ماجد سليمان البلوي
12-05-2010, 06:24 PM
جاسوسان آخران في الفخ :
و بعد اسبوع كامل من التحقيقات مع الجاسوس فارس مصراتي ، ألقت المخابرات المصرية القبض على نجله ماجد مصراتي أثناء محاولته عبور الحدود المصرية الليبية قادماً من ليبيا وأعترف بأنه يعمل مع والده و شقيقته لحساب الموساد . و بعد يومين فقط اعتقلت سلطات الأمن المصرية جاسوسا إسرائيليا رابعا اسمه ديفيد اوفيتس وهو تاجر إسرائيلي كثير التردد على مصر ، ولوحظ أن علاقة قوية و غامضة كانت تربطه بالجاسوس مصراتي ووضع تحت المراقبة بعد القبض على أسرة مصراتي وضبطته الشرطة وهو يقوم بتحركات ومناورات مريبة لمعرفة مصير زعيم الشبكة . وألقت القبض أيضاً على ثلاثة مصريين تعاونوا مع عناصر الشبكة لتسهيل عمليات التزوير عليهم و استخدامهم كأدلة في تنقلاتهم ، و لم يضبط مع المتهمين أي سلاح . وكشفت التحقيقات عن أن المهمة الأساسية للجواسيس هي رصد كافة المعلومات السياسية و الاقتصادية والعسكرية والثقافية عن مصر و الحصول على معلومات دقيقة تتعلق بالأماكن الحيوية والعسكرية و تحديد الأماكن الاستراتيجية و المنشآت العسكرية بالغة الأهمية و الحصول على معلومات عن خطة التطوير العسكري و برامج التدريب المشتركة التي تجري مع دول أخرى و رصد أي تعاون عسكري بين مصر و سوريا بالذات و الحصول على معلومات متكاملة عن الأسلحة العسكرية التي تملكها مصر و رصد حجم و قوة التيار الديني في مصر و موقعه في الشارع المصري .
كذلك تضمنت خطط الجاسوس الإسرائيلي و ابنته الحصول على معلومات دقيقة خاصة ببعض الشخصيات القيادية و الهامة في الدولة و دراسة تحليلية متعمقة لهم و لدورهم السياسي في المستقبل .
التدخل الإسرائيلي المكشوف :
ووسط كل هذه الفضائح و الجرائم الصهيونية كان موقف الحكومة الإسرائيلية غريباً للغاية حيث طالبت مصر بالإفراج فوراً عن المسجونين الإسرائيليين لعدم صحة الاتهامات الموجهة إليهم . وأبدى السفير الإسرائيلي بالقاهرة تذمره من عدم السماح له بلقاء المتهمين ومتابعة التحقيقات والاطلاع على ملفات القضية ، واضطر إلى أن يطلب مقابلة وزير الداخلية المصري آنذاك اللواء عبد الحليم موسى ووعده الأخير بالسماح له بلقاء المتهمين ولكن بعد إنهاء التحقيقات معهم .
ونفى المسؤولون بـإسرائيل أية صلة للموساد بالمتهمين ، وأكد مصدر قضائي أن الأدلة قوية وواضحة وضوح الشمس وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك تورط إسرائيل ومخابراتها في التجسس ، وأهم هذه الأدلة : أدوات التجسس والتسجيلات الصوتية ودلائل التزوير والمعلومات الدقيقة التي تم رصدها وتصورها فضلا عن اعترافات المتهمين أنفسهم .
وتوقع المراقبون أن تؤدي فضيحة اكتشاف شبكة التجسس الإسرائيلية بالقاهرة إلى حدوث فجوة عميقة في العلاقات بين مصر و إسرائيل ، وأن تعيد القاهرة النظر في بعض الإجراءات التطبيقية المعمول بها في إطار اتفاقيات كامب ديفيد خاصة ما يتعلق بالسياحة و دخول الإسرائيليين إلى مصر دون ضوابط مشددة .
ويتوقع البعض أن تثير الفضيحة عاصفة سياسية في إسرائيل نفسها إذا ما تكتشف بقية خيوطها و قد تؤدي إلى الإحاطة بمسؤولين كبار هناك مثلها مثل فضيحة لافون الشهيرة في أوائل الخمسينات .
ولكن ظهر أن السلطات الإسرائيلية متماسكة في سبيل طمس فضيحة الموساد هذه وتقديم الاعتذار لمصر واعتراف القنصل الإسرائيلي بتجسس المصراتي وشبكته .
استمرار التحقيق وخلفية القضية :
كنتيجة طبيعية لتفتيش شقة الجاسوس فارس صبحي مصراتي بعد إلقاء القبض عليه وعلى ابنته وولده ماجد وصديق العائلة الجاسوس الإسرائيلي ديفيد اوفتيس الذي ادعى انه تاجر ، عثرت المخابرات المصرية على عدد من الوثائق المهمة ، و تقارير جاهزة من المعلومات الهامة عن أهداف عسكرية واستراتيجية ، ومعلومات عن عدد من الشخصيات المصرية .
والمعلومات التي نشرت عقب إذاعة البيان الصحفي من قبل السيد وزير الداخلية المصري عن القضية تفضي إلى اعتقاد السلطات الأمنية بخطورة هذه الشبكة ، حيث عثرت أجهزة الأمن خلال تفتيش شقتها على أدوات متقدمة لتزوير الوثائق و المستندات الرسمية . وكشفت المعلومات الرسمية ، في هذا السياق ، عن أن الجاسوس الصهيوني استطاع بالفعل أن يقوم بتزوير بطاقتي هوية مصريتين . أما المواطن المصري الذي اعتقلته أجهزة الأمن المصرية مع الجاسوس وابنته ، فقد أعلن أن التحقيقات معه أسفرت عن عدم تورطه في أي نشاط من أنشطة الجاسوسين الصهيونيين ، وعدم معرفته بهويتهما الأصلية وأفرج عنه .
وضمن ما أعلنه البيان الرسمي المذكور ، فان نيابة أمن الدولة العليا المصرية أصدرت قرارها بحبس الجاسوسين على ذمة التحقيق في القضية ، تمهيداً لمحاكمتهما بالتهم المذكورة ، وقد تصل عقوبتهما إلى الإعدام .
و بعيداً عن تفاصيل ووقائع قضية هذا الجاسوس الصهيوني و ابنته ، و في انتظار ما سيكتشف من أبعادها ، فان اكثر المراقبين في العاصمة المصرية يرون أن الإعلان عنها مفعم بالدلالات السياسية ، فعلى الرغم من أن هذه القضية لم تكن أول قضية تجسس لمصلحة العدو الصهيوني ، تكشف عنها السلطات المصرية منذ توقيع ما يسمى " معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية " ، حيث أعلن عن قضية مماثلة ( صيف العام 1989 ) ، وهي القضية التي أدين فيها شقيقان مصريان بتهمة التجسس لحساب إسرائيل ، وحكم عليهما بالسجن ، وشاركهما في ذلك أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) الذي أدانته المحكمة التي نظرت في القضية . على الرغم من ذلك ، فان ما تكشف من وقائع هذه القضية ، وتوقيت الإعلان عنها ، دفعا المراقبين إلى إبداء الاهتمام الشديد بها لعدد من الأسباب ، أولها إنها أول قضية تجسس يتم الإعلان عنها ، ويكون المتهمون المعتقلون فيها إسرائيليين ، ممن يستفيدون مما يسمى " تطبيع العلاقات مع إسرائيل " في الدخول بحرية إلى مصر ، هذا من جانب الوقائع . أما من جانب التوقيت وملابساته ، فان هؤلاء المراقبين يرون ضرورة الربط بين الإعلان عن القضية ، وما جاء فيه من أن الجاسوس الإسرائيلي وابنته نشطا في جمع المعلومات عن مؤسسات وأهداف عسكرية واستراتيجية مصرية ، وبين بدء ما يسمى المفاوضات المتعددة الأطراف ، التي من ضمن أهم بنودها – إن لم يكن البند الأهم – موضوع نزع السلاح في المنطقة ، وفق المفهوم الإسرائيلي والأمريكي ، أي تقليص القدرة العسكرية العربية ، وضمان تفوق استراتيجي ساحق لإسرائيل ، وفي مواجهة الأقطار العربية مجتمعة .
