السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخى الجليل
هل تقصير الدعاة فى التكلم عن الاحداث الاجتماعية التى تقع فى بلادهم، هذا يعد تخاذلا منهم ام انه يجب عليهم التكلم عن تلك الاحداث التى تقع حتى ولو كان السبب فيها النظام الحاكم
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
في أحيان كثيرة نُحاول أن نُعلِّق أخطاءنا على الآخرين ، وننسلّ مِن كل خطأ وتقصير انسلال الشَّعْر مِن العجين !
كُتُب العلماء وفتاوى أهل العلم ومحاضراتهم وأشرطتهم وكلماتهم تملأ وسائل الإعلام ، المقروء والمسموع والمكتوب ، فيما يُتاح لهم ويَرون شرعية الوسيلة .
وأخطاء الناس لا يُمكن أن تُعلّق بِرِقاب العلماء ، كما أن انحرافات وضلالات الأمم لا يُمكن أن تُعلّق على الأنبياء ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مِن الأنبياء مَن يأتي ومعه الرجل ومن يأتي ومعه الرجلان ، ومن يأتي وليس معه أحد !
مع أنه نبي مُؤيّد مُسدد .
كم مكث نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام في دعوة قومه ، وكم هم الذين ركبوا معه في السفينة ؟!
مكث 950 عاما يدعوهم إلى توحيد الله ، وترك الشرك ، وقيل إن الذين ركبوا معه في السفينة (80) شخصا . وقيل أقلّ من ذلك !
قال ابن كثير في قوله تعالى : (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ) ، أي : نَزْر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما . فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نَفْسًا منهم نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نَفْسًا . وقيل : كانوا عشرة . وقيل : إنما كانوا نوح وبنوه الثلاثة سام، وحام، ويافث، وكنائِنِه الأربع ، نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام . اهـ .
وخذ على سبيل المثال مثالين في مسائل يسيرة :
صلينا مرة صلاة العصر ، فتحدّث الإمام عن أدب الانتعال ، وأن السنة أن يبدأ لبس النعال باليمين ، ويبدأ الخلْع باليسار .. فقام أحد الشباب ووقف عند باب المسجد ليرى كيف يكون تطبيق الناس لِمَا سَمِعوه ! يقول : فلم أر من لبس نعاله حسب السنة إلاّ واحد أو اثنين !
وحدّثني إمام مسجد جامع أنه قرأ على جماعته أحاديث في كراهية التثاؤب مع فتح الفم وإخراج صوت .. يقول : وأنا أتحدّث وأشرح معنى الحديث .. وما هي السنة في حق من تثاءب ، يقول : فتثاؤب أحدهم وأخرج أحدهم صوتا بَشِعًا !!
وانظر إلى فتاوى العلماء في المحرّمات ، وكم من الناس من يرتكب ما حرّم الله مع علمه بالفتاوى ! وانظر إلى فِعل الناس ومدى امتثالهم لِمَا يسمعونه مِن خُطب الجمعة !
فقد يتحدّث الإمام عن تخطّي رقاب الناس ، وترى أعدادا من المصلِّين يتخطّون رِقاب الناس ! وقد يتحدّث عن خطورة وضرر التدخين ، وما تلبث أن ترى غير واحد يُدخِّن قُرب باب المسجد الجامع !
وانظر إلى مكة حرسها الله وشرّفها ، وكم هي اللوحات التي انتشرت فيها ونُشِرت في بيان تعظيم الْحَرَم ، والدعوة إلى أن تكون مكة خالية من التدخين .. ثم انظر كم أعداد المدخِّنين الذين يُدخِّنون بِجوار الْحَرَم !!
بل انظر إلى نصائح الأطباء للمرضى بِترك السموم وما يَضرّهم ، ثم لا تجد امتثالا ، ولا قَبولاً لِنصيحة ناصح ! إلاّ مَن رَحِم الله .
فهل يُلقَى باللائمة على العلماء والدعاة ؟!
وقد يَرى العالِم أن له في بعض السكوت رُخصة ، وأن مِن المصلحة أن لا يتكلّم في أمرٍ مُعيّن ، فقد يرى أنه يُبلِّغ أغلب دِين الله ، وينشر من الخير أضعاف ما يسكت عنه ، ويرى أنه لو تكلّم في بعض الأمور لأُسْكِت صوته !
وله سَلَف في ذلك ، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه : حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وِعَاءين ؛ فأما أحدهما فبثثتُه ، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم . رواه البخاري .
قال ابن حجر : حَمَل العلماء الوعاء الذي لم يبثُّه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم . اهـ .
نعم ، قد يُوجد من العلماء والدعاة بعض التقصير .. ولكن لا يعني هذا تحميل العلماء والدعاة كل تقصير يقع من الناس . وقد يُوجد مِن طُلاّب العلم من يصدق عليه : زيادة نُسخة في البلد ! لا يتكلّم ولا يُوجِّه ، وليس له أثر ، بل ولا يُزكِّي عِلْمه .
والله تعالى أعلم .
المجيب فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد
المفضلات