لن يخلقوا ذباباً
قال تعالى…
(( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب # ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز#)) (الحج: 73-74)
هذه الآيات الكريمة من سورة الحج فيها تقريع واستهزاء بالمشركين وأصنامهم والقرابين التي كانوا يقدمونها لها، فالأصنام لا تستطيع أن تخلق ذباباً، وهي عاجزة عن أن تنقذ شيئاً من القرابين التي كانت تقدم إليها والتي كان الذباب يسلبها إياه…
هذا معنى من معاني الآية الكريمة أعلاه، أما اليوم وعلى ضوء المكتشفات العلمية الحديثة الواسعة فإننا نجد في هذه الآيات الكثير من التحديات العلمية والمعاني العميقة التي تشير إلى عظمة الخالق والى معجزة الخلق، وفيها تحد قرآني قائم حتى يوم الدين موجه إلى الملحدين في كل زمان ومكان، فآلهتهم وأصنامهم الجديدة "العلم، الطبيعة، الصدفة، تقادم الزمان… الخ" لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا لذلك، والعلم إلى الآن لم يتوصل إلى خلق خلية حية واحدة فقط بل لم يتوصل إلى خلق جزء حي من الخلية الحية كالسايتوبلازم والنواة والغشاء الخلوي، بل لم يتوصل إلى خلق بروتين حيوي واحد فقط… فكيف بذبابة واحدة وهي تتألف من ملايين الخلايا الحية المتنوعة، فضلاً على عجزهم عن خلق جميع الذباب الموجود في الأرض.
* ضرب مثل
قال علماء التفسير القدماء: خص الذباب في المثل القرآني لأربعة أمور، لمهانته وضعفه ولاستقذاره وكثرته… فإذا كان هذا الذي هو أضعف حيوان وأحقره لا يقدر من عبدوهم من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأرباباً مطاعين؟. وهذا من أقوى الحجج وأوضح البرهان.
والذباب من أكثر الحيوانات تعداداً وانتشاراً فهنالك حوالي 150. نوع من الذباب الذي ينتشر في كل القارات، حتى من ضمنها الأجزاء الدافئة للقارة القطبية الجنوبية!!. ولولا رحمة الله بتسليط كثير من مخلوقاته كالطيور والضفادع والحشرات والمكروبات والفيروسات وغيرها على الذباب لغطت جيوش الذباب سطح الكرة الأرضية وجعلت الحياة عليها مستحيلة خلال عدة أيام!!.
لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له
إن الذباب حشرة عظيمة الخلق ومدهشة التركيب بصورة كبيرة جداً على صغرها وحقارتها… وإليك بعض الحقائق العلمية التي تثبت ذلك:
على خلاف اغلب الحشرات الطائرة فإن للذباب زوجاً واحداً من الأجنحة، ويوجد خلف الأجنحة عضوان ذات شكل هراوة، يدعيان الموازنان، تساعداه على حفظ التوازن أثناء الطيران، ويعتبر الذباب من امهر الحشرات الطائرة في عالم الحشرات، إذ تستطيع اغلب أنواعه أن تحوم وتهبط رأساً على عقب، كما يستطيع البعض الآخر منها الطيران جانبياً أو حتى إلى الخلف دائماً.
يتمكن بعض أنواع الذباب من خفق جناحيه مائتي مرة في الثانية، علماً أن جهازها العضلي لا يستطيع أن يتقلص أكثر من مائة مرة في الثانية، حيث يوجد في داخل صدرها زوجان من العضلات الرافعة والخافضة وهي تعمل بصورة متعاكسة، فعندما يتقلص زوج العضلات الرافة يرتفع جناحا الذبابة، وعندما يتقص زوج العضلات الخافضة ينخفض معه جناحا الذبابة، وعندما تكون العضلات الرافعة في حالة العمل تكون العضلات الخافضة في حالة راحة، وهكذا تستطيع الذبابة أن تضرب بجناحيها مائتي خفقة في الثانية من دون تعب، وما عملية المحرك المزدوج المكبس في السيارة إلا محاكاة قريبة من عملية خفق جناحي الذبابة.
عين الذبابة والتي لا يزيد حجمها عن نصف مليمتر مكعب مؤلفة من ثلاثة آلاف عيينة (عين صغيرة) كل واحدة منها تتصل بثماني خلايا للاستقبال الضوئي، اثنان للألوان وستة متخصصة في كشف أدنى حركة تقع في المجال البصري للذبابة.
