السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
:: مقدمــة ::
هو الإمام الداعية الفقيه عبد العزيز بن عبد الله بن باز أشهر علماء وفقهاء الجزيرة العربية الذي تلقى الناس فتاواه ورسائله بالقبول وتتلمذ على يديه المئات، وهو كما وصفه أحد تلامذته صاحب كتاب "الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز" يقول: هو الإمام الصالح الورع الزاهد أحد الثلة المتقدمين بالعلم الشرعي ومرجع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في الفتوى والعلم وبقية السلف الصالح في لزوم الحق والهدي المستقيم واتباع السنة الغراء.
نسبه ونشأته
هو عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله آل باز، وآل باز أسرة عريقة في العلم والتجارة والزراعة معروفة بالفضل والأخلاق أصلهم من المدينة النبوية، ولد في الرياض يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة 1330هـ وترعرع فيها وشب وكبر، ولم يخرج منها إلا ناوياً للحج أو العمرة.
نشأ سماحته يرحمه الله في بيئة عطرة بأنفاس العلم والهدى والصلاح، بعيدة كل البعد عن مظاهر الدنيا ومفاتنها وحضاراتها المزيفة، إذ الرياض كانت في ذلك الوقت بلدة علم وهدى فيها كبار العلماء وأئمة الدين من أئمة هذه الدعوة المباركة التي قامت على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهي دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وفي بيئة غلب عليها الأمن والاستقرار وراحة البال بعد أن استعاد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله الرياض ووطد فيها الحكم العادل المبني على الشريعة الإسلامية السمحة بعد أن كانت الرياض تعيش في فوضى لا نهاية لها واضطراب بين حكامها ومحكوميها، وهكذا نشأ سماحته يرحمه الله في بيئة علمية، ولا ريب أن القرآن العظيم كان ولا يزال هو النور الذي يضيء حياته، وهو عنوان الفوز والفلاح، فبالقرآن الكريم بدأ الشيخ دراسته كما هي عادة علماء السلف الصالح رحمهم الله، إذ يجعلون القرآن الكريم أول المصادر العلمية فيحفظونه ويتدبرونه أشد التدبر، ويعون أحكامه وتفاسيره، ومن ثمَّ ينطلقون إلى العلوم الشرعية الأخرى، فحفظ الشيخ القرآن الكريم عن ظهر قلب قبل أن يبدأ مرحلة البلوغ، فوعاه وأتقن سوره وآياته أشد الإتقان، ثم ابتدأ سماحته في طلب العلم على يد العلماء بجد وجلد وطول نفس وصبر. ولقد ذكر سماحته يرحمه الله في محاضرته النافعة "رحلتي مع الكتاب" أن لوالدته رحمها الله أثراً بالغاً ودوراً بارزاً في اتجاهه للعلم الشرعي وطلبه والمثابرة عليه، فكانت تحثه وتشد من أزره، وتحضه على الاستمرار في طلب العلم والسعي وراءه بكل جد واجتهاد.
فقده لبصره
كان سماحة الشيخ عبدالعزيز يرحمه الله مبصراً في أول حياته، وشاء الله لحكمة بالغة أرادها أن يضعف بصره في عام 1346هـ إثر مرض أصيب به في عينيه ثم ذهب بجميع بصره في عام 1350هـ وعمره قريب من العشرين عاماً، ولكن ذلك لم يثنه عن طلب العلم أو يقلل من همته وعزيمته، بل استمر في طلب العلم ملازماً لصفوة فاضلة من العلماء الربانيين والفقهاء الصالحين، فاستفاد منهم أشد الاستفادة، وأثّروا عليه في بداية حياته العلمية بالرأي السديد والعلم النافع والحرص على معالي الأمور والنشأة الفاضلة والأخلاق الكريمة والتربية الحميدة مما كان له أعظم الأثر وأكبر النفع في استمراره.
ومما ينبغــي أن يُعــلم أن ســماحة الشـيخ ابن باز رحمه الله قد استفاد من فقده لبصـره فوائد عـدة نذكر منها على سبيل المثال أربعة أمور:
الأمر الأول: حسن الثواب وعظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه في حديث قدسي أن الله تعالى يقول: "إذا ابتليت عبدي بفقد حبيبتيه عوضتهما الجنة".
