الزواج السياحي.. خيانة للمرأة ووليها!!
الكلام على الزواج السياحي ليس بجديد في أصله كما قد يتصوره البعض فقد تكلم عنه الفقهاء المتقدمون في مصنفاتهم، ولكن الجديد في الموضوع هو ظهوره بصور جديدة بناء على معطيات العصر الحاضر من تنوع أغراض الناس في السفر وما استجد له من الوسائل الحديثة قربت المسافات البعيدة، فأصبحت السياحة غرضاً بارزاً لكثير من الناس وخاصة في مواسم الإجازات، ومن تلك الصور ما يسمى ب (الزواج السياحي) ويسميه البعض ب (زواج المصياف) أو (الزواج الصيفي) أو (زواج المسفار) والذي صار مثار جدلٍ بين الناس ومثار تساؤل من البعض حول شرعيته من عدمها.
وقبل الحديث عن هذه الصورة المستجدة للزواج بنية الطلاق (الزواج السياحي) يبين الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الحجيلان عضو هيئة التدريس بقسم الفقه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية وعميد شؤون المكتبات بجامعة القصيم ومؤلف كتاب (الزواج السياحي) يبين المقصود بالزواج بنية الطلاق وحكمه والخلاف فيه وأبرز الأدلة، والفرق بين الصورتين. حيث يقول: فأما بيان المقصود به فقد وصفه الدكتور وهبة الزحيلي بقوله: « هو الزواج الذي يتم بإيجاب وقبول مع حضور شاهدين وحضور ولي، لكن ينوي الزوج فيه الطلاق بعد مدة في المستقبل طالت أو قصرت كشهر أو أكثر سواء علمت المرأة بهذه النية أم لم تعلم».
وأما حكمه فيقول د. الحجيلان: جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة –وبعض الحنابلة على أنه زواج صحيح، وإن كان بعضهم يكرهه كالإمام مالك – رحمه الله – وهو قول في مذهب الإمام أحمد. وذهب الإمام الأوزاعي – رحمه الله – والإمام أحمد في المنصوص عنه، وهو الصحيح من مذهبه وعليه جمهور أصحابه إلى عدم صحة هذا الزواج.
وأضاف: إن من أبرز حجج من قال بعدم الصحة وهم أصحاب القول الثاني أن الأصل في الزواج الاستمرار والتأبيد وإقامة مدة مستقرة ما لم يطرأ عليه ما ينهيه وهذا من شروط النكاح، وهذا لا يتوفر في هذا العقد، فلا يصح. ولأن كتمان نية الطلاق المستقبلية عن الزوجة أو أهلها يُعَدُّ من الخداع والخيانة، ومن الغش. كما أنه لا تتحقق به مقاصد الإسلام في الزواج مما يجعل هذا النوع من الزواج – وإن توفرت فيه الأركان والشروط – أجدر بالبطلان من الزواج المؤقت. وقال: لستُ في مجال الاستقصاء في المسألة بسياق كامل الأدلة ومناقشتها ولكن أُشير إلى أن القول الثاني وهو عدم الصحة هو ما أفتى به أصحاب الفضيلة أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة، وسماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة، وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله.. كما صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المعقودة في مكة المكرمة في الفترة من 10– 14/3/1427ه (القرار الخامس) الذي موضوعه (عقود النكاح المستحدثة) القاضي بمنع الزواج بنية الطلاق.
الشيخ ابن باز وحول ما يحتج به الكثير ممن يقدمون على هذا الزواج من اجازته من قبل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز– رحمة الله – قال الدكتور الحجيلان: ينبغي أن يُعلم أن القول بصحة الزواج بنية الطلاق سواء من المتقدمين أو من المعاصرين كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمة الله – وغيره لايعني إباحة ما يعمله الناس في وقتنا الحاضر في الزواج السياحي من حيث اعتباره زواجاً بنية الطلاق فيطبق عليه حكمه، وقد ذكرت بعض الفروق بينهما، فالحال مختلف، والآثار السلبية كثيرة وفادحة. وقد قال الدكتور أحمد السهلي عن فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله –: ((لو علم الشيخ ما أحدث الناس لرجع عن هذه الفتيا كما قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ((لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل))، أقول: مما أحدثه الناس في هذا النوع من الزواج السفر من أجل أن يتمتعون فقط ثم يطلقوا ويرجعون إلى بلادهم، فكلما اشتاقت نفسه للمتعة سافر من أجل الزواج ثم طلق ورجع، وهكذا دواليك)).
