العالم :أبو محمد عبد الله بن محمدالبلوي
بواسطة
, 01-12-2010 عند 04:05 PM (3650 المشاهدات)
أبو محمد عبد الله بن محمدالبلوي
(النصف الثاني من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
الدكتور محمد هشام النعسان
1ـ اسمه:
هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمير بن محفوظ المديني البلوي ـ نسبة لقبيلة بلي كعلي ورضي ـ وهي فرع من فرع من قضاعة ينتهي نسبها إلى قحطان من أرض الحجاز، هاجر قسم كبير منهم إلى مصر في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتفرقت بلي في أرضهاـ الحجازي المصري. مؤرخ، وفقيه، وواعظ.
2ـ حياته:
ولد أبو محمد البلوي في مصر في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، ونشأ في القاهرة في بيئة علمية، تلقى العلوم الدينية على علماء عصره، وأصبح عالماً وفقيهاً وواعظاً، ومؤرخاً باعتراف معاصريه لـه بهذه الصفة، وبلغ مكانة عالية زمن الإخشيديين. وطعن فيه أهل السنة والشيعة بأنه وضاع للأحاديث، ولعله نقل الأحاديث لتأييد دعوته، وقالوا أنه إمامي وقالوا إسماعيلي.
عرفه النديم في الفهرست بأنه ممن ألف الكتب للإسماعيلية، فعرفنا أنه من أعلام الإسماعيلية أي السبعية، ووصفه النديم بأنه كان واعظاً فقيهاً عالماً. وقد وضع تاريخاً لم يسبق أحد إلى وضع مثله، وما صنف بعده أحد على طريقته، لأنه طبع تآليفه في قالب ابتدعه لنفسه، ألا وهو التعليم بالقصص، فأورد لأحمد بن طولون التغلب على مصرفي القرن الثالث الهجري قصصاً وقعت لـه،رف بها نشأته وأدبه، وحكمه وإدارته، وعدلـه وظلمه، وشجاعته وأريحيته، ورحمته وقسوته، وكرمه وشرهه في جمع المال، وغرامه بالنظام، وبعده عن الفوضى، ومراميه السياسية، ودخولـه في مسائل الخلافة العباسية، لأنه بايع ولي العهد ولا يرى أن يعبث بحقوقه وهو خليفة.
3ـ مؤلفاته:
ـ الأنوار أو الأبواب: ذكره النديم.
ـ المعرفة: ذكره النديم.
ـ الدين وفرائضه: ذكره النديم.
ـ رحلة الشافعي: وقيل أن البلوي طولها ونمقها.
ـ سيرة أحمد بن طولون: الذي توفي في سنة ( 270 هـ).
4 ـ منهج البلوي في كتابه سيرة أحمد بن طولون:
قال البلوي في مقدمة كتابه أنه طلب منه أن يكتب في سيرة آل طولون كتاباً " يكون أكبر شرحاً، وأكمل وصفاًَ " من كتاب أحمد بن يوسف المعروف بابن الداية ( توفي حوالي سنة 330هـ )، وأن الطالب قال لـه في كتاب ابن الداية في السيرة الطولونية:" ما هكذا أرخ الناس الأخبار ، ولا عليه نظم العلماء الآثار ".
كتب البلوي هذا المصنف حوالي سنة ( 362هـ ) أي بعد زوال الدولـة الطولونية (292 هـ ) بستين سنة، والذي ضمنه وثائق كثيرة مهمة، وقد كان صريحاً فيه عند ذكر مساوئ أحمد ابن طولون، وأكثر الاعتذار عن أحمد بن طولون في كل ما صدر عنه من شدة، وما استطاع في بعض الأخبار النابية عن حد العقل أن يذيلها برأيه فسارع في روايتها، لئلا يسأله سائل عن رأيه فيها. وأي مؤرخ في القديم والحديث لم تضطره السياسة إلى استعمال التقية.
ويعد البلوي في هذا الكتاب مؤرخ من الطراز الأول، ولولا ظهور كتابه هذا لنسي التاريخ اسمه ونسيت تآليفه.
وقد نقل البلوي بعض الحكايات، وقدرها تسعون قصة، منها خمسين قصة عن ابن الداية في سيرة ابن طولون، وردت في كتابه " المكافأة "، ومنها أربعون قصة جاء بها من عنده على ما يظهر، وعبارة البلوي إذا وضعت إلى جانب كتابة ابن الداية لاتقل عنها فصاحة وجزالة. وإذ اعتاد البلوي عدم العزو إلى ابن الداية وإلى غيره، اختلط الكلامان على ما يخالف عرف المؤرخين والمحدثين.
