مشاهدة النسخة كاملة : احاديث الاربعين النووية
موسى بن ربيع البلوي
03-24-2003, 12:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سوف اقوم هنا باذن الله بوضع شرحا للاحاديث النووية ( من كتاب الاربعين النوويه ) للامام النووي
.................
الحديث الاول :
انما الاعمال بالنيات
عن امير المؤمنين ابي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه " .
رواه البخاري ومسلم .
اهمية الحديث :
ان هذا الحديث من الاحاديث الهامة ، التي عليها مدار الاسلام ، فهو اصل في الدين وعليه تدور غالب احكامه ، ويتضح هذا من كلام العلماء ؛ قال ابو داود : ان هذا الحديث - انما الاعمال بالنيات - نصف الاسلام ؛ لان الدين اما ظاهر وهو العمل ، او باطن وهو النية . وقال الامام احمد والشافعي : يدخل في حديث : " انما الاعمال بالنيات " ثلث العلم ، وسبب ذلك ان كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه ، فالنية بالقلب احد االاقسام الثلاثة .ولذا استحب العلماء ان تستفتح به الكتب والمصنفات ، فجعله البخاري في اول صحيحه ، وابتدأ به النووي في كتبه الثلاثة " رياض الصالحين " و " الاذكار " و " الاربعين حديثا النووية " . وفائدة هذا البدء تنبيه طالب العلم ان يصحح نيته لوجه الله تعالى في طلب العلم وعمل الخير . ومما يدل على اهميته : ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب به ، كما في رواية البخاري ، ثم خطب به عمر . قال ابوعبيد : ليس في الاحاديث اجمع واغنى واكثر فائدة منه .
لغة الحديث :
" الحفص " : الاسد ، وابو حفص : كنية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه .
" انما " : اداة حصر تثبت المذكور بعدها وتنفي ما عداه .
" بالنيات " : جمع نية ، وهي في اللغة : القصد . وفي الاصطلاح : القصد المقترن بالفعل .
" امرئ " : انسان ، رجلا كان او امرأة .
" هجرته " : الهجرة لغة : الترك . وشرعا : مفارقة دار الكفر الى دار الاسلام خوف الفتنة ، والمراد بها في الحديث : الانتقال من مكة وغيرها الى المدينة قبل فتح مكة .
" الى الله " : الى محل رضاه نية وقصدا .
" فهجرته الى الله ورسوله " : قبولا وجزاء.
" لدنيا يصيبها " : لغرض دنيوي يريد تحصيله .
سبب ورود الحديث :
روى الطبراني في معجمه الكبير بإسناد رجاله ثقات ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها ام قيس ، فأبت ان تتزوجه حتى يهاجر ، فهاجر ، فتزوجها ، فكنا نسميه : مهاجر ام قيس .
وروى سعيد ابن منصور في سننه ، بسند على شرط الشيخين ، عن ابن مسعود قال : من هاجر يبتغي شيئا فإن ماله من ذلك مثل اجر رجل هاجر ليتزوج امرأة يقال لها ام قيس ، فقيل له مهاجر ام قيس .
فقه الحديث وما يرشد اليه :
1- اشتراط النية : اتفق العلماء على ان الاعمال الصادرة من المكلفين المؤمنين ، لاتصير معتبرة شرعا ، ولا يترتب الثواب على فعلها الا بالنية .
والنية في العبادة المقصودة ؛ كالصلاة والحج والصوم ، ركن من اركانها ، فلا تصح الا بها ، واما ما كان وسيلة ؛ كالوضوء والغسل فقال الحنفية : هي شرط كمال فيها ، لتحصيل الثواب . وقال الشافعية وغيرهم : هي شرط صحة ايضا ، فلا تصح الوسائل الا بها .
2- وقت النية ومحلها : وقت النية اول العبادة ، كتكبيرة الاحرام بالصلاة ، والاحرام بالحج ، اما الصوم فتكفي النية قبله لعسر مراقبة الفجر .
ومحل النية القلب ؛ فلا يشترط التلفظ بها ؛ ولكن يستحب ليساعد اللسان على استحضارها .
ويشترط فيها تعيين المنوي وتمييزه عن غيره ، فلا يكفي ان ينوي الصلاة بل لابد من تعيينها بصلاة الظهر او العصر .... الخ .
3- وجوب الهجرة : الهجرة من ارض الكفار الى ديار الاسلام واجبة على المسلم الذي لا يتمكن من اظهار دينه ، وهذا الحكم باق وغير مقيد ؛ واما خبر " لا هجرة بعد الفتح " فالمقصود به " لاهجرة من مكة بعد فتحها ، لانها صارت دار الاسلام .
وتطلق الهجرة على : مانهى الله عنه ( والمهاجر ما هجر ما نهى الله عنه ) ، وهجر المسلم اخاه فوق ثلاث ايام ، وهجر المرأة فراش زوجها . وقد يجب على المسلم ان يهجر اخاه المسلم العاصي ، كما يجوز له ان يهجر زوجته الناشزة تأديبا .
4- يفيد الحديث ان من نوى عملا صالحا ، فمنعه من القيام به عذر قاهر ، من مرض او وفاة ، او نحو ذلك ، فإنه يثاب عليه . قال البيضاوي : والاعمال لا تصح بلا نية ، لان النية بلا عمل يثاب عليها ، والعمل بلا نية هباء ، ومثال النية في العمل كالروح في الجسد ، فلا بقاء للجسد بلا روح ، ولا ظهور للروح في هذا العالم من غير تعلق بجسد .
5- ويرشدنا الى الاخلاص في العمل والعبادة حتى نحصّل الاجر والثواب في الآخرة ، والتوفيق والفلاح في الدنيا .
6- كل عمل نافع وخير يصبح بالنية والاخلاص وابتغاء رضاء الله تعالى عبادة .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغاــــ محي الدين مستو
موسى بن ربيع البلوي
03-24-2003, 12:54 AM
الحديث الثاني :
الإسلام والإيمان والإحسان
عن عمر رضي الله عنه قال : " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه الى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال : صدقت . فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ، قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال : صدقت . قال فأخبرني عن الإحسان ، قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال : فأخبرني عن الساعة ، قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . قال : فأخبرني عن أماراتها ، قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ، ثم انطلق ، فلبثت مليا ، ثم قال : يا عمر ، أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " .
رواه مسلم .
أهمية الحديث :
قال ابن دقيق العيد : هذا الحديث عظيم اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة ، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه ؛ لما تضمنه من جمعه علم السنة ، فهم كالأم للسنة ؛ كما سميت الفاتحة " أم القرآن " ؛ لما تضمنته من جمعها معاني القرآن .
وهو من الأحاديث المتواترة ؛ لأنه ورد من رواية ثمانية من الصحابة الكرام هم : أبو هريرة ، وعمر ، وأبو ذر ، وأنس ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأبو عامر الأشعري ، وجرير البجلي رضي الله عنهم .
لغة الحديث :
" بينما " : بين ظرف زمان ، وما زائدة . وفي رواية " بينا " .
" إذ طلع " : إذ حرف مفاجأة . أي خرج علينا فجأة .
" ووضع كفيه على فخذيه " : أي فخذي نفسه كهيئة المتأدب . وفي رواية النسائي " فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم " والرواية الأولى أصح وأشهر .
" أخبرني عن الإسلام ؟ " : أخبرني عن حقيقته وأعماله شرعا ، وكذلك " أخبرني عن الإيمان " و "الإحسان" .
" فعجبنا له يسأله ويصدقه " : أي أصابنا العجب من حاله ، وهو يسأل سؤال العارف المحقق المصدق . أو عجبنا ؛ لأن سؤاله دل على جهله بالمسؤول عنه ، وتصديقه يدل على علمه به .
"أن تؤمن بالله .... " : الإيمان لغة التصديق والجزم في القلب ، وشرعا : التصديق بما ذكر في الحديث .
" فأخبرني عن الساعة " : أخبرني عن وقت مجيئ يوم القيامة .
" أماراتها " : بفتح الهمزة جمع أمارة : وهي العلامة . والمراد علاماتها التي تسبق قيامها .
" أن تلد الأمة ربتها " : أي سيدتها . وفي رواية " ربها " أي : سيدها . والمعنى أن من علامات الساعة كثرة اتخاذ الإماء ووطئهن بملك اليمين ، فيأتين بأولاد أحرار كآبائهم ، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها ، لأن ملك الوالد صائر الى ولده ، فهو ربها من هذه الجهة . وقيل : هو كناية عن كثرة عقوق الأولاد حتى يخاف الوالد من ولده كما يخاف الرقيق من سيده . والعبارة كناية عن فساد الزمن وانقلاب الأحوال .
" الحفاة العراة العالة " : الحفاة : جمع حاف ، وهو من لا نعل في رجليه . العراة : جمع عار ، وهو من لا ثياب على جسده . العالة : جمع عائل ، وهو الفقير .
" رعاء الشاء " : جمع راع ، وهو الحافظ ، ويجمع على رعاة أيضا . والشاء : جمع شاة ، وهو واحدة الضأن .
" يتطاولون في البنيان " : يبنون الأبنية العالية تفاخرا ورياء .
" فلبثت مليا " : انتظرت وقتا طويلا ؛ أي غبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال كما في رواية ثم لقيته .
فقه الحديث وما يرشد اليه :
1- تحسين الثياب والهيئة : يستحسن ارتداء الثياب النظيفة ، والتطيب بالرائحة الزكية لدخول المسجد وحضور مجالس العلم ، والتأدب في مجالس العلم مع العلماء ، فإن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى معلما للناس بحاله ومقاله .
