احبتي في الله
السلام عليكم
اقدم لكم هذا المقال عل فيه اجابات لبعض الاسئلة التي تدور في ذهن البعض منا
العداء للسامية الأصل والصورة ..... د. محمد مورو .
صحيفة العرب اللندنية 29/1/2003
ظهر مصطلح العداء للسامية لأول مرة عام 1879 على يد الصحفي الألماني اليهودي (فيلهيلم مار) عندما أصدر كتاباً بعنوان: انتصار اليهودية على الألمانية، وكانت تلك الفترة قد شهدت أحداثاً اقتصادية ومضاربات عقب الحرب الفرنسية البروسية أدت إلى إفلاس كثير من الأغنياء الألمان في بروسيا وفرنسا وعدد من دول شرق ووسط أوروبا، وحمل الأوروبيون وقتها المسألة والمسئولية على اليهود، الذين تم اتهامهم بأنهم متآمرون، وبدأت سلسلة من الاضطهادات ضدهم، وفي الحقيقة فإن الاضطهاد الأوروبي لليهود شكل مساحة كبيرة من التاريخ الأوروبي لأسباب كثيرة لعل أهمها الروح العنصرية الأوروبية التي لا ترى الحق في الإنسانية إلا للأوروبي، والاضطهاد الأوروبي والعنصرية الأوروبية لم تطل اليهود وحدهم بل طالت المسلمين والزنوج والهنود الحمر، فالعنصرية جزء لا يتجزأ من الوجدان الأوروبي والقيم الحضارية الأوروبية.
ولعلنا نفهم المسألة إذا أدركنا أن حرب الاسترداد المسيحية الأوروبية للأندلس إسبانيا والبرتغال شهدت اضطهاداً وإبادة لكل مسلم ويهودي على حد سواء، وقد استمرت تلك العملية بصورة أو أخرى، ولكنها طالت اليهود فيما بعد أكثر لأن هؤلاء ظلوا كأقليات في بعض الدول الأوروبية، ولعل تاريخ روسيا العنصرية وألمانيا النازية مفعم بحوادث الاضطهاد تلك، في حين أن اليهود عاشوا في بلاد مثل إيران واليمن والعراق ومصر والمغرب وليبيا وغيرها من البلاد الإسلامية بدون أي مشاكل من أي نوع، وحصلوا على امتيازات وثروات في طول البلاد الإسلامية وعرضها حتى قيام "إسرائيل" حين فضل عدد منهم بسبب الغباء والتضليل الهجرة إلى "إسرائيل"، ولكن من بقي منهم في إيران أو المغرب أو مصر أو العراق أو غيرها ظل يتمتع بحقوق المواطنة وروح التسامح الإسلامي المعروف حتى اليوم.
استخدمت الجماعات الصهيونية والموالون لها مصطلح العداء للسامية لترعب به كل من ينتقد اليهود أو الإسرائيليين أو الصهيونية، وذلك عندما بدأ التحالف الغربي الصهيوني المعاصر، ولكن حقيقة المصطلح والمشاعر مخالفة لما يستخدم فيه، والصورة المستعملة تخالف الأصل تماماً.
العداء للسامية في حقيقته هو عداء عنصري أوروبي ضد كل الجنسيات السامية من عرب ويهود وغيرهم، وهو جزء من العنصرية الأوروبية المعروفة، ويمكن لأي متابع للثقافة الأوروبية في كل عصورها بما فيه ما يسمى بعصر الاستنارة والتنوير أن يكتشف جذور وملامح تلك العنصرية ومنها العداء للسامية بالطبع، بل إن الدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية أثبت أن الألمان الذين كانوا يقتلون اليهود في الحقبة النازية كانوا يستخدمون كلمة المسلمين للدلالة على هؤلاء اليهود وهو ما يكشف مضمون العداء للسامية، وكذا فإن الكاتب الفرنسي هانوتو عام 1900 قد زعم في حواره مع الشيخ محمد عبده أن هناك عيوباً أخلاقية مثل الكسل في الجنس السامي على عكس الآرمي لأسباب تتصل بالعقائد، ورد عليه الشيخ محمد عبده مفنداً ذلك ومدافعاً عن العرب والمسلمين واليهود.
