الحمد لله وبعد .
وصلني على جوالي عبارة نصها :
" رؤية صالحة تدعو أهالي الخليج لقراءة سورة الأنعام الليلة . انشر للأهمية " .
أخي المسلم : احذر من مثل هذه الرسائل التي تصل إلى جوالك ، ولنا وقفات مع هذه العبارة وغيرها مما ينتشر بين الناس عند وقوع مثل هذه الفتن :
الوقفة الأولى !!! رؤية صالحة . ربما تكون رؤية صالحة ولكن هل يبنى عليها حكم شرعي ؟
قبل الجواب على السؤال لا بد من ذكر قواعد مهمة في موضوع الرؤى والأحلام لكي يكون المسلم على بينة من دينه ، فلا تختلط عليه الأمور ، ولا يغتر بمثل هذه الرسائل التي تصل عبر الجوال أو غيره من الوسائل الأخرى .
قواعد في موضوع الرؤى والأحلام :
أولا : التفريق بين الرؤيا والحلم :
الرؤيا والحلم من المترادفات ، والرؤيا والحلم وإن كان كل منهما يحدث في النوم إلا أن الرؤيا اسم للمحبوب ، فلذلك تضاف إلى الله ، وأما الحلم فإنه اسم للمكروه فيضاف إلى الشيطان ، ودليل ذلك :
عن أبي قتادة يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان ... » الحديث
رواه البخاري (5747) ، ومسلم (2261) .
ثانيا : رؤيا الأنبياء وحي :
{ فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } [ الصافات : 102 – 104 ] .
والرؤى شغلت حيزا كبيرا من سورة يوسف عليه السلام ، قال تعالى : { إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } [ يوسف : 4 ] ، وقد ذكر الله تعالى في آخر السورة تأويل هذه الرؤيا على لسان يوسف فقال تعالى : " وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا " [ يوسف : 100 ] .
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان له نصيبا من الرؤى قال تعالى : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا } [ الفتح : 27 ] .
والنصوص في هذا الباب كثيرة جدا ، ونكتفي بهذه الشواهد .
ثالثا : رؤيا غير الأنبياء لا يؤخذ منها حكم شرعي :
إن من منهج أهل السنة والجماعة أن الرؤى والأحلام لا يؤخذ منها حكم شرعي ، ولو كان الذي رأى الرؤيا من كان في الصلاح والتقوى ، وأما الصوفية فإن من مصادر التلقي عندهم المنامات ، فهم يعتبرون المنامات تشريعا .
قال الإمام النووي رحمه الله : لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ، ولم ير الناس الهلال ، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له : الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام ، لا لصاحب المنام ولا لغيره .ا.هـ.
وقال أيضا : إن الرائي وإن كانت رؤياه حقا ، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها ، لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي ، وقد اتفقوا على أن من شروط من تقبل روايته وشهادته أن متيقظا لا مغفلا ولا كثير الخطأ ، ولا مختل الضبط ، والنائم ليس بهذه الصفة .ا.هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (27/457) : الرؤيا المحضة التي لا دليل على صحتها ، لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق .ا.هـ.
وقال سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : أما اعتماد المنامات في إثبات كون فلان هو المهدي فهو مخالف للأدلة الشرعية ولإجماع أهل العلم والإيمان ، لأن المرائي مهما كثرت لا يجوز الاعتماد عليها في خلاف ما ثبت به الشرع المطهر ، لأن الله سبحانه أكمل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته الدين ، وأتم عليهم النعمة قبل وفاته عليه الصلاة والسلام فلا يجوز لأحد أن يعتمد شيئا من الأحلام في مخالفة شرعه عليه الصلاة السلام .ا.هـ.
وبعد نقل النصوص عن العلماء نجد أن رسالة الجوال فيها المخالفات التالية :
أن الرؤيا فيها حكم شرعي ، وهو قراءة القرآن ، وكما نعلم أن قراءة القرآن أمر تعبدي ، والأصل في العبادة التوقيف أي أنه لا بد من نص لفعل العبادة ، والشارع لم يشرع لعباده قراءة سورة الأنعام حال الفتن ، أو الحرب ، أو غير ذلك .
أن ما ورد من الأحاديث في فضائل قراءة سورة الأنعام لا يثبت منها شيء ، ومن ذلك :
- عن ابن عباس قال : نزلت الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح .
رواه الطبراني في الكبير (12/215) ، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف .
- عن جابر قال : لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال « لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق »
رواه الحاكم في " المستدرك " (2/314) ، ثم قال : صحيح على شرط مسلم .
وتعقبه الذهبي بقوله : " لا والله ، لم يدرك جعفر السدي ، وأظن هذا موضوعا .ا.هـ.
- عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح , والأرض بهم ترتج " ورسول الله يقول " سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم " .
رواه الطبراني في الأوسط (3317) ، وبعض رجاله لم نجد لهم ترجمة .
- عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة وشيعها سبعون ألفا من الملائكة لهم زجل بالتسبيح والتحميد »
رواه الطبراني في " الأوسط " (3316) ، وفي إسناده يوسف بن عطية الصفار ، وهو متروك .
فهذه الأحاديث لا يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ما وجه تخصيص أهل الخليج بهذا الفعل ؟! فكما نعلم أن الحكم يكون عاما لجميع الناس .
قد يقول قائل بسبب ما قد يصيبهم من آثار الحرب .
فالجواب :
الحرب لم تقع بعد لو سلمنا جدلا بصحة الفعل وهو قراءة سورة الأنعام ، ولو وقعت فلا يتعبد الله بأمر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
العلاقة بين صحة الرؤيا وصدق الشخص أمر مهم ، والدليل على ذلك :
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة »
رواه البخاري .
ونحن لا نعرف صدق الناقل لهذه الرؤيا ، بل هو مجهول الحال .
قد يكون صاحب الرؤيا ممن يروج مثل هذا الكذب فيدخل في الوعيد الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ... » الحديث .
رواه البخاري .
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر »
رواه البخاري .
وختاما :
أخي المسلم ؛ كن على حذر من مثل هذه المنامات ، ولا تنطلي عليك فتبادر بإرسالها مباشرة فتقع في المحذور ألا وهو نشر بدعة ، فيكون عليك وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد »
رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) .
وفي لفظ مسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد »
المفضلات