2- ماهو الإسلام ؟ : الإسلام لغة : الإنقياد والإستسلام لله تعالى . وهو شرعا : قائم على أسس خمس : شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة في أوقاتها كاملة الشروط والأركان ، مستوفاة السنن والآداب ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت الحرام مرة في العمر على من قدر عليه وتوفر له مؤونة السفر من الزاد والراحلة ونفقة الأهل والعيال .
3- ما هو الإيمان ؟ : الإيمان لغة : التصديق ، وشرعا : التصديق الجازم بوجود الله الخالق وأنه سبحانه واحد لاشريك له .
والتصديق بوجود خلق لله هم الملائكة ، وهم عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، خلقهم الله من نور ، لا يأكلون ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يتناسلون ، ولا يعلم عددهم إلا الله تعالى .
والتصديق بالكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى ، وأنها شرع الله قبل أن تنالها أيدي الناس بالتحريف والتبديل .
والتصديق بجميع الرسل الذين اختارهم الله لهداية خلقه ، وأنزل عليهم الكتب السماوية ، والاعتقاد أن الرسل بشر معصومون .
والتصديق بيوم آخر ، يبعث الله فيه الناس من قبورهم ، ويحاسبهم على أعمالهم ويجزيهم عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
والتصديق بإن كل ما يجري في هذا الكون هو بتقدير الله تعالى وإراداته ، لحكمة يعلمها الله تعالى .
هذه هي أركان الإيمان ، ومن اعتقد بها نجا وفاز ، ومن جحدها ضل وخاب ؛ قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أَنزل من قبل ، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) [ النساء : 136 ] .
4- الإسلام والإيمان : ومما تقدم تعلم أن الإسلام والإيمان حقيقتان متباينتان لغة وشرعا ، وهذا هو الأصل في الأسماء المختلفة ، وقد يتوسع الشرع فيطلق احدهما على الاخر على سبيل التجوز . ولا عبرة بإيمان دون إسلام ، كما لاعبرة بإسلام دون إيمان ؛ لإنهما متلازمان ، فلا بد من الإيمان بالقلب والعمل بالأعضاء .
5- ماهو الإحسان ؟ : الإحسان هو الإخلاص والإتقان ، أي تخلص في عبادة الله وحده في تمام الإتقان كأنك تراه وقت عبادته ، فإن لم تقدر على ذلك فتذكر أن الله يشاهدك ويرى منك كل صغير وكبير .
6- الساعة وأماراتها : علم وقت قيام القيامة ، مما اختص الله بعلمه ، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه ملكا كان أو رسولا ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " . ولكنه أجابه عن بعض أماراتها التي تسبقها وتدل على قربها :
أ- فساد الزمن ، وضعف الأخلاق ، حيث يكثر عقوق الأولاد ومخالفتهم لآبائهم فيعاملونهم معاملة السيد لعبيده .
ب- انعكاس الأمور واختلاطها ؛ حتى تصبح أسافل الناس ملوك الأمة ورؤساءها ، وتسند الأمور لغير أهلها ، ويكثر المال في أيدي الناس ، ويكثر البذخ والسرف ، ويتباهى الناس بعلو البنيان ، وكثرة المتاع والأثاث ، ويُتعالى على الخلق ويملك أمرهم من كانوا في فقر وبؤس ، ويعيشون على إحسان الغير من البدو والرعاة وأشباههم .
7- السؤال عن العلم : المسلم إنما يسأل عن ما ينفعه في دنياه أو آخرته ، ويترك السؤال عما لا فائدة فيه . كما ينبغي لمن حضر مجلس علم ، ولمس أن الحاضرين بحاجة إلى مسألة ما ، ولم يسأل عنها أحد ، أن يسأل هو عنها و إن كان هو يعلمها ، لينتفع أهل المجلس بالجواب . ومن سئل عن شيئ لا يعلمه وجب عليه أن يقول : لا أعلم ، وذلك دليل ورعه وتقواه وعلمه الصحيح .
8- من أساليب التربية : طريقة السؤال والجواب ، من الأساليب التربوية الناجحة قديما وحديثا ، وقد تكررت في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في كثير من الأحاديث النبوية ؛ لما فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذهانهم لتلقي الجواب الصحيح .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغا ـ محي الدين مستو
موسى بن ربيع البلوي
03-27-2003, 02:13 AM
أركان الإسلام ودعائمه العظام
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان " .
رواه البخاري ومسلم .
أهمية الحديث :
حديث " أركان الإسلام " حديث عظيم جدا ، فهو أحد قواعد الإسلام وجوامع الأحكام ، إذ فيه معرفة الدين وما يعتمد عليه ومجمع أركانه ، وهذه الأركان منصوص عليها في القرآن الكريم .
لغة الحديث :
" بني " : فعل ماض مبني للمجهول من بنى يبني بناء أي أُسس .
" على خمس " : وفي رواية " على خمسة " أي خمس دعائم أو خمسة أركان ، و " على " بمعنى : من .
" شهادة " : أي الإقرار والتصديق .
" أن لا إله إلا الله " : أن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف ، وأصلها أنه : أي الشأن والأمر .
" إقام الصلاة " : المداومة عليها ، وفعلها كاملة الشروط والأركان ، مستوفية السنن والآداب .
فقه الحديث وما يرشد إليه :
1- بناء الإسلام : يشبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام الذي جاء به - والذي يخرج به الإنسان من دائرة الكفر ويستحق عليه دخول الجنة والمباعدة من النار - بالبناء المحكم ، القائم على أسس وقواعد ثابتة ، ويبين أن هذه القواعد التي قام عليها وتم هي :
1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله : ومعناها الإقرار بوجود الله تعالى ووحدانيته ، والتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته ، وهذا الركن هو كالأساس بالنسبة لبقية الأركان ، قال عليه الصلاة والسلام " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " رواه البخاري ومسلم . وقال عليه الصلاة والسلام : " من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة " حديث صحيح أخرجه البزار .
2- إقام الصلاة : والمراد المحافظة على الصلاة والقيام بها في أوقاتها ، وأداؤها كاملة بشروطها وأركانها ، ومراعاة أدابها وسننها ، حتى تؤتي ثمرتها في نفس المسلم فيترك الفحشاء والمنكر ، قال تعالى : ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) [ العنكبوت : 45 ] . والصلاة شعار المسلم ، وعنوان المؤمن ، قال صلى الله عليه وسلم : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " أخرجه مسلم وغيره . وقال " الصلاة عماد الدين " حديث حسن أخرجه أبو نعيم .
3- إيتاء الزكاة : وهي إعطاء نصيب معين من المال - ممن ملك النصاب ، وتوفرت فيه شروط الوجوب والأداء - للفقراء والمستحقين . قال الله تعالى في وصف المؤمنين : ( والذين هم للزكاة فاعلون ) [ المؤمنون : 4 ] وقال ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) [ المعارج : 24 ] ، وهي عبادة مالية تتحقق بها العدالة الاجتماعية ، ويقضي بها على الفقر والعوز ، وتسود المودة والعطف والاحترام بين النسلمين .
4- الحج : وهو قصد المسجد الحرام في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة ، والقيام بما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مناسك ، وهو عبادة مالية وبدنية تتحقق فيه منافع كثيرة للفرد والمجتمع ، وهو فوق ذلك كله مؤتمر إسلامي كبير ، ومناسبة عظيمة لالتقاء المسلمين من كل بلد ، قال الله تعالى ( و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) [ الحج 27 - 28 ] . ولذا كان ثواب ثواب الحج عظيما وأجره وفيرا ، قال عليه الصلاة والسلام " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " . وقد فرض الحج في السنة السادسة من الهجرة بقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) [ آل عمران : 97 ] .
5- صوم رمضان : وقد فرض في السنة الثانية للهجرة بقوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) [ البقرة : 185 ٍ] . زهز عبادة فيها تطهير للنفس ، وسمو للروح ، وصحة للجسم ، قال عليه الصلاو والسلام : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له تقدم من ذنبه " .
2- ارتباط أركان الإسلام بعضها ببعض : من أتى بهذه الأركان كاملة كان مسلما كامل الإيمان ، ومن تركها كان كافرا قطعا ، ومن أنكر واحدة منها كان غير مسلم بالإجماع ، ومن اعتقد بها جميعا وأهمل واحدة منها - غير الشهادة - كسلا فهو فاسق ، ومن أتى بالإعمال وأقر بلسانه مجاملة فهو منافق .
3- غاية العبادات : ليس المراد بالعبادات في الإسلام صورها وأشكالها ، وإنما المراد غايتها ومهناعا مع القيام بها ، فلا تنفع صلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ، كما لايفيد صوم لا يترك فاعله الزور والعمل به ، كما لا يقبل حج أوزكاة فعل للرياء والسمعة . ولا يعني ذلك ترك هذه العبادات ‘ذا لم تحقق ثمرتها ، إنما المراد حمل النفس على الإخلاص بها وتحقيق المقصود منها .
4- شعب الإيمان : ليس هذه الأمور المذكورة في الحديث كل شيئ في الإسلام ، وإنما اقتصر على ذكرها لأهميتها ، وهناك أمور كثيرة غيرها ؛قال عليه الصلاة والسلام : " الإيمان بضع وسبعون شعبة " متفق عليه .