ولعل ما يعزز لدى المراقبين في القاهرة ، ليس فقط توافق الإعلان عن القضية مع تصاعد الجدل حول موضوع نزع السلاح العربي ، وما يثار خلال ذلك من حملات أمريكية وصهيونية عن القدرات التسليحية العربية ، ومحاولات التصنيع الحربي في بعض الأقطار العربية ومن بينها مصر ، ولا سيما في بعض الأنواع كالصواريخ وغيرها لا سيما وقد علمت المخابرات الإسرائيلية من عملائها ونتيجة متابعة الدكتور جيرالد بول ، مخترع المدفع العملاق عن زيارته للقاهرة سابقاً ( قبل تصفيته من قبلها ) . ويشير العديد من المراقبين إلى أن المقارنة بين المرحلة ، التي أعلن فيها عن قضية الجاسوسين الشقيقين في العام 1989 ، وبين مرحلة الإعلان عن الجواسيس الصهاينة ، ستكشف عن انه فيما تم الإعلان عن القضية الأولى ، وقتئذ ، بعد صدور الحكم النهائي في القضية وإدانة المتهمين بها أي بعد شهور طويلة استغرقها التحقيق والمحاكمة ، فإن القضية الأخرى تم الإعلان عنها مبكراً جداً ، بالنسبة إلى الأولى ( بل بالنسبة إلى ما اعتادت عليه السلطات المصرية في الإعلان عن هذا النوع من القضايا ) ، فلم تتجاوز المساحة الزمنية الفاصلة بين اعتقال الجاسوسين وبين الإعلان مدة اسبوع واحد الأمر الذي يدعو العديدين إلى الاعتقاد أن لدى القاهرة الرغبة في استثمار هذه القضية ، في ذلك الوقت بالذات . وضمن أهم أهدافها من ذلك تأكيد امتعاضها الشديد مما يثار ضمناً أو صراحة عن القدرات العسكرية المصرية ، ونشاط التصنيع الحربي في مصر ، هذا بالطبع فضلاً عن الإشارة إلى الدرجة التي بلغها ضيق السلطات المصرية بالأنشطة التخريبية التي يقوم بها الإسرائيليون الذين يدخلون مصر تحت ظلال التطبيع ، وهي الأنشطة التي تتنوع وتنتشر على مساحة كبيرة من الجرائم ابتداء من الغزو بالمخدرات ، ومروراً بمحاولات إغراق السوق المصرية بعملات النقد الأجنبية المزورة ، وتخريب الزراعة المصرية ، بل محاولة نشر مرض الإيدز بين الشباب المصري . كما أن هذه الجرائم لا تنتهي بالتجسس الفاضح على الأهداف والقدرات الحيوية المصرية .
التطورات الهامة في شبكة تجسس المصراتي :
كانت ابرز التطورات في قضية اعتقال المخابرات المصرية لشبكة تجسس عائلة المصراتي الإسرائيلية اتساع نطاق التحقيق والاتهام حتى بلغت حصيلة المقبوض عليهم في حينه ستة أشخاص هم :
فائق المصراتي وابنه ماجد وابنته فائقة وجاسوس إسرائيلي آخر يدعى انه رجل أعمال اسمه دافيد أو ديفيد اوفيتش ، بعد أن توصلت المخابرات المصرية إلى معلومات انه يشارك فارس مصراتي نشاطاته في شبكة التجسس ومواطنين مصريين . وقد أظهرت التحقيقات أن زيارات اوفيتش إلى مصر تعددت وتوافق أغلبها مع فترات وجود فارس في القاهرة ، حيث استطاعت أجهزة الأمن رصد عدد من اللقاءات بينهما ، والتي كان بعضها في الشقة ، التي استأجرها فارس وابنته ، وبعضها الأخر في أماكن أخرى .
وتقول مصادر أجهزة الأمن المصرية ، أن دافيد اوفيتس كان يدخل مصر تحت ستار انه رجل أعمال ، يسعى لعقد صفقات مع رجال أعمال مصريين . وتضيف هذه المصادر ، أن اوفيتس استطاع إقامة علاقات وصلات قوية مع عدد من رجال الأعمال المصريين وأسرهم ، وانه بذلك نجح في أن يصنع لنفسه دائرة حيوية لجمع المعلومات ، بعيداً عن مخاطر رصده إذا تحرك بمفرده .
أما بالنسبة إلى الاثنين المصريين الذين قبض عليهما على ذمة التحقيقات في القضية فلم تشأ السلطات المصرية الكشف عن هويتهما ، ولا عن مدى تورطهما في نشاط الجواسيس الإسرائيليين . غير أن مصادر في نيابة أمن الدولة العليا المصرية ، أبلغت الصحافة انه تم استجواب العديد من المواطنين الذين كانوا على صلة بفارس وابنته ، غير انه لم يتم القبض إلا على اثنين فقط لوجود دلائل جدية على احتمال معرفتهما ومشاركتهما في الأنشطة الإجرامية للشبكة .
نشر الإيدز ، من مهمات الشبكة :
ولعل أخطر ما تكشف من التحقيقات الجارية هو المساحة الواسعة لعلاقات أسرة الجاسوس فارس صبحي ، وبخاصة ابنته التي لعبت الدور الرئيسي في هذه العلاقات ، عن طريق إغرائها العديد من الشباب المصريين ، الذين كانت تتعرف إليهم وتدعوهم إلى سهرات ماجنة معها ، تتحدد نهايتها حسب تقديرها لأهمية كل منهم . وفي هذا السياق ، تقول مصادر الأمن المصري أن عميلة الموساد كانت تركز أساساً في علاقاتها على أبناء وأقرباء الشخصيات المصرية المهمة . وإنها كانت تصل في العلاقة معهم إلى حد الذهاب والمبيت معهم في مساكنهم أو السماح لهم بالمبيت معها في شقتها . وتضيف المصادر نفسها انه جاء في اعترافات الجاسوسة الإسرائيلية حول دورها في شبكة التجسس مع أبيها ، إنها تعرفت إلى المئات من الرجال والشباب المصريين ، وان أسلوبها في جمع المعلومات منهم هو استدراجهم في الحديث خلال اللقاءات الماجنة معهم . وإنها كانت تبدأ في معرفة اسم الشخص ، وما إذا كان له أو لوالده أو لاحد أقاربه مركز مهم ، وإذا توصلت إلى أن " الصيد " متوافر فيه ، كانت تفتح باب الإغراء على مصراعيه وتنتقل بشكل مدروس إلى استدراجه للبوح بالمعلومات التي يعرفها ، وهي مدربة بالاحتفاظ على هذه المعلومات حيث تذكرها في ما بعد لأبيها الذي يقوم بدوره بتصنيفها وترتيبها . وقد اعترف فارس – حسب المصادر نفسها – بأنه كلما تراكمت لديه حصيلة من المعلومات ، كان يسافر إلى إسرائيل لينقلها إلى جهاز الموساد ويعود ثانية ليستأنف نشاطه . وقد أشارت مصادر أجهزة الأمن المصرية إلى الصعوبات الكبيرة التي واجهتها في تعقب كل الذين كانت لهم صلات بالجاسوسة ، نظراً لضخامة عددهم ، فضلاً عن أن اعترافها لم يتضمن قوائم بالأسماء الكاملة لهؤلاء الأشخاص ، حيث ادعت إنها لا تتذكر اغلبهم لكثرتهم من جانب ، ومن جانب آخر لأنها لم تكن تهتم إلا بما تحصل عليه منهم من معلومات تنقلها إلى والدها .
على أن اعترافات أخرى للجاسوس الصهيوني وابنته أضافت بعداً جديداً وخطيراً إلى القضية تتمثل في ادعاء الجاسوس بأن ابنته مصابة بمرض فقدان المناعة المكتسبة ( الإيدز ) ، وقد ترتب على هذا الاعتراف أن أجهزة الأمن المصرية ضاعفت جهودها للتوصل إلى الأشخاص الذين اتصلوا بالجاسوسة لسماع أقوالهم في التحقيقات ، ولإخضاعهم لفحوص طبية لمعرفة ما إذا كانوا أصيبوا بعدوى الإيدز من عدمه .
وكانت السلطات المصرية سارعت ، فور اعتراف الجاسوسة بإصابتها بهذا المرض ، إلى عزلها في زنزانة خاصة ، في سجن طرة جنوب القاهرة ، المودعة فيه مع أبيها ، وباقي المتهمين في القضية . كما أخضعت لفحوص طبية للتأكد من حقيقة إصابتها بمرض الإيدز ، غير أن نتائج هذه الفحوص لم تعلن ، وقد كان ذلك سبباً لبعض التكهنات التي انتشرت في أوساط المراقبين في العاصمة المصرية بأنه ربما كان تسريب معلومة أن الجاسوسة الإسرائيلية اعترفت بإصابتها بهذا المرض الخطير جداً مقصوداً به تسهيل مهمة أجهزة الأمن المصرية في معرفة الأشخاص الذين تعاملوا مع الجاسوسة حيث سيصيبهم الذعر من احتمال انتقال العدوى إليهم .
وعلى كل حال ، فان العديدين لا يستبعدون احتمال أن تكون ابنة الجاسوس الإسرائيلي مصابة فعلاً بمرض الإيدز وان ذلك ربما كان من مؤهلات نشاطها التخريبي في مصر ، ضمن الشبكة التي زرعها جهاز المخابرات الإسرائيلي " الموساد " . وعلى صعيد آخر ، فان المعلومات التي تسربت حول التحقيقات في القضية ، أشارت إلى أن دور شبكة الجاسوسية الصهيونية كان يتجاوز مجرد جمع المعلومات عن الأهداف الحيوية المصرية ، إلى ممارسة أنشطة أخرى خطيرة ، حيث لفت العديد من المراقبين الانتباه إلى أن النشاط المتعلق بأدوات التزييف والتزوير ، ذات التقنية العالية ، التي ضبطتها أجهزة الأمن المصرية في حوزة فارس وابنته والتي استخدمها بالفعل في تزييف بطاقات هوية مصرية لهما ، للحصول على جوازات مصرية ، مما يشير إلى احتمال وجود مخطط لهذه الشبكة للتحرك انطلاقاً من مصر إلى أقطار عربية أخرى بخاصة تلك التي لا تشترط لدخول المواطنين المصريين إلى أراضيها الحصول على تأشيرات مسبقة ، أو تلك التي لا يحتاج المواطن المصري في انتقاله إليها إلى جواز سفر .
وفي هذا السياق ، أثار القبض على ابن الجاسوس فارس ، خلال وجوده في منطقة الحدود مع الجماهيرية ، تكهنات بأنه ربما كانت هناك محاولة من جانب هذه الشبكة لمد نشاطها التخريبي إلى ليبيا . وربما كان من أهدافها القيام بأعمال إجرامية تسيء إلى العلاقات الحميمة بين القطرين . وعلى الصعيد السياسي ، فإن القضية أفضت إلى تفاعلات عديدة ، أهمها ما أفصحت عنه ردود الفعل التي صدرت عن إسرائيل ، وتركزت في تعليقات وسائل الإعلام الإسرائيلية فقط في ظل صمت رسمي شبه كامل ، لم تقطعه سوى تصريحات مقتضبة ، أدلى بها سفير إسرائيل في القاهرة آنذاك " افرايم دوبك " . وقد أشارت ردود الفعل هذه إلى القلق الشديد الذي انتاب الأوساط الإسرائيلية من كشف شبكة جواسيس الموساد في مصر ، ومن تأثير هذه القضية على العلاقات مع مصر ، وزيادة حدة الغضب الشعبي على التطبيع مع إسرائيل ، وبالتالي زيادة عزلة الزائرين الإسرائيليين لمصر . غير أن أجهزة الإعلام الإسرائيلية بدت ، في بعض ردود الفعل التي أبدتها ، وهي تبذل محاولات مستميتة لتزييف وقائع القضية ، ابتداء من نشر وتسريب معلومات مغلوطة حول هوية المتهمين فيها ، وانتهاء باختلاق سياق مزيف لهذه الوقائع ، وصل حد الادعاء بأن شبكة التجسس المكتشفة ، كانت تعمل لحساب طرف عربي ، بعد أن تم خداع عناصرها الإسرائيليين بأن نشاطهم سيكون لحساب الموساد !! .
وبعيداً عن مزاعم الإعلام الإسرائيلي ، فإن قلق الأوساط الإسرائيلية من القضية ، ومن طريقة الإعلان الرسمي المصري الواسع عنها ، وعن بعض وقائعها ، بدت واضحة في التصرفات المحمومة ، التي قامت بها سفارة إسرائيل في القاهرة ، حيث حرص السفير الإسرائيلي افرايم دوبك على طلب اللقاء بوزير الداخلية المصري آنذاك اللواء محمد عبد الحليم موسى ، عقب تصريحات للأخير حول القضية ، أكد فيها أن المتهمين أدلوا باعترافات تفصيلية عن علاقتهم بجهاز المخابرات الإسرائيلي ، وعن النشاط المكلفين به في مصر ، كما أكد في هذه التصريحات أن فارس وابنته يعتنقان الديانة اليهودية ( عكس ما قالته الصحافة الإسرائيلية من انهما ينتميان إلى عائلة عربية مسلمة ) .
وقد تعمد دوبك ، عقب لقائه وزير الداخلية المصري ، أن يصرح لإذاعة الكيان الصهيوني بأن الوزير ابلغه بأنه لم يقل " أن المتهمين اعترفوا " وقد بدا واضحاً من ذلك أن المقصود هو توفير قدر من الدعم للروايات المغلوطة ، التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية في هذا الصدد .
ويذكر في هذا السياق أن مندوبين عن السفارة الإسرائيلية في القاهرة حصلوا على تصريح من السلطات المصرية المختصة بزيارة الجواسيس المقبوض عليهم ، بعد أن تقدمت السفارة بطلبات رسمية ادعت فيها أن لديها معلومات تفيد بتعرض المتهمين لإكراه مادي ومعنوي للاعتراف بعملهم لحساب جهاز الموساد .
النيابة العامة تجدد السجن لأعضاء شبكة التجسس :
لكن مقابلة السفير أو القنصل الإسرائيلي للمتهمين شيء ، والتدخل في التحقيق شيء آخر ، حيث رفضت نيابة أمن الدولة العليا المصرية طلبات السفارة الإسرائيلية السماح لمندوبي السفارة بالاطلاع على الملفات الكاملة للتحقيقات التي جرت حتى تاريخه ، وذلك بعدما كشفت المخابرات وأجهزة الأمن المصرية نشاط الشبكة في جمع المعلومات الحساسة لمصلحة المخابرات الإسرائيلية . ومن جهة أخرى ، كانت نيابة أمن الدولة المصرية قد جددت مدة حبس ضابط الموساد دافيد اوفيتس على ذمة التحقيق في القضية ، على الرغم من الضغوط الشديدة التي مارستها الحكومة الإسرائيلية على الحكومة المصرية لاطلاق سراحه . غير أن النائب العام المصري سمح للقنصل الإسرائيلي في القاهرة بحضور جلسة تجديد حبس اوفيتس ، ومعه محامي السفارة فقط .
وكانت مصادر قضائية مصرية نفت نفياً قاطعاً نبأ أذاعته إذاعة إسرائيل وزعم فيه قيام سلطات التحقيق المصرية بالإفراج عن ضابط المخابرات الإسرائيلي . إضافة إلى ذلك ، فإن التحقيقات مع أفراد شبكة التجسس الإسرائيليين والمتهمين بالتعاون معهم من المصريين تواصلت بكثافة ، حيث استدعت نيابة أمن الدولة المصرية العديد من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التحقيقات باعتبارهم كانوا ضمن دائرة الصداقات والمعارف الواسعة التي نشط فيها آل مصراتي ، وخاصة الابنة فائقة . وفي هذا السياق ، انتشرت الشائعات والتكهنات وبدأت تتردد بقوة في القاهرة عن أسماء الفنانين والفنانات ، الذين تسربت إشاعات نسبت إلى مصادر التحقيق ، تفيد انهم كانوا على علاقة وطيدة مع مصراتي وابنته ، غير أن مصدراً قضائياً مصرياً نفى تورط أي فنان أو فنانة مصرية في نشاط الشبكة . وقال المصدر أن بعض الصور التي ضبطت في منزل مصراتي وكانت تجمع بين ابنته وبعض الفنانين ، كانت صوراً " مركبة " وغير حقيقية ، حيث كانت الجاسوسة تستخدم هذه الصور في الإيقاع بضحاياها واقناعهم بأنها على علاقة بمشاهير المجتمع .
وعلى صعيد آخر ، قامت أجهزة الأمن المصرية بتكثيف الحراسة الخفية على بعض الشخصيات التي اعترف أفراد الشبكة بأنهم كانوا يراقبون ويحاولون جمع معلومات عن تحركاتهم تمهيداً لوضع الخطط في الموساد لاغتيالهم والاعتداء عليهم ، ومن هذه الشخصيات الدكتور خالد جمال عبد الناصر ، وأسرة المواطن سيد نصر المتهم باغتيال الإرهابي الصهيوني مائير كاهانا .
وقد اتخذت سلطات الأمن المصرية احتياطات أمنية مشددة بموجبها الحراسة على منزل المهندس خالد ابن الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي برأته المحكمة بعد عودته طائعاً إلى وطنه مصر من يوغسلافيا ، من تهمة ( قيادة تنظيم ثورة مصر ) .
وكذلك شددت الحراسة على منزل أسرة سيد نصير ، الذي برأته محكمة أمريكية أيضاً من تهمة قتل الحاخام مائير كاهانا ، رئيس حركة كاخ الإسرائيلية المتطرفة .
وأكدت بعض المصادر في القاهرة أن اكثر من جهاز أمنى مصري اشترك في إعداد دراسة متكاملة عن النشاط الرسمي الإسرائيلي في القاهرة ومدى علاقته بالأنشطة التخريبية والتجسسية التي تقوم بها إسرائيل تحت ستار التطبيع في مصر . وتقول المصادر ، أن هذه الدراسة تستهدف فرض نطاق من السيطرة على هذه الأنشطة ، فضلاً عن جمع قائمة من الأدلة على تورط السفارة الإسرائيلية ، وباقي المؤسسات الرسمية الإسرائيلية العاملة في مصر في النشاطات المعادية ، لتمكين أصحاب القرار السياسي من اتخاذ الإجراءات والقرارات المناسبة وذلك في ضوء الأبعاد الخطيرة التي اكتشفتها قضية شبكة آل مصراتي وحجم استفادة المخابرات الإسرائيلية من الأوضاع القانونية للدبلوماسيين الإسرائيليين في مصر ، لممارسة أنشطة التجسس والتخريب ، وإدخال أدوات وأجهزة لا يمكن دخولها أو تهريبها إلى البلاد إلا عن طريق الحقائب الدبلوماسية للسفارة الإسرائيلية . وهذا ما يحصل فعلاً لأن الأجهزة ومستلزمات التجسس التي صودرت من شبكة مصراتي وغيرها من قبلها لا يمكن إدخالها عن طريق المعابر الحدودية أو الطائرات بسبب التفتيش الدقيق على جميع الإسرائيليين القادمين إلى مصر .
القنصل الإسرائيلي في القاهرة يعترف :
فاجأ القنصل الإسرائيلي في القاهرة آنذاك " روني بورات " الصحافيين بتصريحات ناقضت كل الادعاءات التي روجها الإعلام الإسرائيلي ، منذ الاعلان عن كشف شبكة آل مصراتي للتجسس ، التي دفع بها جهاز المخابرات الإسرائيلي " الموساد " إلى مصر ، تحت ستار التطبيع لجمع المعلومات الاستراتيجية والعسكرية عن مصر والجماهيرية العربية الليبية .
وفيما كانت ادعاءات الإعلام الإسرائيلي بشأن القضية تدور في نطاق إنكار أي علاقة للكيان الصهيوني واستخباراته بالشبكة والمتهمين بها ، سوى انهم إسرائيليون فقط ، فإن القنصل بورات اعترف ، في التصريحات التي أدلى بها عقب سماح السلطات المصرية له ولسكرتير عام السفارة ومحاميها بحضور جانب من التحقيقات مع الجواسيس ، " بأنه للمرة الأولى منذ اعتقال أعضاء الشبكة تقتنع السفارة والمسئولون الإسرائيليون بأن الاتهام تجاوز حدود التزوير والتخابر وجمع المعلومات . وبأن المتهمين فارس صبحي مصراتي و ابنته فائقة و ابنه ماجد اعترفوا تفصيليا في التحقيقات بأدوارهم ، و طبيعة مهامهم التي كلفوا بها ، توقيتها وأسماء المسؤولين الإسرائيليين ، الذين يتلقون منهم التعليمات ، وطريقة توصيل المعلومات التي يجمعونها .
ولقد أدهش القنصل الإسرائيلي الصحافيين ، الذين استمعوا إلى تصريحاته حين أضاف ، انه علم خلال التحقيق ، أن أجهزة الأمن المصرية أوقعت جهاز المخابرات الإسرائيلي في فخ ، وأنها كانت على علم تام بتحركاتهم " يقصد أفراد الشبكة " من خلال مصادر معلومات أخرى ، وأن الأمن المصري قام بترحيل فارس مصراتي ، في شهر آب أغسطس 1991 ، كنوع من التمويه ، وكإجراء يتبع ضد كل أجنبي تنتهي مدة إقامته في البلاد ، وذلك كان بهدف ألا يتم إثارة الشك لدى الموساد في اكتشاف السلطات المصرية لتحركاته ! .
وتابع بوارت " أن تل أبيب أعادت فارس مصراتي إلى مصر بإقامة قانونية ، باعتبار أن مصراتي حجر الزاوية في الشبكة ، التي كان أحد أهدافها الاستراتيجية أن يمتد نشاطها إلى الأراضي الليبية " (!!) .
وفي نهاية هذه التصريحات قال روني بوارت انه سينقل هذه المعلومات التي اكتشفها من خلال حضوره جلسة التحقيق مع الجواسيس الصهاينة إلى حكومته بشكل عاجل .
أثارت هذه التصريحات ردود فعل واسعة في العاصمة المصرية ، لعل أغربها ما صدر عن سفارة العدو في القاهرة ذاتها ، حيث سارع المتحدث الرسمي باسمها إلى الاتصال بمكاتب وكالات الأنباء الأجنبية في القاهرة بهدف كما قال "تصحيح" ما نقل من تصريحات عن لسان القنصل بوارت ، غير أن هذا " التصحيح " لم يتناول سوى أن بورات لم يقل أن ضابط الموساد دافيد أوفيتس الذي اعتقلته سلطات الأمن المصرية بعد أيام من دخوله إلى مصر لمتابعة قضية مصراتي لم يعترف في التحقيقات . وكانت نيابة أمن الدولة العليا المصرية قررت ، في نهاية جلسة التحقيق مع المتهمين التي حضرها القنصل الصهيوني ، تجديد حبسهم جميعا على ذمة التحقيقات في القضية لمدة 15 يوماً .
كما قامت النيابة ، خلال الجلسة ذاتها ، بمواجهة أعضاء الشبكة كل منهم باعترافات الأخر ، فضلا عن الوقائع و المعلومات التي توصلت إليها سلطات التحقيق ، وكذلك نتائج تقارير لجان فحص المضبوطات و التقارير الفنية من الجهات المختصة .
ويذكر أن حكومة إسرائيل كانت طالبت رسمياً السلطات المصرية ، في رسالة بعث بها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك " ديفيد ليفي " ، بأن تتدخل لدى أجهزة الإعلام في مصر ، لوقف ما أسماه بالحملات الدعائية المعادية لـ " إسرائيل " التي تصاعدت منذ الإعلان عن شبكة آل مصراتي ، و التي اعتبرها تضر جداً بصورة إسرائيل و بمستقبل العلاقات بين الجانبين .
و في هذا السياق ، ذكرت مصادر في وزارة السياحة المصرية أن الأسابيع الأخيرة آنذاك ، أي منذ القبض على شبكة التجسس ، شهدت ما يشبه المقاطعة الإسرائيلية للسياحة في مصر ، حيث تم إلغاء الغالبية العظمى من الأفواج السياحية التي كان مقرراً أن تحضر إلى مصر .
ثورة الجاسوس العاري :
و في أول ظهور علني للجاسوس فارس صبحي مصراتي وابنته فائقة بعد انتهاء التحقيق وبحضور بعض المحامين والصحفيين وقليل من الذين حصلوا على تصاريح خاصة من وزارة الداخلية لحضور هذه الجلسة ، وقد خصصت هذه الجلسة لعرض المتهمين على الجمهور والصحافة وأيضاً لاستصدار أمر استمرار حبسهم على ذمة التحقيق لمدة 45 يوماً حتى تبدأ محاكمتهم في ذلك الوقت .
وكانت جلسة المحكمة ، التي عقدت في إحدى الدور القضائية ، شرق القاهرة ، وسط أج راءات أمنية لم يسبق لها مثيل ، شهدت وقائع مثيرة ، بدأت فور دخول الجاسوس مصراتي وسط عدد كبير من أفراد الأمن المصريين إلى قاعة المحكمة ، فبعد أن تم فك القيود عن يديه ، ليمثل أمام المحكمة ، انتابته حالة من الهياج الشديد ، ثم قام بخلع ملابسه تماماً . وهو يردد باللغة العربية سيلا من العبارات والشتائم البذيئة في حق أفراد الأمن المصريين ، ومصر نفسها ، قام الجاسوس بالاعتداء بالضرب على الضابط المصري ، الذي لم يكن يتوقع ما حصل ، فأصيب بنزيف نقل على أثره إلى أحد المستشفيات القريبة للعلاج .
كما أصاب مصراتي ، خلال ذلك ، عددا من أفراد الأمن المصريين ، الذين أحاطوا به ، واجبروه ، في نهاية هذا المشهد المبتذل ، بالقوة على معاودة ارتداء ملابسه ، في حجرة ملحقة بقاعة المحكمة ، أما ابنة الجاسوس ، التي جلست خارج قفص الاتهام ، فقد ظلت هادئة وشاردة الملامح ، و كررت أمام المحكمة اعترافاتها بكامل التهم المنسوبة إليها ، وإلى والدها ، فيما أنكر الأخير أمام المحكمة كل اعترافاته في التحقيقات !! .
وأمرت المحكمة بتحرير محضر بالواقعة ، التي ارتكبها فارس مصراتي خلال الجلسة حيث وجهت بعد ذلك النيابة العامة المصرية عدة تهم جديدة ، منها التعدي على رجال الأمن أثناء أدائهم وظيفتهم ، وإهانة رجال الشرطة ، وارتكاب فعل فاضح علني ، وإثارة الشغب في جلسة المحاكمة .
وقررت النيابة تقديمه إلى محاكمة عاجلة مثل أمامها بالفعل يوم الخميس في حينه بهذه التهم الأخيرة .
وكان مندوب عن سفارة إسرائيل في القاهرة حضر جلسة النظر في تجديد حبس مصراتي وابنته ، غير انه رفض التعليق على القضية أو ما حدث خلال الجلسة . كما حاول تجنب عشرات الصحافيين ، الذين حاول مصراتي التعدي على بعضهم ، مما جعل هؤلاء يحاولون الاشتباك معه ، كما ردد عدد منهم هتافات معادية لإسرائيل ومنددة بمحاولات ومؤامرات التخريب التي يرتكبها ضد المجتمع المصري تحت ستار التطبيع .
وقد حولت القضية الجنحية التي ارتكبها فارس مصراتي لتعديه وضربه رجال الأمن إلى محكمة خاصة حيث تم الحكم عليه بالسجن (3) سنوات فقط لجهة تعديه على رجال الأمن ومتابعة محاكمته عن أعمال التجسس .