الأمر الثاني: قوة الذاكرة والذكاء المفرط، فالشيخ رحمه الله حافظ العصر في علم الحديث، فإذا سألته عن حديث من الكتب الستة أو غيرها كمسند الإمام أحمد والكتب الأخرى تجده في غالب أمره مستحضراً للحديث سنداً ومتناً ومن تكلم فيه ورجاله وشرحه.
الأمر الثالث: إغـفال مباهج الحياة وفتنة الدنيا وزينتـها، فالشيخ رحمه الله كان متزهداً فيها أشــد الزهد، وتــورع عنهــا ووجــه قلبه إلى الدار الآخرة وإلى التواضع والتــذلل للــه سبحانه وتعالى.
الأمر الرابع: استفاد من مركب النقص بالعينين إذ ألح على نفسه وحطمها بالجد والمثابرة حتى أصبح من العلماء الكبار المشار إليهم بسعة العلم وإدراك الفهم وقوة الاستدلال، وقد أبدله الله سبحانه وتعالى عن نور عينيه نوراً في القلب، وحباً للعلم، وسلوكاً للسنة، وسيراً على المحجة، وذكاءً في الفؤاد.
.....
نبذة عن حياة الشيخ من موقع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
وهذا رابطه
http://www.binbaz.org.sa/mat/8822
نبذة عن حياة المؤلف*
أنا عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز.
ولدت بمدينة الرياض في ذي الحجة سنة 1330 هـ.وكنت بصيرا في أول الدراسة، ثم أصابني المرض في عيني عام 1346 هـ.فضعف بصري بسبب ذلك..ثم ذهب بالكلية في مستهل محرم من عام 1350 هـ والحمد لله على ذلك، وأسأل الله جل وعلا أن يعوضني عنه بالبصيرة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة، كما وعد بذلك سبحانه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أسأله سبحانه أن يجعل العاقبة حميدة في الدنيا والآخرة.
وقد بدأت الدراسة منذ الصغر وحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ، ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض من أعلامهم:
1- الشيخ/ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمهم الله.
2- الشيخ/ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.(قاضي الرياض).رحمهم الله
3- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (قاضي الرياض).رحمه الله
4- الشيخ حمد بن فارس (وكيل بيت المال بالرياض).رحمه الله
5- الشيخ سعد وقاص البخاري (من علماء مكة المكرمة) رحمه الله أخذت عنه علم التجويد في عام 1355 هـ.في مكة المكرمة
6- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ.وقد لازمت حلقاته نحواً من عشر سنوات وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347 هـ.إلي سنة 1357 هـ حيث رشحت للقضاء من قبل سماحته.
جزى الله الجميع أفضل الجزاء، وأحسنه وتغمدهم جميعا برحمته ورضوانه.
وقد توليت عدة أعمال هي:
1- القضاء في منطقة الخرج مدة طويلة استمرت أربعة عشر عاما وأشهرا، وامتدت بين سنتي 1357 هـ.إلى عام 1371 هـ..وقد كان التعيين في جمادى الآخرة من عام 1357 هـ.وبقيت إلى نهاية عام 1371 هـ.
2- التدريس في المعهد العلمي بالرياض سنة 1372 هـ.وكلية الشريعة بالرياض بعد إنشائها سنة 1373هـ.في علوم الفقه والتوحيد والحديث واستمر عملي على ذلك تسع سنوات انتهت في عام 1380 هـ.
3- عينت في عام 1381 هـ.نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وبقيت في هذا المنصب إلى عام 1390 هـ.
4- توليت رئاسة الجامعة الإسلامية في سنة 1390هـ.بعد وفاة رئيسها شيخنا الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رمضان عام 1389 هـ.وبقيت في هذا المنصب إلى سنة 1395 هـ.
5- وفي 14/10/ 1395 هـ.صدر الأمر الملكي بتعييني في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وبقيت في هذا المنصب إلى سنة 1414 هـ.
6- وفي 20/1/1414هـ صدر المر الملكي بتعييني في منصب المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء ولا أزال إلى هذا الوقت في العمل أسأل الله العون والتوفيق والسداد
ولي إلى جانب هذا العمل في الوقت الحاضر عضوية في كثير من المجالس العلمية والإسلامية من ذلك:
1- رئاسة هيئة كبار العلماء بالمملكة.
2- رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الهيئة المذكورة.
3- عضوية ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
4- رئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد.
5- رئاسة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
6- عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
7- عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة.
