمعتنقيها في الفلاح يد
إذ يدخلون بها عاداتهم وسجا *** ياهم وحكم طواغيت لهم طردوا
محسنين لها كيما تروج على *** عمي البصائر ممن فاته الرشد
من أجل ذلك قد أضحى زنادقة *** كثيرهم لسبيل الغي قد قصدوا
يرون أن تبرز الأنثي بزينتها *** وبيعها البضع تأجيلاً وتنتقد
على صحائفهم يا صاح قد عكفوا *** ولو تلوت كتاب الله ما سجدوا
وعن تدبر حكم الشرع قد صرفوا *** وفي المجلات كل الذوق قد وجدوا
وللشوارب أعفوا واللحى نتفوا *** تشبهاً ومجاراة وما اتأدوا
قافة من سماج ساء ما ألفوا *** حضارة من [ مروج ] هم لها عمدوا
عصرية عصرت خبثاً فحاصلها *** سم نقيع ويا أغمار فازدردوا
إلى أن قال:
يا غـربة الدين والمستمسكين به *** كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد
هكذا يمثلون معنى:
يا غـربة الدين والمستمسكين به *** كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد
يشير بذلك إلى الحديث المشهور الذي فيه قول النبي-صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الزمان المستقبل زمان الغربة، فقال: "للعامل فيها أجر خمسين يعملون مثل عمله" وذكر سبب ذلك؛ وهو قلة الموافق وكثرة المخالف.
وذكر أن أحدهم، المتمسك بالسنة كقابض الجمر "كالقابض على الجمر" هذا في زمان الغربة: "المستمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد" .
ففي هذه الأزمنة علينا أن نحتسب حتى نكون من هؤلاء الذين وصفوا بأنهم الغرباء، الذين يصلحون عند فساد الناس، أو الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، أو الذين يفرون بدينهم من الفتن.
نسأل الله أن يرزقنا الصبر والاحتساب، وأن يجعلنا من الذين لا يخافون فيه لومة لائم، وأن يرزقنا القول بالحق واتباعه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد.
بسم الله الرحمن الرحيم
، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد...
فنحن في زمان الغربة، تحقق ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء"وسئل عن الغرباء فقال: "هم النزاع من القبائل أو الذين يصلحون عند فساد الناس أو الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي" أو الذين يفرون بدينهم من الفتن .
إنما النزاع من القبائل أي: أن من كل قبيلة فردا أو فردين، وبقية القبيلة ليسوا من هؤلاء الغرباء، وسموا غرباء؛ لأن أحدهم غريب بين الناس، يرى كأنه ليس من الناس، الناس في واد وهو في واد، جمهور الناس وأكثريتهم متوسعون في أمور دنياهم، ومنهمكون في شهواتهم وفي شغلهم ولهوهم.
والصالح منهم والمتمسك يرى مثل الشعرة في جلد البعير، الأكثرية من الناس هم الذين قد تغيروا عن ما كان عليه أسلافهم وآباؤهم وأجدادهم إلا من شاء الله.
ومعنى قوله: "وسيعود غريبا" أنه سيصبح الإسلام غريبا، وسيصبح أهله غرباء.
وقد تحققت هذه الغربة منذ زمان؛ قد روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: ما أغرب السنة! وأغرب منها من يعرفها!
فهذا في زمن الإمام أحمد الذي هو في أحد القرون الثلاثة المفضلة، فكيف بما بعده؟
وقد ذكروا أن بعض التابعين دخلوا على أنس -رضي الله عنه- واشتكوا إليه ما يلقون من الحجاج بن يوسف من الأذى، فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم".
وقد تحكم الغربة وتشتد في زمان، ثم تنحل بإذن الله ويتسع الأمر، ولكن الغالب والأكثر هو استحكامها إلا من شاء الله؛ ففي زمن أول القرن الرابع عشر الماضي حدث مثل هذه الغربة أو أشد؛ حيث ذكر الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- أنهم لما كانوا في ولاية آل رشيد منعوا من إظهار الخير، ومنعوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر كل أحد منهم أن يقتصر على نفسه، وفي ذلك أنشأ قصيدة ميمية منشورة في ديوانه، وذكر فيها ما يلاقيه أهل ذلك الزمان من غربة الدين فيقول فيها:
على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى*** فقد طمست أعلامه في العوالم
وقد صار إقبال الورى واحتيالهم *** على هذه الدنيا وجمع الدراهم
يعادون فيها بل يوالون أهلها *** سواء لديهم ذو التقى والجرائم
إذا انتقص الإنسان منها بما عسى *** يكون له ذخرا أتى بالعظائم
وابدى أعاجيبا من الحزن والأسى *** على قلة الأنصار من كل حازم
فأما على الدين الحنيفي والهدى *** وملة إبراهيم ذات الدعائم
فليس عليها والذي فلق النوى *** من الناس من باك وآس ونادم
وهكذا استمر فيها يذكر الغربة في ذلك الزمان، مع أنه فيه العلماء الكثير، وفيه العباد ولم تفش هذه المنكرات، ولم تظهر الخمور، ولم يظهر الفجور، ولم يحدث هذا الاختلاط، ولم يكثر الكفار، بل المسلمون عزيزون أقوياء، والموحدون مظهرون لدينهم، ولكن لما أنهم وجدوا هذا الذي فيه شيء من التحجر على الأخيار أن يظهروا خيرهم، عد ذلك من الغربة، الغربة الشديدة.
وهكذا أيضا في زمن الشيخ الحافظ الحكمي -رحمه الله- أظن أنه مات سنة سبع وسبعين من القرن الرابع عشر، أي بعد الثلاثين والألف ومع ذلك ظهرت في زمنه أيضا الغربة، يعني: استغرب ما وقع فيه الناس في زمانه، وأين هو من زماننا!
فله قصيدة دالية يقول فيها:
ولا نصيخ لعصري يفوه بما *** يناقض الشرع أو إياه يعتقد
يرى الطبيعة في الأشيا مؤثرة *** أين الطبيعة يا مخذول إذ وجدوا
وما مجلاتهم وردي ولا صدري *** وما لمعتنقيها في الفلاح يد
إذ يدخلون بها عاداتهم وسجا *** ياهم وحكم طواغيت لهم طردوا
محسنين لها كيما تروج على *** عمي البصائر ممن فاته الرشد
من أجل ذلك قد أضحى زنادقة *** كثيرهم لسبيل الغي قد قصدوا
يرون أن تبرز الأنثي بزينتها *** وبيعها البضع تأجيلاً وتنتقد
على صحائفهم يا صاح قد عكفوا *** ولو تلوت كتاب الله ما سجدوا
وعن تدبر حكم الشرع قد صرفوا *** وفي المجلات كل الذوق قد وجدوا
وللشوارب أعفوا واللحى نتفوا *** تشبهاً ومجاراة وما اتأدوا
قافة من سماج ساء ما ألفوا *** حضارة من [ مروج ] هم لها عمدوا
عصرية عصرت خبثاً فحاصلها *** سم نقيع ويا أغمار فازدردوا
إلى أن قال:
يا غـربة الدين والمستمسكين به *** كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد
هكذا يمثلون معنى:
يا غـربة الدين والمستمسكين به *** كقابض الجـمر صـبرا وهـو يتقد
يشير بذلك إلى الحديث المشهور الذي فيه قول النبي-صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الزمان المستقبل زمان الغربة، فقال: "للعامل فيها أجر خمسين يعملون مثل عمله" وذكر سبب ذلك؛ وهو قلة الموافق وكثرة المخالف.
وذكر أن أحدهم، المتمسك بالسنة كقابض الجمر "كالقابض على الجمر" هذا في زمان الغربة: "المستمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد" .
ففي هذه الأزمنة علينا أن نحتسب حتى نكون من هؤلاء الذين وصفوا بأنهم الغرباء، الذين يصلحون عند فساد الناس، أو الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، أو الذين يفرون بدينهم من الفتن.
نسأل الله أن يرزقنا الصبر والاحتساب، وأن يجعلنا من الذين لا يخافون فيه لومة لائم، وأن يرزقنا القول بالحق واتباعه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد.