سالم مسلم حمدان البلوي
03-24-2011, 11:35 AM
المدح له ست آفات أربع في المادح واثنتان في الممدوح الأولى : أنه قَدْ يفرط فينتهي به إلى الكذب . الثَّانِيَة : أنه قَدْ يدخله الرياء إذ لا يكون قَلْبهُ كَذَلِكَ . الثالثة : أنه قَدْ يَقُولُ ما لا يتحققه ولا سبيل له إلى الإطلاع عَلَيْهِ . الرابعة : أنه قَدْ يمدح الظَالِم والفاسق والكافر والمنافق وهَذَا أمر عَظِيم . الخامسة : أنه يحدث في الممدوح كبرًا وإعجابًا ، وهما مهلكتان . السادسة : أنه يحدث في الممدوح فتورًا ورضى عن نَفْسهُ ، عِنْدَمَا يثني عَلَيْهِ بالْخَيْر ، ويحصل معه فرح وسرور ، فيقل اجتهاده وتشميره عن الْعَمَل لأنه يظن أنه قَدْ أدرك النهاية وقَدْ وردت أحاديث في ذم المدح في الوجه لمن خيف عَلَيْهِ مفسدة من إعجاب ونحو .
من ذَلِكَ ما ورد عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَ فَقَالَ : « أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ » . متفق عَلَيْهِ . والإطراء المبالغة في المدح .
يشير إلى قول الله جَلَّ وَعَلا : ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ .
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ » . يَقُولُهُ مِرَارًا « إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا . إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ ، وَحَسِيبُهُ اللهُ وَلا يُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا » . متفق عَلَيْهِ .
وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْمِقْدَادُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَاب » . رواه مسلم .
وقَدْ ذكر شراح الْحَدِيث أن المداحين المعنيين هنا هم الَّذِينَ اتخذوا مدح النَّاس عادة يستألون به فأما من مدح على الأَمْر الحسن والْفِعْل الجميل ترغيبًا وتنشيطًا وتحريضًا للناس على الإقتداء به فلَيْسَ بمداح وختامًا فإن التمدح مدرجة إلى الكذب والمسلم يجب أن يكون نبيهًا حذرًا يثنى على غيره فلا يذكر إِلا ما يعلم من خَيْر ولا يجنح إلى المبالغة في المدح فمهما كَانَ الممدوح جديرًا بالثناء فإن المبالغة في مدحه ضرب من الكذب على أن الممدوح إن كَانَ رزين العقل انتقَدْ المتجاوز للحد في مدحه كما قيل .
وَمَدْحُكَ الشَّخْصَ بِالأَخْلاقِ يَعْدِمُهَا
(
لِلْحُرِّ ذِي اللَّبِ تَبْكِيتٌ وَتَخْجِيل
(
وَقَالَ الآخر:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَمْدَحْهُ حُسْنُ فِعَاله
(
فَمَادِحُهُ يَهْذِي وَإِنْ كَانَ مُفْصِحَا
(
وأجاب بعض الصلحاء المبالغ في مدحه بقوله :
كُفِيتَ أَذَىً يَا مَنْ تَعَدُّ مَحَاسِنِي
(
عَلانِيَّتِي هَذَا وَلَمْ تَدْرِ بَاطِنِي
(
وأجاب الآخِر بقوله :
وَلَوْ عَلِمَ الْخَلائِقُ سُوءَ فِعْلِي
(
لَمَا رَدُّوا إِلَى مِثْلِي سَلامَا
(
وحيث أن الشَّافِعِي لا يحب الرياء والشهرة وطلب المدح والثناء يَقُولُ :
أَرَى الْغِرَّ فِي الدُّنْيَا إِذَا قِيلَ فَاضِلٌ
(
تَرَقَّى عَلَى رُؤْسِ الرِّجَالِ وَيَخْطُبُ
(
وَإِنْ كَانَ مِثْلِي لا فَضِيلَةَ عِنْدَهُ
(
يُقَاسُ بِطِفْلِ فِي الشَّوَارِعِ يَلْعَبُ
(
وأما الثناء من الإِنْسَان على نَفْسهُ فشناعة وفظاعة وقَدْ قيل لحكيم ما الَّذِي لا يحسن وإن كَانَ حقًّا ؟ فَقَالَ : مدح الرجل نَفْسهُ . وَقَالَ معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لرجل : من سيد قومك ؟ فَقَالَ : أَنَا . فَقَالَ : لو كُنْتَهُ لَمَا قُلْتَهُ . قال بَعْضهمْ :
وَمَا حَسَنَ أَنْ يَمْدَحَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ
(
وَلَكِنْ أَخْلاقًا تَذُمُّ وَتَمْدَحُ
(
وَمَا كُلُّ حِينٍ يَصْدُقُ الْمَرْءُ ظَنَّهُ
(
وَلا كُلُّ أَصْحَابِ التِّجَارَةِ يَرْبَحُ
(
وَلا كُلُّ مَنْ تَرْجُو لِغَيْبِكَ حَافِظًا
(
وَلا كُلُّ مَنْ ضَمَّ الْوَدِيعَةَ يَصْلَحُ
(
وَرُبَّمَا آل حب المدح بصاحبه إلى أن يصير ديدانه مدح نَفْسهُ إما لتوهمه أن النَّاس غفلوا عن فضله وأخلوا بحقه من المدح فتسوقه المنافسة إلى مدح نَفْسهُ وفتح باب الاستهزاء عَلَيْهِ وإما ليخدعهم بتدلَيْسَ نَفْسهُ بالمدح والإطراء فيعتقَدْ الجهال أن قوله حق متبع وصدق مستمَعَ وإما لتلذذه بسماع الثناء وسرور نَفْسهُ بالمدح ولأي واحدٍ من الثلاثة كَانَ مدح النفس فهو الجهل الصريح والنقص الفضيح ، والكبر القبح لأنه ناشيء عن عقل فاسدٍ .
وينبغي للعاقل أن يسترشد إِخْوَان الصدق الَّذِينَ هم أصفياء القُلُوب الَّذِينَ يثق بدينهم وأمانتهم فهم مرايا المحاسن والعيوب لينبهوه على مساويه التي صرفه حسن الظن بنفسه عَنْهَا فَإِنَّهُمْ أمكن نظرًا وأسلم فكرًا ويجعلون ما ينبهونه عَلَيْهِ من مساويه عوضًا عن تصديقه المدح فيه .
وقَدْ روى أنس بن مالك عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : « الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ ، إذا رأى فيه عيبًا أصلحه » . وكَانَ عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ : رحم الله امرأ أهدي إلينا مساوينا لنصلحها . وقيل لبعض الحكماء : أتحب أن تهدى إليك عيوبك ؟ قال : نعم ممن يريد براءتي من العيوب لا من عدو يشمت بالذُّنُوب .
ومِمَّا يقارب هَذَا القول ما روي عن عُمَر بن الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال لابن عباس : من تَرَى نوليه حمص فَقَالَ رجلاً صحيحًا منك لا تسوء به الظن بأنه لَيْسَ من أَهْل الكفاية نصيحًا لك مخلصًا فِي طَاعَتكَ قال عمر تَكُون أَنْتَ ذَلِكَ الرجل قال ابن عباس : لا تنفع بي مَعَ سوء ظنك بي لما حملت كلامي على التعريض ، وسؤال الولاية .
وأما قول يوسف عَلَيْهِ السَّلام : ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ ﴾ فلأنه قصد بذَلِكَ التنبيه على استقلاله بما سأل أن يفوض إليه لمصلحة لا يقوم بها غيره وهي العلم بجَمِيع الجهات المتعلقة بهذه الخزائن من حسن الاستخراج وحسن التصرف وإقامة العدل الكامل مَعَ الحفظ التام لذَلِكَ فهو لما رأى الملك استخلصه لذَلِكَ وجعله مقدمًا عَلَيْهِ وفي المحل العالي وجب عَلَيْهِ النَّصِيحَة التامة للملك والرعية ، وأما طلب ما يحصل به الثناء من وجه يستحب فذَلِكَ محمود ، وَهُوَ طَرِيق إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلاة
والسَّلام حيث قال : ﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ أي اجعلني بحيث أفعل ما إذا مدحت به يكون مادحي صادقًا ولذَلِكَ ينبغي للإنسان إذا أثني عَلَيْهِ أن يَقُولُ اللَّهُمَّ اجعلني خيرًا مِمَّا يظنون ويكثر من حمد الله وشكره .