أما مؤلفاتي فمنها:
1- الفوائد الجلية في المباحث الفرضية.
2- التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة "توضيح المناسك".
3- التحذير من البدع، ويشتمل على أربع مقالات مفيدة ((حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد)).
4- رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
5- العقيدة الصحيحة وما يضادها.
6- وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها.
7- الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة.
8- وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.
9- حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار.
10- نقد القومية العربية.
11- الجواب المفيد في حكم التصوير.
12- الشيخ محمد بن عبد الوهاب ((دعوته وسيرته)).
13- ثلاث رسائل في الصلاة: ((1- كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، 2- وجوب أداء الصلاة في جماعة، 3- أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع؟)).
14- حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.
15- حاشية مفيدة على فتح الباري وصلت فيها إلى كتاب الحج.
16- رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب.
17- إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
18- الجهاد في سبيل الله.
19- الدروس المهمة لعامة الأمة.
20- فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
21- وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة.
المكانة العلمية لأسرته
أسرة آل باز معروفة بالعلم والفضل والزهد والورع، ويغلب على بعض أفرادها العناية بالتجارة وعلى بعضها العناية بالزراعة، ولعل من أبرز علماء هذه الأسرة الشيخ عبدالمحسن بن أحمد بن عبدالله بن باز رحمه الله، المتوفى سنة 1342هـ، حيث كانت له دراية تامة في الفقه، واطلاع واسع على العلوم الشرعية، ومحبة لطلبة العلم والاعتناء بهم، مع حسن الأخلاق وكريم الشمائل وطيب التعليم والتدريس.
ومن العلماء البارزين من تلك الأسرة الشيخ مبارك بن عبدالمحسن بن باز المكنى "أبا حسين"، وهو من كبار حملة العلم المعروفين بالعلم والفضل وحسن السيرة، كما كان والده الشيخ عبدالمحسن رحمه الله هو قاضي بلدة الحلوة، فقرأ عليه في بعض العلوم الشرعية في أول طلبه للعلم، ثم حينما توفي والده تولى القضاء بعده، ثم نقل بعد ذلك إلى قضاء عدة بلدان منها بيشة والأرطاوية ورنية، ولما تولى الملك عبدالعزيز رحمه الله على الحجاز عينه قاضياً في الطائف، والشيخ مبارك رحمه الله يعد أحد العلماء الذين بعثهم الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى مكة لكي يناظروا علماءها ويناقشوهم في مسائل تتعلق بالتوحيد والعقيدة الصحيحة، وقد أبلى الشيخ مبارك رحمه الله في ذلك بلاءً حسناً، وكانت له اليد الطولى في تبيين بعض المسائل وإيضاحها.
من أخلاقه
كانت للشيخ هيبة فيها عزة العلماء مع عظيم مكانتهم وكبير منزلتهم، وهذه الهيبة قذفها الله في قلوب الناس، وهي تنم عن محبة وإجلال وتقدير له، لا من خوف وهلع وجبن معه، بل إن الشيخ رحمه الله قد فرض احترامه على الناس بجميل شمائله وكريم أخلاقه مما جعلهم يهابونه حياء منه ويقدرونه في أنفسهم أشد التقدير، ومما زاد هيبته ابتعاده عن ساقط القول ومرذول اللفظ وما يخدش الحياء أشد الابتعاد، فلا تكاد تجد في مجلسه شيئا من الضحك إلا نادراً، بل كانت مجالسه عامرة بذكر الله والتفكر والتأمل في الدار الآخرة.
ومع هذه المكانة العظيمة والمنزلة السامية والهيبة فإنه آية في التواضع وحسن المعاشرة وعلو الهمة وصدق العزيمة مع عزة في النفس وإباء في الطبع بعيد كل البعد عن الصلف والتكلف المذموم، كأنه وضع نصب عينيه قوله تعالى: {وما أنا من المتكلفين}.