الى اللقاء في الحلقه القادمه
تحياتي /ماجد اليلوي
و بعد اسبوع كامل من التحقيقات مع الجاسوس فارس مصراتي ، ألقت المخابرات المصرية القبض على نجله ماجد مصراتي أثناء محاولته عبور الحدود المصرية الليبية قادماً من ليبيا وأعترف بأنه يعمل مع والده و شقيقته لحساب الموساد . و بعد يومين فقط اعتقلت سلطات الأمن المصرية جاسوسا إسرائيليا رابعا اسمه ديفيد اوفيتس وهو تاجر إسرائيلي كثير التردد على مصر ، ولوحظ أن علاقة قوية و غامضة كانت تربطه بالجاسوس مصراتي ووضع تحت المراقبة بعد القبض على أسرة مصراتي وضبطته الشرطة وهو يقوم بتحركات ومناورات مريبة لمعرفة مصير زعيم الشبكة . وألقت القبض أيضاً على ثلاثة مصريين تعاونوا مع عناصر الشبكة لتسهيل عمليات التزوير عليهم و استخدامهم كأدلة في تنقلاتهم ، و لم يضبط مع المتهمين أي سلاح . وكشفت التحقيقات عن أن المهمة الأساسية للجواسيس هي رصد كافة المعلومات السياسية و الاقتصادية والعسكرية والثقافية عن مصر و الحصول على معلومات دقيقة تتعلق بالأماكن الحيوية والعسكرية و تحديد الأماكن الاستراتيجية و المنشآت العسكرية بالغة الأهمية و الحصول على معلومات عن خطة التطوير العسكري و برامج التدريب المشتركة التي تجري مع دول أخرى و رصد أي تعاون عسكري بين مصر و سوريا بالذات و الحصول على معلومات متكاملة عن الأسلحة العسكرية التي تملكها مصر و رصد حجم و قوة التيار الديني في مصر و موقعه في الشارع المصري .
كذلك تضمنت خطط الجاسوس الإسرائيلي و ابنته الحصول على معلومات دقيقة خاصة ببعض الشخصيات القيادية و الهامة في الدولة و دراسة تحليلية متعمقة لهم و لدورهم السياسي في المستقبل .
التدخل الإسرائيلي المكشوف :
ووسط كل هذه الفضائح و الجرائم الصهيونية كان موقف الحكومة الإسرائيلية غريباً للغاية حيث طالبت مصر بالإفراج فوراً عن المسجونين الإسرائيليين لعدم صحة الاتهامات الموجهة إليهم . وأبدى السفير الإسرائيلي بالقاهرة تذمره من عدم السماح له بلقاء المتهمين ومتابعة التحقيقات والاطلاع على ملفات القضية ، واضطر إلى أن يطلب مقابلة وزير الداخلية المصري آنذاك اللواء عبد الحليم موسى ووعده الأخير بالسماح له بلقاء المتهمين ولكن بعد إنهاء التحقيقات معهم .
ونفى المسؤولون بـإسرائيل أية صلة للموساد بالمتهمين ، وأكد مصدر قضائي أن الأدلة قوية وواضحة وضوح الشمس وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك تورط إسرائيل ومخابراتها في التجسس ، وأهم هذه الأدلة : أدوات التجسس والتسجيلات الصوتية ودلائل التزوير والمعلومات الدقيقة التي تم رصدها وتصورها فضلا عن اعترافات المتهمين أنفسهم .
وتوقع المراقبون أن تؤدي فضيحة اكتشاف شبكة التجسس الإسرائيلية بالقاهرة إلى حدوث فجوة عميقة في العلاقات بين مصر و إسرائيل ، وأن تعيد القاهرة النظر في بعض الإجراءات التطبيقية المعمول بها في إطار اتفاقيات كامب ديفيد خاصة ما يتعلق بالسياحة و دخول الإسرائيليين إلى مصر دون ضوابط مشددة .
ويتوقع البعض أن تثير الفضيحة عاصفة سياسية في إسرائيل نفسها إذا ما تكتشف بقية خيوطها و قد تؤدي إلى الإحاطة بمسؤولين كبار هناك مثلها مثل فضيحة لافون الشهيرة في أوائل الخمسينات .
ولكن ظهر أن السلطات الإسرائيلية متماسكة في سبيل طمس فضيحة الموساد هذه وتقديم الاعتذار لمصر واعتراف القنصل الإسرائيلي بتجسس المصراتي وشبكته .
استمرار التحقيق وخلفية القضية :
كنتيجة طبيعية لتفتيش شقة الجاسوس فارس صبحي مصراتي بعد إلقاء القبض عليه وعلى ابنته وولده ماجد وصديق العائلة الجاسوس الإسرائيلي ديفيد اوفتيس الذي ادعى انه تاجر ، عثرت المخابرات المصرية على عدد من الوثائق المهمة ، و تقارير جاهزة من المعلومات الهامة عن أهداف عسكرية واستراتيجية ، ومعلومات عن عدد من الشخصيات المصرية .
والمعلومات التي نشرت عقب إذاعة البيان الصحفي من قبل السيد وزير الداخلية المصري عن القضية تفضي إلى اعتقاد السلطات الأمنية بخطورة هذه الشبكة ، حيث عثرت أجهزة الأمن خلال تفتيش شقتها على أدوات متقدمة لتزوير الوثائق و المستندات الرسمية . وكشفت المعلومات الرسمية ، في هذا السياق ، عن أن الجاسوس الصهيوني استطاع بالفعل أن يقوم بتزوير بطاقتي هوية مصريتين . أما المواطن المصري الذي اعتقلته أجهزة الأمن المصرية مع الجاسوس وابنته ، فقد أعلن أن التحقيقات معه أسفرت عن عدم تورطه في أي نشاط من أنشطة الجاسوسين الصهيونيين ، وعدم معرفته بهويتهما الأصلية وأفرج عنه .
وضمن ما أعلنه البيان الرسمي المذكور ، فان نيابة أمن الدولة العليا المصرية أصدرت قرارها بحبس الجاسوسين على ذمة التحقيق في القضية ، تمهيداً لمحاكمتهما بالتهم المذكورة ، وقد تصل عقوبتهما إلى الإعدام .
و بعيداً عن تفاصيل ووقائع قضية هذا الجاسوس الصهيوني و ابنته ، و في انتظار ما سيكتشف من أبعادها ، فان اكثر المراقبين في العاصمة المصرية يرون أن الإعلان عنها مفعم بالدلالات السياسية ، فعلى الرغم من أن هذه القضية لم تكن أول قضية تجسس لمصلحة العدو الصهيوني ، تكشف عنها السلطات المصرية منذ توقيع ما يسمى " معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية " ، حيث أعلن عن قضية مماثلة ( صيف العام 1989 ) ، وهي القضية التي أدين فيها شقيقان مصريان بتهمة التجسس لحساب إسرائيل ، وحكم عليهما بالسجن ، وشاركهما في ذلك أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) الذي أدانته المحكمة التي نظرت في القضية . على الرغم من ذلك ، فان ما تكشف من وقائع هذه القضية ، وتوقيت الإعلان عنها ، دفعا المراقبين إلى إبداء الاهتمام الشديد بها لعدد من الأسباب ، أولها إنها أول قضية تجسس يتم الإعلان عنها ، ويكون المتهمون المعتقلون فيها إسرائيليين ، ممن يستفيدون مما يسمى " تطبيع العلاقات مع إسرائيل " في الدخول بحرية إلى مصر ، هذا من جانب الوقائع . أما من جانب التوقيت وملابساته ، فان هؤلاء المراقبين يرون ضرورة الربط بين الإعلان عن القضية ، وما جاء فيه من أن الجاسوس الإسرائيلي وابنته نشطا في جمع المعلومات عن مؤسسات وأهداف عسكرية واستراتيجية مصرية ، وبين بدء ما يسمى المفاوضات المتعددة الأطراف ، التي من ضمن أهم بنودها – إن لم يكن البند الأهم – موضوع نزع السلاح في المنطقة ، وفق المفهوم الإسرائيلي والأمريكي ، أي تقليص القدرة العسكرية العربية ، وضمان تفوق استراتيجي ساحق لإسرائيل ، وفي مواجهة الأقطار العربية مجتمعة .
