آخر ضحاياه شهيدة وعشرات الجرحى شرق خان يونس
"الفسفور الأبيض" .. قذائف حارقة محرمة دولياً يستخدمها الاحتلال ضد المدنيين في
"الفسفور الأبيض" .. هذا هو السلاح الجديد الذي بدأت قوات الاحتلال الصهيوني تستخدمه بكثافة ضد المدنيين والأحياء السكنية الفلسطينية بعد أن عجزت آلتها العسكرية وآلاف الأطنان من المتفجرات وأنواع الصواريخ والقذائف التي تلقيها وتدك بها قطاع غزة، في ثني إرادة هذا الشعب وكسر مقاومته الباسلة.
ولم يكن المواطنين الفلسطينيين في المناطق الشرقية من قطاع غزة يعلمون طبيعة هذه القنابل التي تحدث دخان أبيض كبير وكثيف وله رائحة كريهة وتتناثر منه شظايا خطيرة تسبب جروح فيما يسبب الدخان حالات اختناق وتشنج وتسبب القنابل حرائق هائلة، طبيعة هذه القنابل، كل ما آمنوا به أن الاحتلال يجرب سلاحاً فتاكاً جديداً ضدهم.
منظمة حقوقية تكشف
وجاءت منظمة "هيومان رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، التي لديها خبرة في بحكم توثيقها الكثير من الحروب، لتكشف في بيان لها السبت (10/1) أن هذه القذائف ما هي إلا قذائف "الفوسفور الأبيض" التي يحرم القانون الدولي استخدامها في وسط المدنيين.
وأكدت المنظمة أن باحثيها رصدوا انفجارات متعددة في الهواء في التاسع والعاشر من يناير/ كانون الثاني الجاري لفوسفور أبيض أطلق من المدفعية بالقرب من مدينة غزة ومخيم جباليا للاجئين.
وأضافت إن الاحتلال بدا أنه يستخدم الفوسفور الأبيض لإخفاء عملياته العسكرية "وهو استخدام مسموح به من حيث المبدأ وفقا للقانون الإنساني الدولي"، ولكنها أشارت إلى أنه يحظر ويحرم استخدام هذا السلاح وسط التجمعات السكانية.
تأثيرات خطيرة وسط التجمعات
وبحسب المنظمة الدولية فإن لـ "الفوسفور الأبيض" تأثير قوي عارض يمكن أن يؤدي إلى حروق شديدة عند الناس ويحرق المباني والحقول والمواد المدنية الأخرى في نطاق إطلاق النار.
ويتعاظم احتمال وقوع أضرار للمدنيين بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في غزة.. وهي بين الكثافات الأعلى في العالم”، وطالبت بوقف استخدامه. وقالت المنظمة إن هذه الممارسات يجب إن تتوقف في المناطق المكتظة بالسكان في غزة.
وأكد مراسلو "المركز الفلسطيني للإعلام" أن حرائق هائلة اندلعت شرق جباليا وشرق خزاعة جراء إطلاق هذا النوع من القنابل.
وقال مارك جارلاسكو المحلل العسكري البارز في هيومان رايتس ووتش إن "الفوسفور الأبيض يمكن إن يحرق المنازل ويسبب حروقا مروعة عندما يلمس البشرة".
وكانت قوات الاحتلال أكدت أنها استخدمت قذائف بها فوسفور أثناء حربها وعدوانها على لبنان في عام 2006.
وتشتعل هذه المادة بسهولة في الهواء عند درجات حرارة 30 درجة مئوية ويمكن إن يصعب إطفاؤها.
وتدعو منظمات حقوق الإنسان منذ فترة طويلة إلى حظر عالمي على هذه الذخائر قائلة إنها تسبب معاناة كبيرة من خلال إحداث حروق شديدة.
خزاعة .. شاهد على استخدام القذائف
بلدة خزاعة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة كانت منتصف ليل السبت / الأحد (10-11/1) على موعد مع استخدام قوات الاحتلال لهذا النوع من القنابل التي سبق أن استخدمت شمال قطاع غزة.
وأكدت مصادر طبية لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" استشهاد المواطنة حنان فتحي النجار (41 عاماً) بعد إصابتها بشظايا قذيفة سقطت على منزلها شرق خان يونس وأصيب أربعة من أفراد أسرتها بشظايا وحالات اختناق بعدما أطلقت قوات الاحتلال عدد كبير من القذائف الفسفورية شرق خزاعة. وقالت المصادر إن العشرات من المصابين وصلوا إلى المستشفى جراء إصابتهم بحالات اختناق.
تشخيص طبي
وقال الدكتور يوسف أبو الريش المدير الطبي في مستشفى ناصر إن عشرات الإصابات وصلت المستشفى نتيجة استنشاق الغاز غير المعروف حتى الآن، موضحاً أن التشخيص الأولي للحالات يشير إلى أن المواطنين تعرضوا لقنابل الفوسفور الأبيض لافتاً إلى أن الحالات التي وصلت المستشفى مصابة بما يشبه الهستيريا والتشنج وضيق في التنفس وتقلص في العضلات.
وأكد أن عدد من المسعفين الذين توجهوا من أجل إخلاء المصابين تعرضوا للإصابة بالغاز السام أيضاً. ودعا كل من يتعرض لهذا الغاز أن يستخدم قطعة قماشية مبللة لتنقية الهواء والتقليل من آثار الغاز.
من شهادات الضحايا
وقال عدد من الجرحى لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" إن حرائق اندلعت وانبعثت غازات ودخان أبيض من القذائف التي أطلقتها قوات الاحتلال شرق خزاعة والتي تستخدم لأول مرة في خان يونس منذ بدء العدوان.
