**احفظ الله يحفظك**
*****
*للشيخ الجليل/عبدالله السالم*
*****
*
*
*
الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحبهُ الرّب ويرتضيه ، فقد أنعم بما لا يحصُرهُ الحسابُ ولا يُحصيه كم ذنبُ قد غفرهُ ، ولو لا الغفران ، لحاق العذاب بجانيه وأشهد ألا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسُوله ، إصطفاهُ اللهُ من خلقِهِ فسُبحان مُصطفيه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبهِ وحزبهِ ومُحبِيهِ ، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد ، أيُها الأخوةُ في الله يقول المُولى جلا وعلا [ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لُأوْلِى الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرىَ وَلَكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمنُونَ ] يُونس عليه السلام ، من أولائك الّذين في قصصهم عبره ، يقولُ عنهُ تعالى [ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلٍينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ]خرج عليه السلام من قومِهِ ، وهو كما قال تعالى [ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً ]أغضبَهُ قومه ، بِعدَمِ الاستجابةِ لدعوَتِهِ ، فَتَركُهُم وَرَكِبَ في الفُلكِ المشحون ، المملُوءِ بالرُّكابِ وغَيرِهم فلما هاجَ البَحرُ ، وكادت السّفينةُ تغرق ، أضطر رُكاب السفينة ، إلى التخفيف من حَمُولَتِها ، فَعَمَلُوا قِرعَةً ، فَوقَعت على يونُس عليه السّلام ، فكان من المُدحضين ، فألقوه في البحر ، ( فالتقمه الحوت ) واستَقَرَّ في بَطنِهِ ، بين أمعائِه وأَحشَائِهِ ، وأما قَومُه هُناك ، فلما أرسل الله عليهُم العذاب ، ورأوا مُقدماتِهِ ، إستيقضوا من رقدَتِهم ، وتنبَهُوا من غَفْلَتِهِم فآمنُوا بالله ، وتيقنوا صِدْقَ يُونس عليه السلام وفي ذلك يقولُ سُبحانه [ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيِةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيَمانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّاَ ءَامَنوُاْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةٍ الدُّنْيَا وَمَتَّعَناهُمْ إِلَى حِينٍ ] وأما نبيهُم ، فهو في بطن الحوت ، يلهجُ بذكر الله تعالى يُنادي في الظلمات [ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّيِ كُنتُ مِنَ الظُّاِلِمينَ ] فاستجاب اللهُ لهُ ونجاهُ من غمه [ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ] لولا مَا تَقَدَمَ لهُ من عمل ، لولا أنهُ كان من المُصلين ، يقول ابن كثير في تفسيره ، أَنَّ يَزيد الرُّقاشي ، سمع أنس بن مالك رضي اللهُ عنه ، يحدثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يُونس النبي عليه الصلاة والسلام ، حين بَدَىَ لهُ أن يدعُو ، بِهذه الكلمات ، وَهُوَ في بَطنِ الحوت ، فقال اللهم لا إله إلا أنت ، سُبحانك إني كُنت من الظالمين فأقبلت الدّعوةُ تَحِنُ بِالعَرش ، قالت الملائكة يا رب ، هذا صُوتٌ ضعيفٌ معروف ، من بلادٍ بعيدة غريبه ، فقال اللهُ تعالى أَمَا تَعرِفُون ذلك ؟ قالوا يا رب ومَنْ هو ؟ قال عز وجلا عبدي يُونس : قالوا عبدُكَ يُونس ، الذي لم يَزل يُرفعُ لهُ عملٌ مُتقَبَّل ، ودعوةٌ مُستجابة ! قالُوا يا رب أولا تَرحَمُ.. ما كان يَصنَعُ في الرّخاء ، فَتُنجِيهِ في البلاء ؟ قَالَ بلى ، فأَمَرْ الحوت ، فَطَرحَهُ بالعراء [ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ، وَأَنبَتنَا عَلَيهِ شَجَرَةً مِنّ يَقْطِينٍ ] وبعد هذا المشوار الطويل ، المملؤ بالمخاوف ، المُحاطِ بالأخطار ، يحفظُه اللهُ سُبحانهُ وتعالى بحفظه [ فَاللَّهُ خَيْرُ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] ويُرسلُهُ مرةً أُخرى إلى قومه ، وكما قال تعالى [ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَفَئَامَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينِ ] إيها الأحبةُ في الله والعبرةُ من هذا القَصَصَ المملُوءِ بِالعِبَر ، حِفظُ اللهِ سُبحانهُ وتعالى ، لمن حَفِظَهُ ، وكونَهُ سُبحانهُ مع مَنْ كان معهُ ، ويا ليتَ قَومي يعلَمُون ، يا ليتَهم يعلمون فيحفَظُونَ الله ، بِحِفظِ حُدودِهِ وحقُوقِهِ , وامتِثَالِ أ أوامِرِهِ ، واجتِنَابِ نواهيه ، فيحفظُهُم بحفظِهِ ، ويكلَؤهُم بِرِعَايَتِهِ [ إِنَ رَبِي عَلَى كُلِ شَيْءٍ حَفِيظٌ ] إيُها الأحبة في الله يقولُ ابن عباس رضي اللهُ عنهما ، في الحديث الحسن الصحيح الذي رواهُ الترميذي كنتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال (( يا غُلام . إني أُعلمك كلمات إحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تَجِدُهُ تِجَاهُكَ ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعُوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللهُ لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك ألا بشيء قد كتبهُ الله عليك ، رُفعت الأقلام وجفت الصحُف )) وفي رواية غير الترميذي (( احفظ الله تجدهُ أمامك ، تَعَرَّف إلى الله في الرخاء ، يَعرِفُكَ في الشدة ، واعلم أَنَّ مَا أخطَأك ، لم يَكُنْ ليُصِيبُك ، وما أصابك لم يكن ليُخطِئك ، واعلم . أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكَرْب ، وَأَنَّ مع العُسر يُسراً )) ما أحوجَنَا لِحفظِ اللهِ تعالى لِنَحضَى بِحفظِهِ ، وَلِنَكُنْ من الذين قال فيهم [وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنينَ ] والذين قال فيهم [ وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيُرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ، مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ] ومن هُنا أيُها المؤمنون ، يَتَبَينُ لنا واقِعُ البَعضَ المَرير ، وأين المُريدون لحفظ الله سُبحانه ، والله مَا حَفِظَ اللهُ ، مخدوشُ العقيدة ، مُلوثُ التوحيد ، أين هُم من حفظ الله ، وأين حفظُ الله مِنْهُم ، وهم يذهبُون إلى الكهان ن ويأتون للسحرة ، ويُصدِّقون المُنجمون ، أين هُم وهُم يحلفون بغير الله ، وينذرون للأضرحة ، ويطُوفُونَ على القبُور ، ويُعَلِّقُون التمائم ، وَيُصَدِقُون بما في الطلاسم ، [ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ] [ إِنَّهُ مَن يُشْرِكُ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهَ عَلَيْهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ، وَمَا للِظَّاِلِمينَ مِنْ أَنصَارٍ ] وَمَا حَفِظَ الله ، من جَعَلَ الصلاةَ آخِرَ اهتمَامَاتِهِ ، فَأَخَّرَهَا أحياناً ، ونام عنها احياناً ، وتهاون بها وتكاسَلَ عنها أحياناً ، أين هُو من حفظ الله ، وقد تَهاونَ في شَأنِ الصَّلاةِ ، وهي أعظمُ ركنٌ مِن أَركَانَ الإسلام ، وَمَا حَفِظَ الله ، من أَفنَى عُمُرَهُ وأبلى شَبَابُهُ ، وأنفق مَالُهُ مجالاتٍ لا يُحبها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وما حفظ الله ، من أطلق لجوارحه العَنَانَ ، لِتَهِيمَ في معاصي الله ، وأين حِفظُ الله ، من الذين عبَدُوا شهواتُهُم ، وانقادُوا لأنفُسِهِمُ الأمارةِ بالسوء فوقعوا أُسَارَى للشياطين ، فَضَلُوا عن الصراط المُستقيم ، ألا فليتقِ اللهَ أو لائك ، وليُراجِعُوا أنفُسَهُم ، ولِيَتُوبوا لبارئهم ، فإنَّهُ تَوَّابٌ رحيم ، يَقبَلُ التوبة ، ويعفُوا عن الكثير ، اللهم اجعلنا من الحافظين لحدودك ، القائمين بأوامرك المُبتعدين عن نواهيك :