ولعل ما يعزز لدى المراقبين في القاهرة ، ليس فقط توافق الإعلان عن القضية مع تصاعد الجدل حول موضوع نزع السلاح العربي ، وما يثار خلال ذلك من حملات أمريكية وصهيونية عن القدرات التسليحية العربية ، ومحاولات التصنيع الحربي في بعض الأقطار العربية ومن بينها مصر ، ولا سيما في بعض الأنواع كالصواريخ وغيرها لا سيما وقد علمت المخابرات الإسرائيلية من عملائها ونتيجة متابعة الدكتور جيرالد بول ، مخترع المدفع العملاق عن زيارته للقاهرة سابقاً ( قبل تصفيته من قبلها ) . ويشير العديد من المراقبين إلى أن المقارنة بين المرحلة ، التي أعلن فيها عن قضية الجاسوسين الشقيقين في العام 1989 ، وبين مرحلة الإعلان عن الجواسيس الصهاينة ، ستكشف عن انه فيما تم الإعلان عن القضية الأولى ، وقتئذ ، بعد صدور الحكم النهائي في القضية وإدانة المتهمين بها أي بعد شهور طويلة استغرقها التحقيق والمحاكمة ، فإن القضية الأخرى تم الإعلان عنها مبكراً جداً ، بالنسبة إلى الأولى ( بل بالنسبة إلى ما اعتادت عليه السلطات المصرية في الإعلان عن هذا النوع من القضايا ) ، فلم تتجاوز المساحة الزمنية الفاصلة بين اعتقال الجاسوسين وبين الإعلان مدة اسبوع واحد الأمر الذي يدعو العديدين إلى الاعتقاد أن لدى القاهرة الرغبة في استثمار هذه القضية ، في ذلك الوقت بالذات . وضمن أهم أهدافها من ذلك تأكيد امتعاضها الشديد مما يثار ضمناً أو صراحة عن القدرات العسكرية المصرية ، ونشاط التصنيع الحربي في مصر ، هذا بالطبع فضلاً عن الإشارة إلى الدرجة التي بلغها ضيق السلطات المصرية بالأنشطة التخريبية التي يقوم بها الإسرائيليون الذين يدخلون مصر تحت ظلال التطبيع ، وهي الأنشطة التي تتنوع وتنتشر على مساحة كبيرة من الجرائم ابتداء من الغزو بالمخدرات ، ومروراً بمحاولات إغراق السوق المصرية بعملات النقد الأجنبية المزورة ، وتخريب الزراعة المصرية ، بل محاولة نشر مرض الإيدز بين الشباب المصري . كما أن هذه الجرائم لا تنتهي بالتجسس الفاضح على الأهداف والقدرات الحيوية المصرية .
التطورات الهامة في شبكة تجسس المصراتي :
كانت ابرز التطورات في قضية اعتقال المخابرات المصرية لشبكة تجسس عائلة المصراتي الإسرائيلية اتساع نطاق التحقيق والاتهام حتى بلغت حصيلة المقبوض عليهم في حينه ستة أشخاص هم :
فائق المصراتي وابنه ماجد وابنته فائقة وجاسوس إسرائيلي آخر يدعى انه رجل أعمال اسمه دافيد أو ديفيد اوفيتش ، بعد أن توصلت المخابرات المصرية إلى معلومات انه يشارك فارس مصراتي نشاطاته في شبكة التجسس ومواطنين مصريين . وقد أظهرت التحقيقات أن زيارات اوفيتش إلى مصر تعددت وتوافق أغلبها مع فترات وجود فارس في القاهرة ، حيث استطاعت أجهزة الأمن رصد عدد من اللقاءات بينهما ، والتي كان بعضها في الشقة ، التي استأجرها فارس وابنته ، وبعضها الأخر في أماكن أخرى .
وتقول مصادر أجهزة الأمن المصرية ، أن دافيد اوفيتس كان يدخل مصر تحت ستار انه رجل أعمال ، يسعى لعقد صفقات مع رجال أعمال مصريين . وتضيف هذه المصادر ، أن اوفيتس استطاع إقامة علاقات وصلات قوية مع عدد من رجال الأعمال المصريين وأسرهم ، وانه بذلك نجح في أن يصنع لنفسه دائرة حيوية لجمع المعلومات ، بعيداً عن مخاطر رصده إذا تحرك بمفرده .
أما بالنسبة إلى الاثنين المصريين الذين قبض عليهما على ذمة التحقيقات في القضية فلم تشأ السلطات المصرية الكشف عن هويتهما ، ولا عن مدى تورطهما في نشاط الجواسيس الإسرائيليين . غير أن مصادر في نيابة أمن الدولة العليا المصرية ، أبلغت الصحافة انه تم استجواب العديد من المواطنين الذين كانوا على صلة بفارس وابنته ، غير انه لم يتم القبض إلا على اثنين فقط لوجود دلائل جدية على احتمال معرفتهما ومشاركتهما في الأنشطة الإجرامية للشبكة .
نشر الإيدز ، من مهمات الشبكة :
ولعل أخطر ما تكشف من التحقيقات الجارية هو المساحة الواسعة لعلاقات أسرة الجاسوس فارس صبحي ، وبخاصة ابنته التي لعبت الدور الرئيسي في هذه العلاقات ، عن طريق إغرائها العديد من الشباب المصريين ، الذين كانت تتعرف إليهم وتدعوهم إلى سهرات ماجنة معها ، تتحدد نهايتها حسب تقديرها لأهمية كل منهم . وفي هذا السياق ، تقول مصادر الأمن المصري أن عميلة الموساد كانت تركز أساساً في علاقاتها على أبناء وأقرباء الشخصيات المصرية المهمة . وإنها كانت تصل في العلاقة معهم إلى حد الذهاب والمبيت معهم في مساكنهم أو السماح لهم بالمبيت معها في شقتها . وتضيف المصادر نفسها انه جاء في اعترافات الجاسوسة الإسرائيلية حول دورها في شبكة التجسس مع أبيها ، إنها تعرفت إلى المئات من الرجال والشباب المصريين ، وان أسلوبها في جمع المعلومات منهم هو استدراجهم في الحديث خلال اللقاءات الماجنة معهم . وإنها كانت تبدأ في معرفة اسم الشخص ، وما إذا كان له أو لوالده أو لاحد أقاربه مركز مهم ، وإذا توصلت إلى أن " الصيد " متوافر فيه ، كانت تفتح باب الإغراء على مصراعيه وتنتقل بشكل مدروس إلى استدراجه للبوح بالمعلومات التي يعرفها ، وهي مدربة بالاحتفاظ على هذه المعلومات حيث تذكرها في ما بعد لأبيها الذي يقوم بدوره بتصنيفها وترتيبها . وقد اعترف فارس – حسب المصادر نفسها – بأنه كلما تراكمت لديه حصيلة من المعلومات ، كان يسافر إلى إسرائيل لينقلها إلى جهاز الموساد ويعود ثانية ليستأنف نشاطه . وقد أشارت مصادر أجهزة الأمن المصرية إلى الصعوبات الكبيرة التي واجهتها في تعقب كل الذين كانت لهم صلات بالجاسوسة ، نظراً لضخامة عددهم ، فضلاً عن أن اعترافها لم يتضمن قوائم بالأسماء الكاملة لهؤلاء الأشخاص ، حيث ادعت إنها لا تتذكر اغلبهم لكثرتهم من جانب ، ومن جانب آخر لأنها لم تكن تهتم إلا بما تحصل عليه منهم من معلومات تنقلها إلى والدها .
على أن اعترافات أخرى للجاسوس الصهيوني وابنته أضافت بعداً جديداً وخطيراً إلى القضية تتمثل في ادعاء الجاسوس بأن ابنته مصابة بمرض فقدان المناعة المكتسبة ( الإيدز ) ، وقد ترتب على هذا الاعتراف أن أجهزة الأمن المصرية ضاعفت جهودها للتوصل إلى الأشخاص الذين اتصلوا بالجاسوسة لسماع أقوالهم في التحقيقات ، ولإخضاعهم لفحوص طبية لمعرفة ما إذا كانوا أصيبوا بعدوى الإيدز من عدمه .
وكانت السلطات المصرية سارعت ، فور اعتراف الجاسوسة بإصابتها بهذا المرض ، إلى عزلها في زنزانة خاصة ، في سجن طرة جنوب القاهرة ، المودعة فيه مع أبيها ، وباقي المتهمين في القضية . كما أخضعت لفحوص طبية للتأكد من حقيقة إصابتها بمرض الإيدز ، غير أن نتائج هذه الفحوص لم تعلن ، وقد كان ذلك سبباً لبعض التكهنات التي انتشرت في أوساط المراقبين في العاصمة المصرية بأنه ربما كان تسريب معلومة أن الجاسوسة الإسرائيلية اعترفت بإصابتها بهذا المرض الخطير جداً مقصوداً به تسهيل مهمة أجهزة الأمن المصرية في معرفة الأشخاص الذين تعاملوا مع الجاسوسة حيث سيصيبهم الذعر من احتمال انتقال العدوى إليهم .
وعلى كل حال ، فان العديدين لا يستبعدون احتمال أن تكون ابنة الجاسوس الإسرائيلي مصابة فعلاً بمرض الإيدز وان ذلك ربما كان من مؤهلات نشاطها التخريبي في مصر ، ضمن الشبكة التي زرعها جهاز المخابرات الإسرائيلي " الموساد " . وعلى صعيد آخر ، فان المعلومات التي تسربت حول التحقيقات في القضية ، أشارت إلى أن دور شبكة الجاسوسية الصهيونية كان يتجاوز مجرد جمع المعلومات عن الأهداف الحيوية المصرية ، إلى ممارسة أنشطة أخرى خطيرة ، حيث لفت العديد من المراقبين الانتباه إلى أن النشاط المتعلق بأدوات التزييف والتزوير ، ذات التقنية العالية ، التي ضبطتها أجهزة الأمن المصرية في حوزة فارس وابنته والتي استخدمها بالفعل في تزييف بطاقات هوية مصرية لهما ، للحصول على جوازات مصرية ، مما يشير إلى احتمال وجود مخطط لهذه الشبكة للتحرك انطلاقاً من مصر إلى أقطار عربية أخرى بخاصة تلك التي لا تشترط لدخول المواطنين المصريين إلى أراضيها الحصول على تأشيرات مسبقة ، أو تلك التي لا يحتاج المواطن المصري في انتقاله إليها إلى جواز سفر .
