متعة القراءة
بواسطة
, 04-28-2010 عند 07:41 AM (6247 المشاهدات)
متعة القراءة
أ - صالح أحمد الشمري
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد صدور كتابي متعة الكتابة قابلت أستاذا في القانون وكانت تربطني به علاقة جيدة فقال لي : توقعت منك أن تكتب في القراءة لا الكتابة لمعرفتي باهتمامك بالكتاب وحبك للمطالعة قلت له : أقدر جيدا ماتقول ولكن القراءة موضوع قد كتب فيه الكثيرون ولو قمت بزيارة لأحد المكتبات وطلبت من أحد موظفيها أن يخرج لك قائمة بأسماء الكتب التي تناولت القراءة لخرج لك بمجموعة من العناوين العديدة والمتنوعة ولكني أجتهد في ان ماطرحته في موضوع الكتابة بحاجة إلى مزيد بيان وتوضيح كنت قد بينته في مقدمة الكتاب ولا داع لذكرها الأن ولا أكتم سرا بأن حديث الأستاذ قد ترك أثرا في الخاطر حول مايمكنني التحدث فيه حول القراءة وحيث اني أحاول جاهدا أن لا أكرر ماذكره غيري - مااستطعت إلى ذلك سبيلا – توفيرا لوقت القارئ فإني لن أتحدث لكم حول فضل القراءة وما ذكر حولها وحول العلم من الآيات الكريمة أو مافي السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم بل لن أذكر لكم ماتزخر به بطون الشعر وأمهات كتب الأدب العربي وغير العربي كل ذلك أجزم أنكم تعرفوه أكثر مني إلى درجة الإصابة بالتخمة ! ولكن الحديث معكم- أيها القراء الكرام - حول القراءة والمطالعة من حيث كونها متعة ولذة فكرية وذهنية وكيفية وصولنا جميعا إلى هذه الدرجة من الاستمتاع . لعلكم سمعتم أو قرأتهم أن من بين ماقيل في القراءة أنها تختصر لك الزمن وقيل أيضا أن القارئ عبر المطالعة يتصفح عقول الرجال وغيرها من الحكم التي تصف روعة المطالعة وقد صدقوا في ذلك أيما صدق أما اختصار الزمن فإن الإنسان في حياته قد تمر عليه ظروف يدرك من خلالها أنه مقبل على مرحلة زمنية معينة لها أحكامها وظروفها الخاصة فالشاب الأعزب حين يعقد قرانه على فتاة يصبح بعد فترة من ثلاث إلى أربع سنوات رب أسرة وأبا لأطفال وهي مرحلة تختلف تماما في الشعور والمسئوليات أو المتطلبات عما كان عليه حال عزوبيته هذا الشاب يمكن له أن يعيش تلك المرحلة بكل ظروفها وتفاصيلها مما يكون عليه أحوال أرباب الأسر وما ينبغي عليه أن يكون عبر القراءة في الكتب التي تناولت الأسرة وتنشئتها وكيفية الوصول بها وبأفرادها إلى بر الأمان على مختلف الأصعدة وشتى المستويات
أما مايتعلق بالقراءة بوصفها أداة تعيننا على تصفح عقول الرجال فيبدو ذلك في العلم الذي تعتبر القراءة فيه أولى وأهم بواباته أرأيت كيف تناقله أهله عبر القرون وتوارثته الأجيال جيلا بعد جيل فهذا فقيه وذاك محدث وهنا مفسر وهناك لغوي وكل واحد من هؤلاء صنف في علمه وبابه علوما شتى ومعارف جمة وبالتالي فإن القارئ بقراءاته ومطالعاته عبر تلك المؤلفات والمصنفات قد أضاف – لا أقول عقلا – بل عقولا إلى عقله وأفكارا إلى فكره
إن مما يوصف به القراء مما يبين عظمتهم وما يمتلكونه- من قوة معرفية - أنهم دائما في سباق مع زمنهم وعصرهم ولعلنا نسمع من يصف فلانا بأنه ذو عقل كبير أو عقله أكبر من سنه والسبب في ذلك قطعا هو القراءة دعونا نوضح أكثر
إن العديد ممن لا يقرئون يمارسون في العادة أنشطة متباينة بغرض التسلية والمتعة وإمضاء وقت الفراغ وربما للتعلم فزيارة الأصدقاء واصطحابهم في المنتزهات أو السفر إلى أماكن مختلفة أو متابعة البرامج عبر الفضائيات أو ممارسة الرياضات المتنوعة في النوادي وغيرها إن كلا مماسبق سيترك حتما أثره ومنافعه ومضاره بحسب ماواجه أو تفاعل هذا الإنسان وسيضل ذلك راسخا في مخيلته مما يشكل مركب الخبرة التي تميز فردا عن غيره من أبناء المجتمع أما القارئ فإنه يحصل له من المتعة والفائدة ضعف ماحصله أولائك من غير القراء فقد يجلس مع الأصدقاء وهو يقرأ كتابا في العلاقات والتعامل مع الناس وقد يسافر هنا وهناك وحقيبة سفره لا تخلو من كتاب يقرأه في الشعوب وعاداتها وقد يتناول طعامه في مكان متميز ويقرأ كتابا في الصحة والغذاء , يتابع برامجه المفضلة في القنوات ويقرأ كتبا في الإعلام يمارس رياضته المفضلة ويقرأ في التربية البدنية وتمارين الأيروبيك أو اليوغا ونحوها .أرأيتم ذلك الكم الهائل من المعلومات والمعارف والخبرات التي اكتسبها هذا القارئ المطلع علميا وعمليا دون غيره من الناس فإذا أدركنا ذلك ووعيناه كان السؤال الأهم هو : كيف لي أن أصبح من أهل القراءة والمطالعة وهو ما سنتطرق إليه في السطور التالية
