<div align="center">من مفسدات القلوب سماع الأغاني الماجنة والموسيقى الصاخبة وكثرة الكلام بغير ذكر الله </div>
وسماع الأغاني الماجنة والموسيقى الصاخبة، وكثرة الكلام بغير ذلك الله عَزَّ وَجَلَّ، وكذلك الجلوس إلى من يغتابون المسلمين والمسلمات ويقعون في أعراضهم، والخوض في هذه الأعراض كل هذه ذنوب تترك أثرًا سيئًا وسوادًا عَلَى القلب، بل وتورثه القسوة.
وعلاج ذلك: البعد عن هذه الأشياء والإكثار من ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ, والإكثار من الاستماع للقرآن والمواعظ ,
قال الله سبحانه: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِي تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللهِ ذَلكِ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ}. [الزمر: 23].
وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِيءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204].
وسيأتي لذلك مزيدٌ إن شاء الله.
الاستماع للمواعظ له أثر عظيم في رقة القلب
قال الله سبحانه: {.. وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} [النساء: 63].
وأخرجه أبو داود (72) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًا؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتني وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).
وفي ((صحيح البخاري)) (73) من حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((موسى رسول الله عليه السلام، قال ذكَّر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون ورقَّت القلوب ولَّى (74)..)) الحديث.
وفي ((صحيح مسلم)) (75) من حديث حنظلة الأسيدي قال: (وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال:لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! مَا تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأي عين (76)؛ فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا (77) الأزواج والأولاد والضيعات(78). فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله! إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسول الله! نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده إن لو تدومون عَلَى مَا تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة عَلَى فُرُشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة, ساعة وساعة)) ثلاث مرات.
وفي رواية أخرى عند مسلم أيضًا عن حنظلة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل مَا تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! نافق حنظلة، فقال: ((مه)) فحدثته بالحديث. فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل مَا فعل. فقال: ((يا حنظلة! ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر، لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطريق)).
فعلى ذلك يجدر بالمسلم أن يحرص بين الحين والآخر عَلَى سماع المحاضرات الدينية, والمواعظ المبنية عَلَى كتاب الله والثابت الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, بهذا يزكوا قلبه ويرق ويلين بإذن الله.
وها هُوَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يطلب من ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، فيقول ابن مسعود: أقرأ عليك وعليك أُنزل يا رسول الله؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني أحب أن أسمعه من غيري))، فيقرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء حتى يصل إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41].
فإذا عيناه تذرفان صلى الله عليه وسلم.
ومن مفسدات القلوب: ترك صلاة الجمعة:
أخرج الإمام مسلم في ((صحيحه)) من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عَلَى أعواد منبره: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله عَلَى قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)) (79).
وفي ((سنن النسائي)) من حديث أبي الجعد الضمري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها طبع الله عَلَى قلبه)) (80).
ونحوه عن ابن ماجه (81) من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا.
ولا شك ولا ريب أن علاج ذلك: المحافظة عَلَى صلاة الجمعة والاستغفار من الذنوب التي تراكمت بسبب التخلف عنها.
ومن مفسدات القلوب:
النظر إلى الصور التي في المجلات وغيرها، من صور النساء العاريات والفتيات الحسناوات، وصور المردان من الغلمان، والاستطراد في قراءة القصص والمسلسلات الغرامية وسير أهل الشر والفساد، كل ذلك مما يسبب في القلب فسادًا ودمارًا، ويشغل القلب آناء الليل وأطراف النهار، ويجعله في قلق دائم حتى يقضي شهوته، وقد يقع في الفاحشة والعياذ الله بسبب ذلك.
وعلاج ذلك بلا شك في تقوى الله وغض البصر عن هذه المحرمات، وعدم إضاعة الوقت في قراءة مثل هذه القصص والمسلسلات، وإبدال ذلك بالنظر في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تتبع سير أهل الصلاح وسير أهل العلم وأهل الفضل، والأبطال الشجعان الَّذِينَ جاهدوا لنصرة هذا الدين وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس، وجاهدوا في الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين وهم يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
إنهم استبقوا الخيرات فأحدثت تلك الخيرات في قلوبهم رقة بفضل الله.
إنهم سارعوا إلى مغفرة من ربهم فأُعدت لهم الجنان، وانعكست مسارعتهم إلى الخيرات عَلَى قلوبهم؛ فأورثت بها تقوى، وأحلت بها إيمانًا، وأنزلت بها صلاحًا.
إن أعمال البر التي عملها أهل الصلاح هؤلاء أثرت تأثيرًا إيجابيًا عَلَى سلامة قلوبهم فغسلتها من الذنوب وأورثتها رقة، وأزالت عنها قسوة، وأثبتت فيها الخشوع.
وها هي بعض قصصهم، وها هي بعض سيرهم، وها هي بعض نماذج البطولة وبعض أمثلة التضحية والفداء والبذل والعطاء علَّها وعساها أن تُحدث في القلب رقةً بإذن الله.
* * * ______________________________
(72) أخرجه أبو داود حديث (4607) بإسناد صحيح لشواهده.
(73) البخاري حديث (4726) وأصل الحديث أيضًا عند مسلم (2380) لكن اللفظ المشار إليه لفظ البخاري، وفي بعض الروايات في الصحيح: ((بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله، وأيام الله نعماؤه وبلاؤه..)) الحديث .
(74) قال الحافظ ابن حجر ((فتح الباري)) (8 / 413). فيه: أن الواعظ إذا أثر وعظه في السامعين؛ فخشعوا وبكوا ينبغي أن يُخفف لئلا يملوا.
(75) أخرجه مسلم، حديث (2750).
(76) أي: كأننا نراها بأعيننا.
(77) اشتغلنا بهم ولاعبناهم ومازحناهم.
(78) الضيعة هي: مال الرجل وصنعته وأرضه.
(79) مسلم حديث (865).
(80) النسائي (3 / 88), وابن ماجه (1125), وإسناده صحيح لما بعده.
(81) ابن ماجه (1126).
المفضلات