الوجيه محمد
07-15-2010, 02:07 PM
الفهم الناقص لكلمة التوحيد
مما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين لم يعرف المعنى الحقيقي لهذه الكلمة ، فكان مشركوا العرب أوسع منه فهما لمعنى هذه الكلمة ، ولذلك أبَوا أن يقولوها لأنهم يعرفون عاقبتها .
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس قال لما أن مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل ، قال : فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته ، فبعث إليه أو قال : جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب مجلس رجل ، قال : فخشي أبو جهل إن جلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب ، قال أبو طالب : أي ابن أخي ! ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول وتفعل وتفعل ، قال : فأكثروا عليه من اللحو ، قال : فتكلم النبي عليه الصلاة والسلام فقال : (يا عم ! إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ، قال : ففزعوا لكلمته ولقوله ، قال : فقال القوم : كلمة واحدة ، نعم وأبيك وعشرا ، قال : وما هي ؟ قال أبو طالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : (لا إله إلا الله) قال : فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب)
إن المسلم ينتفع بهذه الكلمة إذا عرف معناها ، وعمل بمقتضاها ، ولما كانت هناك أحاديث يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي ، وقد تعلق بهذا الوهم بعض المسلمين ، فكان لا بد من إزالة هذا الوهم :
أولا - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه) .
ثانيا - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار) .
ثالثا - وقال صلى الله عليه وسلم : (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة) .
رابعا - وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) .
خامسا-وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
سادسا - وفي الصحيحين عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ .
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ البخاري : هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غُفِرَ لَهُ
وأحسن ما قيل في معناها ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره من أهل العلم بأن هذه الأحاديـث إنما هي فيمن قالها ومات عليها ، كما جاءت مقيدة ، قالها خالصاً من قلبه ، مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين ، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة فيمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى ، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً ، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك ، فإنه قد تواتـرت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه ما يزن شعيرة ، وما يزن خردلة ، وما يزن ذرة ،
وتواترت بأن كثيراً ممن يقول : لا إله إلا الله يدخل النار ، ثم يخرج منها ، وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم ، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله ، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ، ومن لا يعرف ذلك يخشى أن يُفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها .
وأكثر من يقولها يقولها تقليداً وعادة لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه ، وغالب من يُفتن عند الموت وفي القبور أمثار هؤلاء كما في الحديث . ( سمعت الناس يقولون شيئا فقلته) .
.
إذاً فمجرد النطق بها مع الاستمرار على المعاصي وترك الواجبات مما ينقص التوحيد في قلب العبد .
ذُكر عن الحسن البصري أنه قال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة ، قال الحسن نعم العدة ، لكن للا إله إلا الله شروط فإياك وقذف المحصنات ، وقيل للحسن إن أناساً يقولـون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال : من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال : بلى ، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لكم وإلا لم يفتح لك .
وهذا يبين لنا بجلاء أن الناس يتفاوتون تفاوتا كبيرا في هذه الكلمة مع أنهم جميعا يقولونها بألسنتهم لكن العبرة بما يكون في قلوبهم من اثر لهذه الكلمة .
وقد تكلم ابن القيم في كتابه مدارج السالكين حول هذه النقطة بكلام بديع فقال : "اعلم أن أشعة لا إله إلا الله بددت من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفِه ، فلها نور ، وتفاوتُ أهلِها في ذلك النور قوةً وضعفا لا يحصيه إلا الله تعالى فمن الناس : من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس ومنهم : من نورها في قلبه كالكوكب الدري ومنهم : من نورها في قلبه كالمشعل العظيم وآخرُ : كالسراج المضيء وآخر كالسراج الضعيف ، ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علما وعملا ومعرفة وحالا ، وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنبا إلا أحرقه ، وهذا حال الصادق في توحيده الذي لم يشرك بالله شيئا فأي ذنب أو شهوة أو شبهة دنت من هذا النور أحرقها ، فسماء إيمانه قد حُرست بالنجوم من كل سارق لحسناته ، فلا ينال منها السارق إلا على غِرّة وغفلة لا بد منها للبشر ، فإذا استيقظ وعَلِم ما سُرِق منه استنقذه من سارقه أو حصَّل أضعافه بكسبه فهو هكذا أبدا مع لصوص الجن والإنس ، ليس كمن فتح لهم خِزانته وولّى البابَ ظهره .وليس التوحيدُ مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله وأن الله رب كل شيء ومليكه كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون ؛ بل التوحيد يتضمن من محبة الله والخضوعِ له والذل وكمال الانقياد لطاعته وإخلاص العبادة له وإرادة وجهة الأعلى بجميع الأقوال والأعمال والمنع والعطاء والحب والبغض ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها ومن عرف هذا عرف قول النبي : إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وقوله لا يدخل النار من قال : لا إله إلا الله وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس" .