5 - ويفيد الحديث أن الإسلام عقيدة وعمل ،فلا ينفع عمل دون إيمان ، كما أنه لا وجود للإيمان دون عمل .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغاــــ محي الدين مستو
موسى بن ربيع البلوي
03-27-2003, 02:17 AM
أطوار خلق الإنسان وخاتمته
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : " إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلماتٍ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ‘لا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " .
رواه البخاري ومسلم .
أهمية الحديث :
هذا الحديث عظيم جامع لأحوال الإنسان من مبدأ خلقه ومجيئه إلى هذه الحياة الدنيا إلى آخر أحواله من الخلود في دار السعادة أو دار الشقاء بما كان منه في الحياة الدنيا من كسب وعمل ، وفق ما سبق في علم الله فقدره وقضاه .
لغة الحديث :
" الصادق " : في جميع ما يقوله ؛ إذ هو الحق الصدق المطابق للواقع .
" المصدوق " : فيما أوحي إليه ، لأن الملك جبريل يأتيه بالصدق ، والله سبحانه وتعالى يصدقه فيما وعده به .
" يجمع " : يضم ويحفظ ، وقيل يُقدر ويجمع .
" خلقه " : أي مادة خلقه ، وهو الماء الذي يخلق منه .
" في بطن أمه " : في رحمها .
" نطفة " : أصل النطفة الماء الصافي ، والمراد هنا : منياً .
" علقة " : قطعة دم لم تيبس ، وسميت " علقة " لعلوقها بيد الممسك بها .
" مضغة " : قطعة لحم بقدر ما تمضغ .
" فيسبق عليه الكتاب " : الذي سبق في علم الله تعالى ، أو اللوح المحفوظ ، أو الذي سبق في بطن الأم .
فقه الحديث وما يرشد إليه :
1- أطوار الجنين في الرحم : يدل هذا الحديث على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يوماً في ثلاثة أطوار ، في كل أربعين يوماً منها يكون في طور ؛ فيكون في الأربعين الأولى نطفة ، ثم في الأربعين الثانية علقة ، ثم في الأربعين الثالثة مضغة ، ثم بعد المائة وعشرين يوماً ينفخ فيه الملك الروح ، ويكتب له هذه الكلمات الأربعة ، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز تقلب الجنين في هذه الأطوار ؛ فقال تعالى : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ) [ الحج : 5 ] .
وقال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ المؤمنون : 12-14 ] . وفي هذه الآية ذكر الله الأطوار الأربعة المذكورة في الحديث وزاد عليها ثلاثة أطوار أخرى ، فأصبحت سبعاً ، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : خلق ابن آدم من سبع . ثم يتلو هذه الآية .
والحكمة في خلق الله تعالى للأنسان بهذا الترتيب ووفق هذا التطور والتدرج من حال إلى حال ، مع قدرته سبحانه وتعالى على إيجاده كاملاً في أسرع لحظة : هي انتظام خلق الإنسان مع خلق كون الله الفسيح وفق أسباب ومسببات ومقدمات ونتائج ، وهذا أبلغ في تبيان قدرة الله .... كما نلحظ في هذا التدرج تعليم الله تعالى لعباده التأني في أمورهم والبعد عن التسرع والعجلة ، وفيه إعلام الإنسان بأن حصول الكمال المعنوي له إنما يكون بطريق التدرج نظير حصول الكمال الظاهر له في تدرجه في مراتب الخلق وانتقاله من طور إلى طور إلى أن يبلغ أشده ، فكذلك ينبغي له في مراتب السلوك أن يكون على نظير هذا المنوال وإلا كان راكبا متن عمياء وخابطاً خبط عشواء .
2- نفخ الروح : اتفق العلماء على أن الروح في الجنين يكون بعد مضي مائة وعشرين يوماًعلى الإجتماع بين الزوجين ، وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس ، وهذا موجود بالمشاهدة وعليه يعوّل فيما يُحتاج إليه من الأحكام من الاستلحاق ووجوب النفقات ، وذلك للثقة بحركة الجنين في الرحم ، ومن هنا كانت الحكمة في أن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ؛ لتحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة دون ظهور أثر الحمل .
والروح : ما يحيا به الإنسان ، وهو من أمر الله تعالى ؛ كما أخبر في كتابه العزيز ( ويسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] . وفي شرح للنووي : الروح : جسم لطيف سار في البدن مشتبك به اشتباك الماء بالعود الأخضر . وفي إحياء علوم الدين للغزالي : الروح : جوهر مجرد متصرف في البدن .
3- تحريم إسقاط الجنين : اتفق العلماء على تحريم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه ؛ واعتبروا ذلك جريمة لا يحل للمسلم أن يفعله ،لأنه جناية على حي متكامل ، وتجب الدية في اسقاطه إن نزل حي ثم مات ، وعقوبة مالية أقل منها إن نزل ميتاً .
وأما إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه فحرام أيضاً ، وإلى ذلك ذهب أغلب الفقهاء ، والدليل أحاديث صحيحة أفادت أن التخليق يبدأ في النطفة بعد أن تستقر في الرحم ؛ فقد روى مسلم عن حذيفة بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مر بالنطفة اثنان وأربعون ليلة - وفي رواية بضع وأربعون ليلة - بعث الله ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها " .
وفي كتاب " جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي ص 42 : " وقد رخّص طائفة من الفقهاء للمرأة في إسقاط ما في بطنها ما لم ينفخ فيه الروح وجعلوه كالعزل ، وهو قول ضعيف . لأن الجنين ولدٌ انعقد وربما تصور ، وفي العزل لم يوجد ولد بالكلية ، وإنما تسبب إلى منع انعقاده ، وقد لا يمتنع بالعزل إذا أراد الله خلقه" .
وفي " إحياء علوم الدين " للغزالي 2/51 : " وليس هذا - أي العزل - كالإجهاض والوأد ؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل ، والوجود له مراتب ، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة ، وإفساد ذلك جناية ، فإن صارت نطفة فعلقة كانت الجناية أفحش ، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشاً ، ومنتهى التفاحش في الجناية هي بعد الانفصال حياً " .
4- علم الله تعالى : إن الله تعالى يعلم أحوال الخلق قبل أن يخلقهم ، فما يكون منهم شيئ من إيمان وطاعة أو كفر ومعصية ، وسعادة وشقاوة ؛ إلا بعلم الله وإرادته ، وقد تكاثرت النصوص بذكر الكتاب السابق ؛ ففي البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نفس منفوسة إلا كتب الله مكانها من الجنة أو النار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة ، فقال رجل : يارسول الله ! أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، ثم قرأ : ( فأما من أعطى وأتقى . وصدق بالحسنى .... الآيتين ) [ الليل : 5 - 6 ] .
وعلى ذلك فإن علم الله لا يرفع عن العبد الاختيار والقصد ؛ لأن العلم صفة غير مؤثرة ، وقد أمر الله تعالى الخلق بالإيمان والطاعة ، ونهاهم عن الكفر والمعصية ، وذلك برهان على أن للعبد اختياراً وقصداً إلى ما يريد ، وإلا كان أمر الله تعالى ونهيه عبثاً ، وذلك محال ، قال الله تعالى : ( ونفس وماسواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) [ الشمس : 7 - 10 ] .
5- الاحتجاج بالقدر : لقد أمرنا الله تعالى بالإيمان به وطاعته ، ونهانا عن الكفر به سبحانه وتعالى ومعصيته ، وذلك ما كلفنا به ، وما قدره الله لنا أو علينا مجهول لا علم لنا به ولسنا مسؤولين عنه ، فلا يحتج صاحب الضلالة والكفر والفسق بقدر الله وكتابته وإرادته قبل وقوع ذلك منه قال الله تعالى : " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) [ التوبة : 105 ] .
أما بعد وقوع القدر يكون الاحتجاج بالقدر مأذوناً به ، لما يجد المؤمن من راحة عند خضوعه لقضاء الله تعالى ، وقضاء الله تعالى للمؤمن يجري بالخير في صورتي السراء والضراء .
6- الأعمال بالخواتيم : روى البخاري عن سهل بن سعد ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما الأعمال بالخواتيم " . ومعنى ذلك أن من كتب له الإيمان والطاعة آخر العمر ، قد يكفر بالله ويعصي الله حيناً ، ثم يوفقه الله تعالى إلى الإيمان والطاعة في فترة من الزمان قبل آخر عمره ، ويموت على ذلك فيدخل الجنة ، ومن كتب عليه الكفر والفسوق آخر العمر ، قد يؤمن ويطيع حيناً ، ثم يخذله الله - بكسب العبد وعمله وإرادته - فينطق بكلمة الكفر ، ويعمل بعمل أهل النار ، ويموت على ذلك فيدخل النار .
فلا يغترّنّ بظاهر حال الإنسان ؛ فإن العبرة بالخواتيم ، ولا يأس من ظاهر حال الإنسان ؛ فإن العبرة بالخواتيم ، نسأل الله نعالى الثبات على الحق والخير وحسن الخاتمة .
7- كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعائه : " يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " وروى مسلم : " إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلب واحد يصرفه كيف يشاء " ثم قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم مصرف القلوب ، صرف قلوبنا على طاعتك " .
8- قال ابن حجر الهيتمي : ( إن خاتمة السوء تكون - والعياذ بالله - بسبب دسيسة باطنية للعبد ، ولا يطلع عليها الناس ، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خير خفية تغلب عليه آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة . وحكى عبد العزيز بن داود قال : حضرت عند محتضر لقن الشهادتين فقال : هو كافر بهما ، فسأل عنه ، فإذا هو مدمن خمر . وكان عبد العزيز يقول : اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته ) .
