في هذه السلسلة ليس لي من الجهد الا النقل
نسأل الله لنا و لكم الفائدة
.
· المقدمة:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا … أما
بعد:
فإن المتأمل في واقع حياة الناس يجد لكل منهم شخصية مختلفة عن غيره ، ولكل منهم أسلوبه في التعامل مع الآخرين فهذا يبتعد عن مواجهة الآخرين خوفاً من
الانتقادات المتوقعة ،وهذا يستعطف الآخرين بالمبالغة في إظهار المعاناة ، وهذا يلقي بأخطائه على الآخرين ...الخ ، وقد تحدث مشكلة من أحد الطلاب أو
سلوكاً غريباً، فنستغرب هذه التصرفات و ربما نتعامل معها بأسلوب خاطئ ، ولكن لو تعرفنا على أنواع الشخصيات وصفاتها، استطعنا أن نحللها ونتعامل معها
بالطريقة المناسبة ؛ فمثلاً وقعت مشكلة من شخص ذا شخصية مرتابة (سيئة الظن) فعلينا أولاً أن نعرف صفات هذه الشخصية ثم بعد ذلك سنخرج بالتوصيات
التالية:1. لابد أن تكون صريحاً وواضحاً معه ولا تبالغ في ذلك لأنه ربما يفسر تصرفك بغير الذي تقصد. 2.إذا احتجت إلى محاورته فاستعد بالأدلة
المقنعة والحجج القوية مع الحذر من إسقاطاته. 3.لا تواجهه بعنف فينفجر! 4.إذا لم ينفع معه المواجهة الكلامية فاستخدم أسلوب المكاتبة...الخ .
وكذلك لو أردت أن تضع شخصاً لعمل أو لجنة تحتاج إلى نوع من التضحية والبذل والإيثار وخدمة الآخرين فعليك بصاحب الشخصية المستسلمة الخ...
وإن مما دفعني لكتابة هذا البحث أني وجدت عدداً من الطلاب الذين تحصل منهم مشكلات كبيرة ومتشعبة في المحاظن التربوية؛ غالباً ما تكون شخصياتهم معلولة،
فلذلك يحتاجون إلى معاملة خاصة، مبنية على تصور دقيق لنوع الشخصية، وكيفية التعامل معها –وهم قلة ولله الحمد- ولكنهم يؤثرون على مسيرة العمل،
ويأخذون فكر المربي ووقته!.
بالإضافة إلى أن الداعية والمربي يجدر به أن يتعرف على أنواع الشخصيات وصفاتها؛ ليستطيع أن يؤثر في الناس بأقواله وأفعاله وتصرفاته فيعرف ما في مجتمعنا
.. وما هذا البحث إلىهي النقاط التي يتأثر بها المدعو فيركز عليها ويوظفها فيما ينفع ، وينتبه للأساليب التي ربما تنفر المدعو فيبتعد عنها.
عليه أخلص إلى أهمية معرفة الشخصيات وصفاتها خصوصاً الشخصيات التي يكثر وجودها في مجتمعنا .. وما هذا البحث إلا خطوة لجمع وتوضيح أهم أنواع
الشخصيات التي تهم المربي لأداء مهمته على الوجه المطلوب، وقد حرصت على الاختصار قدر الإمكان ، والتركيز على ما يهم مراعياً سهولة الأسلوب والتوضيح
بالأمثلة.
وقد استفدت كثيراً من كتاب ما تحت الأقنعة للدكتور محمد بن عبد الله الصغير –حفظه الله ورعاه- فهو مناسب لغير المتخصص وأسلوبه واضح ، وكذلك كتاب
علم النفس الدعوي للدكتور عبد العزيز بن محمد النغيمشي ، ومجموعة من المراجع والمقالات.
أسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يجعلنا مباركين أينما كنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
· مدخل إلى علم الشخصيات:
1. تعريف الشخصية والمراد بها.
2. أهم العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية.
3. علامات اعتلال الشخصية (نستطيع من خلالها أن نميز نوع الشخصية).
4. ما هي الشخصية السوية (التي ينبغي أن نكون عليها).
5. رسم بياني يوضح ذلك.
6. وقفات.
