اسمي عبد الله بن عبد العزيز المصلح . نشأت وترعرعت في مدينة الرياض . بدأت تعليمي في مدارس تحفيظ القرآن القديمة التي يعرفها أهل الرياض باسم مدارس الشيخ " محمد بن أحمد بن سنان " . ثم التحقت بالمدرسة المحمدية في عام 1377 ، وقطعت فيها مرحلة من الدراسة الابتدائية . ثم عدت كرة أخرى بعد أن تحولت الدراسة في مدرسة ابن سنان من المسجد إلى مدرسة تشرف عليها وزارة المعارف ابتداء ، ثم صارت هي نواة مدارس تحفيظ القرآن المعروفة اليوم في المملكة العربية السعودية . وفيها تخرجت في المرحلة الابتدائية .
وفي عام 1382 التحقت بمعهد إمام الدعوة العلمي . وعشت فيه سني المعهد على نظامه القديم ؛ إذ كان هذا المعهد فيه مرحلة تسمى المرحلة التمهيدية ، ولكني دخلت مباشرة في ما كان يسمى المرحلة الثانوية ، وهي تنتظم وتشمل المرحلتين المتوسطة والثانوية اليوم ، وبقيت فيه . وفي هذا المعهد عرفت مجموعة من خيرة العلماء الذين تأثرنا بهم واستفدنا منهم ، ومنهم الشيخ حمد المنصور ؛ الداعية رقيق القلب مرهف الحواس ،الذي كان يؤم المسلمين في جامع المرقب . وكانت له خطبه المؤثرة ، وكأنما كان يذكرنا بأيام ابن الجوزي عليه رحمة الله . وكذلك من أساتذتنا في المعهد الشيخ عبد الرؤوف الحناوي ؛ وهو عالم دمشقي صالح تقي . والشيخ صالح المصري ، والشيخ الخريصي ، ومجموعة من المشايخ الذين تلقينا عليهم العلم في معهد إمام الدعوة العلمي .
• هل طلبتم العلم على أحد المشايخ خارج المعهد ؟
- كنت أحضر حلقات العلم التي كان يدرّس فيها شيخنا وشيخ مشايخنا الشيخ محمد بن إبراهيم ، والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم ، وذلك في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في دخنة ، الذي كان بجوار المكتبة السعودية المعروفة في الرياض . ولكني كنت صغير السن فلم أتمكن من التلقي المباشر منهم ، بمعنى القراءة عليهم والتلقي عنهم . ولكني كنت أحضر جلساتهم ، ولا زال عالقا بذهني بعض التقريرات العلمية التي يقررها هؤلاء الأشياخ عليهم رحمة الله . كما قرأت - في مرحلة متأخرة على الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ، عندما كان يزورنا في مكتبة شيخ الإسلام ابن تيمية ، التي افتتحها الشيخان عبد الرحمن الفريان وعبد الله الفنتوخ . كذلك قرأت على الشيخ القشعمي .
• سنوات الجامعة من سني العمر المتميزة ، فهل بقي منها شيء في ذكرياتكم ؟
- أما سنوات الجامعة فلو أردت أن أطيل فيها الحديث لطال بحثه ؛ لأنني بعد أن تخرجت في معهد إمام الدعوة التحقت بكلية الشريعة في الرياض ودرست السنة الأولى ، وكان عميد الكلية - الذي كان يسمى تلك الأيام مديرا - هو الشيخ عبد الرحمن الدخيّل . ثم في السنة الثانية عينت الرئاسة العامة لإدارات الكليات والمعاهد العلمية الشيخ عبد الله بن إبراهيم الفنتوخ عميدا للكلية . وقد كان هذا التعيين ، مع تعيين الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي من أحكم وأمهر القرارات التي اتخذها شيخنا مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم عليه رحمة الله ؛ فهذا الرجلان من خيرة من عرفت في حياتي .
وحين قدم الشيخ عبد الله الفنتوخ - وكان قد رأس إدارة معهد الأحساء العلمي ، ومكث فيه سنين طويلة ، وأظهر فيه كثيرا من مهاراته العلمية والدعوية - حين قدم حرص ضمن ما حرص عليه على تفعيل الأنشطة في الكلية ، وقد أكرمني الله في تلك الفترة فكنت الأمين العام للأنشطة الثقافية والاجتماعية في الكلية . وفي تلك الفترة من حياتي التقيت صفوتين : صفوة من الأساتذة وصفوة من الطلاب .