9- أشار هذا الحديث النبوي إلى مراحل نمو الجنين في الرحم ، ولم يكشف علم التشريح وعلم الأجنة عن هذه المراحل إلا في العصر الحديث ، وهو إعجاز علمي ظاهر في القرآن الكريم والسنة النبوية .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغا ـ محي الدين مستو
موسى بن ربيع البلوي
03-27-2003, 02:22 AM
إبطال المنكرات والبدع
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". رواه البخاري ومسلم . وفي رواية مسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
أهمية الحديث :
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام : وكما أن حديث " إنما الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها ، وكل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب؛ فكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا ميزان للأعمال في ظاهرها ، وكل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله ، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شئ .
قال النووي رحمه الله تعالى : هذا الحديث ينبغي حفظه وإشهاده في إبطال المنكرات .
وقال ابن حجر الهيتمي : هو قاعدة من قواعد الإسلام و أعمها نفعاً من جهة منطوقه ؛ لأنه مقدمة كلية في كل دليل يستنتج منه حكم شرعي .
لغة الحديث :
" من أحدث " : أنشأ واخترع من قبل نفسه وهواه .
" في أمرنا " : في ديننا وشرعنا الذي ارتضاه الله لنا .
" ما ليس منه " : مما ينافيه ويناقضه ، أو لا يشهد له شئ من قواعده وأدلته العامة .
" فهو رد " : مردود على فاعله لبطلانه وعدم الاعتداد به .
فقه الحديث وما يرشد إليه :
1- الإسلام اتباع لا ابتداع : والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حفظ الإسلام من غلو المتطرفين وتحريف المبطلين بهذا الحديث الذي يعتبر من جوامع الكلم ، وهو مستمد من آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل ، نصت على أن الفلاح والنجاة في اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تزيد أو تنطع ؛ كقوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ) [ آل عمران : 31 ] وقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [ الأنعام : 153 ] .
وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبه : " خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " ورواه البيهقي وفيه زيادة " وكل ضلالة في النار " .
2- الأعمال المردودة : والحديث نص صريح في رد كل عمل ليس عليه أمر الشارع ؛ ومنطوقه يدل على تقييد الأعمال بأحكام الشريعة ، واحتكامها كأفعال للمكلفين بما ورد في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوامر ونواهٍ ، والضلال كل الضلال أن تخرج العمال عن نطاق أحكام الشريعة فلا تتقيد بها ، وأن تصبح الأعمال حاكمة على الشريعة لا محكومة لها ، ومن واجب كل مسلم حينئذٍ أن يحكم عليها بأنها أعمال باطلة ومردودة ، وهي قسمان : عبادات ومعاملات .
أ- أما العبادات : فما كان منها خارجاً عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على صاحبه ، وهو داخل تحت قوله تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) [ الشورى : 21 ] ومثال ذلك أن يتقرب إلى الله تعالى بسماع الأغاني ، أو بالرقص ، أو بالنظر إلى وجوه النساء ، أو يكشف الرأس في غير الإحرام . أو بما أشبه ذلك من محدثات البشر وجنون العصر ، وهؤلاء وغيرهم ممن أعمى الله بصيرته عن اتباع سبيل الحق ، واتبع سبل الشيطان ، يدّعون أنهم يتقربون إلى الله بما أحدثوه من أفكار وضلالات ، وهم في باطلهم كالعرب المشركين الذين ابتدعوا عبادات وقربات ما أنزل الله بها من سلطان ، وقال الله عز وجل عنهم : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مُكاءً وتصديةً ) [ الأنفال : 35 ] .
وقد يظن بعضهم أن ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقاً ، ومثال ذلك الرجل الذي نذر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد وأن يستظل وأن يتم صومه " .
وفي كتب الفقه تفصيل أحكام العبادات في الإسلام وما يرد منها ويبطل عند إحداث زيادة أو نقص عما ثبت عن المشرع الحكيم .
ب- وأما المعاملات : كالعقود والفسوخ ، فما كان منافياً للشرع بالكلية فهو باطل مردود ، دليل ذلك ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد جاءه سائل يريد أن يغير حد الزنا المعهود إلى فداء من المال والمتاع ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال وأبطل ما جاء به ، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه سائل فقال : " إن ابني كان عسيفاً على فلان فزنى بامرأته ، فافتديت منه بمائة شاة وخادم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : المائة الشاة والخادم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام " .
وكذلك كل عقد نهى عنه الشرع ، أو أخل المتعاقدين بركن من أركانه أو شرط من شروطه ؛ فهو عقد باطل ومردود ، وتفصيل ذلك في كتب الفقه .
3- الأعمال المقبولة : وهناك أعمال وأمور مستحدثة ، لا تنافي أحكام الشريعة ، بل يوجد في أدلة الشرع وقواعده ما يؤيدها ، فهذه لا ترد على فاعلها بل هي مقبولة ومحمودة ، وقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم كثيراً من ذلك واستجازوه ، وأجمعوا على قبوله ، وأوضح مثال على ذلك جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مصحف واحد ، وكتابة نسخ منه وإرسالها إلى الأمصار مع القراء في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .. ومثله الكتابة في علوم النحو والفرائض والحساب ، والتفسير ، والكلام على الأسانيد ومتون الحديث ... وغير ذلك من العلوم النظرية التي تخدم مصادر التشريع الأساسية ، أو العلوم التجريبية النافعة التي تخدم الناس في معيشتهم ، وتصل بهم إلى إعداد القوة وإعمار الأرض ، والتمكين لشرع الله ، والحكم بما أنزل الله .
4- البدعة المذمومة والبدعة المحمودة : ونصل بعد الكلام على الأعمال المردودة والأعمال المقبولة إلى نتيجة واضحة وحاسمة ، وهي أن بعض الأعمال المبتدعة المخالفة لشرع الله هي بدع سيئة وضالة ، وبعض الأعمال المستحدثة لا تخالف الشرع ، بل هي موافقة له مقبولة فيه ، فهذه أعمال مقبولة ومحمودة ، ومنها ما هو مندوب ، ومنها ما هو فرض كفاية ، ومن هنا قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعا ًأو أثراً فهو البدعة الضالة ، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو البدعة المحمودة " .
والبدعة السيئة قد تكون مكروهة وقد تكون حراماً لضررها وفسادها ومخالفتها مقاصد الإسلام وضروراته ؛ وقد تصل بالإنسان إلى الكفر والزيغ والضلال كالانتماء إلى الهيئات والجماعات التي تنكر الوحي أو تتنكر لشرع الله ، أو تنادي بتحكيم القوانين الوضعية ، وترى في تحكيم شرع الله تخلفاً وضعفاً . وكالانتماء إلى جماعة يدعون التصوف ، ويستحلون التهاون في التكاليف الشرعية ، ولا يقفون عند حدود ما أحله الله وما حرمه ، أو يقولون بوحدة الوجود والحلول . وغيرها من الأحوال والأقوال الضالة الكافرة ... ومن البدع السيئة عند عامة الناس تعظيم بعض الأشياء والتبرك بها واعتقاد النفع فيها، كتعظيم نحو عين وشجرة وضريح ، وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم مروا بشجرة سدر قبل حنين ، كان المشركون يعظمونها وينوطون بها أسلحتهم ، فقالوا يارسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة . ثم قال : إنكم قوم تجهلون ، لتركبن سنن من كان قبلكم " .
5- فائدة رواية مسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أن بعض المعاندين ببدعة سُبق إليها ، يرد على احتجاجنا عليه بالرواية الأولى فيقول : أنا ما أحدثت في الدين شيئاً . فنروي له رواية مسلم " من عمل عملاً ..... " فتفهمه .
6- وفي الحديث أن من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه ، وعمله مردود عليه ، وأنه يستحق الوعيد .
7- وفيه أن النهي يقتضي الفساد .
8- الدين الإسلامي كامل لا نقص فيه .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغا ـ محي الدين مستو
موسى بن ربيع البلوي
06-13-2003, 11:16 PM
شرح متن الأربعين النووية
(الحديث السادس)
إن الحلال بين وإن الحرام بين
وعن أبي عبد الله النعمان بن البشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب رواه البخاري ومسلم.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا الحديث -حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- عَدَّه العلماء ثلث الدين أو ربع الدين ؛ فإن الإمام أحمد قال: أحاديث الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: إنما الأعمال بالنيات وحديث عائشة السابق: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وحديث النعمان بن بشير.
وذلك أن حديث النعمان دَلَّ على أن الأشياء منقسمة إلى حلال بَيِّن، وإلى حرام بَيِّن ، وإلى مشتبه.
فالحلال البَيِّن والحرام البَيِّن واضح الحكم، والمشتبه جاء حكمه في هذا الحديث، والحلال يحتاج إلى نية، وإلى متابعة، وعدم إحداث فيه من أمور العبادات والمعاملات ، وكذلك الحرام يحتاج إلى نية في تركه حتى يؤجر عليه، إلى آخر ذلك.
فصار هذا الحديث ثلث الإسلام.
وأبو داود صاحب السنن جعل الأحاديث أربعة، وزاد عليها حديث: الدين النصيحة الحديث الذي سيأتي بعد هذا -إن شاء الله تعالى.
هذا يدل على أن هذا الحديث موضعه عظيم في الشريعة؛ فهو ثلث الدين لمن فهمه، ففيه أن الأحكام ثلاثة: حلال بَيِّن واضح لا اشتباه فيه، وحرام بَيِّن واضح لا اشتباه فيه، وثالث مشتبه لا يعلمه كثير من الناس، ولكن يعلمه بعضهم.