أولاً: تعريف الشخصية
تعدد المعرفون للفظ ( الشخصية ) حتى وصلوا إلى 50 تعريفاً ، وأقربها التعريف الآتي :
(هي مجموع الخصال والطباع المتنوعة الموجودة في كيان الشخص باستمرار ، والتي تميزه عن غيره وتنعكس على تفاعله مع البيئة من حوله بما فيها من
أشخاص ومواقف ، سواء في فهمه وإدراكه أم في مشاعره وسلوكه وتصرفاته ومظهره الخارجي ، ويضاف إلى ذلك القيم و الميول والرغبات والمواهب والأفكار
والتصورات الشخصية).
فالشخصية إذاً لا تقتصر على المظهر الخارجي للفرد ولا على الصفات النفسية الداخلية أو التصرفات والسلوكيات المتنوعة التي يقوم بها وإنما هي نظام متكامل من
هذه الأمور مجتمعة مع بعضها ويؤثر بعضها في بعض مما يعطي طابعاً محدداً للكيان المعنوي للشخص.
ثانياً: أهم العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية
هذه بعض العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية و التي ينبغي الإلتفات إليها ومراعاتها لما لها من دور في معرفة شخصية الفرد وفهم صفاتها وتقويمها وكيفية
التعامل معها :
1. الوراثة: فلها دور في إكساب الشخص بعض الصفات التي تؤثر في تكوين الشخصية ( العجلة ، البرود ، الكرم ، الجدية ، الدعابة ، ..)
2. الخلقة: فقد أوضحت الدراسات الطبية أن في الدماغ العديد من المراكز الحيوية التي تحكم وتدير العديد من العمليات العقلية والنفسية (
التفكير،المشاعر،الإدراك،السلوك..) مما له أثر كبير في تكوين الشخصية.
3. الأسرة وأساليب التنشئة: للأسرة دور كبير في النمو النفسي في المراحل المبكرة في حياة الإنسان لأنها البيئة الأولى التي ترعى البذرة الإنسانية بعد
الولادة ومنها يكتسب الطفل الكثير من الخبرات والمعلومات والسلوكيات والمهارات والقدرات التي تؤثر في نموه النفسي إيجاباً أو سلبا حسب نوعيتها وكميتها ,
وهي التي تشكل عجينة أخلاقه في مراحلها الأولى .
والاستقرار الأسري له دور كبير في ذلك فكلما كانت الأسرة أكثر استقراراً صار الفرد فيها أكثر أمناً وطمأنينة وثقة في نفسه... والعكس بالعكس.
وموقع الفرد في الأسرة له أهميته المؤثرة في تكوين الشخصية (الولد الأكبر- الولد الأصغر- الابن الوحيد بين البنات) . وكذلك أسلوب تربية الوالدين
لها أثر كبير على شخصية الابن (دلال زائد – شدة زائدة - ...)
4. المؤثرات الثقافية و الاجتماعية: مثلالمعلومات–العادات–الأعراف–التقاليد–القيم–المعتق دات ..).
ويجدر التنبيه إلى أن المنهج التربوي الإسلامي يغير في صفات وسمات الأفراد تغييراً جذرياً وإن كانوا كباراً ، عبر الحركة والفعل فتحول بعضهم من الشدة إلى
اللين ، ومن السطحية إلى العمق ، ومن الفردية إلى الجماعية ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن الغضب إلى الحلم ، ومن العجلة إلى التأني ، إضافة إلى أن المنهج
الإسلامي في التربية يراعي الاستعدادات الأصلية ، والفروق الفردية.
ثالثاً: علامات اعتلال الشخصية
هناك عدد من العلامات العامة والخاصة الدالة على اعتلال الشخصية،فالعامة تدل على وجود علة ما في الشخصية والخاصة تحدد بمجموعها نوع اضطراب
الشخصية (مرتابة-اعتمادية-انطوائية).
- العلامات العامة:
1. إشكالات كثيرة ومتكررة في التعامل مع الآخرين والتفاهم معهم (كالوالدين والأولاد والإخوة و الأخوات والأقارب والجيران وزملاء المدرسة أو العمل
...).
2. صعوبات متكررة في التكيف مع الضغوط النفسية وضعف القدرة على مواجهة الأزمات والمشكلات (في البيت أو المدرسة أو العمل ...).
3. خلل بارز في ضبط المزاج والعواطف أو في كميتها أو كيفيتها (برود في العواطف ، سرعة جيشان العاطفة، تقلب مفاجئ في المزاج ...).
