كنت قد تحدثت الأسبوع الفارط عن بعض الجوانب الإنسانية للأمير محمد بن نايف حفظه الله مستقاة من مكالمته مع الإرهابي عبدالله عسيري. وسأحاول اليوم إكمال استخلاص هذه الجوانب الإنسانية العظيمة من خلال المكالمة ذاتها. حيث أومن أشد الإيمان أن هذه المفاهيم بحاجة إلى عرضها أمام الشباب لكي يصححوا بعض المفاهيم المغلوطة لديهم. فبعد أن بين سموه الكريم حرصه الشديد على سلامة المرأة السعودية بقوله « أول شي بسأل سؤال تجاوبني عليه جواب لأطمئن : طمني عن زوجة سعيد وعن الصغار عسى ماجاهم شي». «هذولا وأنا أخوك لهم أهل فلابد تراعونهم قبل كل شي انتبه عليهم تراهم عندي أهم منكم أقولها لك بصراحة. الحين وقلك حطها في وجهي أبيك تطمني عنهم قبل كل شي . أنا والله ماني كاذب عليك ودي المرأة هذي وعيالها يجون سالمين غانمين لأن النساء عندنا أولوية في كل شي». «والله أقولك والله يخيروني هالحين بينكم كلكم والاهم كان لا انتم اقعدوا وخلوها تجي». نجده ينتقل بعد ذلك إلى توجيه نصيحة أبوية إلى الخوارج حيث يقول «الهمام ما عندك هالحين إلا الهمام تعلم أخوانك اللي بيجون قبل ما يستغلونهم الأشرار». فالمهم لدى سموه الكريم عودة الشباب السعودي الى أرض الوطن قبل أن يتعرضوا للاستغلال من الأشرار. وهنا يتضح الجانب الأبوي في التعامل رغم كل ما عمله هؤلاء الإرهابيون ضد وطنهم. ولم تخل مكالمة سموه من جانب الرحمة الذي كان واضحاً وضوح الشمس. حيث نجده يحث الإرهابي على العودة بسرعة فقط من أجل أن تقر عين والدته به أولاً ومن ثم عين والده. فالرحمة لم تقتصر على هؤلاء الإرهابيين بل تجاوزتهم إلى أسرهم. يقول سموه مخاطباً الإرهابي «أبشرك الأمور زينة .. وأنا يهمني أهم شي تقر عين والدتك فيك ووالدك هذولا بعد مالهم ذنب .. والدك والدتك يتجلدون قدام الناس مايبون يشعرون أحد أنهم متأثرين ولكن من جوه تعرف قلب الوالد.». ولن يقف اهتمام الأمير محمد بن نايف حفظه الله بوالدة الإرهابي عند هذا الحد. بل نجده يحث الإرهابي على مكالمة والدته وتطمينها فقط في تواجد أخيه ابراهيم معه لكي يقوم هو الآخر بمكالمة الأم المكلومة. لكن لماذا كان توجه سمو الأمير أن يكلم الإخوان الأم جميعاً ولا تقتصر المكالمة على المنتحر؟ الجواب نجده في قوله أطال الله عمره «لكن والدتك لو تكلمها وأخوك ما كلمها تهقى فيه شيء». حيث يقصد سموه لو تلقت الأم المكالمة من المنتحر دون أخيه لتوقعت هذه الأم أن هناك شراً قد أصاب هذا الأخير. وحرصاً على صحتها النفسية نجد سموه الكريم يحث الأخوين على مكالمة والدتهما سوياً. وهذه لعمري أحد أروع صور الرعاية النفسية بهذه الأم. لم يرفض الأمير محمد بن نايف مقابلة الانتحاري وهو من أخطر المجرمين. وكان من حق سموه عدم مقابلته وهذا من أبسط حقوقه. فهناك العديد من الجهات الأمنية التي كان بإمكانها تولي هذه المهمة. لكن رفق سموه بهؤلاء الشباب وتواضعه جعل سموه ليس فقط يقبل بمقابلة هذا الخارجي، بل ويقبل الحوار معه من أجل الإقناع. يقول سموه الكريم رداً على طلب الإرهابي بمقابلته « : أبد حياك الله لك مني إذا جيت أقعد أنا وإياك وكل منا يعطي اللي عنده رفيقه «. هنا استخدم سموه مصطلح «رفيق» وأعتقد أن استخدام هذا المصطلح في هذا المكان ليس بحاجة إلى تعليق مني. فهذا سموه الكريم يعامل هذا الإرهابي رغم كل ما عمل على انه رفيق. بل تجاوز سموه هذا الحد حين وصف الارهابي بأنه أخوه. حيث يقول سموه في اخر المكالمة «كلم وشوف وشاور وأنا أخوك».
ولم تخل هذه المكالمة الزاخرة بجوانب العطف والرعاية والأبوة من جانب العدل. حيث نجد سموه الكريم يؤكد للإرهابي أنه إذا كان هناك حق خاص فان سموه لا يستطيع أن يعده بشيء. وهذه قمة العدل. فقد تنازلت الحكومة عن حقها العام من منطلق الرحمة، لكن الحق الخاص يبقى ملكاً لأهله وهم فيه أحرار. يقول سموه الكريم «ترى إلا هالحين لو فيه حق خاص أبعلمك أمورنا كلنا تتبع الشريعة وقد نكون مقصرين في بعض الأمور ولكن عن غير قصد وما فيه أحد كامل خلني أكون معك صادق .. لكن لو الإنسان قاتل له كان فيه حق خاص ما أقدر أوعدك فيه لين أهل الحق يتنازلون» .
وأخيراً عندما قام الإرهابي يرجو الأمير العفو والصفح. قال سموه « لا تنخاني يا رجال إني أسامحك أنت ولدنا وابرك ساعة نبي نكسبك وتعودون لا أحد يستغلكم هذا اللي نبيه». نعم إنها المعاملة التي بحاجة إلى كشفها أمام الشباب لكي يصححوا بعض المفاهيم المغلوطة لديهم. كما عكست هذه المعاملة روح الدولة وتجددها في تعاملها مع ظاهرة الإرهاب، اذ كان هم الأمير ظاهرا حول سلامة الأفراد لا سيما النساء منهم


حفظ الله سمو الأمير محمد بن نايف من أي مكروه