الصدق في التجربة والمشاعر
*عندما كتبت الشاعرة (( جليلة رضا ))، قصة حياتها بدأتها بقولها الصريح ((أنها لم تحب أحداً من الرجال الذين صادفتهم في حياتها ، وجاءت مذكراتها من أفضل المذكرات والاعترافات النسائية في أدبنا المعاصر ، بسبب الصدق في التجربة والمشاعر، ولأن صاحبة هذه المذكرات أديبة فنانة ،فقد جاءت المذكرات ناعمة ودافئة وجميلة وقاسية أحياناً في كل ماكشفته عن حياة امرأة موهوبة حساسة ، حاولت أن تجعل لحياتها معنى ، فكانت كأنها تجري وراء سراب . ولكن مافي هذه المذكرات والاعترافات من تجارب صادقة يجعلها جديرة بأن يتعلم الإنسان منها الكثير وهو يستمتع بقراءتها .
* وأحب أن أنهي هذا المقال عن هذه المذكرات الجميلة ..بتلك الكلمات الصادقة الصريحة التي كتبتها الشاعرة عن نفسها حيث تقول :
*((....... لابد أن أعرض هنا عيباً كبيراً هو أكبر مابي من عيوب ... انه الانطواء . فأنا انطوائية أميل إلى العزلة ولكن رغماً عني . كم كنت أحب أن أكون أنيسة جليسة مختلطة بالناس . كم كنت أحب أن أحضر السهرات الأدبية المنزلية ، وأن أناقش وأجادل وأبدى الآراء ، وأختلف وأتفق مثل بقية الأديبات والشاعرات .
ولكن عبثاً ... لا أستطيع . بي شيء اسمه الخجل ، ولكنه في الحقيقة عدم ثقة بالنفس ... لماذا ؟ لماذا أخجل من نفسي وليس بي شيء منفر . ولماذا لا أثق بنفسي وكل من حولي يقدرني ويحترمني . ربما كانت رواسب طفولتي .ربما كان تأثير زواجي المبكر من زوج عنيف رغم معاملته الطيبة . لست أدرى . غير أني في بعض السهرات التي حضرتها ، رأيت أديبات تافهات يتحدثن بلباقة وطلاقة حتى طغى تأثيرهن على رجال علماً، فأحيين السهرة في جدارة واقتدار ، هذا في حين أكون أنا خجلى ، مرتبكة ، مضطربة ... أفكر أين أضع يدي ،أفوق حجري أم على خدي ...بينما تدور في عقلي أراء مبتكرة جميلة ، أحاول أن أفرج عنها ، وأحررها أمامهم جميعاً فلا أتمكن ...، ما أتفهني ! دائماً أحس أنني لاشي أمام الناس ، ولكن(( سيدة نفسي)) وأنا وحدي ، دائماً أحس بالفراغ أمام الناس ، وأشعر وحدي بامتلاء ... مع الناس أرى الغابة والصقور والقهر والعدم ، ووحدي أحتضن الجمال والخير والعدل والحق ...وفوق ذلك كله الحقيقة العادية لمعاني الحياة . هذا هو قدري ... وهذه طبيعتي )).
- تلك بعض كلمات الشاعرة/جليلة رضا .. في مذكراتها أو اعترافاتها الجميلة الصادقة ، وعلى هذا المستوى جاءت كل صفحات المذكرات أو الاعترافات ، ولذلك فهي تستحق أن تكون في مقدمة أجمل وأصرح مذكرات نسائية في الأدب العربي المعاصر –بعد- مذكرات ..الشاعرة/فدوى طوقان .
ختاما.
وكل عام وأنتم بخير
حماد بن عبدالله أبو شامه
المفضلات