وضم البلوي إلى كتابه رسائل ووثائق عديدة لا أثر لها عند ابن الداية، ووردت في كتابه تفاصيل نشأة ابن الطولون، وأخبار حروبه في الثغور، وأخبار ابنه العباس وغلامه لؤلؤ، وأخبار مرضه وخلعه الموفق، على صورة أجمع وأبرع، ومنها ما خلا منه كتاب ابن الداية كأخبار مرضه ووفاته وجنازته ووصيته وثروته وغير ذلك.
وصدق البلوي فيما ادعاه من محاولته وضع تأليف مطول، وأوسع من كتاب ابن الداية، وساعده على الذهاب بهذا تأخره في العصر، وانتفاعه بكتب منت تقدمه، وزاد أنه تفوق بتنسيقه وترتيبه، وامتاز ببسطه وشرحه.
وما كتبه أبو محمد البلوي في كتابه هذا من الفصول ظاهر لمن ينعم النظر، والقول بأنهما ـ ابن الداية والبلوي ـ أخذا من مصدر واحد وهو أضابير أحمد بن طولون وجزازاته، لا يصح على الإطلاق، لأن الموضوعات التي كان يدونها أمين سر ابن طولون بأمر سيده ليست كلها في موضوع كتاب المكافأة، بل هي عبارة عن أوامر وأحاديث صدرت من لسانه أمام جلاسه ورعيته وقصاده وعماله، وأكثرها مما يدخل في موضوع الإدارة والحكم.
أما من حيث التأليف فإنه لولا تقدم ابن الداية أبو محمد البلوي بتأليفه لما أتى كتابه آخذاً بحظ جزيل من الإمتاع وسعة المادة، ولولا أن تاريخ البلوي كتب في عصر نجا المؤلف فيه من ضرورة المصانعة، لما جاء أقرب إلى الثقة من كتاب ابن الداية، وتاريخ البلوي بما تعرض لـه من الحوادث سد ثلمة في تاريخنا كانت عظيمة في التواريخ التي وصلت إلينا مما كتبه مؤرخو العرب.
ويعد في حسنات هذه التاريخ أن البلوي يعرض في كتابه لتفاصيل كثيرة قد يتخطاها معظم مؤرخينا، لا يأبهون لها والدارسون يغتبطون بالوقوف على أشباهها، لأنها تجلي أمامهم أشياء يعنى أهل العصر بمثلها.
وبذلك نحكم بأننا لم نعهد رجلاً من رجال السياسة الإسلامية كصاحب الدولة الطولونية أن تجلت سيرته للأعين تجلياً لم يكتب لغيره، وما ذاك إلا لأن أحمد ابن طولون عظيم، كيف دار المؤرخ يجد ما يسجله لـه وهو يكتب حياته، ولأن ابن الداية عظيم في المؤرخين والكتاب، كما أن أبو محمد البلوي عظيم في المؤرخين والمؤلفين.
يورد أبو محمد البلوي في تاريخه الحوادث المفصلة، وقد يحللها ويعللها أحياناً، ويبدي رأيه ويظهر شعوره أحياناً، يروي الأخبار بأسانيدها على النحو الذي كان يعد إليه الرواة وأرباب السير في القرون الأولى وعادة مؤرخي عصره.
والبلوي بليغ يحسن الوصف ، ويؤثر السلاسة ويكتب بلا تعمل، وإذا اقتبس من عبارة مسجوعة في كتاب مطول لغيره طرح الأسجاع أولاً، ثم أتى على المكررات حتى يأتي تأليفه نسقاً واحداً، لا يبدو فرق كبير بين ما يكتبه ويكتبه غيره. وهو يترك السجع أكثر الأحيان ويستعمل الازدواج، وما اقتبسه من ابن الداية يورده في الغالب بعبارته، أو يورد على الأقل مقدمته ويزيد عليها شيئاً من عنده.
ويمكن القول بأن كتاب أبو محمد البلوي قد استوفى عامة شروط التأليف، وكفى أن البلاغة تتدفق من صفحاته لا نعثر في سبكها وترتيبها على عيب تتعلق به، وللقوالب التي تصاغ بها الأفكار دخل عظيم في تأثير الكلام، وما كان لصوغ أبو محمد البلوي هذه الروعة في كتابه لو لم يكن صادراً عن نفس رويت من معين الآداب وتمثلتها تمثلاً ظاهراً.
المرجع: ارض الحضارات