فوائد من حديث ( احفظ الله يحفظك )
بواسطة
, 04-12-2010 عند 02:28 PM (6378 المشاهدات)
وقفات تربوية و فوائد مع حديث
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كُنْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلَامِ! إنِّي أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْك، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك، إذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْك؛ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [رقم:2516] وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ: "احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أمامك، تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفك فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك، وَمَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنْ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"
بداية نقف مع شرح الحديث شرحه فضيلة الشيخ الدكتور
عبدالرحمن بن صالح الدهش عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
( و قد اختصرت الشرح )
يقول الشارح :
كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما رديفا له ،( يا غلام ) لأن ابن عباس لم يكن كبيرا فقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وابن عباس قد ناهز الاحتلام
( إني أعلمك كلمات ) أخبره أولا بصيغة الإجمال ( أعلمك كلمات ) وإنما قال له ذلك بصيغة الإجمال حتى يشوقه إلى ما سوف يقوله له ما هذه الكلمات ؟
قال : ( احفظ الله يحفظك ) احفظ الله ثواب ذلك أن الله يحفظك لكن كيف تحفظ الله عز وجل رب العالمين المعنى أنك تحفظ شرع الله عز وجل بتطبيقه وامتثاله ، فإذا حفظت شرع الله ودين الله وطبقته في نفسك والتزمته في سرك وعلانيتك فإن الله تعالى يحفظك ، يحفظك في أشياء كثيرة قد تخطر على بالك وقد لا تخطر فهذا هو الثواب العاجل لمن حفظ الله عز وجل
( احفظ الله تجده تجاهك ) أعادها ثانية وتغير الثواب المرتب عليها وفي الرواية الثانية التي ذكرها المؤلف ( تجده أمامك ) والمعنى أنك تجد توفيق الله عز وجل وتسديده ميسرا لك
( أمامك ) لا يحتاج إلى كلفة فهي على حد قوله تبارك وتعالى : ( فسنيسره لليسرى )
أمامك تجد توفيق الله وتسديده أمامك متقدما عليك وأمورك كلها إلى خير ، وليس المعنى أنك تجد الله أمامك فإن الله بذاته فوق السماوات في العلو ولا يمكن ان يكون أمام أحد من خلقه بالمعنى الذي تريده المحرفة المؤله بل المعنى ما قلناه لك
( إذا سألت فاسأل الله ) إذا كان لك مسألة فإنك تسأل الله عز وجل لأنه الذي يحب السائلين ويعطي عطاء لا ينفد إذا إياك أن تتوجه بسؤال أحد من المخلوقين إذا سألت فاسأل الله عز وجل واطلبه الذي عنده وهذا عام ولكن يستثنى من ذلك ما جرت العادة بسؤاله فلا حرج أن الإنسان يسأل المخلوق مع اعتقاده أن الله هو المعطي حيث يصرف قلب هذا إليك فإذا سألت فاسأل الله
( وإذا استعنت فاستعن بالله ) إذا طلبت المعونة فإنها تطلب المعونة الكاملة الحقيقية من الله عز وجل على حد قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ثم يستثنى من هذا ما جرت العادة أن يستعان به من المخلوق
ثم قال : ( أعلم أن الأمة لو اجتمعوا ) هذه جملة من أعظم الجمل الأمة كلها من أولها إلى أخرها لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء ( بمال بجاه بعلم ) فإنه لا يمكن أن ينفعوك إلا بما كتبه الله لك
( وإن اجتمعوا على أن يضروك ) هذه بالعكس اجتمع الناس كلهم على أن يصيبوك بفقر وأن تكون محتاجا إلى الناس فإنهم لا يمكن أن يفعلوا هذا إلا إذا كان الله كتب عليك هذا
( رفعت الأقلام ) أقلام القضاء والقدر، وأي صحف ؟ الصحف التي يكتب فيها المقادير إذا الأمور كلها مقضية والأقلام رفعت والصحف جفت بما كتب فيها
وهذه الجملة بل الجملتان يراد بهما أن الأمر مقضي وأنه لا أحد يغير ما قدره الله عز وجل فهاتان الجملتان سيقتا لهذا الغرض أن الأمر مقضي وأن الأحوال والأشياء قد انتهت
( تعرف على الله ) بطاعته ( في الرخاء ) في وقت الرخاء فإن الله تعالى (يعرفك في الشدة)
والمراد بالرخاء وقت الرخاء وقت الأمن ورغد العيش والفراغ والمراد بالتعرف إليه في الرخاء يعني بطاعته يعني انك تجتهد بطاعة الله في وقت الرخاء في وقت الأمن في وقت الغنى تجتهد في العبادة في الصلاة في قراءة القرآن فإنك تحتاج إلى هذه العبادة في زمن الشدة فربما كتب الله لك خلاصا وفرجا في الشدة بعبادة قمت بها في وقت الرخاء وفي وقت السعة وشاهد ذلك في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة ما الذي أنجاهم ؟ عبادتهم وإخلاصهم في زمن الرخاء لما كانوا مجتهدين مخلصين في زمن الرخاء كتب الله لهم فرجا في وقت الشدة
( يعرفك في الشدة) الله يعرف خلقه وهو عالم بهم والعلماء يقولون : لا تضاف إلى الله المعرفة لأن المعرفة مسبوقة بجهل بخلاف العلم فيقال : الله عالم ولا يقال :الله عارف لأن المعرفة مسبوقة بجهل لكن التي في الحديث ( يعرفك في الشدة ) هذه معرفة خاصة يراد بها التوفيق والنصر وما أشبه ذلك وأما المعرفة التي هي إدراك الشيء فإن هذه منتفية ولا تنسب إلى الله عز وجل
( أعلم أن ما أخطأك ) من قدر الله عز وجل فإنه لا يمكن أن يصيبك لأن الله ما قدره
(أعلم أن النصر مع الصبر ) النصر الذي هو الغلبة على الأعداء والغلبة على النفس والغلبة على كل شيء يحتاج فيه إلى غلبة أن هذه مع الصبر
( وأن الفرج مع الكرب ) فرج الله وتنفيسه مع الكرب الذي هو الضيق والشدة ، فليس هناك فرج إلا بعد الكرب ، لولا الكروب لما عرفنا الفرج
( وأن مع العسر يسرا ) فإذا تعسرت الأمور فإنها سوف يعقبها يسر من الله عز وجل كما قال تعالى : ( إن مع العسر يسرا )
انتهى نقل الشرح مختصراً
،
تأملات و فوائد :
هذا الحديث تكلم عليه العلماء كثيراً ، فهو يتضمن وصايا عظيمة و قواعد كلية من أمور الدين و يحتاج إلى تمعن و تدبر دائمين من كل مسلم ، لقد أوتي النبي عليه الصلاة و السلام جوامع الكلم و قد اختصر لنا في هذا الحديث المختصر و السهل قواعد في العقيدة و الفقه و التربية ، اختصر مؤلفات ووضع دروس للأمة و إن كان الكلام موجهاً لعبد الله بن عباس إلا أنه في الحقيقة هو لكل فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
و هنا بعض الفوائد نسأل الله أن ينفعنا بما نقرأ و لا يمكن حصر الفوائد المستخلصة و إنما هي محاولات و قراءات و الحديث قد أؤلفت فيه مؤلفات من علماء الأمة :
1 – ضرورة تنشئة النشء و الأبناء على العقيدة الصحيحة
2- أول ما يبدأ به في التوجيه و النصح هو العقيدة
3- تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صغار السن و الشباب فقد قد كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه صغيراً عند رواية هذا الحديث
4 – بث الثقة في الأبناء و الشباب
5 – اتخاذ الأساليب التربوية المناسبة عند التعامل مع الشباب و توجيههم و إرشادهم
6 – استخدام صيغ التشويق عند التعليم و عند نقل المعلومة و ذلك للفت الانتباه و الاهتمام و التشويق لأهمية القادم من نصائح (إني أعلمك كلمات )
7 – تقوية الرقابة الذاتية في نفس الشاب المؤمن و أن حفظ الله للإنسان يأتي من الوقوف عند حدود الله و حفظ أوامره و نواهيه في السر و العلن
8 – تعليق المسلم بخالقه و توكله على الله و اعتماده عليه و ترك التعلق بما سوى الله ، فالسؤال يكون لله و الاستعانة بالله ، إلا ما جرت عليه العادة من الاستعانة بالمخلوق بما يستطيعه المخلوق
9 – عدم الاغترار بزينة الدنيا و زخرفها و أن المؤمن يكون تعلقه بالله في الرخاء كما هو في الشدة
10 – عدم التجزع إذا أصاب المؤمن حادثة أو نائبة من نوائب الدهر و لن يصيبك أيه الإنسان إلا ما قدره الله لك و عليك
11- تعليق الثقة بالله وحده و عدم الجزع و الخوف من الناس فإنهم لن يضروك أبداً مهما اجتمعوا مادام أن هذا الأمر الذي تخافه غير مقدر من الله و لن يصرفوه عنك إذا كان مقدراً عليك
12 – الإيمان بالقضاء و القدر و أهمية تقويتها في نفوس الناشئة و الشباب و بقية الأمة
13 – مدى الراحة النفسية عند تأمل هذا الحديث و عند التسليم لله سبحانه
14 – أهمية الصبر و ما فيه من عواقب حميدة و منها الصبر على أذى الناس و الصبر على اجتناب المعاصي و الصبر على طاعة الله و الصبر على المحن و البلايا و آخر الصبر النصر و الظفر ، كما أن الفرج يأتي بعد الكرب و اليسر يأتي بعد العسر
15 – النهي عن التشكي و مادام أن الإنسان متمسك بأصل الدين (احفظ الله يحفظك ) فأي مصيبة أخرى غير مصيبة الدين أمر سهل لأن هناك من يتشكى كل ما أصابته مصيبة في النفس أو الأهل أو المال أو الوظيفة أو فقد عزيز أو فقد حبيب
16 – البشارات العظام لمن يتمسك بهذه الوصايا التي أوصى بها نبينا صلى الله عليه وسلم و هي وصايا جامعة لكل الأمة
17 – الحث على مدارسة العلوم الشرعية و التفقه فيها مع الأبناء و الأهل و في سائر مجالسنا و اجتماعاتنا
18 – الحث على التواصي بالخير بين أفراد الأمة
19 – توجيه النصيحة لأي فرد من أفراد الأمة حتى لو كان صغيراً في السن و منحه الثقة بنشر هذه النصيحة و استغلال الفرص التي تتيح لنا ذلك بأي وقت و حال
20 – أهمية حفظ الوقت و استغلاله بما فيه نفع و فائدة لنا
21 – استخدام أساليب النداء و التكنية من المُربي للناشئة و الأبناء ( يا غلام ) ، ( يا أبا عمير ) و الأمثلة في السنة النبوية كثيرة و هذا مما يبعث على الثقة و يهيئ لقبول النصح و التوجيه و يورث المحبة
22 – عدم استعجال النتائج فإن النصر قادم بإذن الله تعالى و الفرج يكون بعد الكرب و اليسر بعد العسر
23 – الحث على احتساب الأجر في عمل الخير و الصبر على ذلك
و بعد
هذا ما تيسر الوقوف عليه من فوائد و كل ما تأملنا أكثر خرجنا بفوائد أكثر
نسأل الله لنا و لكم العلم النافع و العمل المتقبل و الإخلاص في القول والفعل و الفوز بالجنات و النجاة من النار
و صلى الله وسلم على أشرف الأنبياء و المرسلين