وفي هذا السياق ، أثار القبض على ابن الجاسوس فارس ، خلال وجوده في منطقة الحدود مع الجماهيرية ، تكهنات بأنه ربما كانت هناك محاولة من جانب هذه الشبكة لمد نشاطها التخريبي إلى ليبيا . وربما كان من أهدافها القيام بأعمال إجرامية تسيء إلى العلاقات الحميمة بين القطرين . وعلى الصعيد السياسي ، فإن القضية أفضت إلى تفاعلات عديدة ، أهمها ما أفصحت عنه ردود الفعل التي صدرت عن إسرائيل ، وتركزت في تعليقات وسائل الإعلام الإسرائيلية فقط في ظل صمت رسمي شبه كامل ، لم تقطعه سوى تصريحات مقتضبة ، أدلى بها سفير إسرائيل في القاهرة آنذاك " افرايم دوبك " . وقد أشارت ردود الفعل هذه إلى القلق الشديد الذي انتاب الأوساط الإسرائيلية من كشف شبكة جواسيس الموساد في مصر ، ومن تأثير هذه القضية على العلاقات مع مصر ، وزيادة حدة الغضب الشعبي على التطبيع مع إسرائيل ، وبالتالي زيادة عزلة الزائرين الإسرائيليين لمصر . غير أن أجهزة الإعلام الإسرائيلية بدت ، في بعض ردود الفعل التي أبدتها ، وهي تبذل محاولات مستميتة لتزييف وقائع القضية ، ابتداء من نشر وتسريب معلومات مغلوطة حول هوية المتهمين فيها ، وانتهاء باختلاق سياق مزيف لهذه الوقائع ، وصل حد الادعاء بأن شبكة التجسس المكتشفة ، كانت تعمل لحساب طرف عربي ، بعد أن تم خداع عناصرها الإسرائيليين بأن نشاطهم سيكون لحساب الموساد !! .
وبعيداً عن مزاعم الإعلام الإسرائيلي ، فإن قلق الأوساط الإسرائيلية من القضية ، ومن طريقة الإعلان الرسمي المصري الواسع عنها ، وعن بعض وقائعها ، بدت واضحة في التصرفات المحمومة ، التي قامت بها سفارة إسرائيل في القاهرة ، حيث حرص السفير الإسرائيلي افرايم دوبك على طلب اللقاء بوزير الداخلية المصري آنذاك اللواء محمد عبد الحليم موسى ، عقب تصريحات للأخير حول القضية ، أكد فيها أن المتهمين أدلوا باعترافات تفصيلية عن علاقتهم بجهاز المخابرات الإسرائيلي ، وعن النشاط المكلفين به في مصر ، كما أكد في هذه التصريحات أن فارس وابنته يعتنقان الديانة اليهودية ( عكس ما قالته الصحافة الإسرائيلية من انهما ينتميان إلى عائلة عربية مسلمة ) .
وقد تعمد دوبك ، عقب لقائه وزير الداخلية المصري ، أن يصرح لإذاعة الكيان الصهيوني بأن الوزير ابلغه بأنه لم يقل " أن المتهمين اعترفوا " وقد بدا واضحاً من ذلك أن المقصود هو توفير قدر من الدعم للروايات المغلوطة ، التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية في هذا الصدد .
ويذكر في هذا السياق أن مندوبين عن السفارة الإسرائيلية في القاهرة حصلوا على تصريح من السلطات المصرية المختصة بزيارة الجواسيس المقبوض عليهم ، بعد أن تقدمت السفارة بطلبات رسمية ادعت فيها أن لديها معلومات تفيد بتعرض المتهمين لإكراه مادي ومعنوي للاعتراف بعملهم لحساب جهاز الموساد .
النيابة العامة تجدد السجن لأعضاء شبكة التجسس :
لكن مقابلة السفير أو القنصل الإسرائيلي للمتهمين شيء ، والتدخل في التحقيق شيء آخر ، حيث رفضت نيابة أمن الدولة العليا المصرية طلبات السفارة الإسرائيلية السماح لمندوبي السفارة بالاطلاع على الملفات الكاملة للتحقيقات التي جرت حتى تاريخه ، وذلك بعدما كشفت المخابرات وأجهزة الأمن المصرية نشاط الشبكة في جمع المعلومات الحساسة لمصلحة المخابرات الإسرائيلية . ومن جهة أخرى ، كانت نيابة أمن الدولة المصرية قد جددت مدة حبس ضابط الموساد دافيد اوفيتس على ذمة التحقيق في القضية ، على الرغم من الضغوط الشديدة التي مارستها الحكومة الإسرائيلية على الحكومة المصرية لاطلاق سراحه . غير أن النائب العام المصري سمح للقنصل الإسرائيلي في القاهرة بحضور جلسة تجديد حبس اوفيتس ، ومعه محامي السفارة فقط .
وكانت مصادر قضائية مصرية نفت نفياً قاطعاً نبأ أذاعته إذاعة إسرائيل وزعم فيه قيام سلطات التحقيق المصرية بالإفراج عن ضابط المخابرات الإسرائيلي . إضافة إلى ذلك ، فإن التحقيقات مع أفراد شبكة التجسس الإسرائيليين والمتهمين بالتعاون معهم من المصريين تواصلت بكثافة ، حيث استدعت نيابة أمن الدولة المصرية العديد من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التحقيقات باعتبارهم كانوا ضمن دائرة الصداقات والمعارف الواسعة التي نشط فيها آل مصراتي ، وخاصة الابنة فائقة . وفي هذا السياق ، انتشرت الشائعات والتكهنات وبدأت تتردد بقوة في القاهرة عن أسماء الفنانين والفنانات ، الذين تسربت إشاعات نسبت إلى مصادر التحقيق ، تفيد انهم كانوا على علاقة وطيدة مع مصراتي وابنته ، غير أن مصدراً قضائياً مصرياً نفى تورط أي فنان أو فنانة مصرية في نشاط الشبكة . وقال المصدر أن بعض الصور التي ضبطت في منزل مصراتي وكانت تجمع بين ابنته وبعض الفنانين ، كانت صوراً " مركبة " وغير حقيقية ، حيث كانت الجاسوسة تستخدم هذه الصور في الإيقاع بضحاياها واقناعهم بأنها على علاقة بمشاهير المجتمع .
وعلى صعيد آخر ، قامت أجهزة الأمن المصرية بتكثيف الحراسة الخفية على بعض الشخصيات التي اعترف أفراد الشبكة بأنهم كانوا يراقبون ويحاولون جمع معلومات عن تحركاتهم تمهيداً لوضع الخطط في الموساد لاغتيالهم والاعتداء عليهم ، ومن هذه الشخصيات الدكتور خالد جمال عبد الناصر ، وأسرة المواطن سيد نصر المتهم باغتيال الإرهابي الصهيوني مائير كاهانا .
وقد اتخذت سلطات الأمن المصرية احتياطات أمنية مشددة بموجبها الحراسة على منزل المهندس خالد ابن الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي برأته المحكمة بعد عودته طائعاً إلى وطنه مصر من يوغسلافيا ، من تهمة ( قيادة تنظيم ثورة مصر ) .
وكذلك شددت الحراسة على منزل أسرة سيد نصير ، الذي برأته محكمة أمريكية أيضاً من تهمة قتل الحاخام مائير كاهانا ، رئيس حركة كاخ الإسرائيلية المتطرفة .
وأكدت بعض المصادر في القاهرة أن اكثر من جهاز أمنى مصري اشترك في إعداد دراسة متكاملة عن النشاط الرسمي الإسرائيلي في القاهرة ومدى علاقته بالأنشطة التخريبية والتجسسية التي تقوم بها إسرائيل تحت ستار التطبيع في مصر . وتقول المصادر ، أن هذه الدراسة تستهدف فرض نطاق من السيطرة على هذه الأنشطة ، فضلاً عن جمع قائمة من الأدلة على تورط السفارة الإسرائيلية ، وباقي المؤسسات الرسمية الإسرائيلية العاملة في مصر في النشاطات المعادية ، لتمكين أصحاب القرار السياسي من اتخاذ الإجراءات والقرارات المناسبة وذلك في ضوء الأبعاد الخطيرة التي اكتشفتها قضية شبكة آل مصراتي وحجم استفادة المخابرات الإسرائيلية من الأوضاع القانونية للدبلوماسيين الإسرائيليين في مصر ، لممارسة أنشطة التجسس والتخريب ، وإدخال أدوات وأجهزة لا يمكن دخولها أو تهريبها إلى البلاد إلا عن طريق الحقائب الدبلوماسية للسفارة الإسرائيلية . وهذا ما يحصل فعلاً لأن الأجهزة ومستلزمات التجسس التي صودرت من شبكة مصراتي وغيرها من قبلها لا يمكن إدخالها عن طريق المعابر الحدودية أو الطائرات بسبب التفتيش الدقيق على جميع الإسرائيليين القادمين إلى مصر .
