يارب اجعلنى من المقربين اليك
وأرضى عنى وأغفر لى ولجميع المسلمين
لعل من المسائل التي غفل عنها المسلمون تذكّر سير الصالحين من جيل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وما يقتضيه من محبة وقربة إلى الله عز وجل. والعجب ممن استعاض بغير القرآن والسنة وهدي السلف سبيلا لمعرفة الحقيقة. فهذه آيات الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم خير شاهد على منزلة هذا الجيل المثالي الذي اختاره الله عز وجل لخير أنبيائه، فلا أدل على هذا من قوله عزوجل: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – التوبة 100
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ، ثم الذي يلونهم)).
وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون ؛ لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه ، ونصروه، وآووه وواسوه بأموالهم وأنفسهم، وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه )).
ولا شك أن الخلفاء الراشدين على رأس هذا الجيل المثالي، وقد وقف السلف الصالح رحمهم الله على هذه الحقيقة فشهدت بذلك كلماتهم.
يقول عبد الله بن مسعود t : ((حُب أبي بكرٍ وعمرَ ، ومعرفةُ فضلِهما من السنة)).
وهذا الحسن وقد سئل: ((حب أبي بكر وعمر سنة ؟ قال: لا، فريضة)).
وعن جعفر الصادق رحمه الله قال: ((من لا يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة)).
وعن الفضيل رحمه الله قال: ((أوثق عملي في نفسي حب أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح ، وحبي أصحاب محمد عليه السلام جميعا)).
وعن خالد الواسطي قال : ((سمعت أبا شهاب ، يقول : لا يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم إلا في قلوب أتقياء هذه الأمة)).
ويقول الإمام مالك رحمه الله: ((كان السلف يُعلمون أولادهم حب أبي بكرٍ وعمر، كما يُعلمون السورة من القرآن)).
والأمر فيه طول، ونحن إن شاء الله تعالى سنتحدث في هذه السلسلة المختصرة عن الصحابة رضي الله عنهم ومنزلتهم وعلاقتهم بأهل البيت، وسنتحدث في هذه الحلقة عن الفاروق . أبو حفص ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ويلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كعب بن لؤي. كانت له السفارة في الجاهلية حيث كانت قريش تبعث به رسولا إذا ما وقعت الحرب بينهم أو بينهم و بين غيرهم.
أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، كان من علماء الصحابة وزهادهم، وضع الله الحق على لسانه. تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ابنته حفصة رضي الله عنها.
تولى الخلافة بعد الصديق رضي الله عنه واستمر حكمه عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، أنجز فيها الكثير من الأعمال حتى قال فيه ابن مسعود : ((كان إسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت إمامته رحمه، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا)).
جاءت في فضائله روايات شتى فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ)). رواه البخاري
وقال صلى الله عليه ولآله وسلم : إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ . رواه البخاري . وقوله: ((إن الشيطان لم يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه. وقوله: ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر)). وقوله: ((بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمصٌ ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه. قالوا:فما أوَّلته يا رسول الله ؟ قال: الدين)).
وفي هذا يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر)).
ولنعرج قليلا إلى ذكر علاقة آل البيت بالفاروق عمر رضي الله عنهم أجمعين.
لما دون عمر بن الخطاب الدواوين بدأ بالحسن وبالحسين فملا حجرهما من المال فقال ابن عمر تقدمهما علي ولي صحبة وهجرة دونهما فقال عمر: اسكت لا أم لك أبوهما خير من أبيك وأمهما خير من أمك. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أنّ عمر بن خطاب جعل عطاء الحسن والحسين مثل عطاء أبيهما.
ويقول أمير المؤمنين علي : لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر.
ولما شاوره عمر في الخروج إلى غزو الروم قال: إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن ظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين.
وعندما استشاره لقتال الفرس بنفسه قال لـه: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده وناصر جنده، والعرب اليوم -وإن كانوا قليلاً، فهم- كثيرون بالإسلام، وعزيزون بالاجتماع، فكن قطباً، واستدر الرّحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت - أي خرجت - من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك مما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكَلَبِهم عليك، وطمعهم فيك.
وكان رضي الله عنه وزيره ومستشاره، فعندما يكون علي رضي الله عنه بحضرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه في حل بعض المشكلات، فيقول: (( أتأذن لي أن أقضي بينهم))؟ فيرد عمر رضي الله عنه: ((سبحان الله! وكيف لا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أعلمكم علي بن أبي طالب)).
وعندما يكون علي رضي الله عنه غائباً ويريده الفاروق رضي الله عنه في شيء يذهب إليه بنفسه وهو الخليفة، فيلقاه علي رضي الله عنه في الطريق، فيقول لـه: ((هلاَّ أرسلت إلينا فنأتيك))؟ فيقول عمر رضي الله عنه: ((الحكم يؤتى إليه في بيته)).
وهل هناك أعظم من تزويج علي رضي الله عنه ابنته أم كلثوم للفاروق عمر رضي الله عنه. ومن تسمية ولده بعمر، كما فعل ولداه الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وعندما توفي عمر رضي الله عنه قال فيه علي رضي الله عنه: لله بلاء فلان، فلقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة، لا يهتدي بها الضال، ولا يستقين المهتدي.
فلا غرابة إذاً أن نرى الأمير رضي الله عنه وقد دخل على الفاروق رضي الله عنه بعد وفاته وهو مسجى ، فيقول: ((لوددت أن ألقى الله تعالى بصحيفة هذا المسجى)). وفي رواية: ((إني لأرجو الله أن ألقى الله تعالى بصحيفة هذا المسجى)).
ويقول فيه وفي الصديق رضي الله عنهم أجمعين: ((لعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، فرحمهما الله وجزاهما أحسن ما عملا)).
رحم الله الفاروق عمر رضي الله عنه الذي طالما ردد: ((اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك)). فكان له ما أراد فطعنة أبو لؤلؤة بينما كان يؤدي صلاة الفجر بالمسجد وكان استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ودفن إلى جوار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ قَالَ: ((اثْبُتْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدَانِ)).
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المفضلات