اللَّهُمَّ اكتب في قلوبنا الإِيمَان وأيدنا بنور منك يا نور السماوات والأَرْض ، اللَّهُمَّ و وافتح لدعائنا باب القبول والإجابة واغفر لنا وارحمنا بِرَحْمَتِكَ الواسعة إنك أَنْتَ الغفور الرحيم وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين .
.
من ذَلِكَ ما ورد عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَ فَقَالَ : « أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ » . متفق عَلَيْهِ . والإطراء المبالغة في المدح .
يشير إلى قول الله جَلَّ وَعَلا : ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ .
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ » . يَقُولُهُ مِرَارًا « إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا . إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ ، وَحَسِيبُهُ اللهُ وَلا يُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا » . متفق عَلَيْهِ .
وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْمِقْدَادُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَاب » . رواه مسلم .
وقَدْ ذكر شراح الْحَدِيث أن المداحين المعنيين هنا هم الَّذِينَ اتخذوا مدح النَّاس عادة يستألون به فأما من مدح على الأَمْر الحسن والْفِعْل الجميل ترغيبًا وتنشيطًا وتحريضًا للناس على الإقتداء به فلَيْسَ بمداح وختامًا فإن التمدح مدرجة إلى الكذب والمسلم يجب أن يكون نبيهًا حذرًا يثنى على غيره فلا يذكر إِلا ما يعلم من خَيْر ولا يجنح إلى المبالغة في المدح فمهما كَانَ الممدوح جديرًا بالثناء فإن المبالغة في مدحه ضرب من الكذب على أن الممدوح إن كَانَ رزين العقل انتقَدْ المتجاوز للحد في مدحه كما قيل .
وَمَدْحُكَ الشَّخْصَ بِالأَخْلاقِ يَعْدِمُهَا
(
لِلْحُرِّ ذِي اللَّبِ تَبْكِيتٌ وَتَخْجِيل
(
وَقَالَ الآخر:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَمْدَحْهُ حُسْنُ فِعَاله
(
فَمَادِحُهُ يَهْذِي وَإِنْ كَانَ مُفْصِحَا
(
وأجاب بعض الصلحاء المبالغ في مدحه بقوله :
كُفِيتَ أَذَىً يَا مَنْ تَعَدُّ مَحَاسِنِي
(
عَلانِيَّتِي هَذَا وَلَمْ تَدْرِ بَاطِنِي
(
وأجاب الآخِر بقوله :
وَلَوْ عَلِمَ الْخَلائِقُ سُوءَ فِعْلِي
(
لَمَا رَدُّوا إِلَى مِثْلِي سَلامَا
(
وحيث أن الشَّافِعِي لا يحب الرياء والشهرة وطلب المدح والثناء يَقُولُ :
أَرَى الْغِرَّ فِي الدُّنْيَا إِذَا قِيلَ فَاضِلٌ
(
تَرَقَّى عَلَى رُؤْسِ الرِّجَالِ وَيَخْطُبُ
(
وَإِنْ كَانَ مِثْلِي لا فَضِيلَةَ عِنْدَهُ
(
يُقَاسُ بِطِفْلِ فِي الشَّوَارِعِ يَلْعَبُ
(
وأما الثناء من الإِنْسَان على نَفْسهُ فشناعة وفظاعة وقَدْ قيل لحكيم ما الَّذِي لا يحسن وإن كَانَ حقًّا ؟ فَقَالَ : مدح الرجل نَفْسهُ . وَقَالَ معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لرجل : من سيد قومك ؟ فَقَالَ : أَنَا . فَقَالَ : لو كُنْتَهُ لَمَا قُلْتَهُ . قال بَعْضهمْ :
وَمَا حَسَنَ أَنْ يَمْدَحَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ
(
وَلَكِنْ أَخْلاقًا تَذُمُّ وَتَمْدَحُ
(
وَمَا كُلُّ حِينٍ يَصْدُقُ الْمَرْءُ ظَنَّهُ
(
وَلا كُلُّ أَصْحَابِ التِّجَارَةِ يَرْبَحُ
(
وَلا كُلُّ مَنْ تَرْجُو لِغَيْبِكَ حَافِظًا
(
وَلا كُلُّ مَنْ ضَمَّ الْوَدِيعَةَ يَصْلَحُ
(
وَرُبَّمَا آل حب المدح بصاحبه إلى أن يصير ديدانه مدح نَفْسهُ إما لتوهمه أن النَّاس غفلوا عن فضله وأخلوا بحقه من المدح فتسوقه المنافسة إلى مدح نَفْسهُ وفتح باب الاستهزاء عَلَيْهِ وإما ليخدعهم بتدلَيْسَ نَفْسهُ بالمدح والإطراء فيعتقَدْ الجهال أن قوله حق متبع وصدق مستمَعَ وإما لتلذذه بسماع الثناء وسرور نَفْسهُ بالمدح ولأي واحدٍ من الثلاثة كَانَ مدح النفس فهو الجهل الصريح والنقص الفضيح ، والكبر القبح لأنه ناشيء عن عقل فاسدٍ .