القنصل الإسرائيلي في القاهرة يعترف :
فاجأ القنصل الإسرائيلي في القاهرة آنذاك " روني بورات " الصحافيين بتصريحات ناقضت كل الادعاءات التي روجها الإعلام الإسرائيلي ، منذ الاعلان عن كشف شبكة آل مصراتي للتجسس ، التي دفع بها جهاز المخابرات الإسرائيلي " الموساد " إلى مصر ، تحت ستار التطبيع لجمع المعلومات الاستراتيجية والعسكرية عن مصر والجماهيرية العربية الليبية .
وفيما كانت ادعاءات الإعلام الإسرائيلي بشأن القضية تدور في نطاق إنكار أي علاقة للكيان الصهيوني واستخباراته بالشبكة والمتهمين بها ، سوى انهم إسرائيليون فقط ، فإن القنصل بورات اعترف ، في التصريحات التي أدلى بها عقب سماح السلطات المصرية له ولسكرتير عام السفارة ومحاميها بحضور جانب من التحقيقات مع الجواسيس ، " بأنه للمرة الأولى منذ اعتقال أعضاء الشبكة تقتنع السفارة والمسئولون الإسرائيليون بأن الاتهام تجاوز حدود التزوير والتخابر وجمع المعلومات . وبأن المتهمين فارس صبحي مصراتي و ابنته فائقة و ابنه ماجد اعترفوا تفصيليا في التحقيقات بأدوارهم ، و طبيعة مهامهم التي كلفوا بها ، توقيتها وأسماء المسؤولين الإسرائيليين ، الذين يتلقون منهم التعليمات ، وطريقة توصيل المعلومات التي يجمعونها .
ولقد أدهش القنصل الإسرائيلي الصحافيين ، الذين استمعوا إلى تصريحاته حين أضاف ، انه علم خلال التحقيق ، أن أجهزة الأمن المصرية أوقعت جهاز المخابرات الإسرائيلي في فخ ، وأنها كانت على علم تام بتحركاتهم " يقصد أفراد الشبكة " من خلال مصادر معلومات أخرى ، وأن الأمن المصري قام بترحيل فارس مصراتي ، في شهر آب أغسطس 1991 ، كنوع من التمويه ، وكإجراء يتبع ضد كل أجنبي تنتهي مدة إقامته في البلاد ، وذلك كان بهدف ألا يتم إثارة الشك لدى الموساد في اكتشاف السلطات المصرية لتحركاته ! .
وتابع بوارت " أن تل أبيب أعادت فارس مصراتي إلى مصر بإقامة قانونية ، باعتبار أن مصراتي حجر الزاوية في الشبكة ، التي كان أحد أهدافها الاستراتيجية أن يمتد نشاطها إلى الأراضي الليبية " (!!) .
وفي نهاية هذه التصريحات قال روني بوارت انه سينقل هذه المعلومات التي اكتشفها من خلال حضوره جلسة التحقيق مع الجواسيس الصهاينة إلى حكومته بشكل عاجل .
أثارت هذه التصريحات ردود فعل واسعة في العاصمة المصرية ، لعل أغربها ما صدر عن سفارة العدو في القاهرة ذاتها ، حيث سارع المتحدث الرسمي باسمها إلى الاتصال بمكاتب وكالات الأنباء الأجنبية في القاهرة بهدف كما قال "تصحيح" ما نقل من تصريحات عن لسان القنصل بوارت ، غير أن هذا " التصحيح " لم يتناول سوى أن بورات لم يقل أن ضابط الموساد دافيد أوفيتس الذي اعتقلته سلطات الأمن المصرية بعد أيام من دخوله إلى مصر لمتابعة قضية مصراتي لم يعترف في التحقيقات . وكانت نيابة أمن الدولة العليا المصرية قررت ، في نهاية جلسة التحقيق مع المتهمين التي حضرها القنصل الصهيوني ، تجديد حبسهم جميعا على ذمة التحقيقات في القضية لمدة 15 يوماً .
كما قامت النيابة ، خلال الجلسة ذاتها ، بمواجهة أعضاء الشبكة كل منهم باعترافات الأخر ، فضلا عن الوقائع و المعلومات التي توصلت إليها سلطات التحقيق ، وكذلك نتائج تقارير لجان فحص المضبوطات و التقارير الفنية من الجهات المختصة .
ويذكر أن حكومة إسرائيل كانت طالبت رسمياً السلطات المصرية ، في رسالة بعث بها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك " ديفيد ليفي " ، بأن تتدخل لدى أجهزة الإعلام في مصر ، لوقف ما أسماه بالحملات الدعائية المعادية لـ " إسرائيل " التي تصاعدت منذ الإعلان عن شبكة آل مصراتي ، و التي اعتبرها تضر جداً بصورة إسرائيل و بمستقبل العلاقات بين الجانبين .
و في هذا السياق ، ذكرت مصادر في وزارة السياحة المصرية أن الأسابيع الأخيرة آنذاك ، أي منذ القبض على شبكة التجسس ، شهدت ما يشبه المقاطعة الإسرائيلية للسياحة في مصر ، حيث تم إلغاء الغالبية العظمى من الأفواج السياحية التي كان مقرراً أن تحضر إلى مصر .
ثورة الجاسوس العاري :
و في أول ظهور علني للجاسوس فارس صبحي مصراتي وابنته فائقة بعد انتهاء التحقيق وبحضور بعض المحامين والصحفيين وقليل من الذين حصلوا على تصاريح خاصة من وزارة الداخلية لحضور هذه الجلسة ، وقد خصصت هذه الجلسة لعرض المتهمين على الجمهور والصحافة وأيضاً لاستصدار أمر استمرار حبسهم على ذمة التحقيق لمدة 45 يوماً حتى تبدأ محاكمتهم في ذلك الوقت .
وكانت جلسة المحكمة ، التي عقدت في إحدى الدور القضائية ، شرق القاهرة ، وسط أج راءات أمنية لم يسبق لها مثيل ، شهدت وقائع مثيرة ، بدأت فور دخول الجاسوس مصراتي وسط عدد كبير من أفراد الأمن المصريين إلى قاعة المحكمة ، فبعد أن تم فك القيود عن يديه ، ليمثل أمام المحكمة ، انتابته حالة من الهياج الشديد ، ثم قام بخلع ملابسه تماماً . وهو يردد باللغة العربية سيلا من العبارات والشتائم البذيئة في حق أفراد الأمن المصريين ، ومصر نفسها ، قام الجاسوس بالاعتداء بالضرب على الضابط المصري ، الذي لم يكن يتوقع ما حصل ، فأصيب بنزيف نقل على أثره إلى أحد المستشفيات القريبة للعلاج .
كما أصاب مصراتي ، خلال ذلك ، عددا من أفراد الأمن المصريين ، الذين أحاطوا به ، واجبروه ، في نهاية هذا المشهد المبتذل ، بالقوة على معاودة ارتداء ملابسه ، في حجرة ملحقة بقاعة المحكمة ، أما ابنة الجاسوس ، التي جلست خارج قفص الاتهام ، فقد ظلت هادئة وشاردة الملامح ، و كررت أمام المحكمة اعترافاتها بكامل التهم المنسوبة إليها ، وإلى والدها ، فيما أنكر الأخير أمام المحكمة كل اعترافاته في التحقيقات !! .
وأمرت المحكمة بتحرير محضر بالواقعة ، التي ارتكبها فارس مصراتي خلال الجلسة حيث وجهت بعد ذلك النيابة العامة المصرية عدة تهم جديدة ، منها التعدي على رجال الأمن أثناء أدائهم وظيفتهم ، وإهانة رجال الشرطة ، وارتكاب فعل فاضح علني ، وإثارة الشغب في جلسة المحاكمة .
وقررت النيابة تقديمه إلى محاكمة عاجلة مثل أمامها بالفعل يوم الخميس في حينه بهذه التهم الأخيرة .
وكان مندوب عن سفارة إسرائيل في القاهرة حضر جلسة النظر في تجديد حبس مصراتي وابنته ، غير انه رفض التعليق على القضية أو ما حدث خلال الجلسة . كما حاول تجنب عشرات الصحافيين ، الذين حاول مصراتي التعدي على بعضهم ، مما جعل هؤلاء يحاولون الاشتباك معه ، كما ردد عدد منهم هتافات معادية لإسرائيل ومنددة بمحاولات ومؤامرات التخريب التي يرتكبها ضد المجتمع المصري تحت ستار التطبيع .
وقد حولت القضية الجنحية التي ارتكبها فارس مصراتي لتعديه وضربه رجال الأمن إلى محكمة خاصة حيث تم الحكم عليه بالسجن (3) سنوات فقط لجهة تعديه على رجال الأمن ومتابعة محاكمته عن أعمال التجسس .
الى اللقاء في الحلقه القادمه
تحياتي /ماجد اليلوي