أما الأساتذة ، فقد كان في تلك الفترة مجموعة من الأعلام العمالقة ؛ من أمثال : الشيخ صالح العلي الناصر - رحمه الله - ، والشيخ فالح المهدي - عليه رحمة الله - ، والشيخ حمود العقلا حفظه الله ، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، والدكتور عبد الله الزايد حفظه الله ، والدكتور عبد العزيز السعيد حفظه الله ، والشيخ مناع القطان - عليه رحمة الله - ، وغيرهم من العلماء والمشايخ الذين لو أردت ذكرهم لربما تقاصرت الذاكرة عن حصر أسمائهم لكثرتها . وكان على رأس هؤلاء بلا شك فضيلة الشيخ عبد الله الفنتوخ في كلية الشريعة ، وفضيلة الدكتور عبد الله التركي في كلية الشريعة .
أما بالنسبة للطلاب ، فلو سرحت طرفك يمنة ويسرة لترى الوزراء ، وأساتذة الجامعات لوجدت قسما منهم ؛ فالدكتور علي النملة كان زميلي في الأنشطة الثقافية ، وهو يذكر ذلك ، والأستاذ حمد القاضي - رئيس تحرير المجلة العربية - كان زميلا لنا في تلك المرحلة ، أما زميلي الذي كنت أجلس وإياه على كرسيين متجاورين طيلة أربعة سنوات فهو أخي معالي الشيخ عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل .
ومضت السنون ونحن نستحث الخطى ونسير في ركب الفضل وأهله ، والدعوة وأهلها . وذكريات المرحلة الجامعية كثيرة لا أريد أن أطيل عليكم بها ، ولكني سأتوقف عند واحدة من تلك الذكريات فقط ، وهي ذكريات نوع من أنواع النشاط كنا نسميه " ركن طالب يرتجل " . كنا قد نصبنا منبرا في حديقة كلية الشريعة ، وفي أثناء الفسحة الكبرى نطلب من أحد الطلاب أن يصعد هذا المنبر ويرتجل كلمة يخاطب بها زملاءه ، يحدثهم في قضية من القضايا الشرعية أو الفكرية أو الدعوية ، ونحن نرصد محاسنه فنذكره بها ونشجعه عليها ، ونرصد بعض أخطائه وملحوظاتنا عليه وننبهه إليها ، ونسدده بقدر ما نستطيع . وكان معي في هذا نخبة من العلماء المتخصصين . وكان الطلاب إذا أرادوا أن يذهبوا إلى ذلك الركن يقولون - من باب الدعابة - : نحن ذاهبون إلى ركن طالب يرتجف !
وهؤلاء الطلاب الذين كانوا يشاركون في ذلك النشاط هم الذين أصبحوا اليوم خطباء ، وعلماء وفقهاء نراهم يمنة ويسرة . سلوا الدكتور إبراهيم الجوير عن تلك الأيام فسيحدثكم عنها ، وسلوا الدكتور علي النملة فسيحدثكم عنها ، وسلوا الدكتور مسفر الدميني فسيحدثكم عنها ، وأنا واثق أنهم - وغيرهم من المشاركين في الأنشطة - لا تزال تلك الذكريات عالقة في أذهانهم ، وإن كنت لم أر بعضهم منذ سنوات ، فلله أيامنا تلك التي جمعتنا على مائدة الحب ، وتفرقت بنا الأيام ؛ فكل ضرب شعبا من الشعاب أو سلك واديا من الوديان والمنتهى إلى الله عز وجل .
• ماذا كان أول عمل مارستموه - حفظكم الله - بعد تخرجكم ؟
- أول عمل عملته بعد تخرّجي هو أنني عينت معيدا في كلية الشريعة ، وكنت ألقي محاضراتي في الكلية ، وأواصل دراستي في المعهد العالي للقضاء لتحضير الماجستير .وكانت الدراسة في تلك المرحلة ثلاث سنوات دراسية ثم يبدأ الطالب بعدها في كتابة أطروحته للماجستير .
