مسرحية الانسحاب الإسرائيلي من غزة... الفصل الأخير...!!
بقلم نايف ذوابه
وهذا هو البروفيسور الجامعي اليهودي باروخ كيمرلينغ يفضح مسرحية شارون وعصابة الليكود؛ فيصف عملية الانسحاب بأنها أكبر مسرحية في تاريخ إسرائيل، وربما في العالم، وأطلق عليها مسرحية "مبتزّة الدموع"، وأكد أن إحدى نتائج هذه المسرحية التي حققتها هي عرض شارون ودولة إسرائيل كأبطال سلام، يمنحون هدية أُحاديّة الجانب للفلسطينيين، ويتوقعون ردّ الجميل من جانب الفلسطينيين بتفكيك كل المنظمات المسلحة الفلسطينية. ويقول: إنها مسرحية مخرجة جيداً في بث حي ومباشر؛ حيث تنسكب الدموع كالمياه، والخصوم المزعومين يتعانقون، ويسقط كلٌّ على رقبة نظيره، على نحو يشبه الأوبيرا اللاتينية التي يطلق أبطالها كلمات الحب المغموسة بالكراهية السامّة!.
بقلم نايف ذوابه مجلة العصر
بعد الانسحاب أصبحت حماس بين مطرقة الاحتلال وسندان السلطة...!!، وإسرائيل تنتظر من السلطة أن تدفع لها استحقاقات الانسحاب.
لم أكن أقصد الغض من بطولات المقاومة الشريفة في غزة الشماء في مقالتي السابقة عن الانسحاب الشاروني من غزة، وإنني أثمن التضحيات الجسام التي يقدمها الناس عموماً في القطاع والمقاومة الأبية وصناعها الذين تشرفوا بأجل الأسماء والأفعال من كتائب القسام إلى سرايا القدس إلى كتائب الأقصى إلى كتائب الناصر صلاح الدين؛ فهذه الأسماء التي تحملها الكتائب المجاهدة تدل على عذوبة ونقاء المورد الذي تنهل منه، والمرجعية المقدسة التي تحتكم إليها. ولكن الملدوغ يخاف من جرّة الحبل!!.
إن الحقيقة التي لا يمكن أن يماري فيها أحد هي أن الفلسطينيين هم الطليعة المجاهدة الآن في المنطقة مع إخوتهم العراقيين، وهم الذين تخرّج على أيديهم جنرالات الحجارة، وجعلوا من هذا الحجر رمزاً للتصميم والإرادة الحرة، والإباء المضمخ بالنخوة والهمة!!.
إخوتنا المجاهدون في فلسطين –رد الله غربتها- لقنوا جنرالات الجيوش العربية المتخاذلين والمتقاعسين عن نصرة دينهم وأمتهم وإخوتهم دروساً في الرجولة، وعلموهم أن المعركة قد يحسمها حجر، وقد يقودها جنرال في عمر زهرة كفارس عودة الذي سقط في منطقة المنطار، وهو يحمل حجراً ويواجه دبابة!!.
أعرف أن انتفاضة أهلي وإخوتي في الضفة وغزة قد فجّرت الغضب في المنطقة، وعلموا إخوانهم -الذين يغرقون في بحر الأسى والخنوع - كيف يرمون الخنا والخنوع بالحجر!!. وأعلم أن شارون لم ينل من عزيمة الفلسطينيين كما نالت أجهزة العار من مواطنيها في بلاد العرب أوطاني، ولقد تناهى إلى سمعي أن أحد ضباط الأمن في إحدى دول المواجهة خاطب شاباً فلسطينياً قادماً من الضفة: كفى كفى!! حجارة انتفاضتكم تقع على رؤوسنا أيها الفلسطينيون!!.
هؤلاء الفلسطينيون يتعرضون لتآمر بشع تتعاضد فيه جهود الدول العربية والغربية مع شارون للنيل من إرادة الفلسطينيين، وكسر شوكتهم، ومحاصرتهم للقبول بالشروط الإسرائيلية. الفلسطينيون يدفعون من دماء فلذات أكبادهم، وقوت يومهم، ومعاناتهم اليومية ثمناً لشرعية أنظمة ما كانت لتبقى لولا ضلوعها في التآمر على فلسطين وقضية فلسطين، والعمل على ترويع الفلسطينيين بتحويل حياتهم إلى جحيم لا يُطاق حتى يقبلوا بالحلول الشارونية، والمخططات الأمريكية، وكل ذلك يحتم علينا أن تكون عيوننا مفتحة لا تنام، وأن تكون ذاكرتنا حية لا تموت، وأن نبحث عن الحل الصحيح، ولا نسمح لعدونا أن يجرنا إلى الحل الذي يريد!!.
إن ما أبديته من حذر شديد إزاء الانسحاب الأحادي الجانب الذي اتخذ قراره شارون –لعدم وجود شريك سياسي في الطرف الآخر- مبرَّر جداً، وليس مبرَّراً فقط، بل إن عدداً كبيراً من المحللين والمراقبين أشاروا إليه، وحذّروا منه؛ فإسرائيل ما كانت لتنسحب لولا أن الانسحاب مصلحة سياسية وأمنية أملتها ضربات المقاومة، والظروف الدولية، والتكتيك السياسي الشاروني المستقبلي القائم على الانسحاب من غزة، وتكثيف الاستيطان في الضفة للإجهاز على الضفة، وإحاطة التجمعات السكانية الفلسطينية فيها بكتل استيطانية أخذ الموافقة على شرعيتها من بوش، وأوضح نواياه بشكل سافر حين قال: الانسحاب من غزة لن يتبعه انسحاب آخر، والانسحاب من غزة أولاً وأخيراً.