في إطار الروح العنصرية والعداء للسامية حاول الأوروبيون التخلص من اليهود في أوروبا -كزبالة بشرية- فنشأت فكرة، إنشاء وطن لهم في فلسطين لتحقيق هدف التخلص منهم، ولاستخدامهم كجماعة وظيفية تقوم بدور الوكيل عن الغرب -ثم أمريكا- ومفرزة عسكرية متقدمة ورأس جسر للغرب في قلب العالم العربي والإسلامي لمنع نهضته والكيد له وضربه كلما كان ذلك مطلوباً على يد هذه الجماعة الوظيفية، وهكذا نشأت فكرة الصهيونية أو إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في أروقة أجهزة المخابرات ودوائر وزارات الخارجية الأوروبية منذ نابليون بونابرت الذي دعا إلى ذلك فعلاً وحتى وعد بلفور 1917، وقد تلقف عدد من اليهود غير المتدينين الفكرة ودعوا إليها بدءاً من هرتزل 1897 وانتهاء بوايزمان وبن جوريون حتى تأسست الدولة الصهيونية عام 1948 وهكذا فإن الذين تلقفوا الفكرة من اليهود الصهاينة إنما ساعدوا الغرب وكانوا أداة له للتخلص من اليهود في أوروبا والنكاية في العالم العربي وتحويل هؤلاء اليهود الصهاينة إلى جماعة مرتزقة تقوم بدور العدوان لحساب الغرب، وهكذا فإن إنشاء دولة "إسرائيل" في حد ذاته هو نوع وتجسيد للعداء للسامية وأحد إفرازات هذا العداء وأكبر تجلي له، وقد أدرك هذا الأمر عدد من اليهود غير الصهاينة الذين رفضوا قيام "إسرائيل" ولا يزالون يدعون إلى إزالتها، ورفضوا الفكرة الصهيونية من أساسها باعتبارها فكرة معادية لليهود واليهودية وأوامر الرب على حد سواء، والأمر كذلك بالفعل، ولعل جماعة ناطوري كارتا بمن فيها من يهود وحاخامات خير مثال على ذلك.
نحن كعرب وكمسلمين لسنا معادين للسامية، لأننا لن نعادي أنفسنا، بل العداء للسامية في جوهره موجه لنا نحن، و"إسرائيل" هي التجسيد الأكبر للعداء للسامية، وهكذا فإن النضال من أجل إزالة "إسرائيل" هو جوهر ومضمون النضال ضد فكرة العداء للسامية ونحن أيضاً لسنا معادين لليهود واليهودية، لكم دينكم ولي دين، ومطالبون بالعدل مع غير المسلمين والتسامح معهم، ولكننا في نفس الوقت شديدو العداء للإسرائيليين وكل من يعيش في فلسطين المحتلة من اليهود ما عدا اليهود من أصل فلسطيني وهم عدة آلاف فقط وندعو اليهود الذين يعيشون في فلسطين المحتلة إلى مغادرتها والعودة من حيث أتوا، وندعو الدول العربية والإسلامية إلى فتح أبوابها لعودة من يريد العودة من اليهود من"إسرائيل" للعيش في تلك البلاد وذلك لحل المشكلة الفلسطينية ومن لا يريد أن يترك فلسطين لأهلها، فإنه يستحق بالتالي القتل وهو مجرم وسفاح، ومغتصب، وهكذا فنحن ندعو إلى الكفاح المسلح لتدمير "إسرائيل" وتدمير هذا الكيان الاستعماري، ونؤيد العمليات الاستشهادية ضد كل إسرائيلي في فلسطين المحتلة، لأنه ببساطة مغتصب يستحق القتال والقتل، ولن تسقط عنه صفة المغتصب ما لم يرجع من حيث أتى أو أتى آباؤه ويترك فلسطين لأهلها الشرعيين.
لا يعنينا بالطبع مناقشة ما إذا كان اليهود حقاً يتآمرون على الشعوب ويستحقون بالتالي الاضطهاد الذي وقع عليهم، أم أن ذلك كان نوعاً من العداء الوجداني الداخلي المتصل بالمسيحية أو غيرها لليهود بسبب موقفهم من المسيح، كما لا يعنينا إن كانت البروتوكولات المنسوبة لهم صحيحة أم ملفقة ولا يعنينا الحديث عن موضوع استخدام دم مسيحي لفطير صهيون يوم عيد الفصح، أو غير ذلك مما يقال عن اليهود، الذي يعنينا أننا نرفض الظلم الذي وقع على أي إنسان حتى لو كان يهودياً، ونقبل أن يحاكم كل من يتآمر على شعب من الشعوب وينال عقابه فرداً كان أو جماعة.
ويعنينا أيضاً أن ندافع عن حقوقنا المشروعة في فلسطين بكل الوسائل بما فيها العمليات الاستشهادية ضد كل ما هو إسرائيلي وفي كل مكان في العالم، ويعنينا أن نفهم أن "إسرائيل" فكرة صهيونية، وإفراز غربي أيضاً وألا تخدعنا تصريحات هنا وهناك عن حقيقة أن "إسرائيل" مجرد عصا يمسك بها الغرب وأمريكا لقمعنا ونهبنا والقضاء على حضارتنا وربما وجودنا وأنه يجب تحطيم العصا ومن يحملها أيضاً، وأن المعركة طويلة وصعبة وقاسية، وفي كل الأحوال نحن ضد العنصرية ولا نقبل أن نمارسها أو يمارسها أحد علينا أو على غيرنا، وضد الظلم والعدوان وضد المشروع الصهيوني الأمريكي الغربي الذي هو معاد للسامية في جوهره، وليس من العدل ولا الإنصاف ولا المصلحة لنا أن نتورط في الدفاع عن هتلر أو الفرح بتصريحات لوبان ضد اليهود أو غيرها من الممارسات العنصرية الأوروبية لأنها تشملنا أيضاً.
وهكذا فإن العداء للسامية كان هو السبب في ظهور "إسرائيل" ودعمها واستمرارها، لأن العداء للسامية وجدان غربي موجه ضد العرب والمسلمين قبل اليهود.
المفضلات