فالحلال البَيِّن الواضح من أتاه فهذا على بينة، بين للناس، والحرام البين الواضح أيضا بَيِّن للناس، لا اشتباه فيه، فمن انتهى عنه فهو مأجور، ومن وقع فيه فهو مأزور.
وهناك ما هو مشتبه، ومن أجل هذا المشتبه جاء هذا الحديث من الرءوف الرحيم -عليه الصلاة والسلام-، فقال: الحلال بَيِّنٌ، والحرام بَيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهات .
الحلال البين مثاله أنواع المأكولات المباحة، تأكل اللحم والخبز، وتشرب الماء إلى آخره ، أنواع العلاقات المالية المباحة، البيع الواضح، الصرف الواضح إلى آخره، أنواع الإجارة الواضحة ، الزواج الواضح، وأشباه ذلك مما اكتملت فيه الشروط ولا شبهة فيه، فهذا بين يعلمه الناس، وأيضا هو درجات.
والحرام بين -أيضا- واضح مثل حرمة الخمر، وحرمة السرقة، وحرمة الزنا، وحرمة قذف الغافلات المؤمنات، وحرمة الرشوة، وأشباه ذلك مما الكلام فيها واضح لا اشتباه فيه.
القسم الثالث: قال: وبينهما أمور مشتبهات قال -عليه الصلاة والسلام-: "وبينهما" فجعل هذا القسم بين الحلال والحرام؛ وذلك لأنه يجتذبه الحلال تارة، ويجتذبه الحرام تارة عند من اشتبه عليه، فالذي اشتبه عليه هذا الأمر يكون عنده بين الحلال والحرام، لا يدري هل هو حرام أو هو حلال، إن نظر فيه من جهة قال هو حلال، وإن نظر فيه من جهة جعله حراما، وهذا عند كثير من الناس، وأما الراسخون في العلم فيعلمونه، يعلمون حكمه، هل هو حلال أو حرام؟.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فدل قوله: لا يعلمهن كثير على أن هناك كثيرا من الناس يعلمون الحكم.
هذه المشتبهات اختلف العلماء في تفسيرها، ما هي المشبهات؟ في أقوال كثيرة جدا، وصُنِّفَتْ فيها مصنفات، وشروح هذا الحديث في الكتب المطولة طويل أيضا في تفسير المشتبهات، ووضوحها ينبني على فهم معنى المشتبه في اللغة وفي القرآن أيضا.
أما في اللغة، فاشتبه الشيء: بمعنى اختلط، يعني: صار يتنازعه أشياء متعددة جعلته مختلطا على الناظر أو على السامع، اشتبهت الأشياء عند عينه، بمعنى اختلطت، ما يميز هذا من هذا، اشتبهت الأصوات عليه، يعني: تداخلت، فلم يميز هذا من هذا.
فالمشتبهات في اللغة لا يتضح منها الأمر عند كثير من الناس لضعف قوته، كما أن الناظر -لضعف بصره- اشتبه عليه، والسامع -لضعف سمعه- اشتبه عليه، فكذلك المسائل التي تُدْرَك بالقلب تدرك بالبصيرة، تشتبه من جهة ضعف البصيرة ضعف العلم.
أما في القرآن فجعل الله -جل وعلا- المشتبهات أو المتشابهات فيما يقابل المحكمات، في آية سورة "آل عمران"، وهي قوله -جل وعلا-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا .
فدلت الآية على أن المحكم ما كان واضحا بَيّنًا، والمشتبه ما يشتبه علمه على الناظر فيه.
وما في الحديث غير ما في الآية، من جهة أن ما في الآية من جهة المعاني -معاني الآيات- لأنه قال: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ .
فمعنى الآية يشتبه، والحديث من جهة العمل، من جهة الحكم، هل هذه من الحلال، أو هي من الحرام ؟
فإذن من جهة الاشتباه الأمر واحد، أن المشتبه فيما دلت عليه آية "آل عمران" هو غير الواضح، وهذا نستمسك به في تفسير المشتبه في هذا الحديث؛ لأن الكلمة إذا اشتبه معناها، أو اختلف العلماء في معناها، فإرجاعها إلى عُرْفِ الشارع، في كلامه، يعني إلى ما كان عليه استعمال الشارع في القرآن، فهذا يريحنا من إشكال تفسير الكلمة، فإذا نظرنا في هذه الكلمة مشتبهات، فجعلها بعض العلماء اختلاط المال المباح مع المال الحرام، جعلها بعضهم فيما اختلف فيه العلماء في أقوال ربما يأتي بعضها.
فتفسيرها الصحيح أن نجعلها مثل آية "آل عمران"، يعني: ما اتضح ما لم يتضح للمرء، ما لم يتضح حكمه فهو مشتبه، وما اتضح حكمه من الحلال فهو حلال، وما اتضح حكمه من الحرام فهو حرام، وهذه محكمات، وما اشتبه حكمه فهو من غير الواضح، من المتشابهات، أو المشتبهات، أو المشبهات كما هي روايات في هذا الحديث.
الإمام أحمد -رحمه الله- وإسحاق وجماعة من أهل العلم فسروا المشتبهات بما اختلف الصحابة في حله وحرمته، أو اختلف العلماء في حله وحرمته، فقالوا -مثلا- أكل الضب اختلفوا فيه، فيكون من قبيل المشتبه، وقالوا: إن أكل ذي الناب من السباع اختلف فيه العلماء، فيكون من قبيل المشتبه، أو لبس بعض الملابس اختلفوا فيها، فيكون من قبيل المشتبه، وجعلوا اختلاف المال حلال وحرام، هذا من قبيل المشتبه في أشياء، وشرب ما يسكر كثيره من قبيل المشتبه، من جهة الناظر فيه، وهذا -في الحقيقة- ليس واضحا، وهذه إذا جُعِلَتْ من المشتبهات فهذا من جهة التأويل، لا من جهة كونها مشتبهات بينة.
فالإمام أحمد وإسحاق وجماعة إذا قالوا عن هذه الأشياء: إنها مشتبهات، فيعنون أنه ينبغي لمن ذهب إلى القول المبيح أن يستبرئ، من ذهب إلى القول المبيح في المُسْكِر لا بد له أن يستبرئ لدينه ويذهب إلى القول الآخر، في أكل الضب السنة فيه واضحة، فينبغي أن يترك رأيه إلى السنة للأمر الواضح، يعني: قالوا إنها من المشتبهات باعتبار الخلاف، وهذا ليس هو المقصود بالحديث؛ وإنما هم نظروا في اختلاف العلماء في ذلك.
والذي ينبغي حمل الأحاديث عليه ما ذكرت لك من أن المشبهات، أو المشتبهات، أو المتشابهات هي ما اشتبه علمه، ما اشتبه حكمه على من يحتاج إليه، فإذا اشتبه عليه حكم هذا البيع فاستبراؤه له حماية لعلمه، حماية لدينه ، إذا اشتبه عليه حكم هذه المرأة، هل هي مباحة له أم غير مباحة؟ فالاستبراء أن يتوقف حتى يأتيه إما أن تكون حلالا بينا أو حراما بينا.
إذا تقرر ذلك فإنه، إن المشتبهات هذه لها حالان:
الحال الأولى:ما يتوقف فيه العلماء، فيتوقف العالم في حكم المسألة، يقول: أنا متوقف فيها. والعلماء توقفوا في شيء مثل بعض المسائل الحادثة الآن، تأتي مسألة -مثلا- من مسائل البيوعات أو مسائل المال الجديدة التي يحدثها الناس، والعلماء حتى ينظروا فيها لا بد أن يتوقفوا.
في بعض المسائل الطبية -مثلا- توقف العلماء، والعلماء توقفهم ليس عن عجز، ولكن حماية لدينهم هم؛ لأنهم سيفتون الأمة، وإذا أفتوا الأمة فالحلال الذي صار في الأمة حلالا منسوب إليهم، وهم وقعوا عن رب العالمين -جل وعلا- يعني: أفتوا عن الله -سبحانه- ، فينبغي أن يتوقفوا حتى تتبين لهم، فإذا توقف العلماء في مسألة فإذن هي من المشتبهات حتى يتبين حكمها للعالم، هذا النوع الأول.
والنوع الثاني من المشتبهات:ما تشتبه على غير العالم، فينبغي أن لا يواقعها حتى يردها إلى العالم، ينبغي: يعني وجوبا؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "وبينهما" يعني: بين الحلال والحرام. أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس .
في قوله: لا يعلمهن كثير من الناس إرشاد إلى أن هناك من يعلم، فتسأل من يعلم عن حكم هذه المسألة.
قال: فمن اتقى الشبهات يعني: قبل أن يصل إليه العلم، أو في المسألة التي توقف فيها أهل العلم.
فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه أما استبراء الدين فهو من جهة الله -جل وعلا-؛ حيث إنه إذا استبرأ فقد أتى ما يجب عليه، متوقف فيها فأنا لا أقدم عليها؛ لأنها ربما كانت حراما، والمؤمن مُكَلَّف، فينبغي عليه وجوبا ألا يأتي شيئا وهو يعلم أنه حلال، وإذا أراد أن يُقْدِم على شيء، يقدم على شيء يعلم أنه غير حرام.
فمن توقف عن الحلال المشتبه أو عن الحرام المشتبه فقد استبرأ للدين؛ لأنه ربما واقع، فصار حراما، وهو لا يدري.