ناهيك أن شارون سيخرج من غزة، وينسحب قبل أن يبت مع الفلسطينيين بموضوع الممر الآمن إلى الضفة، ومسألة المعابر، والتي -إن أبقت عليها إسرائيل مغلقة–، تحوّلت غزة إلى سجن كبير يقيم فيه الفلسطينيون خلف حدود غزة، وخلف الجدار العازل في الضفة.
أما الأمر الآخر والخطير التي يتركه شارون قنبلة في غزة فهو الصراع بين السلطة وحماس على استقطاب الشارع والهيمنة على السلطة السياسية، ولا ننسى أن السلطة الفلسطينية هي أولاً وأخيراً نسخة مقلَّدة قديمة أكلتها الأرضة عن أنظمة الدول العربية التي تتدافع لإبداء حسن نواياها لشارون، وتتهافت على استرضائه على حساب فلسطين والفلسطينيين. والسلطة تحظى بدعم أمريكا وإسرائيل نفسها للنيل من حماس وسائر القوى المجاهدة، وحماس نفسها على لسان ناطقها كشفت عن خطة مؤامرة للنيل منها، ومحمود عباس نفسه كشف عن العين الحمراء لحماس وسائر التنظيمات المجاهدة في احتفال المطار بمناسبة الانسحاب حين قال: بعد الانسحاب لا داعي للسلاح ولا للمقاومة!!، فأجابت كتائب عز الدين القسام بأنها ستحتفظ بأسلحتها وستنقل المعركة إلى الضفة، أن أخشى ما نخشاه أن تنتقل المعركة إلى صراع محموم وشرس بين السلطة الرسمية وبين حماس والجهاد وسائر التشكيلات المقاتلة، وهذا ما تراهن عليه إسرائيل، وأمريكا التي تعد حماس وسائر القوى المجاهدة في فلسطين منظمات إرهابية.
لهذا كله فإن مخاوفي من هذا الانسحاب كانت مبررة، وغير مستهجنة، وقد أبدت صحيفة (لومانيتيه) الفرنسية هذه المخاوف، وشككت في أن تكون أهداف شارون من هذا الانسحاب نبيلة، وإنما يريد شارون أن يستفرد بالضفة الغربية، ويريد أن يحاصر غزة براً وبحراً وجواً؛ لتتحول غزة إلى سجن كبير للفلسطينيين، مذكرة بأن شارون أبو الاستيطان غير الشرعي في غزة، وفي الضفة حينما كان وزيراً للاستيطان والبنى التحتية، وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن مشروع الانسحاب من غزة -كما يفهمه شارون- يتعارض مع خارطة الطريق التي تستهدف إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة... وهذا هو البروفيسور الجامعي اليهودي باروخ كيمرلينغ -المدرس في الجامعة العبرية- يفضح مسرحية شارون وعصابة الليكود؛ فيصف عملية الانسحاب بأنها أكبر مسرحية في تاريخ إسرائيل، وربما في العالم، وأطلق عليها مسرحية "مبتزّة الدموع"، وأكد أن إحدى نتائج هذه المسرحية التي حققتها هي عرض شارون ودولة إسرائيل كأبطال سلام، يمنحون هدية أُحاديّة الجانب للفلسطينيين، ويتوقعون ردّ الجميل من جانب الفلسطينيين بتفكيك كل المنظمات المسلحة الفلسطينية. ويقول: إنها مسرحية مخرجة جيداً في بث حي ومباشر؛ حيث تنسكب الدموع كالمياه، والخصوم المزعومين يتعانقون، ويسقط كلٌّ على رقبة نظيره، على نحو يشبه الأوبيرا اللاتينية التي يطلق أبطالها كلمات الحب المغموسة بالكراهية السامّة!.
وأخيراً نقول لحماس وأخواتها: إننا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من المستقبل الذي ينتظر هذه الفصائل جميعاً؛ لا سيما أننا نعلم جميعاً الإمكانيات المتواضعة التي تمتلكها هذه الفصائل بالقياس للسلطة التي تمتلك المال والسلاح الوافرين، وإن اقتضى الأمر فإن مخزونات جيش الدفاع الإسرائيلي مشرعة على أبوابها من أجل قيام السلطة بهذه المهمة التي تنتظرها إسرائيل منذ زمن بعيد، والتي كانت تؤخرها الظروف حيناً، وما يُقال عن حرمة الدم الفلسطيني كخط أحمر عند الجميع أحياناً أخرى، لكن أبا مازن كشف عن نواياه فأعلن عن إسقاط كل المحرمات؛ من أجل أن يثبت للإسرائيليين والأمريكان جدارته بالجلوس على الكرسي الذي هيئوا له بحراسة مندوبٍ سامٍ أمريكي سموه منسق الشؤون الأمنية، والذي يشرف إشرافاً مباشراً على تطوير وتدريب أجهزة الأمن الفلسطينية، والذي يقدم تقاريره أولاً بأول لحكومته الأمريكية وللأصدقاء الإسرائيليين!!.
المفضلات