• ماذا كان عنوان أطروحتكم للماجستير ، وللدكتوراه ؟
- كان عنوانها في الماجستير : " الملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية ومقارنتها بالاتجاهات المعاصرة " . وفيها أعطيت تعريفا عاما للملك من حيث : تاريخه ، ونشأته ، ومصادره الشرعية وغير الشرعية ، وطبيعة الملكية ، وخصائصها ، وما يترتب على استعمالها واستثمارها .
أما أطروحة الدكتوراه فعنوانها : " قيود الملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية " .وهي دراسة عميقة مركزة لإحدى جزئيات موضوعي في أطروحة الماجستير .
• بعد حصولكم على الماجستير هل بقيتم في كلية الشريعة بالرياض ؟
- بعد حصولي على الماجستير عينت محاضرا في الكلية ، ثم عزمت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على أن تفتتح فرعا لها في المنطقة الجنوبية في أبها . وانتدبت لهذه المهمة ، وذهبت إلى أبها في 25 / رجب / 1396 . وبعون من الله عز وجل ، ثم بتعاون المسؤولين ، وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ، وقضاة المنطقة ، وعلمائها ، يسر الله لنا أن قمنا بافتتاح كلية الشريعة واللغة العربية . وقد بدأتها 25 طالبا ، و16 أستاذا . وكان ما كان من ظروف النشأة الأولى للكلية ، ومصاعب التكوين ؛ إذ تحتاج جهدا مضاعفا ، وعملا متواصلا . وقد يسر الله - عز وجل - وأعان . ولم أتركها إلا وقد صار عدد طلابها أكثر من 10 ، والذين تخرجوا منها قريب من هذا العدد .
* قمتم حفظكم الله بافتتاح كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء . فمتى كان ذلك؟ وكيف ؟
- نظرا لخبرتي في إنشاء الكليات ؛ حيث قمت بإنشاء كلية الشريعة وأصول الدين في أبها ، وكلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية في أبها أيضا ، عند ذلك انتدبتني جامعة الإمام ممثلة في مديرها معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ، ووكيله الدكتور محمد العجلان ، لافتتاح كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء ، وكان ذلك عام 1402 ، فجئت الأحساء ، وكان أمامي أن أوجد أولا تنسيقا علميا وذهنيا بين هذه الكلية وجامعة الملك فيصل ، وأن نوجد لها في حس علماء المنطقة ؛ فإن الأحساء بلد علمي معروف أنه من المناطق التي تهتم أسره بالعلم والعلماء ، وله تاريخه المشرق في هذا الجانب ، وإذا تذكرنا تلك الأسر فلا بد أن نتذكر أسرة العفالق التي درس عليها إمام دعوتنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكذلك أسرة آل مبارك ، بما عرف عنهم من اهتمامهم بالعلم والعلماء والأدباء . كذلك أسرة الشعيبي ، والعمير ، والملا ، وكثير من الأسر التي كان لها إسهامات معروفة . وأنت ترى ظاهرة من أجمل الظواهر ، وهي أنك لا تزال ترى الكتب الفقهية التي تمثل المذهب الشافعي ، والمذهب الحنفي ، والمذهب المالكي ، والمذهب الحنبلي ، تراها موجودة حية في هذه الأسر ، يتناقلها الأبناء عن الآباء ، ويتتلمذون عليها .
ولكن كل هذه القدرات كان لا بد لها من أن توظف في هيئة علمية تجمع الجميع وتتلقف هذه الراية في مجمع واحد ، وتلم شملها ، وتجمع إلفتها ، وتوحدها في مؤسسة شرعية واحدة ؛ فكانت كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء التي أكرمني الله عز وجل بتأسيسها .
• وكم بقيتم في الأحساء ؟
- حوالي الستة أشهر ، ولكني لم أغادرها إلا بعد أن رتبنا مكانها ، ومناهجها ، وأساتذتها ، وطلابها . فلم يأت إليها عميدها إلا وقد أصبحت الدراسة فيها تسير على أفضل حال .ومن ثم جاء أخي الدكتور عبد الله الطيار وتلقّف هذه الراية ، وقام بهذه المسؤولية ، وهو خير من يقوم بهذا العمل الصالح المبارك .
ويطول الحديث ، وتتوالد الذكريات من الذكريات ، ونأخذ أنفسنا من بين يدي الشيخ الفاضل ، على أمل أن تتاح لنا فرصة أخرى للاستزادة من معين علمه وخبرته .
المفضلات