هل يقال هنا: هو لا يدري معذور ؟ لا، غير معذور؛ لأنه يجب عليه أن يتوقف حتى يتبين له حكم هذه المسألة، يأتيها على أي أساس؟ هو مكلف، لا يعمل عمل إلا بأمر من الشرع، فلهذا قال: فقد استبرأ لدينه .
قال: "وعرضه" وعرضه لأنه -في أهل الإيمان- من أقدم على الأمور المشتبهات فإنه قد يُوقَع فيه، قد يُتَكَلَّم فيه بأنه قليل الديانة؛ لأنه لم يستبرئ لدينه، فإنه إذا ترك مواقعة المشتبهات استبرأ لعرضه، وفي هذا حث على أن المرء لا يأتي ما يُعاب عليه في عرضه، فالمؤمن يرعى حال إخوانه المؤمنين، ونظرة إخوانه المؤمنين إليه، ولا يأتي بشيء يقول: أنا لا أهتم بقول أهل الإيمان، لا أهتم بقول أهل العلم، لا أهتم بقول طلبة العلم؛ فإن استبراء العرض حتى لا يوقع فيه هذا أمر مطلوب.
وقد جاء في الأثر: "إياك وما يشار إليه بالأصابع". يعني: من أهل الإيمان، حيث ينتقدون على العامل عمله فيما لم يوافق فيه الشريعة.
قال: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام هنا "وقع في الحرام" فُسِّرَتْ بتفسيرين: الحرام الذي هو أحد الجانبين الذي الشبهات فيما بينهما؛ لأن جانب حلال، وجانب حرام، فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام الذي هو أحد الجهتين، وفُسِّرَ الحرام بأنه وقع في أمر مُحَرَّم؛ حيث لم يستبرئ لدينه، حيث وقع في شيء لم يعلم حكمه، شيء مسألة واقعتها بلا علم منك أنه جائز، فلا شك أن هذا إقدام على أمر دون حجة.
فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام وهذا في المسائل التي تتنازعها الأمور بوضوح، هناك مسائل من الورع يستحب تركها، ليست هي المقصودة بهذه الكلمة؛ لأنه قال: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام .
ثم مَثَّلَ ذلك -عليه الصلاة والسلام- بقوله: كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه الراعي يكون معه شيء من الماشية، الماشية من طبيعتها أنها -في بعض الأحيان- تخرج عن مجموع الماشية وتذهب بعيدا، فإذا قارب حمى محمية، مثلا: أرض محمية للصدقة، أو محمية في ملك فلان، أو ما أشبه ذلك، فإن مقاربته بماشيته للحمى لا بد أن يحصل منها بعضها منهم، ويأخذ من حق غيره.
وهذا تمثيل عظيم في أن حِمَى الله محارمه وما هو داخل هذا الحمى هو الدين، وهذه المحارم حمى، فمن قارب فلا بد أن يحصل منه مرة أن يتوسع، فيدخل في الحرام، حتى في الأمور التي يكون عنده فيها بعض التردد، لا كل التردد.
فلهذا مَثَّلَ -عليه الصلاة والسلام- بهذا المثال العظيم، فقال: كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه لأنه قَارَب.
قال: ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه فحمى الله محارمه، بها يقوَى دين المرء.
فهذا الحديث واضح الدلالة في أن من قارب الحمى ، من قارب المحارم ، من قارب الحرمات فإنه يوشك أن يقع في المحرم من جرّاء تساهله.
نفهم من هذا الحديث أن الحلال البَيِّن واضح، والحرام البين واضح، والمشبهات المشتبهات عرفنا تعريفها، وحكمها، وتقسيمات الكلام عليها، وأنه يجب على صاحب الدين، يجب على المسلم ألا يأتي شيئا إلا وهو يعلم حكمه، إذا لم يعلم فليسأل، فتكون إذن المسألة مشتبهة عليه، ويزول الاشتباه بسؤال أهل العلم، فإن بقيت مشتبهة على أهل العلم، فإنه -يعني حتى يحكموا فيها- فإنه يتوقف معهم حتى يعمل ذلك.
هناك مسائل ليست مشتبهة -يعني في الأحكام- لكونها تبع الأصل جريان القواعد عليها، دخولها ضمن الدليل، فإذن المسائل التي اختلف العلماء فيها لا تدخل ضمن هذا الحديث من جهة كونها مشتبهة؛ بل نقول: هذه مسألة اختلف فيها العلماء، فإذن يخرج منها بتاتا على جهة أن من وقع فيها وقع في الحرام، لا ؛ ولكن هذا على وجه الاستحباب.
وهذا هو الذي فهمه العلماء من الحديث: أن الخروج من خلاف العلماء مستحب، يعني: أن العلماء إذا اختلفوا في مسألة، فالخروج من خلافهم إلى متيقن، هذا مستحب، وهذا صحيح باعتبارات، وفي بعض تطبيقاته قد لا يكون صحيحا في تفاصيل معلومة.
مثاله -مثلا-: قصر الصلاة في السفر، جمهور العلماء -يعني جمهور الأئمة الأربعة- مالك والشافعي وأحمد حَدّوا المدة بنية إقامة أربعة أيام فصاعدا، في أنه إذا نوَى إقامة أربعة أيام فصاعدا لم يترخص برخصة السفر، وهناك قول ثانٍ للحنفية بأن له أن يترخص ما لم يُزْمِع إقامة أكثر من خمسة عشر يوما، وهناك قول ثالث لشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم: بأن له أن يترخص حتى يرجع إلى بلده.
فهذه أقوال ثلاثة: القول الأول -وهو كونها أربعة أيام- رُجِّحَ على غيرها من جهة أن المسألة من حيث الدليل مشتبهة، وإذا كان كذلك فالأخذ فيها باليقين استبراء للدين؛ لأن الصلاة ركن الإسلام الثاني، فأَخْذُ اليقين في أمر الصلاة هذا مما دَلَّ عليه هذا الحديث، لأنه استبراء للدين؛ لأن الأربعة أيام هذه بالاتفاق أنه يترخص فيها، وأما ما عداها فهو مختلف فيه، فإذا كان كذلك فالخروج من الخلاف هنا مستحب، فنأخذ بالأحوط.
ولهذا رجح كثير من المحققين هذا القول باعتبار الاستبراء، وأن في الأخذ به اليقين في أمر الصلاة، التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وأعظم الأركان العملية.
من المسائل التي -أيضا- يتعرض لها العلماء في هذا الحديث الأكل من مال من اختلط في ماله الحلال الحرام، أعني رجلا مثلا في ماله حرام، نعلم أنه يكتسب من مكاسب محرمة؛ إما أنه يرتشي، أو عنده مكاسب من الربا، أو ما أشبه ذلك، وعنده مكاسب حلال، فما الحكم في شأنه؟
جعله بعض العلماء داخلا في هذا الحديث، وأن الورع الترك على سبيل الاستحباب؛ لأنه استبراء.
وطائفة من أهل العلم قالوا: بحسب ما يغلب، فإن كان الغالب عليه الحرام فإنه يُسْتَبْرَأ، وإن كان الغالب عليه الحلال فإنه يجوز أن تأكل منه، ما لم تعلم أن عَيْن ما قُدِّمَ لك من الحرام.
وقال آخرون -منهم ابن مسعود -رضي الله عنه-: لك أن تأكل، والحرام عليه، لتَغَيُّر الجهة، فهو اكتسبه من حرام، وحين قدم لك قدمه على أنه هدية، أو على أنه إضافة أو هبة، أو ما أشبه ذلك، وتَغَيُّر الجهة يغير الحكم كما في حديث بريرة: قالوا: يا رسول الله، في اللحم إنه تصدق به على بريرة ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يأكل الصدقة ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: هو عليها صدقة، ولنا هدية .
لاختلاف الجهة، مع أنه عين المُهْدَى وهو اللحم، فقال جماعة من الصحابة ومن أهل العلم: إنه يأكل والحرام على صاحبه، على من قدمه، وأما هذا فقدمه على أنه هدية، فلا بأس بذلك.
وقال آخرون في هذه المسألة: إنه يأكل منه ما لم يعلم أن هذا المال بعينه حرام، يعني: أن عين ما قَدَّم حرام، فإذا علم أن عين ما قدم حرام فلا يجوز له أكل هذا المعين، ويجوز أكل ما سواه، واستدلوا على ذلك بأن اليهود كانوا يقدمون الطعام للنبي -عليه الصلاة والسلام- ، وكانوا يأكلون الربا ، وكان -عليه الصلاة والسلام- ربما أكل من طعامهم.
فيه تفاصيل، المقصود من هذا -كمثال- لاختلاف العلماء في تنازعٍ في هذه المسألة، هل تدخل في هذا الحديث أم لا ؟ وجملتهم على دخوله من جهة الورع، وليس على دخوله من جهة أنه من أكل فقد أكل حراما، مع أن عددا من المحققين رَجَّحوا قول ابن مسعود، وهو ترجيح ظاهر من حيث الدليل، كابن عبد البر في "التمهيد"، وكغيره من أهل العلم في تفاصيل يطول الكلام عليها.
قال -عليه الصلاة والسلام-: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب .
فهذا فيه أن صلاح القلب -الذي هو معدن الإيمان- به يكون التورع، به يكون التوقف عن الشبهات، به يكون الإقدام على المحرمات، هذا راجع إلى القلب، والقلب إذا صلح، صلح الجسد كله في تصرفاته، وإذا فسد فسد، الجسد كله.