مما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين لم يعرف المعنى الحقيقي لهذه الكلمة ، فكان مشركوا العرب أوسع منه فهما لمعنى هذه الكلمة ، ولذلك أبَوا أن يقولوها لأنهم يعرفون عاقبتها .
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس قال لما أن مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل ، قال : فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته ، فبعث إليه أو قال : جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب مجلس رجل ، قال : فخشي أبو جهل إن جلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب ، قال أبو طالب : أي ابن أخي ! ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول وتفعل وتفعل ، قال : فأكثروا عليه من اللحو ، قال : فتكلم النبي عليه الصلاة والسلام فقال : (يا عم ! إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ، قال : ففزعوا لكلمته ولقوله ، قال : فقال القوم : كلمة واحدة ، نعم وأبيك وعشرا ، قال : وما هي ؟ قال أبو طالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : (لا إله إلا الله) قال : فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب)
إن المسلم ينتفع بهذه الكلمة إذا عرف معناها ، وعمل بمقتضاها ، ولما كانت هناك أحاديث يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي ، وقد تعلق بهذا الوهم بعض المسلمين ، فكان لا بد من إزالة هذا الوهم :
أولا - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه) .
ثانيا - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار) .
ثالثا - وقال صلى الله عليه وسلم : (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة) .
رابعا - وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) .
خامسا-وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
سادسا - وفي الصحيحين عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ .
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ البخاري : هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غُفِرَ لَهُ
وأحسن ما قيل في معناها ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره من أهل العلم بأن هذه الأحاديـث إنما هي فيمن قالها ومات عليها ، كما جاءت مقيدة ، قالها خالصاً من قلبه ، مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين ، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة فيمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى ، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً ، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك ، فإنه قد تواتـرت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه ما يزن شعيرة ، وما يزن خردلة ، وما يزن ذرة ،
وتواترت بأن كثيراً ممن يقول : لا إله إلا الله يدخل النار ، ثم يخرج منها ، وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم ، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله ، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ، ومن لا يعرف ذلك يخشى أن يُفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها .
وأكثر من يقولها يقولها تقليداً وعادة لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه ، وغالب من يُفتن عند الموت وفي القبور أمثار هؤلاء كما في الحديث . ( سمعت الناس يقولون شيئا فقلته) .
.
إذاً فمجرد النطق بها مع الاستمرار على المعاصي وترك الواجبات مما ينقص التوحيد في قلب العبد .
ذُكر عن الحسن البصري أنه قال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة ، قال الحسن نعم العدة ، لكن للا إله إلا الله شروط فإياك وقذف المحصنات ، وقيل للحسن إن أناساً يقولـون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال : من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال : بلى ، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لكم وإلا لم يفتح لك .
وهذا يبين لنا بجلاء أن الناس يتفاوتون تفاوتا كبيرا في هذه الكلمة مع أنهم جميعا يقولونها بألسنتهم لكن العبرة بما يكون في قلوبهم من اثر لهذه الكلمة .
وقد تكلم ابن القيم في كتابه مدارج السالكين حول هذه النقطة بكلام بديع فقال : "اعلم أن أشعة لا إله إلا الله بددت من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفِه ، فلها نور ، وتفاوتُ أهلِها في ذلك النور قوةً وضعفا لا يحصيه إلا الله تعالى فمن الناس : من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس ومنهم : من نورها في قلبه كالكوكب الدري ومنهم : من نورها في قلبه كالمشعل العظيم وآخرُ : كالسراج المضيء وآخر كالسراج الضعيف ، ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علما وعملا ومعرفة وحالا ، وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنبا إلا أحرقه ، وهذا حال الصادق في توحيده الذي لم يشرك بالله شيئا فأي ذنب أو شهوة أو شبهة دنت من هذا النور أحرقها ، فسماء إيمانه قد حُرست بالنجوم من كل سارق لحسناته ، فلا ينال منها السارق إلا على غِرّة وغفلة لا بد منها للبشر ، فإذا استيقظ وعَلِم ما سُرِق منه استنقذه من سارقه أو حصَّل أضعافه بكسبه فهو هكذا أبدا مع لصوص الجن والإنس ، ليس كمن فتح لهم خِزانته وولّى البابَ ظهره .وليس التوحيدُ مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله وأن الله رب كل شيء ومليكه كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون ؛ بل التوحيد يتضمن من محبة الله والخضوعِ له والذل وكمال الانقياد لطاعته وإخلاص العبادة له وإرادة وجهة الأعلى بجميع الأقوال والأعمال والمنع والعطاء والحب والبغض ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها ومن عرف هذا عرف قول النبي : إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وقوله لا يدخل النار من قال : لا إله إلا الله وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس" .