ولعل من أبرز ما تميز به شيخنا رحمه الله الزهد في هذه الدنيا مع توافر أسبابها وحصول مقاصدها له، فقد انصرف عنها بالكلية وقدم عليها دار البقاء لأنه علم أنها دار الفناء، متأسياً بزهد السلف الصالح رحمهم الله الذين كانوا من أبعد الناس عن الدنيا ومباهجها وزينتها الفانية مع قربها منهم، فالشيخ رحمه الله كان مثالاً يحتذى به، وعلماً يقتدى به، وقدوة في الزهد والورع وإنكار الذات، والهروب من المدائح والثناءات العاطرة، وكم من مرة سمع في بعض محاضراته حين يطنب بعض المقدمين في ذكر مناقبه وخصاله الحميدة وخلاله الرشيدة يقول: "لقد قصمت ظهر أخيك، وإياكم والتمادح فإنه الذبح، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون"، بمثل هذه الكلمات النيرة والتوجيهات الرشيدة كنت تراه يكره المدح والثناء كرهاً شديداً، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على زهد في القلب، وعفة في الروح، وطهارة في الجوارح، وخشية للمولى جل وعلا.
فصاحته وخطابته
يعد الشيخ ابن باز رحمه الله من أرباب الفصاحة وأساطين اللغة وخاصة في علم النحو وفي علوم اللغة العربية كافة، وفصاحته تبرز في كتاباته ومحادثاته وخطبه ومحاضراته وكلماته، فهو ذو بيان مشرق، ونبرات مؤثرة حزينة، وأداء لغوي جميل، ويميل دائماً إلى الأسلوب النافع الذي كان عليه أكثر أهل العلم، وهو الأسلوب المسمى "السهل الممتنع"، فتجده رحمه الله من أكثر الناس بعداً عن التعقيد والتنطع في الكلام، والتشدق في اللفظ والمعنى، والتكلف والتمتمة، بل هو سهل العبارة، عذب الأسلوب، تتسم عباراته وكتاباته بالإيجاز والإحكام والبيان.
والشيخ رحمه الله خطيب مفوه وواعظ بليغ سواء في محاضراته الكثيرة النافعة أو تعقيباته على محاضرات غيره، ومن مميزاته وخصائصه الخطابية قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تتشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير، وأخيراً تحرره من كل أثر للتكلف والتنطع.
كما كان رحمه الله صاحب بصيرة نافذة، وفراسة حادة، يعرف ذلك جيداً من عاشره وخالطه وأخذ العلم على يديه، ومما يؤكد على فراسته أنه يعرف الرجال وينزلهم منازلهم، فيعرف الجادّ منهم في هدفه ومقصده من الدعاة وطلبة العلم فيكرمهم أشد الإكرام ويقدمهم على من سواهم ويخصهم بمزيد من التقدير ويسأل عنهم وعن أحوالهم دائماً، وله فراسة في معرفة رؤساء القبائل والتفريق بين صالحهم وطالحهم، وله فراسة أيضاً فيما يعرض عليه من المسائل العويصة والمشكلات العلمية، فتجده فيها متأملاً، لها متمعناً، تقرأ عليه عدة مرات حتى يفك عقدتها ويحل مشكلها، وله فراسة أيضاً فيما يتعلق بالإجابة عن أسئلة المستفتين، فكان دائماً ما يرى الإيجاز ووضوح العبارة ووصول المقصد إن كان المستفتي عامياً من أهل البادية، وإن كان المستفتي طالب علم حريص على الترجيح في المسألة أطال النفس في جوابه مع التعليلات وذكر أقوال أهل العلم وتقديم الأرجح منها وبيان الصواب بعبارات جامعة مانعة.
قوة حافظته
كما تميّز سماحته يرحمه الله بقوة الحافظة وسرعة البديهة واستحضار مسائل العلم بفهم واسع ووفرة في العلم وشدة في الذكاء وغزارة في المادة العلمية، فهو صاحب ألمعية نادرة ونجابة ظاهرة، وإن نعمة الحفظ وقوة الذاكرة هما من الأسباب القوية بعد توفيق الله عز وجل على تمكنه من طلبه للعلم وازدياد ثروته العلمية المبنية على محفوظاته التي وعتها ذاكرته في مراحل التعلم والتعليم، وقد حباه الله من الذكاء وقوة الحفظ وسرعة الفهم ما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة.