(1-2)
أما بعدُ يقول العلامةُ ابن رجب ، في شرحهِ لحديثِ احفَظَ الله يحفظك ، يقول رحمهُ الله وحِفظُ اللهُ لِعبَادِهِ ، يدخلُ فيه نوعان ، أحدُهُما حفظهُ لهُ في مصالح دُنياه ، كحفظِهِ في بَدَنِهِ وَوَلَدِهِ وأَهلِهِ ومَالِهِ ، ومَن حَفِظَ اللهَ في صِبَاهِ وقُوَتِهِ حَفِظُهُ اللهُ في حالِ كِبَرِهِ ، وضَعفِ قُوتِهِ ومتَّعَهُ بِسَمعِهِ وبَصَرِهِ ، وحولِهِ وقُوتِهِ وعقلِهِ وقد يَحفظُ اللهُ العبدَ ، بِصلاحِهِ بَعدَ موتِهِ ، في ذُريَّتِهِ . ومتى كان العبدُ مُشتغلاً بطاعةِ الله ، فإن اللهَ يحفظهُ في تلك الحال ، قال بعض السلف ، من اتقى الله فقد حَفِظَ نفسَهُ ، ومن ضيع تقواهُ فقد ضيع نفسهُ ، واللهُ غنياً عنه
(2-2)
والنوعُ الثاني من الحِفظِ ، وَهُوَ أشرفُ النّوعين حفظ اللهُ لعبده ، في دينِهِ وإِيمانه ، فيحفظُهُ في حياته من الشُبهاتِ المُضِّلة ، والبِدعِ المُذلةِ والشهوات المُحرمة ، يحفظُ عليه دينَهُ عِندَ مُوتِهِ فيتو فاهُ على الإيمان ، فاتقوا الله يا عباد الله واحفظوا حدودهُ ، تنالوا حِفظَهُ في الدُنيا والآخرة ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه بقوله سُبحانه ( إن الله وملائكتهُ يصلون على النبي يا أيُها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) وقد قال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ، اللهم صلي وسلم وأنعم وأكرم
(3-2)
وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد ورضي اللهم عن أصحابه الخلفاء الأئمة الحُنفاء أبي بكر وعُمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب نبيك اجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وفضلك ورحمتك يا أرحم الرحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وإذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين من اليهود والنصارى والشيوعين وجميع الكفرة الملحدين ، اللهم آنا نسالك رحمته من عندك ، تهدي بها قُلُوبنا وتجمعُ بها شملنا ، وتلمُ بها شعثنا ، وترافعُ بها شاهدنا وتحفظُ بها غائبنا ، وتزكي بها أعمالنا ، وتلهمُنا بها رُشدنا ،
(4-2)
وتعصمنا بها من كُل سوء يا أرحم الرحمين ، اللهم ارزقنا من فضلك ، واكفنا شر خلقك ، واحفظ علينا ديننا وصحة أبداننا ، اللهم يا هادي المُضلين ، ويا راحم المُذنبين ومُقيل عثرات العاثرين ، نسألك أن تُلحقنا بعبادك الصالحين ، الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أمين يا رب العالمين ، اللهم إنا نسألك حياةُ طيبةً هنيه ونفساً تقيه ، وعيشةً سويه ومرداً غير مُخزي ولا فاضح ، اللهم اغفر الأهل القبور من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات وخص في ذلك الآباء والأمهات إنك قريب
(6-2)
مُجيب الدعوات اللهم ولى على المسلمين خيارهم ، وكفهم شرَّ شرارهم ، ربنا آتنا في الدُنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكُم تذكرون فذكروا الله العظيم الجليل يذكروكم وشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلموا ما تصنعون ……..
المفضلات