تعليق هذا بالقلب، قال: ألا وإن في الجسد مضغة والقلب -من حيث إدراك المعلومات- هو الذي يدرك، فعند المحققين من أهل العلم، والذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة أن هذا معلق بالقلب، يعني: حصول الإدراكات، وحصول العلوم، والصلاح والفساد والنيات..إلى آخره، هذا معلق بالقلب.
إذا كان كذلك، فما وظيفة الدماغ أو المخ ؟
وظيفته الإمداد ، هذا على قول المحققين من أهل العلم، فاختلفوا في العقل؛ هل هو في القلب أم في الرأس؟ والصحيح أنه في القلب، والعقل ليس جرما؛ وإنما المقصود به إدراك المعقولات، والدماغ وما في الرأس هذه وسيلة تمد القلب بالإدراكات.
القلب هل يدرك من جهة كونه مضغة ؟
لا ، يدرك من جهة كونه بيت الروح ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
موسى بن ربيع البلوي
06-13-2003, 11:21 PM
الحديث السابع :
الدين النصيحة
عن أبي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بِن أوْسٍ الدَّاريَّ رضي اللهُ عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدين النصيحة . قلنا : لمن ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم " .
رواه مسلم .
أهمية الحديث :
هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهو عبارة عن كلمات موجزة اشتملت على معانٍ كثيرة وفوائد جليلة ، حتى إننا نجد سائر السنن وأحكام الشريعة أصولاً وفروعاً داخلة تحته ، بل تحت كلمة منه وهي " ولكتابه " لأن كتاب الله تعالى اشتمل على أمور الدين جميعاً أصلاً وفرعاً عملاً واعتقاداً ؛ فإذا آمن به وعمل بما تضمنه على ما ينبغي في النصح له ، فقد جمع الشريعة بأسرها ، قال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) [ الأنعام : 38 ] ولذا قال العلماء : هذا الحديث عليه مدار الإسلام .
لغة الحديث :
" الدين " : المراد هنا : الملة وهي دين الإسلام ؛ أي عماد الدين وقوامه النصيحة .
" النصيحة " : كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له ، وأصل النصح في اللغة : الخلوص ، ومنه : نصحت العسل إذا صفيته من الشمع وخلصته منه ، وقيل : مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه ، فشبَّه فعل الناصح فيما يتحراه للمنصوح له بإصلاح الثوب .
" أئمة المسلمين " : حكامهم .
" عامتهم " : سائر المسلمين غير الحكام .
فقه الحديث وما يرشد إليه :
1- النصيحة لله : وتكون بالإيمان بالله تعالى ، ونفي الشريك عنه ، وترك الإلحاد في صفاته ، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها ، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص ، والإخلاص في عبادته ، والقيام بطاعته وتجنب معصيته ، والحب والبغض فيه ، وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه . والتزام المسلم لهذا في أقواله وأفعاله يعود بالنفع عليه في الدنيا والآخرة ؛ لأنه سبحانه وتعالى غني عن نصح الناصحين .
2- النصيحة لكتاب الله : وتكون بالإيمان بالكتب السماوية المنزلة كلها من عند الله تعالى ، والإيمان بأن هذا القرآن خاتم لها وشاهد عليها ، وهو كلام الله تعالى المعجز ، حفظه في الصدور والسطور ، وتكفل سبحانه بذلك ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] .
وتكون نصيحة المسلم لكتاب ربه عز وجل :
أ- بقراءته وحفظه ؛ لأن في قراءته اكتساب العلم والمعرفة ، وحصول طهارة النفس ، وصفاء الضمير ، وزيادة التقوى . وفي قراءة القرآن حسنات عظيمة تكتب في صحيفته ، وشفاعة يجدها في انتظاره يوم القيامة ، وروى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " . وأما حفظ كتاب الله تعالى في الصدور ؛ ففيه إعمار القلوب بنور كتاب الله ، وقدر عظيم وشرف يناله المسلم فيصبح شامة بين الناس في الدنيا ، ودرجة عالية يرتقي إليها بمقدار ما حفظ من آيات كتاب الله وسوره في الآخرة ، روى أبو داود والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " .
ب- بترتيله وتحسين الصوت بقراءته ، مما يجعل القراءة أوقع في النفس ، وأسمع في القلب ، روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " .
ج- بتدبر معانيه ، وتفهم آياته ، قال تعالى :( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ) [ محمد : 24 ] .
د- بتعليمه للأجيال المسلمة ، لتقوم بتبعة المسؤولية في حفظ كتاب الله ، وفي تعلم القرآن وتعليمه سبيل عزتنا وسعادتنا ، روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيركم من تعلم القرآن وعلّمه " .
هـ- بالتفقه والعمل ، فلا خير في قراءة لافقه فيها ، ولا خير في فقه لاعمل به ، وأهم ما نحصل عليه من ثمرات قرآنية يانعة ؛ إنما نصل إليها بعد فهم وعمل ، وقبيح بنا أن نعلم ولا نعمل ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كَبٌر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ الصف : 2 - 3 ] .
3- النصيحة لرسول الله : وتكون بتصديق رسالته والإيمان بجميع ما جاء به من قرآن وسنة ، كما تكون بمحبته وطاعته ، وفي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة الله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ) [ آل عمران : 31 ] وفي طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة الله عز وجل ( من يُطع الرسول فقد أطاع الله ) [ النساء : 80 ] والنصح لرسول الله بعد موته ، يقتضي من المسلمين أن يقرؤوا سيرته في بيوتهم ، وأن يتخلقوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ويتأدبوا بآدابه ، ويلتزموا سنته بالقول والعمل ، ويستفيدوا من حياته وأيامه الدروس والعبر والعظات ، وأن يسهموا في نشر السنة بين الناس ، وأن ينفوا عنها تهم الأعداء والمغرضين ، ودعاوى المبطلين وبدع المغالين .
4- النصيحة لأئمة المسلمين : و أئمة المسلمين إما أن يكونوا الحكام أو من ينوب عنهم ، وإما أن يكونوا العلماء والمصلحين .
فأما حكام المسلمين فيجب أن يكونوا من المسلمين ؛ حتى تجب طاعتهم ، قال تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم ) [ النساء : 59 ] ونصيحتنا لهم أن نحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم ، لا أن نحبهم لأشخاصهم ، ولما يتحقق من مصالحنا الخاصة على أيديهم ، و أن نحب اجتماع الأمة في ظل حكمهم العادل ، ونكره افتراق الأمة وضيعة الناس في ظل حكم جائر وطائش ... ونصيحتنا لهم أن نعينهم على الحق ونطيعهم فيه ونذكرهم به ، وننبههم في رفق وحكمة ولطف ، فإنه لاخير في أمة لا تنصح لحاكمها ، ولا تقول للظالم أنت ظالم ، ولا خير في حاكم يستذل شعبه ويكمُّ أفواه الناصحين ، ويصمُّ أذنيه عن سماع كلمة الحق ، بل يكره أن يتفوه بها أحد ، وعندما تصبح الأمة كالقطيع لا تقوم بحق النصح للحاكم ويصبح الحاكم طاغوتاً لا يقبل النصيحة ، فمعنى ذلك الذل والدمار والهزيمة والصغار ، وهذا قابل الوقوع والحدوث كلما انحرفت الأمة عن الإسلام ، ومُسخت وشوهت مبادئه وأفكاره في أقوال الناس وأفعالهم .
وأما العلماء والمصلحين ، فإن مسئوليتهم في النصح لكتاب الله وسنة رسوله كبيرة ، وتقتضي رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة ، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها ، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء ، وبيان الصحيح والضعيف من الأحاديث المروية في كتب السنن والمسانيد ، وذلك بعرضها على قواعد الجرح والتعديل وعلل الأحاديث .
ومسؤوليتهم في نصح الحكام ودعوتهم إلى الحكم بكتاب الله وسنة رسوله أكبر وأعظم ، والله سبحانه وتعالى سيحاسبهم إن قصروا في هذه المسؤولية ، ولم يكونوا مجاهدين يعلنون كلمة الحق في وجوه الحكام ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " . وسيحاسبهم إن هم أغروا الحاكم بالتمادي في ظلمه وغيه بمديحهم الكاذب ، وجعلوا أنفسهم أبواقاً للحكام ومطية ، والفرق كبير جداً بين أن ينضووا في قافلة سلاطين العلماء ، وبين أن يصبحوا ذيولاً في قافلة خدام الحكام .
ونصحنا لهم أن نذكرهم بهذه المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، وأن نصدقهم بما يرونه من أحاديث ما داموا أهلاً للثقة ، وأن نصون ألسنتنا عن تجريحهم وذمهم ، فإن هذا يفقدهم الهيبة ، ويجعلهم محل التهمة .
5- النصيحة لعامة المسلمين : وذلك بإرشادهم لمصالحهم في أمر آخرتهم ودنياهم ، ومما يؤسف له أن المسلمين قد تهاونوا في القيام بحق نصح بعضهم بعضاً وخاصة فيما يقدمونه لآخرتهم ، وقصروا جل اهتمامتهم على مصالح الدنيا وزخارفها ... ويجب أن لاتقتصر النصيحة على القول ، بل يجب أن تتعدى ذلك إلى العمل ، فتظهر النصيحة في المجتمع الإسلامي ستراً للعورات ، وسداً للخل ، ودفعاً للضرر ، وجلباً للمصالح ، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، وتوقيراً للكبير ، ورحمة للصغير ، وتركاً للغش والحسد ، وإن ضر ذلك بدنيا الناصح أو بماله .