ومما يؤكد على ذلك أنه ربما سُئِلَ عن أحاديث منتقدة في الكتب الستة وغيرها من كتب السنة فيجيب عليها مع تخريجها والتكلم على أسانيدها ورجالها وذكر أقوال أهل العلم فيها وهو ممَّن منَّ الله عليه بحفظ الصحيحين واستحضارهما، ولم يكد يفوته من متونهما شيء، وكذلك مما يؤكد ويبرهن على قوة حافظته وحضور بديهته أنه في كلماته ومحاضراته ومواعظه تجده كثير الاستدلال بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال أهل العلم الشرعية، يأتي عليها بسياقها ولفظها وتمامها، وهكذا في اجتماعات هيئة كبار العلماء تجده يذكر المسألة وأقوال أهل العلم فيها مبيناً الجزء والصفحة والكتاب المنقول عنه القول.
وثم أمر آخر يؤكد قوة حافظته وهو أنه يميز بين أصوات محبيه الذين كانوا يقدمون للسلام عليه مع كثرة عددهم، وقد حدَّث بعض من عاصر الشيخ قديماً وحديثاً أنه قدم للسلام عليه بعد مدة من الزمن طويلة، وحين بادره بالسلام عرفه من أول وهلة ورد عليَّه السلام منادياً باسمه، وهذا دأبه في أغلب من يقدمون عليه للسلام.
ومما يؤكد قوة ذاكرته يرحمه الله إيراده للقصص القديمة التي حصلت قبل ستين سنة أو أكثر وكأنه مطلع عليها ينظر إليها ويتأمل في أمرها، وهذا أمر معلوم عند من خالط الشيخ وعرفه تمام المعرفة.
وفـــاتــــه رحمه الله
توفي سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في مدينة الرياض يوم الخميس 27/1/1420هـ عن عمر يناهز الـ 89 عاما، وصلى على جثمانه بعد صلاة الجمعة خلق كثير وجموع غفيرة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
مؤلفاته وآثاره العلمية
لقد أثرى الشيخ رحمه الله المكتبة الإسلامية بمؤلفات عديدة تنوعت بين كتب في العقيــدة الإسلامية بأنواعها وأقسامها المختلفة، ونبــه إلى البدع والمنكرات، وألف في الفقـــه وأصوله وقواعده، وفي العبــادات والمعامـــلات والبيــــوع المحرمة، وكتب في الحديث وأصوله ومصطلحاته وفي الأذكــار وفوائدها، وفي التراجم، وعن المرأة المسـلمة ودورها في بنـــاء المجتمع وإنقاذها من براثن الكفـــر والشــبه الضالة، وفي التشريع والجهاد في ســـبيل الله، وفي فضل الدعوة إلى الله، ومســـؤولية الشــباب المسلم، وفي الحض على الزواج المبكر، كما أنه كتب كتباً تدفع المطاعن والشبهات في الدين، وكتباً في الغزو الفكري والقومية العربية والحداثة الشعرية، فهذه الكتب المتنوعة يجمعها صدق النصيحة مع صدق العبارة مع الأسلوب الواضح المفهوم لخاصة الناس وعامتهم، فنفع الله بهذه المؤلفات نفعاً عظيماً حتى أن كثيراً منها قد ترجم لعدة لغات كي يستفاد منها.
ومن بعض مؤلفاته رحمه الله: الرسائل الكبيرة والمتوسطة، الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب، الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس وسكون الأرض، إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين، الإمام محمد بن عبد الوهاب: دعوته وسيرته، بيان معنى كلمة لا إله إلا الله، التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة، تنبيهات مهمة على ما كتبه محمد علي الصابوني في صفات الله عز وجل، العقيدة الصحيحة وما يضادها، الدعوة إلى الله، تنبيه مهم على كذب الوصية المنسوبة إلى الشيخ أحمد، وجوب العمل بالسنة وكفر من أنكرها، الدعوة إلى الله سبحانه وأخلاق الدعاة، الرسائل والفتاوى النسائية، الفتاوى، فتاوى إسلامية، فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة، فتاوى المرأة لابن باز واللجنة الدائمة، فتاوى مهمة تتعلق بالحج والعمرة، فتاوى وتنبيهات ونصائح، الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مجموعة رسائل في الطهارة والصلاة والوضوء، مجموعة الفتاوى والرسائل النسائية، نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع، وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجوب العمل بالسنة وكفر من أنكرها، وشرح الأصول الثلاثة.
المصدر: كتاب "الإنجاز في ترجمة
الإمام عبد العزيز بن باز"
ورحمه الله الشيخ رحمه واسعة وأسكننا وأياه في دار كرامته مع الأنبياء والصديقين والشهداء ..
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
المفضلات