أولا : لابد أن تدرك جيدا بأن القراءة والمطالعة بقصد التعلم والمعرفة في نعمة من نعم الله عليك وفضل أولاك اياه قال تعالى (... وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما )النساء -113 فإن وافقتني في ذلك فإن النعمة حتى تدوم لا بد لنا من شكرها كما في قوله (لئن شكرتم لأزيدنكم )سورة ابراهيم – أية 7 . وشكر النعمة لا يقتصر على تلفظك بالحمد بل لا بد من أن تؤدي حق الله عليك من الطاعة والعبادة وانتهاج سبيل المتقين هذا السبيل هو كفيل بتعليم الله لك تأمل قوله تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ) البقرة- 282 يقول الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن – الجزء الرابع – ص 464 تعليقا على هذه الآية مانصه (وعد من الله بأن من اتقاه علمه أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى في سورة الأنفال (ياأيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا )والله أعلم , انتهى كلامه رحمه الله
ثانيا : أشرنا قبل قليل إلى أن دوام النعمة مقرون بشكرها وطريق شكرها هو العبادة ومن العبادات التي غفل عنها كثير من الناس عبادة الدعاء وفي الحديث (الدعاء هو العبادة ) والله سبحانه وتعالى يقول (ادعوني استجب لكم) سورة غافر – أية 60 لذا فإن من يدعو الله ويتضرع إليه بأن يوفقه ويفتح عليه بطلب العلم والقراءة أو الكتابة وتخصيص ذلك بالنافع والمثمر وان تكون خالصة له جل وعلا سيلحظ أثر ذلك لا محالة وكونك خصصت دعائك بما ينفع ويثمر حتى لا تقع فريسة لكل غث وهراء تم نشره هنا وهناك تحت ذريعة العلم والمعرفة بل إنك بذلك تختصر على نفسك المسافة الزمنية التي تسهم في تشكيل خبرة معرفية ملئها النفع والنضوج ألست ترى حولك من الناس وربما سمعت وشاهدت بعضهم ممن أفنى شبابه وأضاع سني عمره فيما لا طائل من ورائه وربما نال حسرة وندامة يوم القيامة عياذا بالله وأذكر في هذا الصدد قصة تبين أثر الدعاء في اكتساب حب القراءة حدثنا بها أحد طلبة العلم ومن عرف بنهمه لقراءة الكتب حيث يقول عن نفسه : أدركت بعد الإلتزام أهمية طلب العلم وأنه من الطرق الموصلة إلى الجنة ومعلوم انه لا طلب بغير قراءة وهنا تكمن مشكلتي فأنا من أشد النافرين من المطالعة في الكتب ولا أطيق القراءة بتاتا فاحترت في ذلك حتى قررت أن أذهب لأداء العمرة وأدعو الله لهذا الغرض وفعلا سافرت وشربت من زمزم حتى تضلعت وانا ادعو الله أن يرزقني حب القراءة ويفتح علي فيها وألحت في الدعاء ثم عدت لبلدي وإذا بي التهم الكتب التهاما والفضل لله وحده
ثالثا : الإهتمام بمبدا التدرج وأعني به ان تبدأ من البسيط من الكتب والعلوم ثم الإنتقال والتوسع شيئا فشيئا في الكتب الأعلى مستوى سواء بكثرة عدد صفحاتها او أفكارها وفقراتها هذا المبدأ (التدرج ) معلوم عند أهل العلم وقلما تجد من لا يوصي به والجميل فيه أنك ستلحظ مدى تقدمك في القراءة والإطلاع عبر سرعة تصفحك لكتاب ما فالمعلومات إن كانت جديدة عليك سترى بطأ في قراءتك وإن كانت المعلومات سبق وأن مرت بك ستكون دافعا لك في سرعة قرائتها وتصفحها حتى تنهي الكتاب في فترة وجيزة مقارنة بوقت سابق أما الأمر الآخر المتعلق بالتدرج هو التدرج بالوقت وهو ماجربته على الكثيرين ولا زلت أوصي به المتدربين وتفصيل ذلك على النحو التالي
اقرأ من عشرة إلى خمسة عشر دقيقة في الإسبوع الأول وليكن في النهار ثم زدها خمس دقائق الاسبوع الثاني وزدها خمسا أخرى في الثالث وزدها خمسا غيرها في الرابع يصبح المجموع 30 دقيقة ثم استمر في ذلك دون انقطاع و في الإسبوع الخامس افعل كما فعلت في الإسبوع الأول وبذات والوقت من عشرة إلى خمسة عشر دقيقة ولكن هذه المرة مساء مع استمرارك بالثلاثون دقيقة نهارا و في الإسبوع الثامن أي في غضون شهرين من قيامك بهذا التمرين صرت ممن يقرأ ساعة في اليوم وهو انجاز كبير للمبتدىء ستظهر آثارها عليك في فترة وجيزة وأرى أنك تستحق المكافاة من نفسك لنفسك بالكيفية التي تلائمك بل إني أبشر القارىء الذي يصل إلى هذا المستوى بأن القادم من الأيام سيكون أفضل بإذن الله من سابقه حيث سيمضي الساعات ولايجد غضاضة في ذلك- خاصة في أيام الإجازات- وهو بين أحضان الكتب وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم