تعرف على لغة الشوارب عبر التاريخ ..؟؟
السلام عليكم
قبل أن أتصفح معكم قاموس لغة الشوارب, وقبل الخوض في تضاريسها وتموجاتها, لابد لي من التنويه إلى اختلاف معاييرها, وتغيرها كثيرا هذه الأيام عند معظم السياسيين, وبخاصة عند أولئك الذين تبدلت نظرتهم إليها, ولم تعد لها أي قيمة عندهم.
كان السياسيون فيما مضى يتفاخرون بشواربهم المفتولة, وأطرافها المعقوفة كذيول العقارب السوداء, يستخدمونها في إثبات مصداقيتهم في المواقف الحاسمة, ويعدونها ميثاق شرف لا يدانيه ميثاق, فإذا انتفض احدهم وامسك بشاربه, وقطع وعدا أمام الناس,
وقال :
(خذها من هذا الشارب), فانه لن يخل بوعده أبدا, ومن يخل بهذا الميثاق, أو ينكث وعده فكأنه ارتكب عملا مشينا, وجلب لنفسه العار, فالرجل الذي يضع يده على شاربه, ويحلف متعهداً الوفاء بأمر ما, يصبح في العرف الاجتماعي بمثابة من أعطى كلمة قاطعة لا يحق له التراجع عنها أو الإخلال بها, وإلا لحق به عارٌكبير..
أما الآن فقد انقلبت هذه المفاهيم رأسا على عقب, وصارت حلاقة اللحية والشارب, وإزالة شعر الجبهة بالليزر, وقشط البشرة, وتقشيرها بأحدث مستحضرات التجميل, هي القواسم المشتركة لملامح وجوه بعض الوزراء والبرلمانيين والقادة العرب. وقد توافقت ملامح وجوههم المتصحرة الخالية من الحياء والتعابير والشوارب مع تنصلهم من الواجبات والمهام الوطنية المنوطة بهم,
وربما تعمدوا التخلص من شواربهم ولحاهم, وحفوا وجوههم حتى لا يكونوا ملزمين بتنفيذ العهود والمواثيق, فتركوا انطباعات سيئة لدى عامة الناس, الذين فقدوا ثقتهم بهم, فاشمأز الناس منهم, وقاطعوهم ونبذوهم, لا بسبب شواربهم المنزوعة, وعيونهم الكحيلة, وقدودهم المياسة, ولا بسبب وجوههم الطرية المصقولة, وخدودهم الناعمة, بل بسبب فسادهم وتقاعسهم وإهمالهم وتخاذلهم وكذبهم على الناس.
تعد حلاقة الشوارب عيب كبير، وأمر مخزٍ في عموم بلاد الشرق، التي قلما نجد فيها رجلاً حليق الشارب, ولو زرت مصر وبلاد الشام لوجدت الكثير من الرجال المغرمين بإطلاق شواربهم الكثيفة، للتعبير عن قوتهم وشجاعتهم وبسالتهم, وسجل بعضهم أرقاما قياسية بطول شواربهم, التي يمكن أن تقف عليها أسراب طيور السنونو من دون أن يختل توازنها.
ولسلاطين الدولة العثمانية رحلة طويلة في الجغرافية السياسية للشوارب, وكانت شوارب السلطان هي المعيار المعتمد في رسم وتحديد التغيرات المستحدثة في شكل وطول شوارب أبناء الإمبراطورية العثمانية, وكان سلم الترقيات لمراتب قادة الجيش الانكشاري يتماشى مع نمو الشارب من حيث الطول والكثافة,
ومن حيث الالتواء والتعقرب, فالشوارب عندهم لها مقامات ومساحات, بيد إن هذه المعايير ذهبت مع الريح بعد انهيار الباب العالي في الأستانة,
وقدوم مصطفى كمال أتاتورك الذي اصدر فرمانا عسكريا ألغى بموجبه كل تضاريس الشوارب, فصارت من ضمن الممنوعات في المؤسسة العسكرية التركية وحتى يومنا هذا, ثم ظهر علينا الزعيم النازي (هتلر) بشنبه المربع الصغير الملتصق فوق شفته العليا, وكانت شوارب هتلر طبق الأصل من شارب الفنان شارلي شابلن, ومن أشهر الشوارب شارب الرئيس جوزيف ستالين،
وشارب الفنان السريالي سلفادور دالي, وهناك أيضا شارب الملك فؤاد، وشارب سعد زغلول. أما إمبراطور الشوارب من دون منازع فهو العم (فتحي أحمد محمود) من مصر, الملقب بـ (فتحي شنب), والذي حصل على لقب أضخم وأظرف وأطول شارب, ودخل موسوعة غينيز للأرقام القياسية, وصار عمدة الشوارب. ومع ذلك تبقى شوارب العالم الفيزياوي الكبير ألبرت اينشتاين هي الأذكى والأروع والأكثر جاذبية.
