يقول ابن القيم :" وليست حاجة الأرواح إلى شيء قط أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها ، ومحبته وذكره والابتهاج به وطلب الوسيلة إليه والزلفى عنده ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه ‘ فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب ، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد ، والله ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه ..."
الله تبارك وتعالى مستوٍ على عرشه ، متكلم بأمره ونهيه ، بصير بحركات العلم علويه وسفليه ،وأشخاصه وذواته سميع لأصواتهم ، رقيب على ضمائرهم وأسرارهم ، وأمر الممالك تحت تدبيره ، نازل من عنده وصاعد إليه وأملاكه بين يديه تنفذ أوامره في أقطار الممالك ، موصوف بصفات الكمال ، منعوت بنعوت الجلال ، منزه عن العيوب والنقائص والمثال ، هو كما وصف نفسه في كتابه ، وفوق ما يصفه به خلقه ، حي لا يموت ، قيوم لا ينام ، عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، بصير يرى دبيب النملة السوداء على النخلة الصماء في الليلة الظلماء سميع يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ، تمت كلمته صدقا وعدلا ، وجلت صفاته أن تقاس بصفات خلقه شبها ومثلا ، وتعالت ذاته أن تشبه شيئا من الذوات أصلا ، ووسعت الخليقة أفعاله عدلا ، وحكمة ورحمة وإحسانا وفضلا ، له الخلق والأمر ، وله النعمة والفضل ، وله الملك والحمد وله الثناء والمجد ، أول ليس قبله شيء ، آخر ليس بعده شيء ، ظاهر ليس فوقه شيء ، باطن ليس دونه شيء ، أسماؤه كلها أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد ، ولذلك كانت حسنى ، وصفاته كلها صفات كمال ، ونعوته كلها نعوت جلال ، وافعاله كلها حكمة و رحمة ومصلحة وعدل ، كل شيء من مخلوقاته دال عليه ، ومرشد لمن رآه بعين البصيرة إليه ، لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، ولا ترك الإنسان سدى عاطلا ، بل خلق الخلق لقيام توحيده وعبادته ، وأسبغ عليهم نعمه ليتوسلوا بشكرها إلى زيادة كرامته ، تعرف إلى عباده بأنواع التعرفات وصرف لهم الآيات ، ونوع لهم الدلالات ، ودعاهم إلى محبته من جميع الأبواب ، ومد بينه وبينهم من عهده أقوى الأسباب فأتم عليهم نعمه السابغة ، وأقام عليهم حجته البالغة أفاض عليهم النعمة ، وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه " ،
المفضلات