وينبغي للعاقل أن يسترشد إِخْوَان الصدق الَّذِينَ هم أصفياء القُلُوب الَّذِينَ يثق بدينهم وأمانتهم فهم مرايا المحاسن والعيوب لينبهوه على مساويه التي صرفه حسن الظن بنفسه عَنْهَا فَإِنَّهُمْ أمكن نظرًا وأسلم فكرًا ويجعلون ما ينبهونه عَلَيْهِ من مساويه عوضًا عن تصديقه المدح فيه .
وقَدْ روى أنس بن مالك عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : « الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ ، إذا رأى فيه عيبًا أصلحه » . وكَانَ عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ : رحم الله امرأ أهدي إلينا مساوينا لنصلحها . وقيل لبعض الحكماء : أتحب أن تهدى إليك عيوبك ؟ قال : نعم ممن يريد براءتي من العيوب لا من عدو يشمت بالذُّنُوب .
ومِمَّا يقارب هَذَا القول ما روي عن عُمَر بن الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال لابن عباس : من تَرَى نوليه حمص فَقَالَ رجلاً صحيحًا منك لا تسوء به الظن بأنه لَيْسَ من أَهْل الكفاية نصيحًا لك مخلصًا فِي طَاعَتكَ قال عمر تَكُون أَنْتَ ذَلِكَ الرجل قال ابن عباس : لا تنفع بي مَعَ سوء ظنك بي لما حملت كلامي على التعريض ، وسؤال الولاية .
وأما قول يوسف عَلَيْهِ السَّلام : ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ ﴾ فلأنه قصد بذَلِكَ التنبيه على استقلاله بما سأل أن يفوض إليه لمصلحة لا يقوم بها غيره وهي العلم بجَمِيع الجهات المتعلقة بهذه الخزائن من حسن الاستخراج وحسن التصرف وإقامة العدل الكامل مَعَ الحفظ التام لذَلِكَ فهو لما رأى الملك استخلصه لذَلِكَ وجعله مقدمًا عَلَيْهِ وفي المحل العالي وجب عَلَيْهِ النَّصِيحَة التامة للملك والرعية ، وأما طلب ما يحصل به الثناء من وجه يستحب فذَلِكَ محمود ، وَهُوَ طَرِيق إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلاة
والسَّلام حيث قال : ﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ أي اجعلني بحيث أفعل ما إذا مدحت به يكون مادحي صادقًا ولذَلِكَ ينبغي للإنسان إذا أثني عَلَيْهِ أن يَقُولُ اللَّهُمَّ اجعلني خيرًا مِمَّا يظنون ويكثر من حمد الله وشكره .
اللَّهُمَّ اكتب في قلوبنا الإِيمَان وأيدنا بنور منك يا نور السماوات والأَرْض ، اللَّهُمَّ و وافتح لدعائنا باب القبول والإجابة واغفر لنا وارحمنا بِرَحْمَتِكَ الواسعة إنك أَنْتَ الغفور الرحيم وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين .
.