للشارب فيالثقافة الشرقية مكانة خاصة, وقدسية اجتماعية, ودلالات كثيرة تفوق دور الشارب في المظهر والأناقة. فالشارب الشرقي يرمز للفتوة والشهامة والشجاعة والمرْجلة والمهابة، وأحيانا يرمز الشارب إلى الولاء الحزبي أو الانتماء إلى الخلايا السرية الحاكمة,
فقد دأب المتحزبون في البلاد العربية منذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا على التبختر بشواربهم القنفذية, وكانوا يستخدمونها سلاحاً يغيضون به خصومهم, ويتكبرون به على الناس في الرايحه والجايه, وهذه إحدى السلوكيات الغبية, والتصرفات المدانة.
ما زالت الدول العربية تعد الشوارب من ابرز رموز قوة الشخصية المرتبطة بكرامة الإنسان ورجولته، وعلى النقيض فان إزالتها تعني الاهانة، وأحيانــا تفسر بنقــص في الرجولــة.
لقد تناول الفقهاء العرب هذا الموضوع, وكتبوا عن الشوارب المؤلفات الكثيرة, نذكر منها: (بلوغ المآرب في قص الشارب) للسيوطي, و(التفتيش في حلق الريش) للشهرستاني, و(اعتماد الراغب في حلق الشارب) لابن طولون, و(مسألة قص الشارب) للعراقي, و(أحكام المذاهب في طول اللحى والشوارب)للنازلي.
اما بالنسبة لموقف الدين من الشوارب, فالإسلامدين الحكمة والعقل والمنطق, وليس دين الشوارب واللحى، وللفقهاء رأيهم في موضوع الشارب واللحية وحكمهما، فمنهم من رأى تحريم حلق اللحية، وهناك من رأى كراهة حلق اللحية، وأيضا هناكرأي وهو إعفاء اللحية، مستعينين بالأحاديث النبوية الشريفة وإجماع الصحابة, وجعلت اللحية في عصرنا من الحلاقة مهنة وفن،ولكن البعض يريدنا نجعل للحية قدسية خاصة.
ومن المفيد أن نستشهد بهذا البيت من قصيدة طويلة للمتنبي
يهجو فيها كافور الإخشيدي:
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم
يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ
وكأنه يقول للناس: هل غاية الدين أن تحفوا شواربكم فقط , وتتظاهرون أمام الناس بالتدين السطحي ؟, بينما لا تلتزمون بسائر الدين وتعاليمه السماوية الساطعة ؟؟.
ختاما نقول ليس كل الشوارب سواء, وليس كل من فتل شاربه غاضبا لانتهاك الحقوق الإنسانية والشرائع السماوية, فالماجنون والفاسدون والفاسقون وسارقو قوت الشعوب باتوا يفتلونها اليوم في قصورهم ومنتجعاتهم الفارهة للماجنات والداعرات..
فمتى تُفتل الشوارب غضبا لله الواحد الأحد الفرد الصمد ؟؟
ومتى تُفتل الشوارب انتصارا للحق ؟؟
ومتى تُفتل الشوارب دفاعا عن أرواح أطفال العرب الذين صاروا
يموتون بالجملة في الشوارع بعبوات الغدر والنذالة ؟؟
ومتى تُفتل الشوارب للذود عن نساء وشيوخ الذين قطعت أحشائهم
خناجر الحصار الظالم ؟؟.
وكيف تُفتل الشوارب المنزوعة بالليزر ؟؟..
ولكم تحيات
ماجد البلوي
المفضلات