صورته الجديدة
واضاف الحجيلان انه بناءً على ما سبق ذكره فإن الزواج بنية الطلاق الذي تكلم عنه الفقهاء السابقون يتفق مع صورته الجديدة وهي الزواج السياحي في أكثر الأمور بل هو قريب منها؛ لذا فإن أبرز ما استدل به من قال بعدم إباحة الزواج السياحي الشبه بالزواج بنية الطلاق، ومن تلك الأمور ما يلي:
أولاً: تحقق أركان وشروط عقد الزواج الشرعي في كلٍ منهما من الإيجاب والقبول، والولي، والإشهاد.
ثانياً: تترتب عليهما جميعاً آثار الزواج الشرعي من إباحة الاستمتاع بين الزوجين، والتوارث، وإثبات النسب، وغيرها.
ثالثاً: إن الزواج لا يقصد به الاستمرار في كلٍّ منهما، وإنما الاستمتاع بالمرأة مدة ثم مفارقتها بطلاقها.
رابعاً: إن الزواج في كل منهما تستحق به الزوجة جميع الحقوق الزوجية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كالمهر، والنفقة، والمبيت.. وغيرها.
خامساً: لايرغب الزوج فيهما في توثيقه بوثيقة رسمية في الغالب؛ لنيته عدم الاستمرار، وخوفاً من التبعات القانونية. وقال: يفترقان في الأمور التالية:
أولاً: في الزواج السياحي السفر مقصود به الزواج أو هو أحد أبرز مقاصده، أما في الزواج بنية الطلاق فالسفر كان لحاجة معينة، وأثناء الإقامة لهذه الحاجة خاف الإنسان على نفسه من الوقوع في المحرم فرغب في الزواج لذلك، ولم يسافر بغرض الزواج.
ثانياً: الطلاق في الزواج السياحي متعين لدى الزوج بوقت معروف مسبقاً في الغالب وهو وقت انتهاء الإجازة وعودة السائح إلى بلده، والذي يكون محسوباً بحجز الطيران، وعادة يكون محدداً بالساعة والدقيقة ومؤكداً، أما الزواج بنية الطلاق فلا يكون بهذا التحديد الدقيق في الغالب، بل قد يزيد أو يقصر حسب انتهاء الحاجة والعمل المقصود بالسفر.
ثالثاً: أن الزواج السياحي غالباً ما تدفع إليه الحاجة المادية للزوجة وأهلها مع علمهم بطريق غير مباشر بنية الطلاق، أما الزواج بنية الطلاق فقد يكون الدافع ذلك وقد يكون غيره من إدارة الإنجاب أو الإعفاف أو نحو ذلك.
العلماء المعاصرون وحول أقوال العلماء المعاصرين في حكم الزواج السياحي قال الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الحجيلان لحداثة التسمية لم أجد كلاماً لأكثر كبار الفقهاء المعاصرين حول حكمه مع النص على اسمه، ولعلهم اعتمدوا على اعتباره زواجاً بنية الطلاق، أو زواج متعة في إجاباتهم عندما يُسألون عنه.
ومن خلال ما اطلعتُ عليه من أقوالٍ للفقهاء وأهل العلم المعاصرين اتضح لي أن جماهيرهم يرون تحريم الزواج السياحي بصورته الغالبة وهي السفر في الإجازة التي غالباً ما تكون الإجازة الصيفية لغرض الزواج، أو لعدة أغراض أبرزها الزواج للاستمتاع مع تبييت النية بالطلاق عند انتهاء الإجازة والعودة من السفر، بل إنه شبه إجماع من وجهة نظري حسب ما اطلعت عليه من الأقوال، ولذلك سأقتصر على ذكر أدلتهم من أول السطر وهم ينقسمون من حيث صراحة تعبيرهم عنه إلى قسمين:
القسم الأول: من صرَّحوا بتحريمه مع النص على اسمه (الزواج السياحي) أو (الزواج الصيفي) أو نحو ذلك ومنهم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار علمائها، ورئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء فيها.
ومن قال بتحريمه أيضاً: فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان، فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان بن منيع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن يحيى بن حسن النجيمي، فضيلة الدكتور أحمد المورعي، وفضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد، الدكتور أحمد السايح، الأستاذ بجامعة الأزهر، الدكتور محمد نصر سنوسي، الأستاذ بجامعة الأزهر أيضاً، فضيلة الشيخ نبيل العوضي، مجموعة من أصحاب الفضيلة علماء اليمن، ومن العلماء المعاصرين من لم يصرحوا باسمه (الزواج السياحي) أو ما في معناه ولكن تناولوه بوصفه باعتباره أحد صور (الزواج بنية الطلاق) فتطرقوا له خلال كلامهم أو عند سؤالهم عن الزواج بنية الطلاق، فنية الطلاق في الزواج السياحي موجودة فهو صورة من صورة كما تقدم، ومن هؤلاء: أصحاب الفضيلة أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية في فتواها رقم (21140).
واضاف: يتحصّل مما اطلعتُ عليه من كلام العلماء السابقين أنهم يستدلون على قولهم بالتحريم بأدلة كثيراً من أبرزها ما يلي.
الدليل الأول: حديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – المشهور المتواتر أن النبي قال:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى..» الحديث.
حيث استخلص أهل العلم من هذا الحديث وما جاء في معناه من الأحاديث الكثيرة القاعدة الفقهية الكبرى المشهورة «الأمور بمقاصدها».
الدليل الثاني: القياس على زواج التحليل ووجه ذلك تأثير نية الطلاق، وتوقيت النكاح المبيّت لدى الزوج عند العقد، وعدم وجود رغبة الاستمرار والإنجاب.
الدليل الثالث: أن في الزواج السياحي خداع وتغرير وغش للمرأة وأهلها، حيث يتزوجها الرجل بدون إشعارها ولا وليها بنية الطلاق بعد انتهاء السياحة التي غالباً ما تكون في الإجازة الصيفية، بل يبيت هذه النية ويضمرها في نفسه، وقد ورد النهي في الشريعة الإسلامية عن ذلك، ومن أشهر ما ورد في هذا الشأن ما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – من قول النبي (:«من غشَّنا فليس منا» وفي لفظٍ آخر: «من غشَّ فليس مني ».
الدليل الرابع: أن الزواج السياحي حسب صورته الغالبة المتمثلة في السفر بقصد الزواج أو السياحة والزواج معاً مع تبييت النية بالطلاق عند العودة صار في وقتنا الحاضر وسيلة للفسوق والفجور عند الكثير، والشيء المباح إذا تضمَّن وقوعاً في حرام أو تركاً لواجب صار حراماً.
الدليل الخامس: أن الزواج السياحي وبناء على الواقع والصورة السائدة لا تتحقق به مقاصد الزواج الشرعي التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، فهو لا يقصد به الاستمرار وبقاء الحياة الزوجية، ولا إنجاب الأولاد وبناء الأسرة وحصول المودة والرحمة والسكن بين الزوجين، وإنما يكون القصد منه في الغالب إشباع الرغبة الجنسية لدى الزوج في مدة معينة، وحصول الزوجة أو وليها على المال من السائح مع تبييت النية بالطلاق؛ لذا فإن هذا النوع من الزواج لا يصح.
الدليل السادس: أن الذين يُقِدمون على الزواج السياحي وحسب الواقع المشاهد في أغلب الصور لا يلتزمون فيه بالشروط والأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية في هذا الشأن، ففي كثير من الأحيان لا تتوفر عند العقد جميع أركان وشروط عقد الزواج من الإيجاب والقبول، والولي، والشاهدين، ورضى المرأة، وكذلك انتفاء الموانع وأهمها هنا ألا تكون المرأة في عدة من طلاق زوج سابق، وهذا مما يحصل عدم مراعاته في بعض البلدان التي يكثر فيها الزواج السياحي، فتجد المرأة تتزوج قبل أن تنقضي عدتها، بل قد تتزوج من الغد حرصاً على استغلال فترة السياحة بجمع المال من هذا الطريق.
الدليل السابع: أن الزواج السياحي بصورته الغالبة، ومن خلال الواقع العملي المشاهد تترتب عليه مفاسد كثيرة، وآثار سلبية متعددة على الدين الإسلامي عموماً والدعوة إليه، وعلى صورته وصورة أتباعه في نظر غير المسلمين، وتنفر منه، وكذلك على الفرد والمجتمع المسلم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قد استدلوا لقولهم بمنع الزواج بنية الطلاق الذي توصلوا إليه في قرارهم الذي سبق ذكره بأن فيه مفاسد عظيمة تسيء إلى سمعة المسلمين فقالوا في آخر القرار: «ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين» وهم فيما يظهر يشيرون إلى الصورة المعاصرة وهي (الزواج السياحي) لأنهم يتكلمون عن أنواع الزواج المستحدثة، وهو من أشكال الزواج بنية الطلاق كما هو معلوم.
المفضلات