منذ سنة 1971 كشفت الأبحاث العلمية عن وجود لغة كيمائية خاصة بكل نوع من الذباب، بها ينظم طريقة عيشه وتعامله مع بقية أفراد نوعه، منها على سبيل المثال أنه خلال فترة التزاوج تفرز الأنثى مادية كيميائية طيارة تلتقطها شعيرات حساسة في أرجل الذكور من الذباب ثم تنقلها إلى الخلايا العصبية التي تصدر أوامر الإثارة الجنسية بتعقب الأنثى، ويفرز أول الفائزين بالأنثى من الذكور مادة كيميائية مضادة لمادة الأنثى ومبطلة لمفعولها الجاذب على بقية الذكور كما يغطي بها جسد الأنثى، وبذلك يبعد بقية المشاغبين من الذكور عنه وعن أنثاه الفائز بها، وبذلك يخلو له الجو للتزاوج!!.
لقد أمضى عالم أحياء معاصر بضع سنين من حياته العلمية في دراسة صنف من الذباب هو الذباب الأزرق، وكتب عنها قائلاً: "الذبابة الزرقاء هي في الحقيقة آله صغيرة في غاية الكمال، فهي حشرة شديدة التجهيز، وخاصة بما خص أجنحتها وعملية طيرانها لدرجة أن كثيراً من زملائي والقراء كتبوا لي يقولون: لم نعد نجرؤ على قتل ذبابة بعد قراءة كتابك عن الذباب، وهذا شيء مفهوم، فكيف يمكن تدمير آلة حية هي من الدقة والتعقيد بحيث إن أدق الساعات واعقدها تبدو أمامها وكأنها شيء في منتهى الغلظة وعدم الإتقان"!!.
ضعف الطالب والمطلوب
ما أن تقف الذبابة المنزلية "Housefly"على المواد الغذائية الصلبة، حتى تفرز عليها اللعاب والذي يحتوي على خمائر تمكنه خلال ثوان من تحليل المواد الغذائية وتحويلها إلى مادة سائلة ثم تقوم بامتصاص الغذاء السائل بعضو وسادي يشبه الإسفنج مثبت في فيها!!. فمن يستطيع استرجاع شيئاً من الغذاء بعد تحلله خارج أحشاء ذبابة واحدة؟، ومن يستطيع استنقاذ شيئاً من الغذاء بعد امتصاصه واستهلاكه من قبل جسم ذبابة واحدة فضلاً عن استنقاذ الغذاء من جميع الذباب على وجه الأرض؟!.
ويتغذى بعض الأنواع من الذباب على الدم، إذ له أجزاء فم حادة تعمل كمحقنة لامتصاص الدم. ويحمل الذباب في لعابه دائماً كائنات حية مجهرية مؤذية، وعندما تقوم بعض الإنسان فإنها تنقل إليه هذه الكائنات التي تسبب أمراضاً خطيرة كما هو الحال بالنسبة لذبابة الشذاة "Tsetse Fly" حيث تتغذى هذه الذبابة الأفريقية على دم الأغنام والإنسان وتنقل إليه مرضاً يطلق عليه مرض النوم والذي هو التهاب دماغي خطير جداً ويسبب الوفاة في كثير من الأحيان. فمن يستطيع استرجاع شيئاً من الدم الذي سلبته منا ذبابة واحدة فقط فضلاً عن جميع الذباب على سطح الأرض؟!.
والذباب إضافة إلى مرض النوم ينقل أخطر الأمراض كالحمى التيفويدية والزحار والرمد فيسلب أغلى النفائس، يسلب العيون والجوارح، وقد يسلب الحياة والأرواح، فيسلب مالا سبيل لاستنقاذه وهو الضعيف الحقير.
إن الله لقوي عزيز
وبعد فهذه بعض من آثار قدرة الله تبارك وتعالى وبدائع خلقه تتجلى في خلق الذباب الصغير الضعيف… وخلق الذباب مستحيل كخلق الجمل والفيل لأن الذباب يحتوي على ذلك السر المعجز سر الحياة فيستوي في استحالة خلقة مع الجمل والفيل.
المفضلات