عزة نفسٍ وشموخ
بنات الجزيرة العربية كن إلى عهد قريب يخترن الرجل لأفعاله
لا لجماله . من ذلك ما روى أن شيخاً من شيوخ قبيلة الأحامدة
من حرب كان مسافر اً في طلب عاني لقومه , ومعه صبي له
((خادم)) فمرا على بنات بعد العصر يرعين ابلهن , وكانا قد
عطشا فا ستسقياهن , وكان الشيخ دميماً بينما كان صبيه على
وفرة من الجمال , فقامت احدى البنات - وكانت بنت شيخ الحي
فناولت البدرة الصبي فشرب من فمها ثم ناولها عمه (مخدومه)
فاذا البنت تعترض يده وتأخذ البدرة وهي تقول : لن تشرب من فمها !
ولكن صف حفونك ! فصف الشيخ يديه فصبت له فشرب ثم تنحى جانباً
وأخذ يخطط بعصاه في الرمل بينما ظل الصبي ينعم بالأحاديث الحلوة
والضحكات البريئة , وهنا أغار قوم على الابل فاستاقوها , فأخذت
البنات ينخَيْن ذلك الفتى لانقاذ ابلهن من الغزاة , ولكنه بدل الكر
فر الى الجهة المعاكسة , هنا قام الشيخ والتقط سلاحه وكر على
القوم وهو يعتزي عند كل طلقة فيقول : خذها وانا الأحمدي . واضطر
القوم الى التخلى عن الابل فردها الى راعياتها , فتقدمت منه بنت
الشيخ تدعوه لضيفة أبيها , وكان هذا هو مقصد الطرقي المسافر
في البراري .. عند اقتراب سواد الليل . وفي بيت أبيها وبعد أن اجتمع
الحي للسلام على الضيف وأخذ العلوم كعادتهم خاصة بعد أن علموا
من بقية الرعاة أن الابل تعرضت للغزو والأخذ لولا هذا الشيخ الدميم !
هنا تقدمت الفتاة من أبيها طالبة منه أن تصب هي القهوة ! ورغم أن هذا
مخالف للأعراف خاصة عند قبيلة حرب , الا انها بنت شيخ القبيلة , وبنت
شيخ القبيلة لها ما ليس لغيرها من لداتها وأترابها , فالجميع ينظرون اليها
نظرة اعجاب وتقدير , وكثيراً ما تجعل بنات الشيوخ هذا حافزاً لهن على التخلق
بأخلاق عالية لعلمهن أنهن لسن كغيرهن من بنات القبيلة . وأن شرف الشيخ
يختلف عن شرف الراعي والسوقي ! فوافق الأب أن تصب ابنته القهوة للضيف
خاصة انه البطل الذي انقذ الابل ! ومدت الفتاة الفنجال للضيف وهي تقول :
يا مزرِقْ الدخانْ يا معلّق الكأسْ * يـا معتـزي بالعـزوة الأحمديّـةْ
جاك الهوى مني عشاقهْ من الـراسْ* إن كان ما تبخل بروحك عليّـهْ
وأخذ الشيخ الفنجان من بين البنان وهو يقول :
مالي هوى يابو خُدَيْدٍ كمـا المـاسْ* مالي هوى لو سمتْ روحكْ عَلَيَّـه !
روحك على راحهْ وروحي على ياسْ* طـلاب لزمـهْ للسـبـال النقـيَّـهْ
المفضلات