أخـــــــــوتي /
هذه كانت بداية مُصافحتي لفن القصة وقد كتبتها قبل 5 سنوات
واستوحيت فكــــــرتها من قصة أعجبتني قرأتها آنذاك ونشرتها
لي إحدى الصحف الخليجية أتمنى أن تنال إعجابكم ..!
********************
بدأ يُحدق في أشعة الشمس ويتأمل في أشعتها الذهبية المتطايرة
وهو يتلمس بأرجله قاع البحر بما فيه من طحالب وصخور ....
مـــــــــلامحه تدُلك على أنه في منتصف السبعين من عمره شعرٌ كثيف
كساه اللون الأبيض من الشيب حتى امتد إلى لحيته التي تقطن على
وجهٍ قد رُسمت عليه التجاعيد... فنظراته نظـــــــــرات شيخٌ كبير
رأى من غرائب الزمان وأعاجيبه ... عاش أفراحه وأتراحه حتى مُنح
شهادة الخبرة فيها .
هذا الشيخ كان في وقفةٌ تأملية عميقة مع نفسه عندما أخذ يتذكر أمجاده
وبطولاته في شبابه ... عبق الماضي وذكرياته الجميلة التي لايكف عن
ترديدها على مسامع ابنائه وأحفاده .. وشعوره بالفخر والإعتزاز كلما
سأله أحدهم عن ماضٍ أو ذكرى تتعلق به .. أو بطولة قام بها ..
وبينما هو على هذا الحال بإنغماسه في حديثه مع نفسه ...! إذ أحدث الموج
صوتا قوياً مدوياً جعلت الشيخ يصحو من غفوته ويتنبه فجأةٌ إلى لحظته
الحاضرة ... وإلى حقيقة عجزه عن مواصلة سيره إلى الجزيرة القريبة
من الشاطئ وشعوره بالحسرة والألم من جرّاء ذلك وهذا ماأدى به إلى أن
يتذكر شبابه في هذا الوقت بالذات .. وتذكُره بأنه كان يصل إليها في نفس
واحد وزمن قياسي .. فأيقن في داخله أنه لايمكن للزمن أن يرجع إلى الوراء .
. ومن المُحال أيضاً أن يعود شبابه إليه وأن هذا هو حال البشر على هذه
البسيطة طفولة...وشباب ...وكهولة ...وشيخوخة .
عند ذلك بدأ بإستكمال سيره مُزيحا هذه الأفكار من رأسه فأخذ يسير في نفس
بطئ و متقطع إلى أن وصل ماء البحر إلى وسطه فأحس بالماء يتسلل إلى
كل ذرات جسده حتى برد جسمه فشعر بالوهن والعجز
وتحدث إلى نفسه بصوتٍ هزيل(( ماالذي تحاول أن تفعله أيها العجوز وأنت في
هذا السن ؟؟؟ هل تريد أن تفعل ماكنت تفعله قبل ثلاثون عاماً...؟؟))
ثم أخذ يواصل السباحة بإتجاه الجزيرة والأمواج تتلاعب بجسده يميناً ويساراً
اشتـــــــــد تعبه والجزيرة لاتزال بعيدة وزادت ضربات قلبه وبدأ يسمع صوت
دقاته فأدرك أن الشيخوخة تيار قوي يندفع في العروق يأتي من أعمق الأعماق
بالهزيمة والخسران ممزوجة بشعور من العجز والضعف.
مــــــــــرت اللحظات ثقيلة على الشيخ وهو على ظهر البحر حتى رأى
بوادر الجزيرة تقترب من ناظريه ورويداً.... رويداً حتى أقترب منها
فما أن لامست قدمه اليمنى صخور القاع حتى دبت الحياة فيه وتنفس الصعداء
وبدأ بالسير على صخور الجزيرة التي انتشرت فيها رائحة العشب والماء
حتى جلس على أحد هذه الصخور وعاد يُحدق بالشمس والجزيرة مُطأطأً
برأسه الذي ازدحم بالأحداث والتواريخ واستند بمرفقيه على ركبتيه
واستغرق في التفكير مرة أخرى.
وبينما هو كذلك إذ خرجوا من الكهف صبية كأحفاده رآهم ينتشرون من حوله
حتى اقتربوا منه.. وشيئا فشيئا حتى كونوا حوله دائرة وأخذوا يتأملون بصمت
ويتمعنون بهذا الشيخ الكبير ويتبادلون النظرات بغير تصديق أن هذا الشيخ
استطـــــاع إجتياز الشاطئ حتى وصل الجزيرة ...
استمروا في تأملهم في شعره الأبيض ووجهه الأجعد وقدماه الهزيلتين
بينما خاف الشيخ أن يصرخ هؤلاء الصبيان في وجهه فاشتد إرتعاش جسمه
وأحس كم هو طاعن في السن وكم هو عجوزٌ حزين يبعث على الخيبة واليأس
وكأنه شبحٌ قادم لتخويفهم ..
إلا أنهم ســـــــــــرعان ماابتعدوا عنه ليعــــــــــــــــاوده التفكير مرة أخرى
وأضحى حزيناً كبستان خريف تساقطت كل أوراقه ولم يتبقى سوى أغصانه
البالية... وتجدد الشعور لديه بالوحدة القاسية ..
وبينما هو كذلك شد إنتباهه صوت أمواج البحر وهي تتصارع على جوانب
الجزيرة لتُلقي برذاذها عليـــــــــــه .
فيما بقي ذلك الشيخ الكبير على صخرة قــــــــرب الشاطئ ينتظر
مجيء الليل ويخـــــــــاف الرجوع ...!
( النهاية )
***********
مع خالص تقديري
المفضلات