6- أعظم أنواع النصيحة : ومن أعظم أنواع النصح بين المسلمين : أن ينصح لمن استشاره في أمره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له " ومن أعظم أنواعه أن ينصح أخاه في غيبته ، وذلك بنصرته والدفاع عنه ؛ لأن النصح في الغيب يدل على صدق الناصح ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن من حق المسلم على المسلم أن ينصح له إذا غاب " .
7- أقوال فريدة للعلماء في النصيحة : قال الحسن البصري : إنك لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك حتى تأمره بما يعجز عنه . وقال : قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله : أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ، ويحببون عباد الله إلى الله ، ويسعون في الأرض بالنصيحة .
وقال أبو بكر المزني : ما فاق أبو بكر رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة ، ولكن بشئ كان في قلبه ، قال : الذي كان في قلبه الحب لله عز وجل والنصيحة في خلقه .
وقال الفضيل بن عياض : ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام ، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة .
8- من أدب النصيحة : وإن من أدب النصح في الإسلام أن ينصح المسلم أخاه المسلم ويعظه سراً ، لأن من ستر ستره الله في الدنيا والآخرة ، قال بعضهم : من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه . وقال الفضيل بن عياض : المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويعير .
9- ويستفاد من الحديث كما قال ابن بطال :
- أن النصيحة دين إسلام ، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول .
- النصيحة فرض كفاية يجزئ فيه من قام به ويسقط عن الباقين .
- النصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يُقبل نُصحه ، ويُطاع أمره وأمن على نفسه المكروه ، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغا ـ محي الدين مستو
موسى بن ربيع البلوي
06-13-2003, 11:54 PM
الحديث الثامن :
حُرمة المسلم
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عَصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى " .
رواه البخاري ومسلم .
أهمية الحديث :
هذا الحديث عظيم جداً لاشتماله على المهمات من قواعد دين الإسلام وهي : الشهادة مع التصديق الجازم بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامة الصلاة على الوجه المأمور به ، ودفع الزكاة إلى مستحقيها .
لغة الحديث :
" أُمرت " : أمرني الله تعالى .
" الناس " : هم عبدة الأوثان والمشركون .
" يقيموا الصلاة " : يأتوا بها على الوجه المأمور به ، أو يداوموا عليها .
" يؤتوا الزكاة " : يدفعوها إلى مستحقيها .
" عصموا " : حفظوا ومنعوا ، ومنه اعتصمت بالله : امتنعت بلطفه عن معصيته .
" إلا بحق الإسلام " : هذا استثناء منقطع ، ومعناه : لكن يجب عليهم بعد عصمة دمائهم أن يقوموا بحق الإسلام من فعل الواجبات وترك المنهيات .
" وحسابهم على الله " : حساب بواطنهم وصدق قلوبهم على الله تعالى ، لأنه سبحانه هو المطلع على ما فيها .
فقه الحديث وما يرشد إليه :
1- روايات الحديث : روي معنى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة ، تزيده وضوحاً وبياناً ، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أُقاتل الناس - يعني المشركين - حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " .
وخرَّج الإمام أحمد من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيوا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا - أو عصموا دماءهم وأموالهم - إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل " وخرَّجه ابن ماجه مختصراً .
2- الاقتصار على النطق بالشهادتين كاف لعصمة النفس والمال : ومن الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الإسلام الشهادتين فقط ، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلماً . ويؤيد هذا أحاديث قولية صحيحة لم يذكر فيها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال :لاإله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها ، وحسابه على الله عز وجل " وفي رواية لمسلم : " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به " .
ولا تعارض بين الأحاديث بل كلها حق ، فإن مجرد النطق بالشهادتين يعصم الإنسان ويصبح مسلماً ، فإن أقام الصلاة وآتى الزكاة بعد إسلامه ، فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، وإن أخل بشئ من أركان الإسلام ، فإن كانوا جماعة لهم منعة قوتلوا ، قال تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلُّوا سبيلهم ) [ التوبة : 5 ] وقال سبحانه : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) [ التوبة : 11 ] . وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً لم يُغر عليهم حتى يُصبح ، فإن سمع أذاناً وإلا أغار عليهم ، مع احتمال أن يكونوا قد دخلوا في الإسلام .
3- التناظر بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما : وإن ما وقع من تناظر بين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما بشأن قتال مانعي الزكاة ، يؤكد ما اجتمعت عليه الأحاديث من قبول الشهادتين للدخول في الإسلام ، وقتال الممتنعين بشكل جماعي عن إقامة الصلاة و أداء الزكاة ، ففي البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر رضي الله عنه لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله عز وجل " فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه . فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق .
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه استدل على قتال مانعي الزكاة من قوله صلى الله عليه وسلم " إلا بحقه " ، وعمر رضي الله عنه ظن أن مجرد الإتيان بالشهادتين يعصم الدم في الدنيا ، واستدل على ذلك بعموم أول الحديث ، ثم رجع عمر إلى موافقة أبي بكر رضي الله عنهما .
ومن المؤكد أن حديث ابن عمر وهو نص صريح في قتال مانعي الزكاة لم يكن عند أبي بكر ولا عمر ، ولم يبلغهما ، ولعل السبب في ذلك أن ابن عمر لم يعلم بما وقع بينهما من اختلاف لمرض أو سفر ، أو كان ناسياً لهذا الحديث الذي رواه .
وهذه القصة تدل على جلالة علم أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ودقيق استنباطه وقياسه ، فقد وافق ذلك النص دون أن يكون له علم به ، وفي القصة إشارة إلى أن قتال تارك الصلاة أمر مُجمع عليه بين الصحابة ، وقد ورد النص الصريح بذلك في حديث رواه مسلم عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع " فقالوا : يارسول الله ، ألا نقاتلهم ؟ قال : " لا ، ما صلوا ".
4- حكم من ترك جميع أركان الإسلام : وحكم من ترك جميع أركان الإسلام إذا كانوا جماعة ولهم منعة ؛ أن يقاتلوا عليها ، كما يقاتلون على ترك الصلاة والزكاة ، روى ابن شهاب الزهري عن حنظلة بن علي بن الأسقع : أن أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه وأمره أن يقاتل الناس على خمس فمن ترك واحدة من الخمس فقاتلهم عليها كما تقاتل على الخمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان . وقال سعيد بن جبير : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو أن الناس تركوا الحج لقاتلناهم كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة .
أما إذا ترك المسلم أحد أركان الإسلام وامتنع عن القيام به ، فقد ذهب مالك والشافعي إلى قتل الممتنع عن الصلاة حداً ، وذهب أحمد وإسحاق وابن المبارك إلى قتله كفراً . وأما الممتنع عن الزكاة أو الصوم أو الحج ، فقال الشافعي : لا يُقتل بذلك . وروى أحمد في ذلك قولان ، والمشهور عنه قتل الممتنع عن أداء الزكاة .
5- الإيمان المطلوب : وفي الحديث دلالة ظاهرة لمذهب المحققين من السلف والخلف ؛ أن الإيمان المطلوب هو التصديق الجازم ، والاعتقاد بأركان الإسلام من غير تردد ، وأما معرفة أدلة المتكلمين والتوصل إلى الإيمان بالله بها ، فهي غير واجبة ، وليست شرطاً في صحة الإيمان ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا ، وفي غيره من الأحاديث ، يكتفى بالتصديق بما جاء به ، وولم يشترط معرفة الدليل .
6- معنى قوله صلى الله عليه وسلم " إلا بحقها " : وفي رواية " إلا بحق الإسلام " ، سبق أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استنبط من هذا الحق إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ومن العلماء من استنبط منه فعل الصيام والحج أيضاً ، ومن حقها ارتكاب ما يبيح دم المسلم إذا ارتكب محرماً يُوجب القتل ، وقد ورد تفسير هذا الحديث في حديث رواه الطبراني وابن جرير الطبري عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لآ إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله تعالى " . قيل : وما حقها ؟ قال : " زنا بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس فيقتل به " قال ابن رجب : ولعل آخره من قول أنس ، وقد قيل : إن الصواب وقف الحديث كله عليه . ويشهد لهذا ما في البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثّيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " .
7- الحساب في الآخرة لله عز وجل : وهو سبحانه وتعالى يعلم السرائر ويحاسب عليها ، فإن كان مؤمناً صادقاً أدخله الجنة ، وإن كان كاذباً مرائياً بإسلامه فإنه منافق في الدرك الأسفل من النار .
أما في الدنيا فإن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التذكير ، قال تعالى : ( فذَكْر إنما أنت مُذكر . لست عليهم بمسيطر . إلا من تولى وكفر فيُعذبه الله العذاب الأكبر . إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) [ الغاشية : 21-24 ] . وفي البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد : " إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم " .
8- ويرشدنا الحديث إلى وجوب قتال عبدة الأوثان حتى يسلموا .
9- دماء المسلمين وأموالهم مصونة .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغا ـ محي الدين مستو
موسى بن ربيع البلوي
03-29-2004, 06:19 PM
احبتي في الله توقفنا عند الحديث الثامن الرجاء التفاعل معنا في اكمال الموضوع
ماهر سالم العرادي
06-19-2005, 01:33 AM
جزاك الله خير
vBulletin® v4.2.5, Copyright ©2000-2024, تصميم الوتين (عبدالمنعم البلوي )watein.com