4. أخطاء بارزة ومستمرة في طريق الفهم والتفكير والاستدلال والاستنتاج و التصورات الذهنية ، ليست بسبب تخلف عقلي أو مرض عقلي طارئ (كالفصام
العقلي ونحوه).
5. خلل بارز في التصرفات والسلوك في النوع أو الكم (تصرفات غير لائقة اجتماعياً أو دينياً ، اندفاع في التصرف دون تفكير مسبق ، إحجام شديد
...).
6. الإفراط في استعمال الحيل النفسية واللجوء إليها كثيراً والاعتماد عليها في مواجهة المشكلات.
وليس بالضرورة أن توجد العلامات العامة كلها مجتمعة في شخص واحد بل قد لا يوجد فيه سوى نصفها مما هو بارز ظاهر في شخصية الفرد وكفيل بإدخاله دائرة
الاعتلال النفسي في كيان الشخصية.
- العلامات الخاصة:
لكل نوع من اضطرابات الشخصية ما يميزه ويحدده من العلامات الخاصة ، فمثلاً :
الشخصية سيئة الظن يغلب عليها الشك في الآخرين والريبة الزائدة والحذر من الناس .
الشخصية المخادعة يغلب عليها النفاق الاجتماعي و المراوغة وضعف الضمير .
الشخصية الاعتمادية يغلب علها الركون إلى غيرها والاستناد إلى الدعم الخارجي والقلق عند فقده .
الشخصية التجنبية يغلب عليها خشية انتقادات الآخرين وتفاديها وتحاشي الاختلاط بالآخرين لأجل ذلك .
وغير ذلك من العلل والعلامات مما سيأتي لاحقاً –بإذن الله- .
رابعاً: ما هي الشخصية السوية (التي ينبغي أن نكون عليها).
يندر أن يوجد على الأرض حاضراً أو مستقبلاً شخص سوي تام السواء في صفاته وطباعه كلها ، كما قيل:
من لك بالمهذب الندب الذي لا يجد العيب إليه مختطى
وروي عن سعيد بن مسيب قوله : ( ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه ، فمن كان فضله أكثر
من نقصه وهب نقصه لفضله).
وإليك أخي المبارك بعض المعايير والضوابط التي تبين صفات الشخصية السوية :
1. التوازن في تلبية المطالب بين الجسد والروح :
وهي تعني أن الإنسان السوي هو الذي يلبي نداءات الروح والجسد على حد سواء وأن الشذوذ والانحراف يمكن أن يوجد عند إشباع الروح على حساب الجسد أو
العكس.
2. الفطرية :
وتعني انسجام السلوك مع السنن الفطرية التي فطر الله الناس عليها ، فالسلوك كلما تطابق مع الفطرة أو أقترب منها كان سوياً وكلما ابتعد عنها كان شاذاً ، ومن
ذلك إيمان الإنسان بوحدانية الله وهو أمر فطري ، والشرك هو الشذوذ قال تعالى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق
الله).
3. الوسطية:
وهي خيرية السلوك وفضيلته ، أو هي توازن في أداء السلوك ذاته بين الإفراط والتفريط ، فالإنفاق يكون بين الإسراف والتقتير ، والعلاقة بالله تكون بين الخوف
والرجاء ، والاتجاه إلى أحد الطرفين يعد شذوذاً ، قال تعالى: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ).
4. الاجتماعية:
وهي وجود الإنسان في وسط اجتماعي ، وتجاوبه السلوكي مع هذا الوسط ، وقدرته على إقامة العلاقة الإنسانية مع الآخرين . ولهذه السمة ارتباط وثيق بالسمة
الثانية فالإنسان اجتماعي بفطرته والاتجاه إلى الفردية أو العزلة بدون سبب ملجئ يعد شذوذاً.
5. المصداقية:
وهي الصدق مع الذات ومع الناس ، وتطابق ظاهر الإنسان مع باطنه ، وكلما اختلف ظاهر الإنسان عن باطنه كلما كان شاذاً وازدوجت شخصيته ، وهو النفاق وقد
عده القران مرضاً قال تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين . يخادعون الله و الذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما
يشعرون . في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون).
6. الإنتاجية:
وهي اتجاه الإنسان إلى العمل وتحمل المسؤولية بحدود قدراته ، فالعمل أو الإنجاز يعد ركناً مهماً في سواء الإنسان وصحته النفسية ، بينما تؤدي البطالة والسلبية
إلى الانحراف أو الشذوذ.
يتبع ..
المفضلات