وبحسب المصابين فإن قوات الاحتلال أطلقت عدداً كبيراً من القذائف التي انهالت على منازل المواطنين شرق المدينة وانبعث منها دخان كثيف حجب الرؤية بالكامل وتسبب بحالات اختناق وهستيريا لجميع سكان المربع السكني الذي سقطت فيه تلك القنابل.
وفي كل مكان سقطت فيه إحدى القنابل اشتعلت نيران هائلة وتحدث السكان عن احتراق نحو 10 منازل.
واستمر تأثير الغازات السامة الناجمة عن هذه القنابل بعد وصول الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف التي أصيب عدد من أفرادها بحالات اختناق خلال محاولتهم إسعاف المصابين.
مادة حارقة شديدة الاشتعال
ويذكر إن الفوسفور الأبيض مادة شديدة الاشتعال تحترق بمجرد تعرضها للأوكسجين، وتستمر في الاشتعال إلا إذا منع عنها الأوكسجين.
ويُسبب الفوسفور الأبيض حروقاً شديدة وعميقة ومؤلمة لدى ملامسته الجلد. ويستمر في الاشتعال حتى يصل إلى العظم.
ويوضح موقع «غلوبال سيكيورتي» Global Security ،الذي يديره البنتاغون (مقر وزارة الحرب الأمريكية) إن الفوسفور الأبيض مُصنف مادة حارقة. وقد فُرض حظر على استخدامه في البروتوكول الثالث المُلحق ب»المعاهدة الدولية حول حظر بعض الأسلحة التقليدية» (1983). وتحظر تلك المعاهدة استخدامه ضد الأهداف العسكرية التي تقع ضمن تجمعات مدنية، إلا إذا كانت معزولة بوضوح عما يحيط بها من سكان مدنيين، ومع استخدام الاحتياطات الكافية لحمايتهم عند استخدامه.
الفلوجة شاهد أولي على الجريمة
وكانت قوات الاحتلال الأمريكي استخدمت هذا السلاح القاتل خلال عدوان لها على بلدة الفلوجة عام 2004 ما تسبب بوقوع عشرات الشهداء والإصابات فيما سمي بالمذبحة المخفية التي تسببت بضجة عالمية كون البروتوكول الملحق بمعاهدة عام 1980 بشأن الأسلحة التقليدية يحظر استخدام الأسلحة الحارقة ضد المدنيين أو ضد الأهداف العسكرية التي تقع وسط تجمعات سكانية.
خواص عسكرية وكيماوية
وبحسب المراجع العسكرية، فإن الفوسفور الأبيض مادة نصف شفافة شبيهة بالشمع، وعديمة اللون، تميل إلى اللون الأصفر، وتتميز برائحة لاذعة شبيهة برائحة الثوم. ويتميز النوع المستعمل في الأغراض العسكرية بشدة نشاطه كيماوياً. ويلتهب عند تعرضه للأوكسجين.
وعندما يتعرض الفوسفور الأبيض إلى الهواء، يشتعل ويتأكسد بشكل سريع ويتحول إلى خامس أكسيد الفوسفور. ويولّد هذا التفاعل الكيماوي حرارة كبيرة إلى حد إن العنصر ينفجر، ليعطي لهباً أصفر اللون. وكذلك ينتج دخاناً كثيفاً أبيض.
ويصبح الفوسفور مضيئاً أيضاً في الظلام. وقد جرت الاستعانة بهذه الميزة في الرصاصات التي تترك خطاً منيراً خلفها على طول مسارها، والتي تسمى الخطاطية. ويستمر هذا التفاعل الكيماوي حتى استهلاك كامل المادة أو حرمانها من الأوكسجين. ويبقى 15 % من الفوسفور الأبيض في القسم المحترق من الجسم المصاب. وتعود تلك البقايا للاشتعال مجدداً في حال تعرضها للهواء.
ويتسبب الفوسفور الأبيض بحروق كيماوية مؤلمة. ويبدو الحرق الناجم عنه بالإجمال كموضع يموت فيه النسيج. ويصبح لونه ضارباً للأصفر. ويُصدر رائحة شبيهة بالثوم الفاسد. والفوسفور الأبيض مادة تذوب في الدهن بسهولة. ولذا، تنفذ في الجلد بسرعة، فور ملامستها إياه.
وتنتقل عبر اتحادها السريع مع الدهون عبر أنسجة الجسم المختلفة. ويساهم ذلك النفاذ السريع في تأخير شفاء الإصابات. ولم يخضع هذا الأمر إلى دراسة معمقة، ولذلك كل ما يمكن قوله هو إن الحروق الناجمة عن الفوسفور الأبيض تشكل قسما فرعيا صغيرا من الحروق الكيماوية، التي تشفى جميعها بشكل متأخر في الإجمال.
آثار صحية مأسوية
في حال عدم علاج الشخص المصاب، يصيب الفوسفور الأبيض مجموعة كبيرة من أجهزة الجسم. ويتألف العلاج من استعمال محلول البيكربونات الموضعي لتعطيل عمل الحوامض الفوسفورية، إضافة إلى استخراج القطع الصغيرة ميكانيكياً والتخلص منها. ومبدئيا ينصح الأطباء بوضح قطعة قماشية مبللة بالماء على الأنف عند الاستنشاق حال إطلاق هذه القذائف في أي منطقة.
وتبقى هذه واحدة من الكثير من الأسلحة المحرمة التي تستخدمها قوات الاحتلال لكسر إرادة هذا الشعب الذي يأبى الانكسار ويرفع صغاره وكباره شعار لن نغفر ولن ننسى.
المفضلات